أعْلامُ
النِّساءِ المُؤمِنَاتِ
النِّساءِ المُؤمِنَاتِ
مُحَمَّد الحَسُّونْ | اُم عَلي مَشكُور |
دار الأسوة للطباعة والنّشر
ايران
مقدّمة الطبعة الثانية
الحمدُ لله حمداً دائماً أبداً ، والصلاة والسّلام على البشير النذير والسراج المنير ، سيّدنا ومولانا أبي القاسم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم . وعلى أهل بيته وخاصّته وحامّته ، ووديعته في اُم ّته حتى ورود حوضه ، حيث يرث الله الأرض ومَن عليها . واللعنة الدائمة المتّصلة المترادفة المتواصلة على شانئيهم وغاصبيهم ما أوجب الحقّ تعالى لهم حتى قيام القيامة وملامة النفس اللّوامة ، حيث يخسأ أقوام فلا يتكلّمون ، ويبتهج آخرون إذ يتنعمون .
وبعد
قبل عدّة سنوات خَرجت الطبعة الاُولى من هذا الكتاب ، الذي نال ـ بحمد الله تعالى ـ استحسان عدد كبير من العلماء الأعلام والاُخوة المثقّفين . فقد بعث إلينا بعضهم رسائل يُعربون فيها عن تقديرهم لهذا المجهود ، ويحثّوننا على الاستمرار في البحث عن المزيد من التراجم . كما قامت بتعريفه عدّة صحف ومجلاّت في داخل الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة ، فللّه درّهم وعليه أجرهم .
وها هي الطبعة الثانية نُقدّمها بين يدي القارىَ الكريم ، بعد نفاد نسخ الطبعة الاُولى ، ولابُدّ هنا من الاشارة إلى عدّة نقاط :
الاُولى : المقصود بالعَلميّة في هذا الكتاب : هو أن يكون للمرأة موقف يُقتدى به ، بغضّ النظر عن مستواها العلمي والثقافي . فنحن نذكر الراويات والمحدّثات والمجتهدات
والفقيهات والمؤلّفات والأديبات والشاعرات ، وغيرهن ، باعتبار أنّ كلّ واحدة منهنّ يمكن أن تصبح قدوة في الدور الذي أدّته في الحياة .
وإلى جانب ذلك كلّه نذكر المجاهدات وصاحبات المواقف البطوليّة وإن كُنَّ اُم ّيات لا يقرأن ولا يكتبن ، فالحاضرات في واقعة الطف ، والمشاركات في ثورة العشرين العراقية ، نعتبر كلّ واحدةٍ منهنّ عَلماً وصاحبة موقف بطولي يُقتدى به .
الثانية : المقصود بالإيمان هو المعنى الخاص لا العام ، فنذكر مَن تيّقنا أنّها مؤمنة أو غلب الظنّ القوي على ذلك .
الثالثة : بعض التراجم احتلّت مساحةً كبيرةً من هذا الكتاب ، والبعض الآخر لم تستوعب ترجمتها سوى عدّة سطور رحمه الله وذلك ناشىَ عن المعلومات المتوفّرة لدينا عن المترجَم لها ، أو حجم الدور الذي أدّته في الحياة .
الرابعة : لم نجعل كتابنا هذا علميّاً جافّاً ، ولا ثقافياً سطحيّاً ، بل أمر بين أمرين . فجمعنا بين الجانب العلمي الرزين ، حيث وقفنا على النقاط العلميّة التي تحتاج إلى وقفة وتأمّل . وبين الجانب الثقافي العام ، فحاولنا قدر الامكان تبسيط لغة الكتاب والابتعاد عن استعمال المصطلحات الغريبة .
وتعرّضنا أيضاً في أثناء سرد التراجم إلى ذكر نكاتٍ ثقافيّة ومعلومات اضافيّة ترتبط بصاحبة الترجمة : إمّا بتعريف بسيط لوالدها أو زوجها ، وإمّا بتسليط بعض الأضواء على واقعة معيّنة ، وإمّا بذكر بيت شعرٍ أو عدّة أبي ات اقتضت الحاجة إليها .
كلّ ذلك من أجل أن نجعل مساحة الاستفادة من هذا الكتاب كبيرة ، خصوصاً لنساء عصرنا ، فقد أخبرنا بعض الأخوة والأخوات بأنّهم استفادوا من المعلومات المدرجة فيه عند كتابةِ مقالٍ مُعيّن يُنشر في الصحف والمجلاّت ، أو في تهيئة محاضرة تُلقى في بعض المناسبات .
