37/05/18


تحمیل
الموضوع: يجب القضاء دون الكفارة في موارد, مسألة 2.
الاشكال الثاني: أنه على تقدير التسليم بإنعقاد السيرة على العمل بالخبر الثقة الواحد تعبداً لكن هذه السيرة مردوع عنها.
وقد استدل القائلون بالردع برواية مسعدة بن صدقة المعروفة (عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول : كل شيء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة، أو المملوك عندك لعله حر قد باع نفسه، أو خدع فبيع قهرا، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك، والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البينة)[1]
والاستدلال بذيل الرواية (والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البينة) فالذي يرفع الحلية هو احد امرين الأمر الاول أن يستبين لك الخلاف والأمر الثاني أن تقوم البينة على خلاف الحلية والاستدلال بالرواية هو أن يقال أن الرواية ظاهرة في حصر ما يوجب رفع اليد عن الحلية الاصلية بشيئين احدهما العلم والثاني قيام البينة الشرعية (شهادة عادلين), وخبر العدل الواحد لا يدخل في كل منهما, إذن هو ليس مما ترفع به اليد عن الحلية الثابتة على اساس كل شيء لك حلال وهذا يعني أنه ليس حجة.
بل المسألة اوضح من ذلك لأنه على تقدير أن يكون خبر العدل الواحد حجة يلزم لغوية جعل البينة حجة لأنها تشتمل على خبر العدل الواحد وضم خبر العدل الثاني إليه يكون بلا فائدة, إذن هذا الحديث يدل على عدم اعتبار خبر العدل الواحد فيكون هو الرادع عن هذه السيرة على تقدير ثبوتها في محل الكلام.
هذا هو الاشكال الثاني على السيرة وهناك عدة اعتراضات عليه اهمها:-
الاعتراض الاول: أن الردع في المقام لا يمكن اثباته في الخبر الواحد لأن الكلام فعلاً في حجية الخبر الواحد فحتى لو سلمنا أن جميع الرواة في هذه الرواية عدول وثقات لا معنى للاستدلال على عدم حجية خبر الواحد بخبر واحد مثله, فأن هذه مصادرة وهي غير جائزة, ففي هذا المقام كما أن الامضاء لا يثبت بخبر الواحد لا يثبت الردع بخبر الواحد ايضاً.
ويمكن دفع هذا الاعتراض بأن يقال أن الكلام في حجية الخبر الواحد في الموضوعات وهذا الكلام يأتي بعد الفراغ عن حجيته في باب الاحكام, ومن هنا يندفع هذا الاعتراض لأن خبر الواحد (خبر مسعدة بن صدقة) الذي استدل به على الردع عن هذه السيرة يدخل في خبر الواحد في باب الاحكام لأن مفاده أن خبر الواحد ليس حجة في الموضوعات وهذا حكم شرعي, فليس هناك مصادرة عندما يستدل بهذا الخبر على عدم حجية الخبر الواحد في باب الموضوعات الخارجية, فهذا الاعتراض غير وارد.
الاعتراض الثاني: اذا كانت الرواية دالة على الردع عن السيرة وبالتالي عدم حجية الخبر الواحد في الموضوعات الخارجية لكانت دالة على عدم حجية ما في ايدينا من الاخبار_ وهذا اللازم باطل اذ لا اشكال في أن خبر العدل الواحد حجة في الاخبار الموجودة في الكتب الاربعة مثلاً_ لأنها من قبيل الاخبار عن الموضوعات الخارجية فالراوي عندما ينقل الرواية ينقل قول الامام عليه السلام أو فعله أو تقريره وهذه الامور من قبيل الموضوعات الخارجية وليست من الاحكام الشرعية نعم هو (قول المعصوم أو فعله أو تقريره) كاشف عن الاحكام الشرعية, وحينئذ نكون بين امرين إما أن نقول بأن خبر الواحد حجة في الموضوعات وإما أن نقول أن خبر الواحد ليس حجة في نقل هذه الاخبار, وحيث أن الثاني لا يمكن الالتزام به فلابد من القول أن هذا الخبر لا يدل على عدم حجية الخبر الواحد في الموضوعات الخارجية.
