36/08/21


تحمیل
الموضـوع:- مسألة ( 16 ) - المكاسب المحرمة -كتاب التجارة.
الرواية الثامنة:- ما رواه الشيخ الصدوق في الخصال عن أبيه عن عبد الله بن جعفر الحِمْيَري عن يعقوب بن يزيد عن محمد بن الحسن الميثمي عن هشام بن أحمر وعبد الله بن مُسكان جميعا عن محمد بن مروان عن أبي عبد الله عليه السلام سمعته يقول:- ( ثلاثة يعذبون يوم القيامة، من صوّر صورة من الحيوان يعذب حتى ينفخ فيها وليس بنافخ فيها، والمكذّب في منامه يعذّب حتى يعقد بين شُعَيرتين وليس بعاقد بينهما، والمستمع إلى حديث قومٍ وهم له كارهون يصبّ في أذنه الآنُك و الاُسرب ) [1]، والآنُك على وزن أفلس، والاُسرب بالضم كلاهما بمعنى الرصاص، وموضع الشاهد هو ( من صوّر صورة من الحيوان يعذب حتى ينفخ فيها وليس بنافخ فيها )، والظاهر أنّ دلالتها لا بأس بها حيث تمتاز هذه الرواية عن الباقي بميزتين الأولى هي ذكر العذاب لا مجرّد السؤال فقط كما في باقي الروايات، والثانية هي قيّدت الصورة بالحيوان حيث قالت ( من صور صورة من الحيوان ) بخلاف باقي الروايات حيث كانت الصورة فيها مطلقة وكنّا نقول لابد من تقييد الصورة وإلا فلا نحتمل أن صورة الجدار مثلاً محرّمة.
وما دامت مقيّدة فالإطلاق هل نأخذ به بالمقدار الذي نتيقّن بقاءه تحت الدليل أو نأخذ به فيما عدى معلوم الخروج ؟ وحيث إنّ كِلا الاحتمالين موجودٌ والسيرة لا نجزم على أيّ شيء تبني فإذن لابدّ وأن نقتصر على ما يتقيّن بقاءه تحت الدليل، والقدر المتيقن هو صورة الأصنام وما شاكل ذلك، هكذا كنّا نقول في تلك الروايات، أما هذه الرواية فهي مقيّدة من البداية بالحيوان.
نعم هناك مشكلة من حيث السند:- فإن جميع أفراد السند لا بأس بهم سوى محمد بن مروان فإن راويها الصدوق عن والده عن الحميري وهو من أعاظم أصحابنا عن يعقوب بن يزيد وهو جيّدٌ عن محمد بن الحسن الميثمي وهو موثّق عن هشام بن أحمر وهو وإن لم نعرفه إلا أنّه يكفي وجود وعبد الله بن مُسكان في طبقته وهو من أعاظم أصحابنا ومن أصحاب الاجماع، جميعاً عن محمد بن مروان فإنه مشتركٌ بين الثقة وغيره، وحيث لا يمكن التمييز فيكون السند محلّا للإشكال، إلا أن يقال بأن الراوي عن محمد بن مروان هو عبد الله بن مُسكان وهو من أصحاب الاجماع فبناء على المبني الذي يقول بكفاية وقوع أحد أصحاب الاجماع في اعتبارها فيكون السند معتبراً، أمّا نحن الذين لا نبني على ذلك إذ معنى ( أجمع ) أي من ناحيته فقط، فعلى هذا نصير إلى الاحتياط الوجوبي.
نعم هناك مناقشة أخرى في المتن:- فإنّ هذه الرواية رويت في مصادر ثلاثة أخرى من دون كلمة حيوان، فنفس الشيخ الصدوق - بعد هذه الرواية المذكورة - نقل رواية عن الخليل بن أحمد عن أبي جعفر الديبلي عن أبي عبدالله عن سفيان عن أبي أيوب السجستاني -السختياني - عن عكرمة عن ابن عباس قال :- ( قال رسول الله صلّى الله عليه وآله:- من صوّر صورة عذّب وكلّف أن ينفخ فيها وليس بفاعل، ومن كذب في حلمه عذب وكلّف أن يعقد بين شعيرتين وليس بفاعل ... )[2]، إنه في هذا النقل ذكر ( من صوّر صورة ) ولم يقل صورة حيوان.