وأخيراً فإنّنا نؤكد بأنّ التراجم المذكورة في هذا الكتاب لا تُمثّل العدد الواقعي للنساء المؤمنات اللواتي كان لهنّ مواقف في الحياة ، بل هذا ما تعرّفنا عليه وتوصّلنا إليه خلال
مطالعاتنا ومتابعاتنا القاصرة . فالرجاء من القرّاء الكرام أن لا يضنّوا علينا بأيّة ملاحظة أو تصويب ، فالعصمة لله وحده ، والمرء قليل بنفسه كثير بأخيه ، والحمد لله ربّ العالمين .
محمّد الحسّون ـ اُم علي مشكور 23 محرّم 1418هـ |
مقدمة الطبعة الأولى
الحمد لله سابغ النعم ، واهب الحكم . والصلاة والسّلام على رسوله العَلَم الأعلم ، ذي الخُلق المعظّم ، الذي شهدت بفضله ياسين والقلم ، سيّدنا ومولانا ، نبيّنا ومقتدانا محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، وعلى آله كاشفي الظلم ، وهداة العرب والعجم ، وعلى صحبهم الأخيار وتابعيهم من شتى الاُم م ، ولأعدائهم أسفل درك في جهنم .
وبعد ،
لقد حظيت المرأة المسلمة بمراتب عُليا في ظلّ دينها الحنيف ، فبيّضت بمواقفها الصحائف ، وأعلنت شموخ شخصيتها ، من خلال أدوارها المشرّفة في كلّ مجال وحين . فلم تدع فضيلة إلاّ ولها فيها يد ، فالفقه والحديث ، والشعر والنثر ، والجهاد : إمّا بالحضور في سوح المعارك ، وإمّا بإلقاء كلمة الحقّ عند سلاطين الجور .
ولكن ، للأسف لم يطّلع العالم ـ والمرأة خصوصاً ـ على هذه الأسرار ، حيث ضياؤها مخفيّ في غور المكتبات ، وأسماء أعلام نساء الدين الحنيف مبعثرة في أوراق صارت طعاماً للحشرات والآفات ، وذلك ناتج من عدم اهتمام المؤرخّين بالمرأة .
فعندما لاحظنا وتعرّفنا على مواقف المرأة في مختلف الأزمنة والعصور ، خطرتْ في بالنا فكرة تأليف كتاب جامع لأكبر عدد ممكن من أعلام نساء الإيمان ذوات المواقف المشهودة . فتوكلنا على الحيّ القيّوم ، وشرعنا بتأليف هذا الكتاب ، واستمر عملنا الدؤوب
4">
في فترة تجاوزت الثلاث سنين ، وهو الآن بين يديك أيها القارىء الكريم ، فأملنا ورجاؤنا الوحيد أن تُعطي للكتاب حقّه ، وتتّخذين أيتها الاُخت المؤمنه هذه النسوة قدوة لك واُسوة حسنة رحمه الله لكي تنتهي إلى ما انتهت إليه تلك النساء من كمال ورفعة شأن وشموخ شخصيّة .
وكان منهجنا في تأليفه هو البحث عن كلّ كتاب يتعرّض لتراجم النساء ، صالحها وطالحها ، مستقلة أو منضمّة إلى تراجم الرجال . والله يعلم ما حجم المعاناة التي كنّا نعانيها في سبيل الحصول على هذه الكتب ، فكتاب من هذا الصديق ، وآخر من تلك المؤسسة أو المركز العلمي ، وهكذا نسعى وراء كلّ كتاب نسمع به ، فجزى الله الذين أعارونا كتبهم أحسن جزاء المحسنين .
وعند حصولنا على كتاب فيه تراجم نقوم بإستقرائه ، ونثّبت الصالح منه ، وأثناء ذلك نتعّرف على كتب اُخرى فنسعى للحصول عليها ، ونثّبت ما نراه جيّداً منها ، وبذلك نكون قد استقرأنا عدداً كبيراً من الكتب سجّلناها في آخر الكتاب في فهرس للمصادر ، وبعض المصادر التي لم نحصل عليها كنّا ننقل عنها بالواسطة .
وبعد فترة من العمل الجاد والمثابر تجمّعت لدينا ترجمة أربعمائة امرأة تقريباً لهنّ دور في المجتمع الإسلامي ، وتخيّرنا هنا بين أمرين :
الأول : تقديم التراجم بعد أخذها من الموسوعات دون الرجوع إلى المصادر الرئيسية التي اعتمد عليها مؤلفو هذه الموسوعات .
الثاني : الرجوع إلى كلّ المصادر الرئيسية المعتمدة ، وجعل الموسوعات مجرد كشّاف لمعرفة أكبر عدد ممكن من التراجم ، فأعلام النساء ، وأعيان الشيعة ، ومعجم رجال الحديث ، وغيرها من الموسوعات تعتمد على مصادر رئيسية .
