وفريضة الاخت الواحدة لابوين او لاب ( قُلِ اللهُ يُفتيكُم في الكَلالَةِ اِن امرؤٌ هَلَكَ لَيسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُختٌ فَلَها نِصفُ ما تَرَكَ ) (1) ، وفريضة الزوج عند عدم الولد ( وَلَكُم نِصفُ ما تَرَكَ اَزواجُكُم اِن لَم يَكُن لَهُنَّ وَلُد ) (2) .
وفي الربع : فريضة الزوج مع الولد ( فَاِن كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُم الرُّبعَ مِمّا تَركنَ مِن بَعدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها اَو دَينٍ ) (3) ، وفريضة الزوجة مع عدم الولد ( وَلَهُنَّ الرُّبعَ مِمّا تَرَكتُم اِن لَم يَكُن لَكُم وَلَدٌ ) (4) .
وفي الثمن : فريضة الزوجة مع الولد ( فَاِن كانَ لَكُم وَلَد فَلَهُنَّ الثَمُن مِمّا تَرَكتُم مِن بَعدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها اَو دَينٍ ) (5) .
وفي الثلثين : فريضة الاختين لابوين او لاب ( فَاِن كانَتا اثنَتَينِ فَلَهُما الثُلُثانِ مِمّا تَرك ) (6) ، وفريضة البنتين فاكثر ( فَاِن كُنَّ نِساءً فَوقَ اثنَتَينِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ماتَرَك ) (7) .
وفي الثلث : فريضة الام عند عدم وجود الابن للميت ، وعدم وجود الاخوة له يحجبونها عما زاد عن السدس ( فَاِن لَم يَكُن لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ اَبَواه فَلأمِّهِ الثُلُث ) (8) ، وفريضة الاخوات من الام فقط ( فَاِن كانُوا اَكثَرَ مِن ذلِكَ فَهُم )
____________
1 ـ النساء : 176 .
2 ـ النساء : 12 .
3 ـ النساء : 12 .
4 ـ النساء : 12 .
5 ـ النساء : 12 .
6 ـ النساء : 176 .
7 ـ النساء : 11 .
8 ـ النساء : 11 .
( شُرَكاءُ في الثُلُث ) (1)
وفي السدس : فريضة الابوين مع الولد ( وَلاَبَوَيهِ لِكُلِّ واحِدٍ منُهما السُّدُس مِمّا تَرَكَ اِن كانَ لَهُ وَلَدٌ ) (2) ، وفريضة الام مع الاخوة ( فَاِن كانَ لَهُ اِخوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُس ) (3) ، وفريضة الاخ الواحد او الاخت الواحدة من الام ( وَاِن كانَ رَجُلٌ يُورث كَلالَة اَو امرأةّ وَلَهُ اَخٌ اَو اختٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنهُما السُّدُس ) (4) .
ويمكن ان تجتمع الفروض بعضها مع بعض ، فالنصف يجتمع مثلاً مع الربع كالزوج والبنت حيث ان للبنت النصف وللزوج الربع ، وهناك موارد متعددة تجتمع فيها الفروض .
ويمكن ان يمنع شخص من الارث كلا او بعضا بسبب وجود فرد آخر ، فيكون الثاني حاجباً والاول محجوباً . والحجب على نوعين : حجب الحرمان ، حيث يكون الحاجب سبباً لمنع المحجوب عن اصل الميراث كحرمان الجد كلية بسبب وجود الاب ، والضابط لحجب الحرمان مراعاة الاقرب ، لقوله تعالى : ( وَاُولُوا الاَرحامِ بَعضُهُم اَولى بِبَعضٍ في كِتابِ اللهِ ) (5) . وحجب النقصان ، وهو ان يكون الحاجب سبباً للمنع من النصيب لا من اصل الارث كحرمان الزوج مما زاد على الربع بسبب وجود الولد .
ويصطلح الفقهاء على نقصان الفروض عن التركة ب ـ « التعصيب » .
____________
1 ـ النساء : 12 .
2 ـ النساء : 11 .
3 ـ النساء : 11 .
4 ـ النساء : 12 .
5 ـ الانفال : 75 .