وهناك نقلٌ أخر في الكافي عن أبي علي الأشعري عن أحمد بن محمد وعن حميد بن زياد عن الحسن بن محمد بن سماعة جميعاً عن أحمد بن الحسن الميثمي عن أبان بن عثمان عن الحسين بن المنذر قال:- ( قال أبو عبدالله عليه السلام:- ثلاثة معذبون يوم القيامة، رجل كذب في رؤيا يكلّف أن يعقد بين شعيرتين وليس بعاقد بينهما، ورجل صوّر تماثيل يكلّف أن ينفخ فيها وليس بنافخ ) [3]، والمذكور في هذه الرواية ( ورجل صوّر تماثيل ) ولم تقيّد بصورة الحيوان أيضا.
والسند في هذه الرواية جيّدٌ ما عدى الحسين بن المنذر فإنه لم يذكر بتوثيق.
وهناك نقلٌ ثالث في المحاسن:- ( قال أبو عبد الله عليه السلام:- ثلاثة معذّبون يوم القيامة، رجلٌ كذّب في رؤيا يكلّف أن يعقد ... ورجلٌ صوّر تماثيل يكلّف أن ينفخ فيها وليس بنافخ )، فالموجود فيها ( صوّر تماثيل ) ولم تقل حيواناً.
ونقل صاحب الوسائل هذه الرواية بعد نقله لرواية الكافي.
إذن هذه ثلاث نقول تتّفق على عدم وجود كلمة( حيوان ) وبذلك تضعف دلالة الرواية المذكورة سابقاً.
اللهم إلا أن يدافع مدافع ويقول:- إنّ الوارد في هذه النقول الثلاث هو تعبير ( يكلّف أن ينفخ فيها ) والنفخ يتصوّر في ذوات الأرواح مثلاً، وعليه إذا قلنا بأنّ النفخ يختصّ بالحيوان فتكون هذه الروايات قرينة على الرواية الأولى . وإن قلنا بأنّ النفخ أعمّ ويشمل حتى الشجرة فلا يتمّ ذلك.
عودٌ إلى صلب الموضوع:- فروايتنا إذن – وهي رواية محمد بن مروان-ـ ربما تقلّ قيمتها من ناحية وجود نقلٍ أخر.
إن قلت:- إنّ الروايات المتقدّمة وإن كانت محلّاً للتأمل والنقاش ولكنّ المشهور قد عمل بها فتنجبر حينئذٍ دلالتها لأجل فتوى المشهور على طبق الرواية بناءً على هذا المبنى، وهو شيءٌ جيد.
قلت:- إنّ هذا وجيهٌ لو كانت الشهرة عند القدماء دون المتأخرين، وهو يتمّ إذا كان المركز واحداً والمشهور أخذ به، وفي مقامنا توجد روايات متعدّدة فلعل بعضاً أخذ بهذه وآخر أخذ بتلك ... وهكذا . إذن وحدة المركز غير موجودةٌ.
نعم من حقك أن تقول:- إن المشهور يدعم ضعف الرواية امّا من باب حصول الاطمئنان أو من باب أن الخبر أذا أخذ به أهل الفنّ فالسيرة جارية على الأخذ به، فالخبر السياسي الذي يصل إلينا لو أخذ به السياسيون فنفس أخذهم به يولّد له اعتباراً فنعتمد عليه، ولكن هذا فيما لو كان الخبر واحداً والمركز واحداً قد استند إليه أهل الفن، وفي محلّ كلامنا يوجد تعدّدٌ في المركز ولا توجد وحدة.