فاخترنا الأمر الثاني مع ما فيه من الصعوبة البالغة ، فكنّا نذهب إلى المكتبات أو نجلب بعض الكتب إلى البيت من أجل التعرّف على صحّة ما هو موجود في الموسوعات ، وتثبيت أرقام صفحات تلك المصادر ، وقد استغرقت هذه العمليّة وقتاً كبيراً . ونتيجة لذلك فقد تعرّفنا على ما وقع فيه بعض المؤلّفين من أخطاء ، ونشير إلى بعضها على سبيل المثال لا
الحصر :
ففي معجم رجال الحديث نرى أنّ السيّد الخوئي حفظه الله ورعاه يذكر اُمي الصيرفي ـ وهو راوٍ للحديث ـ في الجزء23 المختص بالنساء ، ويقول :
اُمي الصيرفي : روى الشيخ بسنده عن حنان عن اُمي الصيرفي أو بينه وبينه رجل ، عن عبدالملك بن عمير القبطي . التهذيب : الجزء9 ، باب ميراث أهل الملّة المختلفة ، الحديث1311 .
ثم قال : كذا في الطبعة القديمة على نسخة ، وفي نسخة اُخرى منها : حنان ، عن أبي الصيرفي ، وهو الموافق لما رواه في الإستبصار الجزء4 ، باب انه يرث المسلم الكافر ولا يرثه الكافر ، الحديث715 ، وفيه : عبدالملك بن عمر القبطي أيضاً ، والوافي والوسائل كما في هذه الطبعة من التهذيب (1) .
وعند مراجعتنا للمصادر نرى أنّ اُمي الصيرفي رجل وليس امرأة ، وقد اشتبه الأمر على السيّد الخوئي حفظه الله ورعاه فحسبه امرأة وذكره في الجزء 23 المختص بذكر النساء . علماً بأنّه ذكر اُمي الرواني في مكان آخر من معجمه ، قال :
اُمي الرواني : من أصحاب الصادق عليه السلام ، ذكره البرقي وقال : صيرفي كوفي ، وفي كتاب سعد : مرادي (2) .
وفي أعيان الشيعة قال السيّد محسن الأمين :
شراجة الهمدانية : قد وقعت في طريق الصدوق رحمه الله في باب ما يجب من التعزير والحدود في رواية شعيب العرقوفي ، عن أبي بصير ، وليس لها ذكر في كتب الرجال (3) .
وعند مراجعتنا للفقيه نجد الرواية هكذا :
____________
1 ـ معجم رجال الحديث 23 : 182 ، رقم 15598 .
2 ـ معجم رجال الحديث 3 : 233 رقم 1537 .
3 ـ أعيان الشيعة 7 : 335 .
وخرج أمير المؤمنين عليه السلام بشراجة الهمدانية فكاد الناس يقتل بعضهم بعضاً من الزحام ، فلمّا رأى ذلك أمر بردّها حتى خفّت الزحمة ، ثم اُخرجت وأغلق الباب ، قال : فرموها حتى ماتت ، ثم أمر بالباب ففتح ، قال : فجعل مَن دخل يلعنها . . . . . . (1)
ويتّضح من هذه الرواية أنّ شراجة الهمدانية امرأة زانية أقام الإمام علي عليه السلام عليها الحدّ ، فاشتبه الأمر على السيّد الأمين فحسبها واقعة في طريق الصدوق ، وأوردها في كتابه المختص بذكر سِير وتراجم أعيان الشيعة رجالاً ونساءً . علماً بأنّه يذكر عدداً كبيراً من النساء وفي نهاية الترجمة يقول : ولا نعلم أنّها من شرط كتابنا ـ أي من الشيعة ـ وذكرناها لذكر الشيخ لها .
وعند مراجعتنا لكتاب الرجال للشيخ الطوسي رحمه الله نرى أنّه لم يقتصر على ذكر ترجمة الشيعة فقط ، بل حتى أنّه يذكر أسماءً عُرفت بعداوتها لعلي بن أبي طالب سلام الله عليه ، إذاً فمجرد ذكر الشيخ لأحد لا يستلزم كونه شيعياً ، إلاّ إذا دلّت قرائن اُخرى على ذلك .
وفي تراجم أعلام النساء قال مؤلّف الكتاب الشيخ محمّد حسين الأعلمي الحائري :
زرقاء بنت عدي بن غالب بن قيس الكوفية ، كانت ممن يُعين عليّاً يوم صفين ، فقال عليه السلام لأصحابه : أيكم يحفظ كلام الزرقاء ؟
فقال القوم : كلنّا نحفظه يا أمير المؤمنين .
قال : فما تشيرون عليّ فيها ؟
قالوا : نشير عليك بقتلها .
