32/06/13


تحمیل

 مسألة (270):- المراد من الاستظلال التستر من الشمس أو البرد أو الحر أو المطر ونحو ذلك فإذا لم يكن شيء من ذلك بحيث كان وجود المظلة كعدمها فلا بأس بها.

تتضمن هذه المسالة نقطتين:-

النقطة الأولى :- أن المراد من التظليل أو التستر المحرَّم على المحرم لا يختص بخصوص ما إذا كان عن الشمس بل يعم ما إذ كان عن الحر أو البرد أو ما شاكل ذلك .

 وقبل أن نشير إلى صميم البحث نشير إلى قضيتين إحداهما فنية والأخرى جانبية:-

أما الفنية :- فهي أنه كان من المناسب تسليط الأضواء في هذه المسألة على أن التظليل لا تختص حرمته بخصوص النهار بل تعم الليل أيضا ، ثم يُعلَّل ويقال لأن التظليل المحرم أو التستر لا يراد به ما كان عن خصوص الشمس بل يعم غيره ، إذن تسليط الأضواء على ذلك شيء مهم ، فان العبارة بهذه الصيغة قد لا يفهم منها القارئ بسرعة أن الحرمة تعم الليل ، والحال أن القضية المهمة هي ذلك ، يعني إرشاد الناس إلى أن التظليل في الليل محرم أيضاً ، وقد أضيف في الطبعات الأخرى فقرة ( ولا فرق بين الليل والنهار ) ولكن رغم هذا يبقى المناسب أن تسلط الأضواء من البداية على قضية الليل ، فيقال حرمة التظليل تعم الليل أيضاً لان المراد من التستر .... الخ . هذا بالنسبة إلى القضية الفنية.

وأما إلى القضية الجانبية :- وهي أنه لو رجعنا إلى كلمات القدماء لم نجد منهم تعرضاً إلى هذه المسالة - أعني أن التظليل محرَّم بالليل أيضاً - بل ذاك شيء مسكوت عنه في كلماتهم ، فهذا صاحب الجواهر (قده) الذي هو عادةً يتعرض إلى فروع وفروض علمية كثيرة وهذا من محاسن الكتاب المذكور - ومن باب الجملة المعترضة ؛ أن السيد اليزدي (قده) في العروة الوثقى امتاز بهذه الميزة وهو انه يذكر فروضاً هي أقرب إلى كونها علمية من كونها عملية ، حتى أني أتمازح أحياناً مع بعض الإخوة وأقول لم يبق شيء لم يذكره السيد اليزدي سوى أنه لو صنعنا ( زردة ) بمناسبة وكتبنا عليها اسم الله عز وجل ( يا الله ) فهل يجوز لغير المتوضئ أن يأكل مقدار لفظ الجلالة باعتبار انه ليس بمتوضئ ؟ ومقصودي من ذلك أن السيد اليزدي (قده) ذكر كثيراً من الفروض العلمية ، وأنا كنت أستغرب وأستظرف وأستحسن هذا من السيد اليزدي ، وان كنت لا أقبل أن تذكر مثل هذه الفروض العلمية في رسالةٍ عملية ، ولكن يعجبني التفاته إلى نفس هذه الفروض العلمية ، لأن كل شخصٍ لا يلتفت إلى هذه الفروض ، وبعد ذلك استكشفت أنه يأخذ ذلك عادة من الجواهر ، يعني عندي بنظري أن السيد اليزدي (قده) كان واضعاً لكتاب الجواهر أمامه عند كتابة العروة ، وليس هو الكتاب الوحيد وطبيعي توجد كتب أخرى أيضاً كمستند الشيعة للنراقي (قده) ، ولكن الكتاب المهم الذي وضعه أمامه حسب حدسي هو كتاب الجواهر - لا نجد في كتابه إشارة إلى ذلك ، يعني إلى أن التظليل في الليل محرم أو لا والحال أن هذه قضية يجدر الإشارة إليها ، بل أقول أكثر من ذلك أن الشيخ النائيني (قده) وهو من المتأخرين لم يتعرض إلى ذلك في مناسكه ، وهذه قضية يجدر الالتفات إليها .

