37/06/11


تحمیل

الموضوع:- الولاية للجائر – مسألة ( 36 ) – المكاسب المحرمة.

وقد يقال:- إن هذه الرواية تدل على حرمة اعانتهم حتى في حالة الضيق والشدة حيث قال:- ( إنه ربما أصاب الرجل منا الضيق أو الشدة فيدعى إلى البناء يبنيه ... )[1] والإمام عليه السلام لم يجوّز له ذلك ، فعلى هذا الأساس هذه الرواية تكون معارضة للرواية السابقة ومعه تسقط الرواية السابقة بالمعارضة وحينئذٍ نبقى تحت العموم الذي يمنع من أعمال السلطان بأي شكلٍ من الاشكال - لأنّ المفروض أنه يوجد عندنا مثل هذا العموم - وبعد وجود هذا العموم الخروج عنه يحتاج إلى دليل وإذا لم يوجد دليل فحينئذٍ يبقى هذا العموم على حاله ولا نرجع إلى أصل البراءة ، وإلا إذا لم يكن لدينا ذلك العموم فلا نحتاج حينئذٍ إلى الرواية للاستثناء بل نتمسّك بأصل البراءة من البداية.

إذن نحن قد فرضنا من البداية وجود عموم يمنع من التعاون مع السلطان بأيّ شكلٍ من الاشكال وإلا إذا لم نفترض هذا في مرحلة سابقة فلا نحتاج حينئذٍ إلى استثناء أوّلٍ ثانٍ وثالث ، بل نحكم رأساً بالجواز لأصل البراءة ، فكلّ هذا الكلام مبنيّ على وجود العموم ، ولا تناقش في العموم الآن لأنّ هذا البحث مبنيٌّ على هذه الفرضية.

إذن الخروج من هذا العموم يحتاج إلى مخصّص ، وهذا المخصّص - وهو موثقة عمّار - قد فرضنا أنه معارض بصحيحة أو رواية ابن أبي يعفور فيتساقطان ونرجع إلى العموم السابق ، فلا ننتفع بموثقة عمّار التي أشرنا إليها ، هكذا قد يقرّب الاستدلال بهذه الرواية.

وفيه:- إنه يوجد فيها فقرتان قد يتمسّك بهما لإثبات التحريم وعدم جواز التعاون مع السلطان حتى في حالة الضيق والشدة على مستوى البناء يبنيه والنهر يكريه وهما إما قوله عليه السلام:- ( ما أحب أني عقدت لهم عقدة أو وكيت لهم وكاءً ).

فإن كان المقصود التمسّك بهذه الفقرة فقد أجبنا فيما سبق وقلنا إنّ كلمة ( ما أحبّ ) ليس فيها دلالة على التحريم بل هي كما تلتئم مع التحريم تلتئم مع الكراهة أيضاً ، يعني هي تدلّ على جامع المبغوضية الأعم من المبغوضية على مستوى التحريم والمبغوضية على مستوى الكراهة ، فهذا التعبير إذن لا يمكن أن نستفيد التحريم حتى تكون هذه الرواية معارضة لموثقة عمّار.

أو نقول هناك عبارة ثانية يمكن التمسّك بها وهي قوله عليه السلام:- ( إن أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتى يحكم الله بين العباد ).

وإذا كان المقصود التمسّك بهذه العبارة فقد أجبنا عنه سابقاً حيث قلنا أنّ من المحتمل أنّ المورد ليس من موارد الأعوان بل هو من موارد الاعانة والتعاون، وقد قلنا هناك فرقٌ بين عنوان الأعوان وبين عنوان التعاون والاعانة ، فالمورد حينما يكري النهر فهو في الحقيقة تعاون مع السلطان ولا يصدق عليه أنه من أعوان الظلمة ، إنما يصدق عنوان أعوان السلطان على مثل الوزير والوالي وغيرهما أما أن يكري النهر فهذا لا يصدق عليه أنه من أعوان السلطان ، نعم هو متعاون معه ، فكيف عبّر الإمام عليه السلام بالأعوان والحال أنّ المورد هو مورد الاعانة والتعاون ؟

ذكرنا فيما سبق أنه يحتمل أن يكون المقصود من ( لا أحبّ ذلك ) يعني أنه إذا كريت لهم النهر فلعل قليلاً قليلاًً تصير من الأعوان الذي هو شيءٌ محرّم ، وعلى هذا الأساس لا يمكن أن نستفيد حرمة التعاون ، فنفس التعاون هو ليس بحرامٍ ، نعم هو مبغوضٌ لأنّ الامام عليه السلام يعلّل وجه الكراهة فيقول لأني أخاف عليك في يوم من الأيام أن تصير من الأعوان والأعوان يوم القيامة في سرادق من نار.