قال : بئس ما أشرتم عليَّ به ، أيحسن بمثلي أن يتحدّث الناس أني قتلت اُم رأة بعد ما ملكتُ وصار الأمر لي ، ثم دعا كاتبه في الليل فكتب إلى عامله في الكوفة أن أوفد إليّ الزرقاء ابنة عدي مع ثقة من محرمها وعدّة
____________
1 ـ من لا يحضره الفيه 4 : 16 ، حديث 28 .
من فرسان قومها ، ومهّدها وطاءً ليناً واسترها بستر خصيف ، والتفصيل في بلاغات النساء ص32 (1) .
وعند مراجعتنا لبلاغات النساء وغيره من المصادر الاُم وجدنا أنّ الشيخ الحائري وقع في خطأ فظيع لايُغتفر ، إذ أنّ الكلام المتقدّم : ( أيكم يحفظ كلام الزرقاء . . . . . ) هو لمعاوية ابن أبي سفيان وليس لعليّ بن أبي طالب عليه السلام ، وهو واضح لأي قارىء متأمّل ، إذ كيف يشير أصحاب علي عليه السلام ـ لو كان الكلام لعلي عليه السلام ـ بقتلها وقد نصرته في حرب صفين .
ولعلّ الحائري اشتبه عليه الأمر عندما قرأ عبارة ( أمير المؤمنين ) ، فتصوّرَ أنّ الكلام للإمام علي عليه السلام ، وغاب عنه أنّ معاوية بن أبي سفيان يلقّب بهذا اللقب زوراً ، وهو أمير الفاسقين لا غير .
وليس هذا هو الخطأ الوحيد الذي وقع فيه الشيخ الحائري ، فهناك أخطاء كثيرةً وزّلات كبيرة في كتابه المذكور ، فمثلاً أخطأ عند ذكر « زوج سكينة » ، إضافة إلى أنّه ذكر تراجم عدد من النساء الطالحات ، فنراه يذكر فريدة المغنية ويصفها بجودة الغناء ، ثم يذكر قرّة العين ، تلك المرأة المنحرفة التي اتفق الجميع على لعنها والبراءة منها ، ويذكر أيضاً العجوز المكّارة ، وكيف أنّها كانت تجيد المكر في سبيل إغراء الفتيات وايقاعهنّ في الرذيلة .
ونراه أيضاً يختار ترجمة الأيام الاُولى من حياة فضل الشاعرة ، ولا يتعرّض لسوء عاقبتها وانحرافها ، وغير ذلك من التراجم التي كان الأولى عدم ذكرها .
ولا ندري ما غرض الشيخ الحائري من ذكر أمثال هذه التراجم ، أهو لتكبير حجم الكتاب ؟ أو لكثرة عدد التراجم ؟ أو لأي شيء ؟ . ولا شك ولا ريب أنّ هكذا كتاب لا فائدة فيه ، وبالأخص عند قراءة فتيات عصرنا له ، حيث إنّهنّ يتطّلعنَ لمعرفة المكانة السامية للمرأة في الإسلام ، وما أدّته من أدوار بطوليّة ومشرّفة عَبرَ التأريخ الإسلامي .
ولم يكتف الشيخ الحائري بذلك ، بل صدّر كتابه بمقدمة أخذت من حجم الكتاب 189
____________
1 ـ تراجم أعلام النساء 2 : 118 .
صفحة ، تعرّض فيها لبعض ما يتعلّق بالمرأة كالحجاب ، والزواج والحث عليه ، وصفات الزوجة ، والكفاءة ، وحقّ الزوجة والأولاد ، ثم أفرد باباً خاصاً تحت عنوان : « كيفية المعاشرة والمجامعة مع النساء » ، وليته لم يكتب هذا الباب ولم يتعرّض لهذا الموضوع رحمه الله لأنّه ليس من شأنه ، ولمنافاته لغرض الكتاب .
فإن قلتَ : ألم يتعرّض غيره من العلماء لهذه المواضيع في كتب شتى معروفة لدى الكثير من الناس ؟
قلنا : إنّهم تعرّضوا لذلك في كتب ترفيهية على شكل كشكول ، أو كتب كان الغرض الأساسي منها هذه المواضيع ، لا كما فعله الشيخ الحائري ، فإن الغرض من كتابه ذكر تراجم النساء . ولو أن فتاةً قرأت هذا العنوان « تراجم أعلام النساء » وأخذت هذا الكتاب وفتحته فرأت فيه هذا الباب ، فما عساها أن تقول ؟ ! .
