18-05-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/05/18

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:- مسألة ( 419 ) / الواجب العاشر والحادي عشر من واجبات الحج ( طواف النساء وصلاته ) / حج التمتع / مناسك الحجّ للسيد الخوئي(قد).
فروع في المقام:-
هناك فرع ترتبط بطواف النساء ومسائل طواف النساء وإن لم تنته ولكن هذه الفروع حيث إنها أشدّ ارتباطاً بما سبق من مسائل فلذلك نذكرها هنا:-
الفرع الأوّل:- إذا فرض أن المرأة أتت بطواف النساء ولكن لا باسم طواف النساء بل باسم طواف الرجال فما هو الحكم ؟، وهكذا لو فرض أن الرجل أتى بالطواف ولكن لا بعنوان طواف النساء بل بعنوان طواف الوداع مثلاً بأن فرض أن الحملة التي كان معها لم تكن منّا وحيث إنهم يأتون بطواف الوداع دون طواف النساء فهو أيضاً نوى ذلك تبعاً لعالِم الحملة حيث لقّنهم بأن يأتوا بطواف الوداع وهو أتى به بهذا الشكل ولا يعرف أنه يوجد طواف باسم طواف النساء، فما هو الحكم ؟
أما بالنسبة إلى الأوّل:- فذلك لا يضرّ لأن هذا من قبيل الخطأ في التسمية، ولعلّه لا نحتاج إلى إدخال ذلك تحت كبرى الخطأ في التطبيق بل الأمر أخف وأهون من ذلك،  إنّه خطأ في التسمية، فهي تعلم أنه لابد وأن تأتي بطوافٍ ولكن كانت تتصوّر أن الرجال يأتون به باسم طواف النساء والنساء يأتين به باسم طواف الرجال، إن هذا لا يؤثر شيئاً وهذا من الخطأ في التسمية، فهي إذن لها داعٍ إلهي وقربي، أيّ تحركت لامتثال أمر الله عز وجل المتعلّق بطواف النساء ولكن سمته خطأً بطواف الرجال وهو لا يؤثر شيئاً.
وأمّا بالنسبة إلى الثاني:- فالأمر فيه كذلك، يعني لو أتى الشيعي بالطواف باسم طواف الوداع فإن ذلك من الخطأ في التطبيق، يعني إنّ هذا المكلف هو قاصدٌ امتثال أمر الله عزّ وجل المتوجّه إليه واقعاً ولكنّه كان يتخيّل أن ذلك الأمر متعلّق بطواف الوداع، فهو بالتالي مندفعٌ عن الأمر الإلهي فيقع عمله صحيحاً ولا إشكال فيه.
ومن باب الكلام يجر الكلام نذكر أمثلة أخرى ولو من غير المقام:- فلو فرض أن شخصاً كان يغتسل من الجنابة لكن لا باسم غسل الجنابة بل باسم غسل الحيض مثلاً - لأنه كان يخرج مع أمّه مثلاً أيام صغره فكان يسمع منها أنه أغتسل غسل الحيض فهو كان ينوي كذلك -، أو أن المرأة كانت تنوي غسل الجنابة بدل غسل الحيض، فهل ذلك مانعٌ من صحّة الغسل ؟
والجواب:- كلّا، إن ذلك صحيحٌ ببركة فكرة الخطأ في التطبيق، يعني يقال:- إن هذه المرأة قاصدة امتثال أمر الله عز وجل مندفعة لامتثال أمره غايته كانت تتصوّر أن ذلك الأمر الإلهي هو متعلّق بغسل الجنابة والحال هو غسل الحيض، أو كان الرجل يتصوّر أنه متعلّق بعنوان غسل الحيض والحال واقعاً هو غسل الجنابة .... وهكذا، إن هذا لا يؤثر شيئاً . نعم لو فرض - وهذا فرضٌ على خلاف الواقع - أنّه كان يقصد امتثال الأمر المذكور والعنوان المذكور بنحو التقييد يعني كان يأتي بطواف الوداع مثلا ًبقيد أنه طواف الوداع أمّا لو كان طواف النساء فلا يريد امتثاله، وهكذا لو كان يغتسل غسل الحيض بقيد أن يكون غسل الحيض أمّا لو كان غسل الجنابة فهو لا يريد الامتثال، فإنّه لو فرض التقييد بهذا الشكل فلا يحكم آنذاك بالصحّة ؛ لأنه بالتالي لم يقصد امتثال الأمر الإلهي بما هو ثابتٌ في الواقع بل يقصده مقيّداً بهذا الشكل والمفروض أنّه لا أمر بهذا الشكل، فهنا إذن يوجد مجال للتوقّف، ولكن المؤمن عادة حينما يكون بصدد الامتثال لا يكون قاصداً التقييد وهو ليس موجوداً عنده والثابت عنده دائماً هو الخطأ في التطبيق.