إذن لا يمكن التمّسك بهذه الرواية لإثبات حرمة الاعانة إذا لم يصدق عنوان الأعوان.

إن قلت:- إنّ ما ذكرته احتمالٌ لا مثبت له ، فلعل الإمام عليه السلام يقصد من الأعوان هنا المعنى الأعم الشامل لحالة التعاون والاعانة معاً.

قلت:- أنا أريد أن أدّعي من خلال هذا الكلام أنّ الرواية مجملة ، فكما يحتمل أنّ المراد من الأعوان ما يشمل الاعانة والتعاون فيثبت التحريم بقرينة في سرادق من نار ، يحتمل أيضاً أنّ الاعانة والتعاون ليس حراماً ولكنه مكروه لأني أحذر عليك أن تصير من أعوانهم في يوم من الأيام ، فالرواية من ناحية هذه الفقرة سوف تصير مجملة ، فلا يصحّ التمسك بها لإثبات حرمة الاعانة والتعاون.

إذن لا يمكن التمسّك بهذه الرواية كمعارضٍ لموثقة عمّار.

والنتيجة هي أن موثقة عمّار تبقى صالحة لأنّ تخصّص العموم.

الرواية الثانية:- وقد تقدمت أيضاً ، وهي رواية زياد بن أبي سلمة:- ( دخلت على أبي الحسن موسى عليه السلام فقال لي:- يا زياد انك لتعمل عمل السلطان، قال قلت:- أجل ، قال لي:- ولِمَ ؟ قلت:- أنا رجل لي مروءة وعلي عيال وليس وراء ظهري شيء ، فقال لي:- يا زياد لئن أسقط من حالق – جالق - فأتقطع قطعة[2] أحب إلي من أن أتولى لأحد منهم عملاً أو أطأ بساط رجل منهم ، ألا لماذا ؟ إلا لتفريج كربة مؤمن أو ... ، يا زياد إنّ أهون ما يصنع الله جلّ وعزّ بمن تولى لهمن عملاً أن يضرب عليه سرادق من نار إلى أن يفرغ الله جلّ وعزّ من حساب الخلائق ، يا زياد فإن وليت شيئاً من أعمالهم فأحسن إلى اخوانك فواحد بواحدة )[3] .

وهذه الرواية قد يتمسّك بها كمعارضٍ للرواية السابقة حيث منع الإمام عليه السلام وسد الباب على زياد بن سلمة رغم أنه قال ( إني رجل لي مروءة وعلي عيال وليس وراء ظهري شيء ) فهو لم يرتضِ تفاعل زياد مع السلطان الجائر ، فتكون إذن معارضة لموثقة عمّار ، فتسقط موثقة عمّار فيبقى عموم المنع من التعاون مع السلطان على حاله.

وقد يردّ على التمسّك بهذه الرواية بإيرادات :-

الايراد الأوّل:- إنّ الوارد في هذه الرواية قوله عليه السلام:- ( يا زياد لئن أسقط من حالق فأتقطع قطعة أحب إلي من ان أتولى لأحد منهم عملاً ) ، ومعلومٌ أنّ هذا التعبير لا يدلّ على التحريم بل هو يلتئم مع الكراهة ، فنفس الاشكال الذي أوردناه على صحيحة أو رواية ابن أبي يعفور يرد على هذه الرواية.

والجواب:- إنه من يريد التمسّك بهذه الرواية فهو لا يتمسّك بهذه الفقرة ، وإنما من المناسب أن يتمسّك بالفقرة الأخيرة وهي قوله عليه السلام:- ( يا زياد إن أهون ما يصنع الله جلّ وعزّ بمن تولى لهم عملاً أن يضرب عليه سرادق من نار إلى يفرغ من حساب الخلائق ) فهذا التعبير يدلّ على التحريم بقرينة قوله ( إنّ أهون ما يصنع الله حلّ وعزّ بمن تولى لهم عملاً أن يضرب عليه سرادق من نار ).

