05-07-1435


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

35/07/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضـوع:-  مسألة ( 427 ) / الواجب الثاني عشر من واجبات حج التمتع ( المبيت بمنى ).
هذا ولكن البعض ذهب إلى عدم الاكتفاء بالنصف الثاني وتعيّن النصف الأوّل ولعلّ من ذلك الشيخ النائيني(قده) حيث قال ما نصّه:- ( القدر الواجب من المبيت في كلّ ليلة هو أن تغرب عليه الشمس فيها ويبقى بها إلى أن ينتصف الليل ويجوز له الخروج بعد ذلك )[1]، إنّ هذه العبارة قد يفهم منها أن الذي يجتزى به هو خصوص النصف الأوّل، وممّن ذهب إلى ذلك السيد الخميني(قده) في تحرير الوسيلة حيث قال:- ( إذا قضى مناسكه بمكّة يجب عليه العود إلى منى للمبيت بها ليلتي الحادية عشرة والثانية عشرة . والواجب:- من الغروب إلى نصف الليل )، وهكذا نسب إلى السيد الكلبايكاني(قده)، وقرأنا فيما سبق أن صاحب الرياض(قده) ذكر أن ظاهر الأصحاب انحصاره بالنصف الأوّل.
إذن يمكن أن نقول إن الرأي المشهور والمعروف هو اختصاص الاجتزاء بخصوص المبيت في النصف الأوّل.
ولكن السؤال هو:- ما هو الدليل على عدم الاجتزاء بالمبيت في النصف الثاني والحال أن بعض الروايات قد استفدنا منها الاجتزاء بكلٍّ من النصفين ؟
والجواب:- يمكن أن يكون المدرك هو أحد الأمور الثلاثة التالية:-
الأوّل:- دعوى أن ما دلّ على كفاية المبيت في النصف الثاني هو مُعرَضٌ عنه بين الأصحاب، ومعه تكون الرواية الدالة على ذلك ساقطة عن الحجيّة، وهذا ما يستفاد من عبارة السيد الحكيم(قده)[2].
وإذا كان هذا هو مستندهم حقّاً فبيرد عليه:- إن إعراض لمشهور ليس بتامٍ صغرىً وكبرىٍ، أمّا صغرىً فباعتبار أن كلمات الأصحاب ليست بأيدينا في هذه المسألة حتى نعرف أنهم قد أعرضوا حقاً أو لا وإنما الموجود هو كلام صاحب الرياض(قده) والتعويل عليه لإثبات الاعراض شيءٌ مشكل، وأما من حيث الكبرى فالذي يسقط الرواية عن الحجيّة هو الهجران أعني ترك الكلّ أمّا ترك المشهور فهذا لا يسقط الرواية عن الحجيّة.
إذن حتى  لو سلّمنا بأن هناك إعراضاً من قبل المشهور لكنّه لا يسقط.
ونستدرك الآن ونقول:- نعم لو فرض أن الطبقة المعرِضَة من المشهور كانت هي الطبقة المتقدّمة أي طبقة الشيخ الكليني والطوسي والصدوق ومن والاهم، إن هؤلاء إذا ثبت إعراضهم - والذين هو عيون أصحابنا - وإن لم يثبت إعراض الكلّ فيمكن أن يقال بسقوط الرواية عن الحجيّة أيضاً باعتبار أنّ هؤلاء هم الذين يمثّلون عنوان أصحاب الفنّ وأصحاب الخبرة بالحديث فإعراض هذه الثلّة إمّا أنه يوجب الاطمئنان بوجود خللٍ في الرواية أو يقال إنّ دليل حجيّة الرواية - أعني السيرة - قاصرٌ عن الشمول لمثل هذه الحالة فإن العقلاء لم يثبت عملهم بالخبر الذي لا يعمل به أصحاب الخبرة والفنّ، فالمهم هو إِعراض تلك الطبقة المتقدّمة والمدار عليهم، وعادةً يكون إثبات إعراضهم شيئاً صعباً وليس بالأمر اليسير، ولكن المدار كما قلت على تلك الطبقة.