ويمكن الجواب عن هذا الاعتراض بمنع ظهور ادلة الحجية في حجية الاخبار عن الحكم رأساً, فأن ادلة حجية الخبر الواحد تدل في باب الاحكام على حجية هذه الاخبار المتعارفة التي يتحدث فيها الراوي (زرارة مثلاً) عن أنه سمع الامام يقول كذا, وليس فيها دلالة على حجية الاخبار عن الحكم بلا توسط الاخبار عن قول المعصوم أو فعله أو تقريره, والا لو كان مفاد ادلة حجية خبر الواحد حجية نقل الحكم الشرعي مباشرة لكان داخلاً في باب الفتوى والاجتهاد ولا علاقة له بنقل الاخبار , فيكون من باب نقل النظر والاخبار عن الحدس لا النقل الحسي, والادلة لا تدل على حجية الاخبار عن حدس بل تدل على حجية الاخبار عن حس ولذا اغلب ادلة حجية الخبر الواحد عللت الحجية بالوثاقة أو توصيف الراوي الذي يعمل بخبره بأنه من الثقات, فالوثاقة ذُكرت في ادلة حجية الخبر الواحد وهي لا علاقة لها بتصويب النظر والرأي, بحيث يقال لو اخبرك زرارة عن الحكم الشرعي مباشرة (أي اخبرك عن نظره واجتهاده) فهو حجة لأنه ثقة, فأن هذا غير مقبول لأن الوثاقة ليست لها علاقة بتصويب النظر ومطابقة النظر للواقع, نعم هذا يقال في الاعلمية والفقاهة فأنه لهما دخل في ذلك, والوثاقة لها دخل في حجية الاخبار عن حس, وحينئذ يقال _بقرينة التعليل بالوثاقة وتوصيف الرواية بأنه يرويها الثقة وامثال هذه التعبيرات الموجودة في ادلة حجية الخبر الواحد_ ليس المراد بهذه الادلة جعل الحجية لخبر العدل الواحد الذي يخبر عن الحكم الشرعي مباشرة, وإنما المقصود جعل الحجية لخبر العدل الواحد اذا كان يخبر عن الحكم الشرعي بتوسط الخبر الحسي (الاخبار عن قول المعصوم أو فعله أو تقريره), بل هذا هو ظاهر ادلة الحجية كما في قوله عليه السلام (العمري وابنه ثقتان فما أديا إليك عني فعني يؤديان، وما قالا لك فعني يقولان)[2] أو قوله عليه السلام (فإنه لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا)[3] فالمقصود ب (يرويه عنا ) أي يقول سمعت الامام يقول كذا أو رأيت الامام يفعل كذا, إذن نفس ادلة حجية الخبر الواحد مختصة بالأخبار عن الحكم الشرعي بتوسط الاخبار حساً عما يثبته من قول المعصوم أو فعله أو تقريره, واذا لاحظنا رواية مسعدة بن صدقه بناءً على تماميتها دلالة وسنداً لأثبات عدم حجية الخبر الواحد في الموضوعات الخارجية, فما هو المقصود بالموضوعات الخارجية في هذه الرواية؟؟ فهل أن المقصود قول الامام عليه السلام وفعله وتقريره؟؟!!