إن قلت:- لِمَ لم تذكر نظير هذا الكلام في الرواية السابقة ، يعني في الرواية السابقة قلنا لا يمكن التمسّك لا بفقرة ( ما أحب أني عقدت لهم عقدة ) لأنه يدلّ على جامع المبغوضية ، ولا بفقرة ( إن اعوان الظلمة في سرادق من نار ) ، أمّا الآن فقد تمسّكت بالفقرة الثانية ، فالفقرة الثانية إذا كان يصلح التمسّك بها فتعال وتمسّك بها في الرواية السابقة وإذا كان لا يصلح التمسّك بها فحينئذٍ لا تتمسّك بها في الاثنين معاً ؟

قلت:- إنّ الفارق ين الروايتين واضح ، فإنّ الرواية السابقة الموجود في فقرتها الثانية هو ( إنّ أعوان الظلمة ) ونحن كلامنا في الاعانة لا في الأعوان ، فلا يمكن التمسّك بالفقرة الثانية إلا بتوسيع الأعوان وشموله للإعانة والتعاون معاً ، وقد قلنا هذا احتمالٌ ولكن يعارضه الاحتمال الذي أبرزناه ، أمّا في هذه الرواية فلا توجد كلمة أعوان وإنما الموجود في فقرتها الثانية هو ( إن أدنى ما يصنع الله جلّ وعزّ بمن تولى لهم عملاً أن يضرب عليه سرادق من نار ) فعنوان الأعوان ليس موجوداً ، وعلى هذا الأساس تكون هذه الفقرة صالحة لأن يتمسّك بها.

الايراد الثاني:- أن يقال:- إنّ هذه الرواية مطلقة بينما موثقة عمّار التي تمسّكنا بها للاستثناء الثالث هي بمثابة المقيّد لأنها وادة في الشدّة حيث قال:- ( سئل عن أعمال السلطان يخرج فيه الرجل ، قال:- لا إلا أن لا يقدر على شيء يأمل ولا يشرب ولا يقدر على حيلة ) ، فموردها هو أنّ الإمام عليه السلام جوّز ذلك فيما إذا ضاقت الدنيا على هذا الإنسان ، فهذه بمثابة المقيد ، وأما التي قالت:- ( إن أدنى ما يصنع الله جل وعز بمن تولى لهم عملاً أن يضرب عليه سرادق من نار ) هي مطلقة ، فحينئذٍ نقيدها ونقول إنّ المقصود من ( أدنى ما يصنع الله عزّ وجلّ بمن تولى لهم عملاً أن يضرب عليه سرادق من نار ) هو إن لم يكن في شدّة أو ضيق ، فنقيّد إطلاق هذه الرواية ونطبّق قانون الإطلاق والتقييد.

ويردّه:- إنَّ هذا جيّدٌ وإلا لم يكن ما ذكره الإمام عليه السلام كتطبيقٍ على المورد ، فإنّ المورد كان هو أنّ زياد أصابته شدّة ورغم ذلك ذكر له الإمام عليه السلام في الذيل قانوناً وهو إنّ أدنى ما يصنع الله جلّ وعزّ بأعوان الظلمة أنهم في سرادق من نار ... .

فإذن حينما ذكر الإمام عليه السلام هذا القانون العام مورده والقدر المتيقّن منه هو صاحب الشدّة لأنّه طبقه عليه ، وعلى هذا الأساس لا يمكن أن تخرج مورد الشدّة ممّا ذكره الامام لأنّ الذي ذكره هو الفرد الداخل فيه بنحو القدر المتيقن وهو في مقام التخاطب لأنّ الحوار هو عن صاحب الشدّة والامام عليه السلام طبق هذا القانون في مورد فرض فيه أنّ الرجل صاحب شدّة ، فلا يمكن إن نخرج صاحب الشدّة بالتقييد ونعمل قانون الاطلاق والتقييد لأنّ معنى التقييد أنه تخرج من هذا الاطلاق صاحب الشدّة بينما الإمام ذكر هذا القانون وأراد أن يطبقه على صاحب الشدّة لأنّ الحوار كان عن صاحب الشدّة وهذا ما يعبّر عنه بالقدر المتيقّن في مقام التخاطب ، وإخراج القدر المتيقن في مقام التخاطب من العموم أو من الإطلاق لا يمكن.

إذن هذا الاعتراض على هذه الرواية أمرٌ غير ممكن.


[2] وفي نسخة الموجود ( قطعة قطعة ) وهو الانسب.