33-12-05


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

33/12/05

بسم الله الرحمن الرحیم

 الموضـوع:- مسألة ( 351 ) / الـواجـب الخامس مــن واجبـات عمـرة التمتع ( التقصير) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
 وأما بالنسبة إلى السؤال الثاني:- فقد يقال كما قال السيد الخوئي(قده) بأن هذه الرواية صريحة في النظر إلى الجاهل ، يعني أن الحلبي كان جاهلاً بأنه لا يجوز الجماع قبل التقصير فهي صريحة بذلك بقرينة أن الامام عليه السلام قال ( رحمها الله كانت أفقه منك ) يعني أنت كنت جاهل بعدم جواز مقاربة الزوجة قبل التقصير بينما هي كانت عالمة بذلك فتعبير الإمام عليه السلام يدل على أن الحلبي كان جاهلاً ولذلك صارت زوجته أفقه منه بهذا الاعتبار.
 ولكن قد يجاب:- بأن الحلبي وإن كان جاهلاً ولكن بم كان جاهلاً ؟ أن السيد الخوئي(قده) قال إنه كان جاهلاً بحرمة المقاربة قبل التقصير فتصير الرواية شاهداً لنا فتخصّص القاعدة ، ولكن نحن نقول:- ربما كان جاهلاً بلحاظ حكم آخر فهو كان عالماً بأن المقاربة قبل التقصير حرام ولكنه كان يجهل أنه يجوز التقصير وهو في مكانه وليس من اللازم أن يكون على المروة أو كان يتخيّل أنه يلزم أن يكون التقصير بالمقص وهي أفقه منه باعتبار أنها التفتت إلى أن المقص ليس بلازم والمهم هو قطع بعض الشعر فقرضته بأسنانها فهي أفقه باعتبار التفاتها إلى وجود وسيلة سهلة ومختصرة للوصول إلى المحلّل فهو لم يلتفت وهي التفتت فكانت أفقه منه فلعل أفقهيتها بهذا الاعتبار لا أنه كان جاهلاً بأصل حرمة الجماع قبل التقصير فكيف يدّعى أن الرواية صريحة بأنه كان جاهلاً بالحكم كلا فهي ليست صريحة بذلك وإنما هي محتملة لذلك فدعوى صراحتها في ذلك قابلة للمناقشة.
 هذا وربما يدّعى في كونها ظاهرة بأن الحلبي كان عالماً بأصل الحكم لا كما ادعى السيد الخوئي(قده) وذلك لبيانات أربعة:-
 البيان الأول:- إن الحلبي من كبار أصحاب الإمام الصادق عليه السلام وكان رجلاً مطلعاً وعالماً وهو قريب من زرارة ومحمد بن مسلم إن لم يكن بمستواهما فكيف يخفى عليه هذا الحكم فيتعين أن يكون جاهلاً.
 وفيه:- إن هذه الكبرى قد تمسك بها الأعلام في موارد متعددة منها مضمرات زرارة الواردة في باب الاستصحاب فانهم قالوا بأن زرارة من أجلة الأصحاب فلا يناسبه أن يروي عن غير الإمام ولذلك قالوا بحجّيّة مضمراته وخرجوا بنتيجة وهي أن المضمِر متى ما كان من أجلاء الأصحاب فمضمراته تكون حجّة ، ويطبق هذا في مقامنا أيضاً فيقال إنه من أجلة الأصحاب فمن البعيد أن يخفى عليه هذا الحكم.
 ولكن نقول:- صحيح أنه من أجلّة الأصحاب ولكن ما يدريك أنه حينما روى هذه الرواية وصدر منه ما صدر كان في أخريات عمره الذي يُوصف فيه بالجلالة ولعل ما حصل له في أوائل عمره ، وعليه فهذا البيان لا يمكن الاعتماد عليه.
 البيان الثاني:- يمكن إن يقال إن هذا الحكم واضحٌ يعرفه الصغير والكبير والرجل والمرأة - يعني أنه لا يجوز للرجل أن يجامع قبل التقصير - فهو من واضحات العمرة والحج ولا يعتقد أنه يخفى على مثل الحلبي حتى لو كان في أوائل عمره.
 وفيه:- إن هذا شيء وجيه بيد أن ارتقاءه إلى مستوى الظهور بحيث يصيِّر الرواية ظاهرة في النظر إلى العالم بالحكم شيء مشكل.
 البيان الثالث:- إن الامام عليه السلام عبَّر عن الزوجة بأنها أفقه والمناسب في الأفقهية أن يكون الأفقه ملتفتاً إلى بعض النكات الخفيَّة فلأجل التفاته إلى ما قد يخفى يقال ( هو أفقه من ذاك ) فإن ذاك لا يلتفت إلى النكات الخفيَّة والنكتة الخفيَّة هنا هي كفاية القرض بالأسنان في تحقق التقصير فإن هذا شيء قد يخفى حتى علينا فهي قد التفتت إلى هذا الشيء الخفي فعدت أفقه فالأفقهية بهذا الاعتبار لا باعتبار أن أصل الحكم كان واضحاً عندها وهو كان جاهلاً به إن مثل هذا لا يعبَّر عنه بالأفقهية فإن الأفقهية يعبّر بها بلحاظ النكات الخفيَّة التي لا يلتفت إليها الجميع إلّا البعض.
 وفيه:- إن هذا وإن كان شيئاً وجيهاً إلّا أنه كسابقه لا يرتقي إلى مستوى الظهور بحيث تصير الرواية ظاهرة في الاختصاص في النظر إلى العالم بالحكم.
 البيان الرابع:- إن زوجة الحلبي قد امتنعت حينما أراد منها ما اراد ، ولماذا امتنعت ؟ لأنها لم تقصِّر بعدُ ومادامت لم تقصّر لا يجوز لها الجماع وحينئذ نقول إن نفس امتناعها يجعل الحلبي عالماً بالحكم إذ يوجد من أعلمه بالحكم - وهو زوجته - وعليه فلا يكون الحلبي جاهلاً لفرض امتناع زوجته من القبول فالرواية ناظرة إلى العالم ، ولعل هذا أحسن البيانات المذكورة.
 ولكن نقول:- نحن في غنىً عن الحاجة إلى الظهور بل يكفينا التردد - يعني ما دمت الرواية مرددة بين الاحتمالين فيحتمل أن الحلبي كان عالماً بالحكم ويحتمل أنه كان جاهلاً ومادام هناك تردد فيبقى إطلاق القاعدة على حاله لعدم الجزم بوجود مخصّص لها فانها تقول ( لا شيء على الجاهل إلّا في الصيد ) وهذا مطلق يشمل المقام فلو فرض أن قصّة الحلبي قد فرض فيها أنه كان جاهلاً وثبتت عليه البدنة فتصير هذه الصحيحة مخصِّصة لإطلاق القاعدة ، أما إذا فرض أنه كان عالماً فثبوت الكفارة يكون على طبق القاعدة . إذن بالتالي نحن نشك بوجود مقيّد لإطلاق القاعدة وأنه على أحد الاحتمالين يوجد مقيّد وعلى الآخر لا يوجد فنشك في أصل التقييد فيبقى إطلاق القاعدة على حاله وحينئذ يلزم أن نتمسك به ما دام لم يثبت المقيد له.
 إذن نحن لا نحتاج إلى دعوى الظهور في هذا أو ذاك بل يكفينا إجمال الرواية وترددها بين الاحتمالين فان المورد يصير آنذاك من موارد الشك في التقييد فنتمسك بإطلاق القاعدة.