جلسة 138

كفارات الصوم

ثم إنه من خلال ما تقدم يتضح أن الوجوه التي يمكن التمسك بها لإثبات حرمة الإكراه على الجماع ثلاثة:

الوجه الأوّل: التمسك بقاعدة (أن الإكراه على ما ليس بحق أمر غير جائز)، وقد اتضح الجواب عن ذلك، وأن القاعدة المذكورة لم تثبت على إطلاقها، وإنما هي ثابتة في حالتين لا أكثر.

الوجه الثاني: التمسك بالظهور العرفي الذي إدعاه السيد الخوئي قدّس سرّه، وقد أجبنا عنه بأن الظهور المذكور وإن كان مسلّماً ولكن لا يمكن تطبيقه على المقام؛ باعتبار أن الخطاب بتحريم الجماع قد أُخذ في موضوعه الصائم، فالصائم يحرم عليه الجماع، ومقتضى الظهور المتقدم أنه يحرم عليه بالمباشرة وبالتسبيب، ولا يستفاد منه حرمة التسبيب على غير الصائم، إذ ذلك خلف فرض اختصاص الحرمة بالصائم.

إن قلت: لماذا لا تقول: إن خطاب يحرم الجماع يستفاد منه مطلبان: تحريمه مباشرة على الصائم، وتحريم التسبيب إليه إذا لم يكن المسبب صائماً؟

قلت: هذا وجيه لو فرض أن الحرمة من البداية لم تتوجه إلى عنوان الصائم، أما إذا كان الخطاب متوجهاً إليه وقيل له: يحرم عليك الجماع، فلا يفهم من ذلك إلاّ أن ذلك محرم عليك بالمباشرة وبالتسبيب، فالتسبيب الحاصل من الصائم يكون محرماً، وأمّا التسبيب من غيره فلا يمكن استفادة حرمته؛ إذ ذلك خلف فرض توجه التحريم إلى خصوص عنوان الصائم.

الوجه الثالث: أن الجماع حيث إنه محرّم على الزوجة باعتبار أنها صائمة فيحرم على الزوج إكراهه لها على ذلك؛ لأنه إكراه على شيء محرم، وأجبنا عن ذلك بأن هذا وجيه لو لم تكن الحرمة من البداية مقيّدة بعدم الإكراه، أمّا مع تقيّدها بذلك فسوف يكون الإكراه رافعاً لموضوع الحرمة، ومثله لا محذور فيه، وعليه فجميع الوجوه الثلاثة قابلة للمناقشة، والفتوى بالتحريم مشكلة وإن كان الاحتياط أمراً حسناً.

ثم إن هناك صورة أُخرى لم يتعرض إليها في متن (المنهاج) ولكن تعرض إليها السيد اليزدي [1] ـ قدّس سرّه ـ وهي: أن الزوجة الصائمة لو كانت نائمة وكان الزوج مفطراً لعذر، فهل يحرم عليه جماعها حالة نومها فيما إذا كنا نبني على الحرمة في حالة اليقظة؟

استشكل في ذلك ـ قدّس سرّه ـ وتبعه على ذلك المحثون، ولكن السيد الخوئي [2] ـ قدّس سرّه ـ اختار عدم التحريم باعتبار أنها فاقدة للإرادة والاختيار، ومعه فلا يجزم بثبوت مبغوضية الجماع في حقها في الحالة المذكورة، وبالتالي لا يمكن الحكم بالحرمة ما دامت المبغوضية غير محرزة في حقها، هكذا ذكر قدّس سرّه.

ويمكن أن يعلّق على ذلك بأننا تارة نبني على قبول ذلك الظهور المتقدم الذي ادعاه قدّس سرّه، ونقبل تطبيقه على الزوج المفطر لعذر، وأُخرى نرفضه، فإن قبلناه فالمناسب التمسك به في كلتا الصورتين، فكما طبق في حالة يقظة الزوجة يكون من المناسب تطبيقه في حالة نومها، بل لعل التسبيب في حالة النوم أوضح منه في حالة اليقظة.

وأمّا إذا رفضناه وقلنا: إن المدار على إحراز المبغوضية فمن المناسب عدم الحكم بالحرمة حتى في حالة اليقظة فإنه فيها لا تحرز المبغوضية أيضاً؛ لأننا نحتمل ـ وإنما عبّرنا بالاحتمال لأنه يكفينا بلا حاجة إلى الجزم واليقين ـ أن حرمة ومبغوضية الجماع في حق الزوجة مقيدة بما إذا لم تكن مكرهة، فإذا تحقق الإكراه فلا جزم بالحرمة وإذا لم يجزم بالحرمة فلا يمكن الجزم بالمبغوضية، إذ أن الكاشف عن الملاك هو الحكم، وحيث إن الحكم مرتفع أو لا أقل نحتمل ارتفاعه فلا نجزم آنذاك بتحقق المبغوضية، وبالتالي يلزم أن لا نحكم بالتحريم حتى في حالة اليقظة.