ومثال ذلك ، ان فرض البنت الواحدة النصف ، فاذا مات الاب وله بنت واحدة فقط وليس له ولد ذكر ، فان بعض المذاهب الاسلامية قد جعلت اخ الميت شريكاً مع البنت ، فيأخذ مع البنت النصف . ولكن فقهاء الامامية قالوا بان التعصيب باطل ، وان ما بقن من الفرض يجب رده على صاحب الفرض القريب ، فالتركة اذن ترجع بكاملها الى البنت ، وليس لاخ الميت شيء، لقوله تعالى : ( لِلرِجالِ نِصيبٌ مِمّا تَرَكَ الوالِدانِ وَالاَقرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصيبٌ مِمّا تَرَكَ الواِلدانِ وَالاَقرَبُونَ مِمّا قَلَّ مِنهُ اَو كَثُرَ نَصيباً مَفرُوضاً ) (1) .
اما « العول » فهو اصطلاح يطلقه الفقهاء على زيادة السهام على التركة بوجود الزوج او الزوجة . كما لو ترك الميت زوجة وابوين وبنتين ، ففرض الزوجة الثمن ، وفرض الابوين الثلث ، وفرض البنتين الثلثان . ولا تحتمل الفريضة ثمناً وثلثاً وثلثين . ولكن علماء الامامية قالوا بعدم العول وبفاء الفريضة ، وان النقص يدخل دائماً على البنات والاخوات دون الزوج والزوجة والام والاب ، وعليه فان للزوجة الثمن وللابوين الثلث والباقي للبنتين .
والمرتبة الاولى من مراتب الارث تشمل الابوين والاولاد واولادهم . والولد اصطلاح يطلق على الذكر والانثى لانه مشتق من الولادة كما قال تعالى : ( يُوصِيكُمُ اللهُ في اَولادكُم لِلذَّكَرِ مِثل حَظِّ الاُنثَيَينِ ) (2) . واستدل بميراث المرتبة الاولى بقول الامام محمد الباقر (ع) : ( لا يرث مع الام ، ولا مع الاب ، ولامع الابن ، ولا مع الابنة ، الا الزوج والزوجة ، وان
____________
1 ـ النساء : 6 .
2 ـ النساء : 11 .
الزوج لا ينقص من النصف شيئاً اذا لم يكن [ له ] ولد ، وان الزوجة لاتنقص مع الربع شيئاً اذا لم يكن [ لها ] ولد ، فان كان معهما ولد فللزوج الربع ، وللمرأة الثمن ) (1) . واحكام مواريث الاب ، والام ، والاولاد ، واولاد الاولاد ، والحبوة مفصلة ي كتب الفقه ، وعرضها هنا بشكل استدلالي يخرج عن نطاق هذا الكتاب .
والمرتبة الثانية تشمل الاجداد والجدات ، والاخوة والاخوات واولادهم . وقد اطلق على الاخوة اسم الكلالة وهي من الاكليل لاحاطتهم بالفرد كما يحيط الاكليل بالرأس . فاذا كان للميت مثلاً اخوة ذكور من ابيه وامه قُسِّم المال بينهم بالسوية ، وان كان معهم اناث فللذكر مثل حظ الانثيين كما ورد نصاً واجماعاً . ويعتبر في تقسيم الارث في هذه المرتبة ان الجد كالاخ ، والجدة كالاخت ، للروايات المتضافرة ، ومنها : ( يورث الاخ من الاب مع الجد ينزله بمنزلته ) (2) ، و ( ان الجدة مع الاخوة من الاب مثل واحد من الخوة ) (3) . و ( ان الجد مع الاخوة يرث حيث ترث الاخوة ، ويسقط حيث تسقط ، وكذلك الجدة اخت مع الاخوات ترث حيث يرثن ، وتسقط حيث يسقطن ) (4) . وقد « انعقد الاجماع على ان اولاد الاخوة يقومون مقام آبائهم ، ويرثن نصيبهم مع عدمهم ، وعدم من هو في درجتهم » (5) .
والمرتبة الثالثة تشمل الاعمام والاخوال واولادهم . وقد « اجمع
____________
1 ـ الكافي : ج 7 ص 82 .