وفي رياحين الشريعة ذكر المحلاّتي ترجمة فضيلة الشاعرة نقلاً عن فوات الوفيات لمحمّد بن شاكر الكتبي ، وقد أثنى عليها ، وذكر بعضاً من أشعارها ، وقال :
إنّها كانت شيعية ، لها اعتبار عند الخلفاء ، وكانت تتوسّط لأهل مذهبها عندهم (1) .
وعند مراجعتنا لفوات الوفيات وجدنا أنّ اسم هذه الشاعرة « فضل » وليس « فضيلة » ، ثم إنّ المحلاتي ذكر قسماً من ترجمتها من فوات الوفيات ولم يذكر الترجمة كاملة ، حيث فيها :
وعشقت ـ فضل ـ سعد بن حميد ، وكان من أشد الناس نصباً وانحرافاً عن آل البيت رضي الله عنهم ، وكانت فضل نهاية في التشيع ، فلمّا هوته انتقلت إلى مذهبه ولم تزل على ذلك إلى أن توفّيت (2) .
فيتّضح من هذا سوء عاقبتها وانحرافها عن أهل البيت : علماً بأنّ اسم الكتاب « رياحين
____________
1 ـ رياحين الشريعة 5 : 38 .
2 ـ فوات الوفيات 3 : 185 رقم 393 .
الشريعة في ترجمة عالمات نساء الشيعة » ، فكان الأفضل عدم ذكرها . وعند مطالعة هذا الكتاب نجد تراجماً كثيرة جداً لا ينطبق عليها هذا العنوان ، فهذه مغنّية ، وتلك جارية جميلة عند العباسيين ، واُخرى شاعره مبدعه ووو . . . . ثم انّه عقد باباً خاصاً لذكر النساء الطالحات والمعروفات بالفحشاء أمثال النابغة اُم عمرو بن العاص ، وهند ، وزوجة أبي لهب ، وسجاح ، وفطام ، وامرأة لوط ، وغيرهنّ من النساء .
وفي أعلام النساء قال عمر رضا كحالة :
اُم علي بنت محمّد بن مكي العاملي الجزيني ، فقيهة فاضلة عابدة ، وكان والدها المتوفى سنة 786هـ . يثني عليها ويأمر النساء بالرجوع اليها (1) .
وهذا خطأ واضح ، إذ أنّ اُم علي هي زوجة الشهيد الأوّل محمّد بن مكي الجزيني العاملي وليست بنته ، وابنته هي اُم الحسن فاطمة المدعوة بست المشايخ ، وكانت فاضلة صالحة عابدة ، تروي عن أبي ها وعن ابن معيّة شيخ أبي ها . علماً بأنّ كحالة قد ذكر اُم الحسن بنت الشهيد الأوّل في موضع لاحق من كتابه (2) .
والغريب في الأمر أنّ الشيخ محمد رضا الحكيمي ذكر ترجمة اُم علي في كتابه أعيان النساء (3) يلا نقلاً عن كحالة في أعلام النساء ، ولم يكلّف نفسه ولو قليلاً بمراجعة ما اعتمد كحالة في هذه الترجمة ، لذلك نراه يقع في عين الخطأ الذي وقع فيه كحالة ، علماً بأنّه قد ذكر اُم الحسن ست المشايخ في صفحة لاحقة من كتابه (4).
وبعملنا هذا نكون قد حصلنا على ترجمة أربعمائة امرأة مؤمنة لهنّ دور مشرّف في المجتمع الإسلامي ، وفي هامش كلّ ترجمة أكبر عدد ممكن من المصادر التي توصّلنا
____________
1 ـ أعلام النساء 3 : 332 .
2 ـ أعلام النساء 4 : 139 .
3 ـ أعيان النساء : 335 .
4 ـ أعيان النساء : 510 .
إليها . واقتصرنا في بحثنا على مَن تَيَقَنّا أنّها مؤمنة أو غلب الظنّ على ذلك رحمه الله لأنّا لم نجد مَن كتب بهذه الصورة ، إضافة إلى اعتقادنا بفائدة هكذا بحث وتأثيره في المجتمع ايجابياً ، لا كمن كتب عن صالح النساء وطالحهنّ ، فهذه مغنّية مشهورة ، وتلك زانية معروفة ، واُخرى فائقة في الجمال لا غير .
ولا ندّعي أنّنا قد حقّقنا كُلَ ما كنّا نصبوا إليه ، ولا يمثّل هذا العدد الذي ذكرناه ـ كمّاً ونوعاً ـ حقيقة الأدوار البطولية التي أدّتها المرأة المؤمنة ، بل انّه يعكس لنا بعضاً من المواقف المشرّفة التي وقفتها المرأة المؤمنة ، فحتماً هناك عدد كبير من التراجم التي لم نتعرّف عليها ، لعلّنا نعرفها وننشرها في الطبعة الثانية لهذا الكتاب إن شاء الله تعالى .
