36/03/05


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 448 ) – احكام المحصور.
مسألة ( 448 ):- المحصور إن كان محصوراً في عمرة مفردة فوظيفته أن يبعث هدياً ويواعد أصحابه ان يذبحوه أو ينحروه في وقتٍ معين فإذا جاء الوقت تحلّل في مكانه وله أن يذبح أو ينحر في مكانه ويتحلّل . وتحلّل المحصور في العمرة المفردة إنما هو من غير النساء وأما منها فلا تحلل منها إلا بعد اتيانه بعمرة مفردة بعد افقته.
وإن كان المحصور محصوراً في عمرة التمتع فحكمه ما تقدّم إلا أنه يتحلّل حتى من النساء.
وإن كان المحصور محصوراً في الحج فحكمه ما تقدّم والأحوط أنه لا يتحلّل عن النساء حتى يطوف ويسعى ويأتي بطواف النساء بعد ذلك في حج أو عمرة، نعم إذا كان محصوراً ففاته الموقفان وهو في مكة أو في طريقه إلى الموقفين فالظاهر أن حجّه ينقلب إلى العمرة المفردة فيطوف ويسعى ويقصر أو يطاف به أو يطاف عنه وكذلك السعي وطواف النساء فيتحلّل من كلّ شيءٍ حتى النساء.[1]
..........................................................................................................
تتضمن المسألة المذكورة بيان حكم المحصور وقد ذكر(قده) حكمه تارةً إذا كان الحصر في عمرةٍ مفردةٍ، وأخرى إذا كان في عمرة التمتع، وأخرى إذا كان في الحجّ، ولقد أجاد(قده) في جمعه لأحكام الثلاثة في مسألةٍ واحدةٍ ولم يعقد مسالة لكلّ قسمٍ فإنّ جمع الأقسام في مسألةٍ واحدةٍ يسهّل على المراجع ويجعله أكثر سيطرةً على الموضوع، ولكن كان من المناسب أن يجعل لكلّ قسمٍ رقماً ويحذف الألفاظ الزائدة مثل ( المحصور إن كان محصوراً ) فلو وكان يقول هكذا:- ( الحصر تارةً يكون:- أوّلاً في عمرةٍ مفردةٍ وحكمه كذا، وثانياً:- في عمرة تمتعٍ وحكمه كذا، وثالثاً:- يكون في الحج وحكمه كذا ) لكان أفضل . وعلى أيّ حال هذه قضيّة فنيّة ينبغي أن نلاحظها في كتاباتنا.
إذن الكلام يقع تارةً فيما إذا كان الحصر في عمرةٍ مفردةٍ، وأخرى فيما إذا كان في عمرة التمتع، وثالثةً إذا كان في الحج.
الحصر في العمرة المفردة:-
أمّا إذا كان الحصر في عمرةٍ مفردةٍ - يعني أنّه اغتسل وأحرم في مسجد الشجرة ثم خرج فاستبرد ولم يتمكّن من مواصلة العمل - ففي مثل هذه الحالة أذا كان لا يتمكّن من المواصلة فله حكمان الأوّل و أنه يتحلّل من خلال الهدي ولكن هل يذبحه في مكانه ويتحلّل أو يبعث به إلى المحلّ - وهو في العمرة المفردة مكّة - ؟ إنّه مخيّرٌ بين الأمرين.
الحكم الثاني:- إنه حينما قلنا هو يتحلّل فليس المقصود أنّه يتحلّل حتى من النساء بل تتوقّف حلّية النساء على الاتيان بعمرةٍ مفردةٍ.
أمّا بالنسبة إلى الحكم الأوّل:- فالوجه في هذا التخيير هو أنّه توجد عندنا طائفتان من الروايات طائفة تقول يبعث به مع أصحابه ولعلّها روايتان أو أكثر، وطائفة أخرى تقول إنّ الإمام الحسين عليه السلام اعتمر فمرض وحينما بلغ الخبر أمير المؤمنين عليه السلام جاء وذبح عنه في المحلّ وتحلّل الإمام الحسين عليه السلام وتوجد ثلاث روايات تنقل هذه القضيّة - على اختلافٍ جزئيّ بينها -.
إذن توجد طائفتان من الروايات طائفة تقول إنّه يبعث بالهدي مع أصحابه والطائفة الثانية تقول يذبح في مكانه وهي تحكي فعل الإمام الحسين عليه السلام ومقتضى الجمع بين الطائفتين هو الحمل على التخيير.
أمّا الطائفة الأولى فننقل منها روايتين:-
الرواية الأولى:- صحيحة معاوية بن عمّار قال:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلٍ أحصر فبعث بالهدي، فقال:- يواعد أصحابه ميعاداً فإن كان في حجّ فمحلّ الهدي يوم النحر وإذا كان يوم النحر فلقصّر من رأسه، .... وإن كان في عمرةٍ فلينتظر مقدار دخول أصحابه مكّة والساعة التي يعدهم فيها فإذا كانت تلك الساعة قصّر وأحلّ .. )[2]، ودلالتها على أنّ الوظيفة هي إرسال الهدي واضحةٌ ولا تحتاج إلى تقريب.