فمن الواضح أن هذا ليس مقصوداً بل المقصود بها الامور الخارجية التي تكون من قبيل ما ذكرته الرواية (وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة، أو المملوك عندك لعله حر قد باع نفسه، أو خدع فبيع قهرا، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك)
فأن المقصود اذا قامت البينة على أن هذه اختك يجب عليك ترتيب الاثر على ذلك واذا قامت البينة على أن هذه رضيعتك يجب عليك ترتيب الاثر على ذلك ايضاً وكذلك يجب ترتيب الاثر عندما تقوم البينة على أن العبد الذي اشتريته لم يكن عبداً بل هو حر وكل هذا في البينة أما اذا قام الخبر الواحد على ذلك فلا ترتب الاثر لأنه ليس بحجة, والمقصود بخبر الواحد_ الذي هو ليس بحجة_ الذي يخبرك بأن هذا حر مثلاً أو هذه اختك أو رضيعتك فهي(الرواية) تنفي حجية خبر الواحد في الموضوعات الخارجية من هذا القبيل, لا نفي الحجية فيما لو كان من قبيل الاخبار عن قول المعصوم وتقريره وفعله, فإذا تمت رواية مسعدة ودلت على عدم الحجية فهي ليست ناظرة إلى ما في هذه الاخبار من نقل قول المعصوم أو فعله أو تقريره, فلا ملازمة بين دلالة هذه الرواية على عدم حجية خبر العدل الواحد في الموضوعات الخارجية وبين عدم حجيته في نقل هذه الاخبار .
الاعتراض الثالث: أن الرواية غير تامة سنداً فلا يجوز الاعتماد عليها في اثبات الردع عن السيرة على تقدير تسليم وجود السيرة وذلك بأعتبار أن مسعدة بن صدقة لم ينص على وثاقته في كتب الرجال, والوجوه التي ذُكرت لأثبات وثاقته ليست تامة, ومنها ما ذكرناه في محله من دعوى اتحاده مع مسعدة بن زياد الذي هو ثقة بلا اشكال.
واجيب عن هذا الاعتراض بأنه غير وارد حتى على فرض ضعف الرواية وعدم ثبوت وثاقة مسعدة بن صدقة وذلك بأعتبار وجود احتمال مطابقة هذه الرواية للواقع فلا يوجد قطع بعدم صدور هذا الكلام من الامام عليه السلام, واحتمال صدور هذا الكلام من المعصوم يساوق احتمال الردع عن هذه السيرة, فأن هذه الرواية لو كانت صادرة لكانت رادعة فأحتمال صدورها يساوق احتمال الردع بلا اشكال, وقد تقدم سابقاً أنه مع احتمال الردع لا يمكن احراز الامضاء لأن السيرة بما هي سيرة ليست بحجة وإنما الحجية لأمضائها من قبل المعصوم عليه السلام والامضاء لابد من احرازه, لكي نستدل بالسيرة على حجية خبر الواحد في باب الموضوعات, ولا يمكن احراز الامضاء مع احتمال الردع, إذن عدم تمامية الرواية سنداً لا يمنع من أن تكون هذه الرواية مانعة عن الالتزام بالسيرة لأثبات حجية خبر الواحد في الموضوعات الخارجية.
وقد استشكل في هذا الجواب بأنه لو سلمنا أن احتمال الردع يمنع من الاستدلال بالسيرة وهذا الاحتمال موجود في رواية مسعدة بن صدقة وهو يرويها عن الامام الصادق عليه السلام, وعليه يكون احتمال الردع غير موجود قبل زمان الامام الصادق عليه السلام لأن احتمال الردع ينشأ من هذه الرواية, مع أنه قبل زمان الامام الصادق هناك سيرة منعقدة من قبل العقلاء على العمل بخبر العدل الواحد في الموضوعات الخارجية, وحينئذ من الممكن في هذه الحالة استصحاب بقاء الامضاء الثابت قبل زمان الامام الصادق عليه السلام لأستكمال كل العناصر الموجبة لثبوت الامضاء في ذلك الزمان _ من انعقاد سيرة في الخارج على العمل بخبر الواحد في الموضوعات ومن عدم الردع_ فيثبت الامضاء قبل زمان الامام الصادق عليه السلام وعندما نأتي إلى زمانه عليه السلام وما بعده تجعلنا هذه الرواية نشك في بقاء الامضاء أو ارتفاعه فنستصحب بقاء الامضاء وبالتالي يمكن اثبات امضاء هذه السيرة وصحة الاستدلال بها على حجية الخبر الواحد في الموضوعات الخارجية.