2 ـ من لا يحضره الفقيه : ج 4 ص 206 .
3 ـ من لا يحضره الفقيه : ج 4 ص 206 .
4 ـ الوسائل : ج 17 ص 493 .
5 ـ مفتاح الكرامة ـ كتاب الارث .
الفقهاء على ان جميع افراد هذه المرتبة انما يرثون مع فقد الاجداد وآبائهم ، والاخوة وابنائهم » (1) . واذا انفرد الاعمام واتحدوا في النسبة الى الميت اقتسموا التركة بالسوية ، وكذلك الاخوال . ولكن اذا اجتمع الاعمام والاخوال ، فللاخوال الثلث ذكوراً كانوا ام اناثاً ، وللاعمام الثلثان ذكوراً كانوا ام اناثاً . و « هو المشهور بين الفقهاء شهرة عظيمة ، لاستفاضة النصوص او تواترها . قال الامام الصادق (ع) : جاء في كتب علي (ع) : ان العمة بمنزلة الاب ، والخالة بمنزلة الام ، وبنت الاخ بمنزلة الاخ ، وكل ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجر به الا أن يكون هناك وارث اقرب الى الميت فيحجبه » (2) .
وفي ميراث الزوجين ، يشارك الزوج الورثة في جميع المراتب المذكورة سابقاً ، وله النصف من تركة الزوجة اذا لم يكن لها ولد منه او من زوج غيره والربع ان كان لها ولد ، ولا فرق ان كان منه او من غيره ، لقوله تعالى : ( وَلَكُم نِصفُ ما تَرَكَ اَزواجُكُم اِن لَم يَكُن لَهُنَّ وَلَدٌ فَاِن كانَ لَهُنَّ وَلَد فَلَكُم الرَبعُ مِمّا تَرَكن ) (3) وتعد الشريعة ولد الولد بمنزلة الولد ، لقوله (ع) : ( ولد البنين بمنزلة البنين ، ويحجبون الابوين والزوجين عن سهامهم الاكثر ، وان سفلوا ببطن او بطنين او ثلاثة او اكثر ، ويرثون ما يرث الولد للصلب ، ويحجبون ما يحجب الولدل لصلب ) .
وتشارك الزوجة الورثة في جميع المراتب ، ولها الربع ان لم يكن له ولد منها او من غيرها ، والثُمن اذا كان له ولد منها او من غيرها ، لقوله تعالى :
____________
1 ـ مفتاح الكرامة ـ كتاب الارث .
2 ـ الجواهر ـ كتاب الارث .
3 ـ النساء : 12 .
( وَلَهُنَّ الرَبعَ مَمّا تَركتُم اِن لَم يَكُن لَكُم وَلَد فَاِن كانَ لَكُم وَلَد فَلَهُنَّ الثُّمنَ مِمّا تَركتُم ) (1) . واذا تعددت الزوجات فهن شركاء في الربع او الثمن بعد اقتسامه بالسوية .
____________
1ـ النساء : 12 .
احكام الطلاق
ولما كان الطلاق من اهم اسباب اضطراب العائلة وتحللها في النظام الاجتماعي ، لانه يتعلق بحقوق الزوج والزوجة والاولاد ، وما يترتب على انفصام العلاقة الزوجية من مشاكل اجتماعية وحقوقية بين عائلتي الزوجين ، كان لابد من تنظيم دقيق لشروطه وعناصره الاخرى المتمثلة بالمطلِّق والمطلِّقة والعدة والنفقة والرضاع والحضانة ونحوها .
ويقسم الفقهاء الطلاق الى قسمين : طلاق السنة وهو الطلاق الذي يلتزم به الفرقاء بالشروط الشرعية المقررة ، وطلاق البدعة وهو الطلاق غير المشروع ويدخل فيه طلاق الحائض والنفساء بعد الدخول ، والتطليق بعد المواقعة في طهرها ، والتطليق ثلاثاً بصيغة واحدة ، والتطليق بغير شهود . وللطلاق الشرعي اركان اربعة هي : المطلِّق ، والمطلَّقة ، وصيغة الطلاق ، والشهود .