وقبل أن تتعرّف عزيزي القارىء على ما أوردناه من تراجم في هذا الكتاب ، لابدّ لك من التعرّف على الأدوار التي مرّت بها المرأة ، سواء قبل الإسلام أو في عالمنا الحاضر . ومن أجل أن تُجيب عن تلك التخرّصات والإفتراءات والأراجيف التي يطلقها أعداء الإسلام اليوم ، وما يثيرونه من شُبهات حول حقوق المرأة في الإسلام ، ويدّعون بأنّ النظام الإسلامي قد حرم المرأة من حقوقها ، وجعلها في سجن مفتاحه بيد الرجل ، وأنقصها ميراثها ، وفرض عليها الحجاب ، ومنعها من التعلّم ، إذاً فالمرأة المسلمة مظلومة دون غيرها من النساء .
ومن أجل أن نتعرّف على مكانة المرأة في المجتمع الإسلامي ، وما أعطاها الإسلام من حقوق وما فرض عليها من واجبات ، لابدّ من دراسة أحوال المرأة وحقوقها في المجتمعات الاُخرى ، سواء تلك التي كانت قبل الإسلام ، أو التي نعاصرها الآن من مجتمعات غربية وشرقية ، والتي تدّعي التحضّر والتمدّن . ثم نقارن بينها وبين ما أعطاه الإسلام للمرأة من حقوق ، ونعرف مَن الذي بخسَ حقّها وظلمها وأنزلها إلى الحضيض وجعلها تبعاً للرجل ، بل لعبة في يده يميل إليها متى جاع وينبذها نبذ النواة متى شبع .
6
حياة المرأة قبل الإسلام نستطيع أن نُقسّم الاُم م التي سبقت الإسلام إلى : اُم م متمدّنة ، واُخرى غير متمدّنة .
ونقصد بالمتمدّنة : تلك التي تحكمها بعض الرسوم والعادات الموروثة ، كبلاد الصين والهند ومصر وايران .
وغير المتمدّنة : هي المجتمعات الوحشيّة والهمجيّة التي لا ضابط لها في الحياة غير القوّة والسطوة ، شأنهم في ذلك شأن الحيوان ، كبلاد أفريقيا واستراليا وأمريكا القديمة . وكانت المرأة في المجتمعات المتمدّنة أفضل نوعاً ما من المجتمعات غير المتمدّنة .
الاُمم غير المتمدّنة :
حياة النساء في هذه الاُم م كحياة الحيوانات بالنسبة إلى الرجل ، فكما أنّ للرجل حقّاً في امتلاك الحيوانات والاستفادة من لحمها وشعرها وصوفها وحليبها ، والركوب عليها وحمل الأثقال من مكان إلى آخر ، وغيرها من التصرّفات المشروعة ، بل حتى غير المشروعة من قتل وايذاء . كذلك كانت المرأة عندهم ، كانت حياتها تبعيّة لحياة الرجل ، وأنّها لم تُخلق لذاتها بل خلقت لأجل الرجل ، ووجودها فرع لوجود الرجل ، ومكانتها مكانة الطفيلي بالنسبة للرجل ، وليس لها من حقوق إلاّ ما رآه الرجل حقّاً له أوّلاً .
فكان لوليّها ـ الأب أو الزوج ـ أن يبيعها ، أو يهبها ، أو يقرضها للخدمة أو الفراش أو الإستيلاد ، أو لأيّ غرض من أغراض الإقراض . بل كان له أن يسوسها حتى بالقتل ، أو يتركها حتى تموت ، أو يذبحها ويأكل لحمها في المجاعات .
وفي مقابل هذا كلّه ما كان على المرأة إلاّ أن تطيع الرجل وتنفّذ أوامره ، فهي تقوم بأمر البيت وتربية الأولاد ، وكل ما يحتاجه الرجل . بل كانت تقوم بأعمال شاقّة فوق قدرتها وطاقتها ، فهي تحمل الأثقال ، وتعمل الطين وغيرها من الحرف والصناعات .
ولكلّ اُمّة من هذه الاُم م خصائل وخصائص وعادات وتقاليد وآداب وسنن خاصة بها ،
ورثتها من التي سبقتها ، نتعرّض لها قريباً إن شاء الله تعالى .