الدليل الثاني:- إن عنوان المأمور به في الروايات هو المبيت بمنى والمبيت يصدق عرفاً على البقاء في النصف الأوّل، فمن ذهب إلى مكانٍ وبقي فيه من أوّل الليل إلى نصفه صدق عليه أنه بات هناك، أمّا أن يذهب بعد منتصف الليل ويبقى حتى الفجر فلا يصدق عليه عنوان المبيت وأنه بات في ذلك المكان، ولكن كيف نثبت أن المبيت هو العنوان المأمور به ؟ إن ذلك يستفاد من مجموعة من الروايات من قبيل صحيحة معاوية المتقدّمة:- ( لا تبت ليالي التشريق إلا بمنى )، ومن قبيل صحيحته الأخرى:- ( إذا فرغت من طوافك للحج وطواف النساء فلا تبت إلا بمنى )، إلى غيرهما من الروايات.
إذن عنوان المبيت هو المأمور به في الروايات وهذه قضية مسلّمة، وأمّا أن المبيت يصدق بالبقاء من أوّل الليل إلى الليل نصفة فهذا شيءٌ عرفيٌّ والعرف ببابك . هكذا قد يدّعى في توجيه هذا الرأي.
وفيه:- إنه لو تمت الصغرى وأن المبيت لا يصدق عرفاً إلا بالبقاء في المكان من أوّل الليل إلى نصفه - وهو شيء ليس بالبعيد - ولكن الذي نقوله هو أنه بعد تصريح الروايات بكفاية المبيت في النصف الثاني وأنه كالمبيت في النصف الأوّل يكون هذا أشبه بالاجتهاد في مقابل النصّ.
الدليل الثالث:- التمسّك ببعض الروايات الخاصّة، من قبيل صحيحة معاوية المتقدّمة:- ( إذا فرغت من طوافك للحج وطواف النساء فلا تبت إلا بمنى إلا أن يكون شغلك في نسكك وإن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرّك أن تبيت في غير منى ) ، وتقريب الدلالة:- هو أن مقتضى صدرها الذي يقول:- ( إذا فرغت من طوافك للحجّ وطواف النساء فلا تبت إلا بمنى ) هو أن اللازم هو المبيت بمنى، وحيث لم يشخَّص أن المبيت الازمٌ هو في القسم الأوّل أو في القسم الثاني فمقتضى الاطلاق وعدم التشخيص والتقييد هو لزوم المبيت في كِلا القسمين، ثم نقول بعد ذلك إنه خرج من هذا الاطلاق ما دلّت عليه الرواية في ذيلها وهو أن المبيت في النصف الأوّل يكفي فحينئذٍ يبقى النصف الثاني لا دليل على كفاية المبيت فيه وحده بل الدليل على عدمه لأن الاطلاق المتقدّم يقتضي المبيت في كِلا القسمين – أي في كلّ الليل - حيث لم يقيّد بجزءٍ دون الآخر وخرجنا بالمبيت في النصف الأوّل وإنه يكفي وحده لتصريح الذيل بذلك أمّا المبيت في النصف الثاني فلا دليل على كفايته فنتمسّك بالاطلاق المقتضي أن المبيت لا يكفي في جزءٍ منه وأنّه يلزم انضمام بقيّة الأجزاء من الليل إليه، فحينئذٍ من نفس اطلاق صدر الرواية أنه لا يكفي البقاء في النصف الثاني.