ومثال آخر لذلك أيضاً:- ما لو فرض أن المكلّف كان يصلّي صلاة الصبح قبل طلوع الفجر كما لو فرض أن طلوع الفجر كان في الساعة الخامسة ولكنّه كان يصلي صلاة الفريضة قبل الساعة الخامسة بعشر دقائق مثلاً - أي قبل دخول الوقت، وهذا شيء قد يتحقّق - وكان يصلي لمدّة سنة على هذه الحالة ثم اتضح بعد ذلك أنه كان يصلّي قبل الوقت فما حكم ذلك ؟
والجواب:- قد يقال بأنه يلزم إعادة جميع هذه الفترة ؛ باعتبار أن الوقت من الأركان وهو من الشرائط الواقعيّة وليس من الشرائط العلميّة، وحيث إنه مختلٌّ فتعاد الصلاة حينئذٍ، كما ورد في صحيحة زرارة:- ( لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة أشياء ) وأحدها الوقت . إذن مادام قد اختلَّ الوقت فلابد من أعادة الصلاة . نعم إذا كان الاختلال من حيث القراءة أو أمورٍ أخرى من هذا القبيل نقول بعدم الحاجة إلى الاعادة، أمّا الوقت فهذا ليس فيه كلام وهو شيء واضح.
ولكن في المقابل يمكن أن يقال:- إنه لا حاجة إلى الاعادة إلا بالنسبة إلى اليوم الأخير الذي حصل فيه الاختلال، والوجه في ذلك:- هو أن المكلّف وإن أتى بالصلاة بعنوان أنّها صلاة الصبح وأنّها واجبة عليه ولكن هو بالتالي ممتثلٌ وقاصدٌ لامتثال أمر الله الواقعي، والأمر الواقعي في حقّه في اليوم الثاني هو الأمر بالقضاء، فهو بالتالي قاصدٌ امتثال الأمر الإلهي لكن غايته كان يتصوّر أنه أمرٌ أدائي لصلاة الصبح والحال هو قضائيّ فحصل له خطأٌ في التطبيق، ولكن هذا كما قلت يأتي بالنسبة إلى غير اليوم الأخير، وأمّا بالنسبة إلى اليوم الأخير فلا يأتي هذا الكلام بل لابد من الاعادة كما هو واضح ؛ لأن صلاة اليوم الأخير كانت قضاءً لليوم السابق له أمّا هو فيحتاج إلى قضاء الصلاة لأنه لم يؤدها فيه بل بقيت ذمته مشغولة بها فيبقى الأمر بالقضاء متوجّهاً إليه . فإذن لا تأتي هذه الفكرة بالنسبة إلى اليوم الأخير وتأتي بالنسبة إلى الأيام الأخرى.
ومن هذا القبيل أيضاً:- ما لو فرض أن المكلّف كان يأتي بالوضوء قبل دخول الوقت بنيّة الوجوب، فإنه يوجد كلام أنه قبل الوقت كيف نأتي بالوضوء ؟ والمقصود هو الوضوء لصلاة الفريضة أمّا إذا كان المقصود هو الاتيان به بقصد الكون على الطهارة أو لقراءة القرآن أو غير ذلك فهذا لا إشكال فيه وسوف يستفيد منه لصلاة الفريضة لو دخل وقتها وهذا واضح، ولكن كلامنا هو في أنه قبل صلاة الظهر توضأ لها بنيّة الوجوب فهل هذا الوضوء صحيحٌ أو باطل ؟
والجواب:- قد يقال ببطلانه من باب أنّه لا يوجد أمرٌ وجوبيٌّ في حقّه قبل الوقت لأن وجوب الوضوء فرع وجوب الغاية - وهي الصلاة - فالصلاة إذا لم تكن واجبة فالوضوء لا يكون واجباً، فعلى هذا الأساس قد يقال بأن الوضوء المذكور باطل.
ولكن في المقابل يمكن أن يحكم بالصحّة لوجهين:-
الوجه الأوّل:- التمسّك بفكرة الخطأ في التطبيق، بأن يقال:- هو بالتالي قاصد امتثال الأمر الإلهي المتوجّه إليه ولكنّه كان يتصوّر أنه أمرٌ وجوبيٌّ وهو ليس كذلك وإنما هو أمرٌ استحبابيّ، فبالتالي هو مندفعٌ عن الأمر الإلهي ويكون خطأه في مقام التطبيق فيقع الوضوء صحيحاً ولا مشكلة فيه.