إنّ قلت:- إنّ تعدّد الروايات هو بنفسه - بلا ضمّ المشهور - يورث الاطمئنان ويكون من باب التواتر أو الاستفاضة.
قلت:- هذا جيّدٌ فيما لو كانت الدلالة تامّة في الجميع مع فرض ضعف السند، ومشكلتنا في هذه الروايات المتقدّمة هي أنّ الدلالة غير تامّة . فإذن فهذه الكبرى لا تنفعنا.
إن قلت:- إنّ المسألة اجماعيّة فنأخذ به بقطع النظر عن الروايات، فإنه لم ينقل خلافٌ عن أحدٍ في الحكم بحرمة تصوير ذي الروح أعم من كونه مجسّماً أو بنحو النقش والرسم وبذلك نحصل على طريقٍ لا مشكلة فيه، وبعده لا معنى للمصير للاحتياط الوجوبي بل نفتي بذلك ؟!
قلت:- إذا ثبت الإجماع وكنّا نعتمد عليه فهو يتمّ فيما إذا لم يكن محتمل المدرك، وفي مقامنا توجد عدّة روايات فالإجماع المنقول تحتمل مدركيّته ولا يجزم بأن مضمونه وصل إلينا يداً بيد عن المعصوم عليه السلام، وقيمة الاجماع هي فيما إذا كان كاشفا عن رأي المعصوم، وانما يكشف عن ذلك فيما إذا لم يوجد مستندٌ يحتمل في المسألة، أمّا لو فرض وجود رواية أو أصل أو حكم عقليّ يحتمل الاستناد إليه فلا نجزم بوصوله إلينا يداً بيد من الإمام عليه السلام، خصوصاً وأنّ للشيخ الطوسي(قده) عبارة في التبيان تشعر بعدم تحريمه، والتبيان آخر ما ألّفه الشيخ - أي بعد وصوله للقمّة - ونصّ عبارته في تفسير سورة البقرة عند قوله تعالى ﴿ ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون﴾[4][5]حيث قال:- ( ومعنى قوله " ثم اتخذتم... ظالمون" أي اتخذتموه إلهاً لأن بنفس فعلهم لصورة العجل لا يكونون ظالمين لأن فعل ذلك ليس بمحظورٍ وانما هو مكروهٌ وما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنّه لعن المصوّرين معناه من شبه الله بخلقه أو اعتقد فيه أنّه صورة... )[6]، إنّه في هذه العبارة يقول إنّ معنى قوله تعالى ﴿ اتخذتم العجل ﴾ أي إلهاً لا أنّكم صورتموه، فالصورة ليست بحرامٍ بل هي مكروهة، خصوصا إذا التفتنا بأنّ العجل حيوانٌ . إذن الشيخ يقول إنّه حتى ولو كانت صورة حيوان فهي ليست بمحرّمة.
وأما أن التبيان آخر كتبه فلقوله (قده) في المبسوط:- ( وكنت عملت على قديم الوقت كتاب النهاية )[7]. إذن فالنهاية التي تحتوي على فتاواه متقدّمة.
وتوجد عبارة للصاحب السرائر في مسألة ولاية الأب والجدّ على البنت في النكاح يقول فيها:- ( وأيضا فشيخنا أبو جعفر الطوسي قد رجع وسلّم المذهب بالكليّة في كتابه كتاب التبيان ورجع عمّا ذكره في نهايته وسائر كتبه لأن كتاب التبيان صنّفه بعد كتبه جميعهاً واستحكام علمه وسبره للأشياء ووقوفه عليها وتحقيقه لها... )[8].
إذن الشيخ في التبيان قد يظهر منه المخالفة، وبالتالي فأقصى ما عندنا مشهورٌ هو ورواية محمد بن مروان وقد عرفنا حالها، فيكون المصير إلى الاحتياط الوجوبي شيءٌ وجيه.