وفيه:- إنه لو تمّ الاطلاق المذكور وقلنا إنه عليه السلام في مقام البيان من هذه الناحية - أيّ في مقام البيان من ناحية أن المبيت لازمٌ في أيّ مقدارٍ من الليل - فسكوته عن تحديده بجزءٍ دون آخر يدلّ على لزومه في جميع الأجزاء، إنه لو ثبت أن الإمام في مقام البيان من هذه الناحية وانعقد الاطلاق تمّ هذا الاطلاق وأمكنت الاستعانة به، ولكن أصل انعقاده هو محلّ تأمّلٍ إذ يمكن أن يقال:- إنه عليه السلام في بصدد بيان أصل المبيت وأنه لازمٌ أمّا من أين وإلى أين وهل تجب جميع الأجزاء أو قسماً منها فهذا ليس بصدده وقد جاءت العبارة الثانية لتوضح كفاية القسم الأوّل، إنّه بناءً على هذا لا يعود لدينا إطلاقٌ حتى نتمسّك به لإثبات كفاية البقاء في النصف الثاني بل الأمر بالعكس، فالمناسب فنيّاً آنذاك أن نرجع في النصف الثاني إلى ما تقتضيه القاعدة فإنه إذا لم ينعقد الإطلاق نقول إن المأمور به هو عنوان المبيت في الجملة أمّا بكلِّ أجزاء الليل فهذا لم يثبت إلّا بالاطلاق والمفروض أنّا أنكرنا الإطلاق فالمبيت اللازمٌ في الجملة صادقٌ بالمبيت في النصف الثاني، فما أُمِرنا به واشتغلت به الذمّة - وهو المبيت في الجملة - قد حقّقناه جزماً وما زاد على ذلك - يعني أن ينضم هذا الجزء الثاني إلى الأوّل ولا يكفي وحده - فنشكّ فيه ولم يدلّ عليه دليلٌ فلا يستفاد من إطلاق الرواية لأنا منعنا اطلاقها فنتمسّك آنذاك بالبراءة لنفي التقيّد الزائد.
والمهم الذي نريد أن نقوله:- هو أنه لو سلّمنا بالاطلاق وقلنا إنه عليه السلام في مقام البيان وانعقد الإطلاق فيمكن أن يقال إن النصف الأوّل من الليل خرج من الاطلاق بسبب نفس هذه الرواية بذيلها، والنصف الثاني قد خرج بالروايات الأخرى لأنه توجد روايات أخرى تدلّ على كفاية البقاء في النصف الثاني وأعني بذلك صحيحة معاوية بن عمّار الأخرى لأنها بصدرها قد دلّت على كفاية البقاء في النصف الأوّل حيث جاء فيها:- ( فإن خرجت أوّل الليل فلا ينتصف الليل إلا وأنت في منى )، وهي واضحة في أنه إذا بقي في النصف الثاني كفى ذلك.
وخلاصة مناقشتنا للرواية:- هي أنه إن سلّمنا الاطلاق ولم نشككّ فيه لأجل ما أشرنا إليه من أن الإمام ليس في مقام البيان من ناحية المقدار من الليل فنقول إن الذي خرج من هذا الاطلاق بالمقيّد ليس خصوص النصف الأوّل بل خرج النصف الثاني بصحيحة معاوية الأخرى، وعليه فلا إشكال من هذه الناحية.
إن قلت:- إن المبيت ظاهر في إرادة تمام الليل، وعليه فيكفينا هذا الظهور لإثبات عدم الاكتفاء بالمبيت في النصف الثاني.
قلت:- إنه لو سلّمنا هذا فنقول إنَّ هذا الظهور ليس مقصوداً للروايات جزماً لأنها صرحت بكفاية المبيت في النصف الأوّل فقط . إذن هذا الظهور ساقطٌ عن الاعتبار، وليس المورد من موارد التقييد، يعني لا تقل إنّا نقيده فخرج النصف الأوّل بالمقيّد، فإن الجواب:- إن هذا ليس تقييداً بل هو إلغاءٌ للعنوان من الأساس وليس تقييداً له فأنت تقول المبيت ظاهرٌ في التمام وهذا رفعنا اليد عنه لا أنه قيّدناه، بخلاف الرقبة فإنها مطلقة فيمكن أن نقيدها بخصوص المؤمن، أمّا لو جئنا بعنوانٍ لا يصدق معه عنوان الرقبة فلا يكون المورد آنذاك من موارد التقييد وإنما من موارد الإلغاء، وهنا أيضاً كذلك فإنه لو قلنا إن المبيت عنوانٌ لا يصدق عرفاً إلا بالبقاء من أوّل الليل حتى آخره فإذا دلّت الرواية على أنه يكفي النصف الأوّل فهذا معناه أنَّه إلغاءٌ لهذا العنوان ورفع لليد عنه لا أنَّه تُقيَّد، فالمورد ليس من موارد التقييد.


[2]  دليل الناسك، الحكيم، ص422.