استسقاء الإمام السجاد ( عليه السلام ) لأهل مكة
قال ثابت البناني : كنت حاجّاً مع جماعة من عباد البصرة ، فلمَّا دخلنا مكّة رأينا الماء ضيِّـقاً ، وقد اشتدَّ بالناس العطش لقلة الغيث .
ففزع إلينا أهل مكـة والحُجَّاج يسألوننا أن نستسقي لهم ، فأتينا الكعبة وطفنا بها ثمَّ سألنا الله خاضعين متضرعين بها فَمُنِعْنَا الإجابة . فبينما نحن كذلك إذا نحن بفتى قد أقبل وقد أكربته أحزانه ، وأقلقته أشجانه ، فطاف بالكعبة أشواطاً ثم أقبل علينا فقال : يا مالك بن دينار ، ويا ثابت البناني ، ويا أيوب السجستاني ، ويا .. ويا ، حتى عدَّنا وعدَّ من جلس معنا ، فقلنا : لبيك وسعديك يا فتى . فقال : أما فيكم أحد يحبّه الرحمن ؟ فقلنا : يا فتى ، علينا الدعاء وعليه الإجابة . فقال : أبعدوا عن الكعبة ، فلو كان فيكم أحد يحبّه الرحمن لأجابه ، ثم أتى الكعبة فخرَّ ساجداً فسمعته يقول – في سجوده – : سيدي ، بِحُبِّك لي إلا سقيتهم الغيث . قال ثابت : فما استتم كلامه حتى أتاهم الغيث كأفواه القرب . قال مالك بن دينار : فقلت : يا فتى ، من أين علمت أنه يحبك ؟ قال : لو لم يحبني لم يستزرني ، فلما استزارني علمت أنه يحبني ، فسألته بحبه لي فأجابني . ثم ذهب عنَّا وأنشأ يقول :
مَن عَرَفَ الرَّبَّ فلم تُغنِهِ |
معرفة الرَّبِّ فَذَاكَ الشَّقِي |
مَا ضَرَّ في الطاعة ما نَالَهُ |
في طاعةِ اللهِ وما ذَا لَقِي |
مَا يصنع العبدُ بغير التُّقَى |
والعِزُّ كُل العِزِّ للمُتَّقِي |