 نعم رأيت ذلك في مستند الشيعة للشيخ النراقي (قده)[1] ويظهر منه أنه يختار التعميم . هذا من حيث كلمات الأعلام ، فالطابع العام عند المتقدمين عدم التعرض إلى ذلك.

 وإذا رجعنا إلى الروايات لم نجد إشارة واضحة إلى ذلك أيضاً ، يعني لم نجد من يسأل أن التظليل في الليل جائز أو لا ، والأئمة لم يتعرضوا إلى ذلك - ومقصودي بشكل واضح - ، نعم بالإطلاق لعله يمكن استفادة ذلك وسوف نرى إنشاء الله تعالى.

 ولعل النكتة في عدم تعرض الفقهاء إلى ذلك هو أن السير في الليل لم تكن قضية متعارفة ومحل ابتلاء ، أو كانت ولكن لا يظلون من باب أنهم يسيرون على الدواب فلا حاجة إلى القبة أو الكنيسة أو ما شاكل ذلك . إذن تبرير عدم التعرض لابد وأن يكون لأحد هذين ، ونفس الشيء نقوله بالنسبة إلى الروايات.

ونعود إلى صلب الموضوع:- ذكر (قده) أن حرمة التظليل تعم الليل أيضاً ، وما يمكن أن يستند إليه في هذا المجال الوجوه التالية:-

الوجه الأول :- ما تمسك به في المعتمد[2] وحاصله ؛ أن كلمة ( التظليل ) أو ( أظلل ) هي مأخوذة من ( الظلة ) ، وإذا رجعنا إلى كلمات اللغويين نجدهم يفسرونها - أي الظلة - بالشيء الذي يستتر به من دون تقييد بالشمس بل لعلهم يعممون بقولهم يستتر به من حر أو برد ، فكلمة ( الظلة ) كلمة عامة و( التظليل ) أو ( أظلل ) أو ( الظلال ) حيث انه مأخوذ من ذلك فسوف تصير الكلمة الذكورة عامة وليست مختصة كما يتصوره الذهن بادئ ذي بدء بخصوص التظليل من الشمس ، انه انصراف خاطئ ، بل الكلمة المذكورة يراد بها الأعم ، وحينما حرمت الروايات التظليل فيكون المقصود تحريم هذا المعنى الأعم الواسع. هكذا ذكر (قده).

وفيه:-

أولا:- نسلم أن كلمة ( الظلة ) في كلمات اللغويين يراد بها الأعم قال تعالى ( وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة )[3] وفي اية أخرى ( فكذبوه فأخذهم عذاب الظلة )[4] ، وإذا رجعنا إلى القاموس مثلاً وجدناه يقول ( الظلة شيء كالصُّفَّة يستتر به من الحر والبرد والجمع ظلل وظلال ) وذكر قريب من ذلك في مجمع البحرين وفي مفردات الراغب وفي بقية الكتب اللغوية ، إن هذا شيء صحيح ، فـ ( الظلة ) يراد بها المعنى الأعم ، لكن كلمة ( أظلل ) من قال أنها مأخوذة من ( الظلة ) فان كلمات اللغويين لم تتعرض إلى ذلك ، بل لعلها مأخوذة من ( ظل الشمس ) بمعنى الاستعانة بما يحصل به ظل الشمس ، إن هذا شيء محتمل أيضا ، ومجرد أن كلمة ( الظلة ) هي في كلمات اللغويين يراد بها الأعم لا يثبت أن ( أظلل ) هي مشتقة من ذلك فيراد بها الأعم . إذن هي مجملة من هذه الناحية.

وثانياً:- سلمنا أن كلمة ( أظلل ) هي مشتقة من ( الظلة ) ويراد بها استعمال الظلة ، لكن لا يلزم متى ما كان المبدأ وسيعاً كان المشتق كذلك ، بل لعل المبدأ يكون وسيعاً ولكن المشتق يكون ضيقاً ، فلا ملازمة بين المطلبين ولا يمكن للفقيه أن يجعل هذا سبباً علمياً . نعم أقصى ما في الأمر أن ذلك شيء محتمل ، أما أن يستند إليه ويفتي على طبقة فهو أمر مشكل.