الوجه الثاني:- إن الوضوء يحتاج في صحّته إلى أدنى قربة، وبالتالي القربة منه متحقّقة ولا نحتاج في الصحّة إلى أكثر من ذلك.
إذن قد يقال:- إنه حتّى فكرة الخطأ في التطبيق لا نحتاج إليها فإن الهدف هو تصحيح الوضوء والوضوء يلزم لصحته أن يقصد عنوانه ويكون إلى جنبه قصد القربة بأدنى المراتب لا بأعلى المراتب فإن الدليل على قربيّة الوضوء - وهو الارتكاز المتوارث يداً بيد كما أوضحنا أكثر من مرّة - لا يدلّ على أكثر من ذلك، والقربة بأدنى المراتب تتحقّق بهذا المقدار - أي بقصد الوجوب ولو خطأً واشتباهاً -، إنّه بذلك يحصل قصد التقرّب ويقع الوضوء صحيحاً.
وعلى أيّ حال الخلاصة التي استفدناها هي أن فكرة الخطأ في التطبيق فكرة مباركة يمكن الانتفاع منها في مجالات مختلفة، ومع الأسف لم يذكرها الفقهاء باسمها الخاص فلا يوجد بحثٌ خاصّ بعنوانها.
الفرع الثاني:- لو فرض أن الرجل لم يطف طواف النساء وأراد الاقتراب من زوجته فهل يلزمها الامتناع أو يجوز لها بذل نفسها بعد فرض أنها محلّة وليست محرمة إذ لو كانت محرمة فمن جهة أنها محرمة لا يجوز لها بذل نفسها، فهل يجب عليها الامتناع أو يجوز لها بذل نفسها ؟
والجواب:- إذا فرض أن الزوج كان ناسياً لطواف النساء أو معذوراً بعذرٍ آخر كالجهل القصوري ففي مثل هذه الحالة يجوز لها أن تبذل نفسها بل يجب عليها، من باب أن هذا الفعل ليس محرّماً في حقّه بحرمة منجّزة لأنه ناسٍ أو هو جاهل قاصر أو غير ذلك من الأعذار . فإذن لا يحق لها أن تمتنع، وهذا مطلب واضح . وأما إذا فرض أنه كان ملتفتاً فبناءً على حرمة الاعانة على الحرام لا يجوز لها أن تبذل نفسها فإن في ذلك إعانة على الحرام، أما إذا بنينا على أن الاعانة ليست محرّمة وإنما المحرّم هو التعاون فلا حرمة عليها آنذاك.
إذن المسألة مبنائية من هذه الناحية كما أوضحنا.
ومن باب الكلام يجر الكلام والفائدة الجانبيّة لابأس وأن نشير باختصار إلى القاعدة المذكورة - يعني أن الاعانة على الحرام هل هي حرام أولا ؟ -:- يظهر من الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب في مسألة بيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمراً الجواز مستدلاً على ذلك بحرمة الاعانة على الحرام ﴿ ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ﴾، ولم ينقل نقاشاً من أحدٍ في ذلك - أي في مسألة حرمة الاعانة على الحرام -، فلاحظ ذلك حيث قال:- ( قد يستدل على حرمة البيع ممن يعلم أنه يصرف المبيع في الحرام بعموم النهي عن التعاون على الاثم والعدوان )[1]، ولم يناقش (قده) كما لم ينقل نقاشاً من أحدٍ في أن المحرّم هو عنوان التعاون دون عنوان الاعانة . نعم نقل خلافاً من القوم في أن القصد هل هو لازمٌ في صدق عنوان الاعانة أو لا ؟ يعني بتعبير آخر تارةً أبيع العنب بقصد أن يصنعه خمراً فهنا عنوان الاعانة صادقٌ ولا يجوز ويأتي عموم الآية الكريمة، أمّا إذا بعته العنب وأنا أعلم أنه سوف يصنعه خمراً من دون أن أقصد ذلك فهنا قد يتوقّف في صدق عنوان الاعانة.
إذن الخلاف بينهم خلاف صغروي - أي في صدق الاعانة فيما إذا لم يكن هناك قصد - أما إذا صدقت الاعانة فلا إشكال عندهم في الحرمة . هذا ما أفاده الشيخ الأعظم (قده) في المكاسب.
غير أن الحاج ميرزا علي الايرواني(قده) صاحب الحاشية على المكاسب أشكل في حرمة الاعانة وقال:- إن المحرّم هو التعاون دون الاعانة.
وعلى أي حال قد يستدلّ بوجهين لإثبات حرمة الاعانة  على الحرام، وفي المقابل قد يستدلّ بوجهين آخرين على عدم حرمة الاعانة.


[1]  تراث الشيخ الانصاري، الأنصاري، تسلسل14، ص129. وهكذا في ص132.