امرأتان ورجل






وأصدقائي ، انهم يتمردون عليّ بدعوى أنني متمردة وهم يبتعدون عني لحجة أنني منحرفة ولكن اليسوا هم المنحرفون ؟ أفلا يسمى انحرافاً هذا التعقيد الذي اختاروه لأنفسهم في الحياة ؟ أليس انحرافاً هذه الأفكار الرجعية العتيقة التي جعلوا منها المحور الذي تدور حولها تحركاتهم في الحياة ؟ نعم أنهم هم المنحرفون حتى حسنات هذه التي تحسب أنها قد اتخذت لنفسها طريقاً صالحاً وتريد أن تجعل من نفسها قديسة حتى حسنات هذه أليست منحرفة وشاذة حينما وافقت على الزواج من انسان لم تره ولم تتعرف عليه من قبل ؟ انسان بعيد لم يكلف نفسه حتى مشقة السفر لحضور العقد وإنما اكتفى أن يوكل أباه بدلاً عنه لماذا ؟ لأنه متدين لأنه يماثلها في الشذوذ وإلا وإذا لم يكن شاذاً فلماذا يترك فتيات أوربا الجميلات ليفتش في الزوايا عن زوجة مثل حسنات وهو لا يعوزه شيء عن التمتع كما يريد بأحلى الحسناوات وأغلاهن فهو شاب جميل. نعم جميل. ومتمكن مادياً فأي شذوذ وتعقيد دفعه أن ينصرف عن حسناوات انكلتره ليفتش عن فتاة مثل حسنات ؟ صحيح أن حسنات جميلة أيضاً وعلى مستوى عال من الثقافة ولكنني أكرهها وما كنت أتصور أنها تحظى بعريس مثل هذا ، ولكنه معقد على كل حال وسوف لا ولن تسعد معه حسنات ...؟

شيء يهم ) وبدأت تقرأ وهي تحاول أن تصدق مع الكاتب أن لا شيء يهم. فلا الكرامة مهمة ولا الضمير مهم ولا ما بعد الموت مهم ولهذا فقد سهرت مع هذه القصة التي كتبت لها ولمثيلاتها إلى ساعة متأخرة من الليل.














الغانيات ، إن مصطفى رجل مؤمن مستقيم لا يقلب حتى عينيه في وجوه الغانيات ، وهذا هو ما دفعني إلى قبوله بكل سعادة ورضاء ، فما دمت أعلم أن لديه رادع من نفسه ودينه أكون واثقة منه في قربه وبعده لأن هذه هي الحصانة الوحيدة التي تلازمه في مكة كان أو في باريس.




والحسد فتحت الرسالة ، فطالعها خط جميل منمق يحكي عن شخصية الكاتب ، ثم بدأت تقرأ الرسالة فكانت :






مصطفى


( الدينية ) قالت هذا ثم ذهبت إلى خزانتها تفتش عن شمعة ، فوجدت عدداً من الشموع الملونة الصغار مطوقة بشريط ذهبي كتب عليه : عيد ميلاد سعيد مع تمنياتي لك بالسعادة والايمان ... فضحكت في عصبية ، واستخرجت شمعة منها وهي تقول لطيف أن أحرق رسالة مصطفى إليها بالشموع التي أهدتها هي إليّ ، نعم أن هذه الشمعة الصغيرة النحيلة واحدة من مجموعة الشموع التي أهدتها الي بمناسبة عيد ميلادي الثامن عشر ، وقد بقيت حتى الآن رهينة هذه الخزانة تنتظر أن تكون أداة حرقاً لرسالة مصطفى وبالتالي أداة حرق لراحتها وسعادتها ، وكانت رحاب خلال ذلك توقد الشمعة وتحاول أن تثبتها على حافة المنضدة ثم أخذت الرسالة بيدها لتدنيها من النار ، وهناك خطرت لها فكرة ، فما جدوى أن تحرق هذه الرسالة لأنه سوف يرسل لها رسالة ثانية وثالثة وسوف لن يصدف لها أن تجد ساعي البريد أمام الباب في كل مرة ، إذن فان احراق هذه الرسالة وحده لا يكفي ، ولا يجدي شيئاً ، وفكرت لحظات ، ثم لاحت لها فكرة سرعان ما اقتنعت بصوابها ، فهي سوف تكتب إلى مصطفى بدلاً عن حسنات ، وسوف تحاول بكتابتها أن تحطم في نفسه هذه الثقة بحسنات ، ثم أن عليها أيضاً أن تعطيه عنواناً آخر غير عنوان هذا البيت ، وهذا ليس بالصعب عليها فهي تتمكن أن تعطي عنوان دائرتها ولكن باسم صديقتها هناك ، وفعلاً فقد صممت أن تنفذ هذه الفكرة ، إذن فإن عليها أن تحتفظ
بالرسالة ، فلعلها سوف تحتاج إلى مراجعتها فيما تكتب ، فجلست لكي تكتب إلى مصطفى قائلة :











حسنات
ملاحظة : أرجو إرسال الجواب وكل رسالة أخرى على العنواني الآتي :
مديرية الري ـ قسم الاحصاء
الآنسة ميادة ناجي
بادرت رحاب إلى ابراد الرسالة على العنوان الذي ذكره مصطفى في رسالته ، وقد استشعرت بشيء قليل من تأنيب الضمير لأن رسالتها كانت كفيلة بهدم سعادة أختها ، ولكنها استعادت طاقات الحقد الموجودة لديها وابعدت عنها التفكير بتأنيب الضمير ، وبقيت تنتظر النتائج.


وصلت الرسالة إلى مصطفى ، فاستلمها على لهفة الشوق والحنين ، وأسرع إلى قراءتها بفرحة وسعادة ، ولكنه سرعان ما أحس بالصدمة والخيبة ، ثم بالذهول والحيرة ، وحاول أن يكذب عينيه ، فأعاد القراءة من جديد ، ولكن اعادة القراءة لم تزده إلا يقيناً بما يرى ، انها حسنات ، الفتاة الطيبة المؤمنة
الطاهرة التي اختارتها له أخته زينب ومدحتها له بشكل جعله يقدم على خطوبتها حتى دون أن يراها ، نعم أنها حسنات ، تلك التي عقد على حياته معها الآمال الكبار ، والأماني العذاب ، فإذا بها تكتب إليه لتقول وبصراحة ، بأنها لا تؤمن حتى بوجود الله !! فما أقسى هذا وأدهاه ؟ ولكن كيف حدث هذا يا ترى ؟ وكيف انخذعت بها زينب على هذا الشكل ، وهي صديقتها المفضلة ، ثم كيف له أن يتصرف حيال هذا الموقف المرير ؟ وحاول مصطفى أن يفكر بموقفه بعد أن تخلص قليلاً من هول الصدمة ، فكان أول ما خطر له أن يرسل إلى زينب رسالة تأنيب ومعها توكيل بالطلاق ، ولكنه عاد فخطر له أن تعجله بالطلاق يعني تهرباً من مسؤوليته تجاهها ، وهي مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فلعله الآن قادر على محاولة هدايتها ، وله بعد ذلك وعلى فرض نجاحه أو فشله أن يتصرف تجاهها كما يشاء ، وكان كلما فكر أكثر ترجحت عنده هذه الخطوة فكتب إليها الجواب ، وحرص أن يكون جواباً للشبهة لا أكثر ولا أقل فكان هكذا :