الاُمم المتمدّنة :
كانت المرأة في هذه الاُم م أرفه حالاً بالنسبة إليها من الاُم م غير المتدّنة ، فلم تقتل ولم يؤكل لحمها ولم تستقرض ، وكان لها حقّ تملّك بعض الأموال من الإرث وغيره ، إلاّ أنّها كانت تحت ولاية الرجل وقيمومته ، فلا استقلال لها ولا حريّة ، فلا تنجز عملاً إلاّ بعد موافقة وليّها ، ولا تتدخل في شؤون الحياة أبداً ، بل كان عليها أن تختص ب اُم ور البيت والأولاد ، وأن تطيع الرجل في كلّ ما يأمرها ، وتُمنع من أي معاشرة خارج منزلها ، وليس لها أن تتزوّج بعد موت زوجها ، بل إمّا أن تُحرق معه ، أو تبقى ذليلة بعده ، أو يتزوجها بعض محارمها .
وكان للرجال أن يتزوّجوا امرأة واحدة يشتركون في التمتع بها ، ويلحق الأولاد بأقوى الأزواج . وفي أيام الحيض كان عليها أن تنفرد عن عائلتها بمأكلها ومشربها رحمه الله لأنّها نجسة خبيثة . ولكلّ اُم ة من هذه الاُم م مختصات بحسب اقتضاء المناطق والأوضاع نتعرض لها بإيجاز .
المرأة الآشوريّة :
ساد شرع حامورابي في المجتمع الآشوري ، فكانت القوانين التي تطبّق هي القوانين التي وضعها حامورابي في لوحته المعروفة ، والتي منها تبعيّة المرأة للرجل ، وسقوط استقلالها في الإرادة والعمل .
ومن السلبيات التي كانت سائدة آنذاك أنّ الزوجة إن لم تُطع زوجها ، أو استقلت بعمل معيّن دون مشاورته ، كان يحقّ للرجل أن يخرجها من بيته ، أو يتزوّج عليها زوجة اُخرى ، ويتعامل مع الاُولى معاملة ملك اليمين . بل انّ الزوجة إن أخطأت في تدبير شؤون المنزل كان لزوجها أن يرفع أمرها إلى القاضي ، ثم يغرقها في الماء .
اذاً فالمرأة الآشورية كانت ملكاً للرجل ، لا فرق بينها وبين الحيوان ، فالرجل يمسكها متى أراد ، ويطلّقها متى شاء . وله الحقّ في أن يحرمها من التملك ، وما عليها إلاّ تنفيذ أوامر الرجل .
المرأة السومريّة :
لم تكن المرأة السومريّة أفضل من الآشوريّة ، بل كانت تُعامل معاملة فَضّة غليظة ، شأنها شأن المـرأة في جميع الشعوب في تلك الأزمنة ولم تكن مكانتها أحسن من أخواتها في البلاد المجـاورة ، فكانوا يعاملونها على أنّها تابعـة للرجل ، وما خلقت إلاّ لإسعاد الرجل .
المرأة الروميّة :
تعتبر الروم من أقدم الاُم م وضعاً للقوانين المدنيّة ، وضع القانون فيها أوّل ما وضع في حدود سنة أربعمائة قبل الميلاد ، ثم أخذوا في تكميله تدريجياً ، وهو يعطي للبيت نوع استقلال في إجراء الأوامر المختصة به ، ولربّ البيت ـ وهو زوج المرأة وأبو أولادها ـ نوع ربوبيّة كان يعبده لذلك أهل البيت ، كما كان هو يعبد مَن تقدّمه من آبائه السابقين عليه في تأسيس البيت ، وكان له الإختيار التام والمشيئة النافذة في جميع ما يريده ويأمر به على أهل البيت من زوجة وأولاد حتى القتل لو رأى أنّ الصلاح فيه ، ولا يعارضه في ذلك معارض .
وكانت النساء ـ نساء البيت كالزوجة والبنت والاُخت ـ أردأ حالاً من الرجال حتى الأبناء التابعين محضاً لرب البيت ، فإنهنّ لم يكنّ أجزاء للاجتماع المدني ، فلا تسمع لهنّ شكاية ، ولا تنفذ لهنّ معاملة ، ولا تصح منهنَّ في الاُم ور الإجتماعية مداخلة ، لكن الرجال أعني الذكور من الأدعياء ـ فإن التبنّي وإلحاق الولد بغير أبي ه كان معمولاً شائعاً عندهم ، وكذا في اليونان وايران والعرب ـ كان من الجائز أن يأذن لهم ربّ البيت في الإستقلال ب اُم ور الحياة مطلقاً لأنفسهم .
ولم يكنّ أجزاءً أصيلة في البيت ، بل كان أهل البيت هم الرجال ، وأما النساء فتبع ،
فكانت القرابة الإجتماعية الرسمية المؤثرة في التوارث ونحوها مختصة بما بين الرجال ، وأمّا النساء فلا قرابة بينهن كالاُم مع البنت ، والاُخت مع الاُخت ، ولا بينهن وبين الرجال كالزوجين ، أو الاُم مع الابن ، أو الاُخت مع الأخ ، أو البنت مع الأب . ولا توارث فيما لا قرابة رسميّة ، نعم القرابة الطبيعية ـ وهي التي يوجبها الإتصال في الولادة ـ كانت موجودة بينهم ، وربما يظهر أثرها في نحو الازدواج بالمحارم ، وولاية رئيس البيت وربّه لها .