وملخص ما نريد أن نقوله: إن التفرقة بين حالتي اليقظة والمنام لا نعرف لها وجهاً، فإن الظهور لو كان تاماً فيلزم التمسك به في كلتا الحالتين، وإذا كان المدار على إحراز المبغوضية فهي ليست محرزة حتى في حالة اليقظة، وعليه تكون النتيجة النهائية لحديثنا المتقدم أن الحرمة ليست ثابتة في حالة اليقظة فضلاً عن حالة المنام.

(مسألة 1014: يجوز التبرع بالكفّارة عن الميت صوماً كانت أو غيره، وفي جوازه عن الحي إشكال) [3].

تشتمل المسألة المذكورة على نقطتين:

النقطة الأُولى: يجوز التبرع بالكفّارة عن الميت، فلو فرض أن شخصاً مات وعليه كفّارة شهر رمضان ولم يوصِ بإخراجها من ثلثه فيتمكن ولده من إخراجها عنه تبرعاً من ماله الخاص بالرغم من أنه لم يوصِ، والوجه فيه الروايات الدالة على أن الميت ينتفع بالخيرات التي تعمل له بعد موته، وهي متعددة نذكر منها: صحيحة معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد الله ـ عليه السلام ـ: ما يلحق الرجل بعد موته؟ فقال: «سنّة سنّها، يُعمل بها بعد موته فيكون له مثل أجر من يعمل بها، من غير أن ينتقص من أُجورهم شيء، والصدقة الجارية تجري من بعده، والولد الطيب يدعو لوالديه بعد موتهما، ويحجّ ويتصدّق ويعتق عنهما، ويصلّي ويصوم عنهما»، فقلت: أُشركهما في حجتي؟ قال: «نعم»[4] .

ودلالتها واضحة، فإنه وإن ذكر فيها عناوين خاصة كالحج والصدقة والعتق والصلاة والصوم، ولكن يمكن أن يستفاد منها مطلب عام، وهو أن جميع الخيرات والصالحات يمكن الإتيان بها عن الميت وينتفع بها من دون خصوصية للعناوين المذكورة، والحكم من هذه الناحية واضح ولا تأمل فيه.

وقد جاء في عبارة المتن ما نصه: (... صوماً كانت أو غيره...)، مما قد يوهم بوجود خلاف في المسألة إلاّ أنه لم ينقل الخلاف فيها، وإنما التعميم المذكور من جهة ما سوف يذكر في النقطة الثانية، وهي التبرع عن الحي، حيث فصل المحقق [5] ـ قدّس سرّه ـ بين الصوم فقال بعدم جواز التبرع به عن الحي، وبين غيره فيجوز التبرع به.

إذن التعميم في هذه النقطة جاء باعتبار التفصيل الذي ذكره المحقق في النقطة الثانية، وإلاّ فلا خلاف في المسألة كما قلنا، نعم إذا كان هناك إشكال فهو في أصل انتفاع الميت بأعمال الحي، باعتبار أن هناك شبهة قد أُشير إليها في كلمات المتقدمين، وهي أن القرآن الكريم يقول (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) [6]، فالناس مرتهنون بعملهم، ومقتضى ذلك عدم انتفاعه بأعمال الغير، وحينما أُشكل بأنه قد ورد في باب الصلاة والصوم أو الولد الأكبر مكلف بالقضاء عن والده فكيف الجواب؟، أُجيب عن ذلك بأن التكليف المذكور تكليف للولد وهو المنتفع به دون الوالد، وعلى أي حال إذا كان هناك إشكال فهو الإشكال في أصل انتفاع الميت بأعمال الحي دون التفصيل بين الصوم وغيره، وهذه مسألة يتعرض إليها الفقهاء في باب الصلاة الاستئجارية وأن الاستئجار عن الميت لأداء العبادة هل هو مشروع؟ وما الدليل على مشروعيته؟، فهناك يتعرض إلى هذه الشبهة والجواب عنها، ونحن لسنا في صدد ذلك، وإنما في صدد أنه إذا قبلنا صحة التبرع فلا وجه للتفرقة بين الصوم وغيره.

_______________________

[1] حواشي العروة الوثقى ج3 ص601.

[2] مستند العروة الوثقى ج1 كتاب الصوم ص349.

[3] منهاج الصالحين ج1 كتاب الصوم فصل الكفارات ص271.

[4] الوسائل 2: 444، أبواب الاحتضار، ب38، ح6.

[5] شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام ج1 كتاب الصوم، المقصد الثاني، فروع، المسألة الخامسة عشر ص195.

[6] المدثر: 38.

[7] الوسائل 10: 329، أبواب أحكام شهر رمضان، ب23، ح5.