الرواية الثانية:- مضمرة زرعة - وهي موثقة -:- ( سألته عن رجلٍ أحصر في الحجّ، قال:- فليبعث بهديه إذا كان مع أصحابه ومحلّه أن يبلغ الهدي محلّه ومحلّه منى يوم النحر إذا كان في الحج، وإذا كان في عمرةٍ نحر بمكة فإنما عليه أن يعدهم لذلك يوماً فإذا كان ذلك فقد وفى وإن اختلفوا في الميعاد لم يضرّه إن شاء الله تعالى )[3]، ودلالتها واضحة أيضاً، وإضمارها لا يضرّ للبيان العام الذي أشرنا إليه أكثر من مرّة.
وأمّا الطائفة الثانية التي تدلّ على أنّ الامام الحسين عليه السلام ذبح في مكانه:- فهي:-
أوّلاً:- صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه السلام في حديثٍ قال:- ( إنّ الحسين بن علي عليهما السلام خرج معتمراً فمرض في الطريق فبلغ عليّاً عليه السلام وهو بالمدينة فخرج في طلبه فأدركه في السقيا وهو مريض فقال:- يا بني ما تشتكي ؟ فقال:- اشتكي رأسي فدعى علي ببدنة فنحرها وحلق رأسه وردّه إلى المدينة فلما برئ من وجعه اعتمر، فقلت:- أرأيت حين برأ من وجعه أحلّ له النساء ؟ فقال:- لا تحلّ له النساء حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة )[4].
ثانياً:- صيحة معاوية الأخرى[5] - يعني في ذيلها – وهي على منوال الاولى.
ثالثاً:- صحيحة رفاعة بن موسى النخّاس[6].
إذن النتيجة هي أنّه توجد طائفتان من الروايات الطائفة الأولى لو خلّيت ونفسها فيمكن أن يستفاد منها تعيّن الإرسال مع أصحابه، والطائفة الثانية تدلّ على أنّه يجوز النحر في مكانه ومقتضى الجمع بينهما هو الحمل على التخيير.
وهناك سؤال جانبي:- وهو أنّه ما وجه هذا الجمع ؟
والجواب:- إنّ العرف يفعل هكذا ويجمع بينهما بالحمل على التخيير من باب أنّ المتكلّم من حقّه أن يبيّن أحد فردي التخيير، فلو سألني شخصٌ وقال ( أفطرت يوماً من شهر رمضان فماذا أصنع ؟ ) فأقول له صم ستين يوماً، وقد يأتي شخص آخر ويسأل نفس السؤال فأقول له أطعم ستّين مسكيناً فأبيّن له أحد أفراد التخيير.
هذا ولكن السيد الخوئي(قده) ذكر في غير موضعٍ من كلماته أنّ الحمل على التخيير في هكذا مورد مشروطٌ بشرطٍ وهو أن يقوم إجماعٌ على عدم لزوم الجمع بينهما، فإذا كان هناك إجماعٌ على عدم لزوم الجمع بينهما فهنا سوف ينتفي لزوم الجمع بينهما فيحمل على التخيير.
ونحن علّقنا في أكثر من موردٍ وقلنا إنّ هذا الشرط لا نحتاج إليه فإنّ الانسان العرفي قد يتساهل ويذكر أحد فردي التخيير ويسكت عن الفرد الثاني، إنّه شيءٌ مقبول منه عرفاً كما في مثال الكفّارة - حيث أقول لمن يسالني صم ستّين يوماً والآخر أقول له أطعم ستين مسكيناً - فإن هذا جائزٌ أمّا أنّه يذكر أحد فردي التعيين ويسكت عن الفرد الآخر - كما لو كان الإطعام والصيام لازمين معاً - فالإنسان العرفي لا يفعل ذلك ولا أقل عند الدوران بينهما لا يحمل على الثاني.
إذن لو أردنا أن نلاحظ العرف فالعرف ماذا يقول حينما ذكر هذا الفرد هنا وذكر ذلك الفرد هناك ؟ فهنا يوجد بينهما تخيير - لا أنّه يجب التعيين - من دون حاجةٍ إلى ضمّ الإجماع فإنّ ما أشرنا إليه يكفي كنكتةٍ للحمل على التخيير في جميع الموارد بقطع النظر عن الاجماع.
ولكن انتصاراً للسيد الخوئي(قده) نقول:- من حقّ السيد الخوئي أن يعتذر في خصوص المورد ويقول إنّي لم أذكر هذه المقدّمة - وهي أن يقوم الاجماع على عدم لزوم الجمع بينهما - إمّا من باب أنّه لا يمكن عادةً الجمع لأنّ الهدي حيوان واحد ولا يمكن الجمع بذبحه هنا وهناك.
أو يقال:- إنّ الطائفة الثانية تحكي فعلاً ولا تحكي أمراً وطلباً وما ذكره (قده) من ضمّ فكرة الإجماع يُحتاج إليه فيما إذا كان عندنا أمران بأن المتكلم يقول ( صم ) وفي كلامٍ آخر له يقول ( أطعم ) فهنا تأتي الحاجة إلى ضمّ مقدّمة الاجماع، أمّا بعد فرض أن الطائفة الثانية تحكي فعلاً فحينئذٍ لا مجال لهذا المطلب، فنفس الفعل يصير قرينةً على جواز أنّ يفعل ذلك في المحلّ بلا حاجة إلى الإرسال.
والخلاصة:- إنّه نجمع بالحمل على التخيير.