وبالجملة ، كانت المرأة عندهم طفيليّة الوجود ، تابعة للرجل ، زمام حياتها وإرادتها بيد ربّ البيت من أبي ها إن كانت في بيت الأب ، أو زوجها إن كانت في بيت الزوج ، أو غيرهما . يفعل بها ربّها ما يشاء ، ويحكم فيها ما يريد ، فربما باعها ، وربما وهبها ، وربما أقرضها للتمتع ، وربما أعطاها في حقّ يراد استيفاؤه منه كدَين وخراج ونحوهما ، وربما ساسها بقتل أو ضرب أو غيرهما ، وبيده تدبير مالها إن ملكت شيئاً بالإزدواج ، أو الكسب مع إذن وليها ، لا بالإرث رحمه الله لأنّها كانت محرومة منه ، وبيد أبي ها أو واحد من قومها تزويجها ، وبيد زوجها تطليقها (1) .
وسادت في مجتمع الروم أيضاً مظاهر الفسق والفجور ، مما يدلّ على امتهان كرامة المرأة وسلبها عفافها ، بل جعلها اُلعوبة بيد الرجل يقضي منها حاجته ، فكثرت الدعارة والفحشاء ، وزيّنت البيوت بصور ورسوم كلها دعوة سافرة إلى الفجور ، وأصبحت المسارح مظاهر للخلاعة والتبرّج الممقوت ، وانتشر استحمام النساء والرجال في مكان واحد وبمرأى من الناس . أمّا سرد المقالات الخليعة والقصص الماجنة فكان شغلاً مرضياً مقبولاً لا يتحرّج منه أحد ، بل الأدب الذي كان يتلقاه الناس بالقبول هو الذي يُعبّر عنه اليوم بالأدب المكشوف .
____________
1 ـ انظر : الميزان في تفسير القرآن 2 : 264 .
11
المرأة اليونانيّة :
في اليونان كان الأمر عندهم في تكوين البيوت وربوبيّة أربابها فيها قريباً من الوضع عند الروم ، فقد كان الإجتماع المدني وكذا الإجتماع البيتي عندهم متقوّماً بالرجال ، والنساء تبع لهم ، ولذا لم يكن لها استقلال في إرادة ولا فعل إلاّ تحت ولاية الرجال ، لكنّهم جميعاً ناقضوا أنفسهم بحسب الحقيقة في ذلك ، فإنّ قوانينهم الموضوعة كانت تحكم عليهن بالاستقلال ولا تحكم لهنّ بالتبع إذا وافق نفع الرجال ، فكانت المرأة عندهم تُعاقب بجميع جرائمها بالإستقلال ، ولا تثاب لحسناتها ، ولا يراعى جانبها إلاّ بالتبع وتحت ولاية الرجل .
اذاً كانت المرأة في عصر اليونانيين في غاية الإنحطاط وسوء الحال من حيث الأخلاق والحقوق القانونية والسلوك الإجتماعية ، فلم تكن لها في مجتمعهم منزلة أو مقام كريم ، فهي تقضي وقتها في المنزل تغزل وتنسج وتخيط ثيابها وثياب زوجها وأطفالها ، وليس لها من الثقافة شيئاً أبداً حيث كانت تمنع من الذهاب إلى المدارس .
المرأة الصينيّة :
كان المجتمع الصيني يعيش حالة فوضى ، فهو أقرب الى الوحوش من البشر ، لا يضبطهم قانون ولا عادات ، والأبناء يعرفون اُم هاتهم دون آبائهم ، وكانوا يتزاوجون بدون حشمة ولا حياء ، حتى ظهر الحكيم « فوه ـ سي » سنة 2736 قبل الميلاد ، ووضع لهم القوانين وسنّ لهم الأنظمة .
إلاّ أنّ المرأة لم تحصل من هذه القوانين على حقّها ، بل حتى على درجة من الكرامة . فاعتبرها القانون تابعة للرجل ، تنفّذ أوامره وتقضي حاجته ، ولا ميراث لها بل الميراث للذكور فقط . والزواج بالمرأة يعتبر نوعاً من اشتراء نفسها ، ولا تشارك زوجها ولا أبناءها الغذاء ، بل عليها أن تجلس جانباً لوحدها ، ويحقّ لمجموعة من الرجال أن يتزوّجوا امرأة واحدة يشتركون في التمتع بها والأستفادة من أعمالها .