وثالثا:- لو تنزلنا عن كل هذا فنقول ؛ أن ما ذكر يتم لو فرض أن الإمام عليه السلام قد استعان بالتعبير المذكور وجاء في كلامه كي يصح التمسك بالإطلاق آنذاك ، كما لو فرض أنه عليه السلام قال هكذا ( التظليل حرام للمحرم ) انه لو كان يعبر هكذا مثلا أمكن التمسك بالإطلاق ، فنقول بما أن التظليل مأخوذ من الظلة وهي للأعم ، فحينئذ نقول أن مراد الإمام عليه السلام هو الأعم وإلا كان المناسب هو التقييد وحيث لم يقيد نستكشف أن التظليل بعرضه العريض محرم ، ولكن الكلمة المذكورة ليست مأخوذة في كلام الإمام عليه السلام وإنما هي مأخوذة في كلام الراوي ، فالراوي يسأل الإمام عليه السلام فيقول ( أظلل وأنا محرم ) أو ( سألته عن الظلال للمحرم ) وما شاكل ذلك ، فالتعبير المذكور قد ورد في سؤال الراوي وما دام قد ورد في سؤال الراوي فالتمسك بالإطلاق لا معنى آنذاك .

 نعم يتمسك آنذاك بفكرة ترك الاستفصال في مقام الجواب ، فيقال أن الإمام عليه السلام في مقام الجواب لم يستفصل ولم يقل هل كان ذلك في النهار أو في الليل ، أن عدم استفصاله عندما أجاب بقوله ( لا ) يدل على التعميم ، فغاية ما يمكن التمسك به هو ترك الاستفصال .

ولكن يمكن أن يقال:- من المحتمل انه عليه السلام لم يستفصل من باب أنه كانوا لا يسيرون في الليل ، بل كانوا يسيرون بالنهار عادة ، أو كانوا يسيرون في الليل ولكن يكشفون القبة آنذاك لأن الجو يكون حاراً عادة فلا داعي للتظليل ، انه ما دام يحتمل ذلك وأنها الحالة الغالبة والمتعارفة وأأكد كاحتمال وجيه يمكن أن نجزم من عدم الاستفصال تعميم الحكم .

 وهذا فارق عملي بين التمسك بالإطلاق والتمسك بفكرة ترك الاستفصال ، فانه في مورد الإطلاق لا يضر مثل هذه الاحتمالات ، بل نقول أن الإمام عليه السلام قال ( التظليل حرام ) والإطلاق يمكن أن يعم الحالة النادرة ، نعم أن لا يختص بها لا أنه لا يعمها ، فحالة السير في الليل أو التظليل في الليل لنفترض أنها حالة نادرة لكن هذا لا يمنع من شمول الإطلاق لها ، هذا إذا كان المورد مورد الإطلاق ، أما إذا كان المورد مورد ترك الاستفصال فحينئذ يقال ؛ لعله لم يستفصل من باب أن المتعارف هو السير بالنهار دون الليل ، أو كان حينما يكون السير في الليل لا يظللون ، فلا داعي إذن لاستفصال الإمام عليه السلام .

 إذن فكرة ترك الاستفصال يتم التمسك بها فيما إذا لم يكن هناك احتمال الحالة المتداولة في البين بحيث يكون الاعتماد عليها هو السبب في ترك الاستفصال ، أما إذا كان هناك حالة يمكن أن تكون هي السبب لترك الاستفصال واحتملنا ذلك - وأأكد يكفينا الاحتمال المعتد به - فلا يمكن آنذاك التمسك بفكرة ترك الاستفصال ، وهذه قضية ظريفة كفارقٍ بين مورد الإطلاق ومورد فكرة ترك الاستفصال يجدر الالتفات إليها .هذا بالنسبة إلى الوجه الأول الذي ذكره (قده).

[1] مستند الشيعة 12 -32

[2] المعتمد 4 - 241

[3] الأعراف 171

[4] الشعراء 189