ويشترط في شخصية المطلِّق اربعة شروط ، اولاً : البلوغ ، فلا يصح طلاق الصبي حتى او كان مميزاً . ثانياً : العقل . ثالثاً : الاختيار ، لما ورد في حديث لرسول الله (ص) : ( رفع عن امتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) (1) . و « تؤيده رواية عائشة عنه (ص) : لاطلاق ولاعتاق ولا اغلاق (2) . قال ابو عبيد : الاغلاق الاكراه ، وهو مذهب علي (ع) وابن عمر وابن عباس . وحكم المغضب حكم المكره مع ارتفاع قصده ، لاشتراكهما في
____________
1 ـ الخصال : ج 2 ص 184 .
2 ـ سنن ابن ماجة : ج 1 ص 660 .
العلة » (1) . رابعاً : القصد ، اي تطابق اللفظ مع النية « للاجماع ، وصحيح هشام عن الامام الصادق (ع) : ( لاطلاق الا لمن اراد الطلاق ) ، وقول الباقر (ع) : لا طلاق على سنة وعلى طهر بغير جماع الا بنية ، ولو ان رجلاً طلق ، ولم ينو الطلاق لم يكن طلاقه طلاقاً : الى غير ذلك من النصوص المعتضدة بعموم ( لاعمل الابنية ) و ( انما الاعمال بالنيات ) بناء على ارادة القصد منها لا خصوص القربة » (2) .
وليس للاب ان يطلق ابنه غير البالغ ، لليص الوارد عن رسول الله (ص) : ( الطلاق بيد من اخذ بالساق ) (3) . وقد ذهب المشهور ان للزوج الحق ، غائباً كان او حاضراً ، في توكيل من يشاء بطلاق زوجته ، لإطلاق ادلة الوكالة الشرعية .
ولاشك ان الطلاق لا يتم ما لم تتوفر كل الشروط الشرعية في المطلَّقة . وهذه الشروط هي ، اولا : ان تكون بالفعل زوجة دائمة . ثانياً : ان يعينها بالذات ، فيقول مثلاً : فلانة طالق. ثالثاً : ان تكون في طهر لم يواقعها فيه ، فلو طلقت وقت الحيض او النفاس او في طهر المواقعة فسد الطلاق ، لقوله تعالى : ( يااَيُّها النَّبي اِذا طَلَّقتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ) (4) ، وزمان العدة في الآية الشريفة هو الطهر اجماعاً، فمعنى ( طلقوهن لعدتهن ) اي « لزمان عدتهن : وذلك ان يطلقها في طهر لم يجامعها فيه .. عن ابن عباس وابن مسعود والحسن ومجاهد وابن سيرين وقتادة والضحاك والسدي . فهذا هو
____________
1 ـ التنقيح الرائع : ج 3 ص 294 .
2 ـ الجواهر : ج 32 ص 17 .
3 ـ المستدرك ، مقدمات الطلاق ، باب 25 خبر3 .
4 ـ الطلاق : 1 .
الطلاق للعدة لانها تعتد بذلك الطهر من عدتها وتحصل في العدة عقيب الطلاق . فالمعنى فطلقوهن لطهرهن الذي يحصينه من عدتهن ولا تطلقوهن لحيضهن الذي لا يعتددن به من قرئهن ، فعلى هذا يكون العدة الطهر على ما ذهب اليه اصحابنا » (1) . ويدل على ذلك ايضاً قوله (ع) : ( اما طلاق السنة فاذا اراد الرجل ان يطلق امرأته فلينتظر بها حتى تطمث وتطهر فاذا خرجت من طمثها طلقها تطليقة من غير جماع ويشهد شاهدين ) (2) . فشرط صحة الطلاق هو ان تستبرئ بحيضة بعد المواقعة ، الا في حالة المسترابة ، وهي غير الآيس التي لا يأتيها الحيض لسبب مرضي ، فيمسك عنها زوجها ثلاثة اشهر على الاقل .
ويستثنى في بطلان طلاق الحائض خمسة اصناف : « الحامل المتيقن حملها ، والتي لم يدخل بها زوجها . والغائب عنها زوجها ، والتي لم تحض ، والتي قد يئست من المحيض » (3) .
ولا يقع الطلاق الا بصيغة معينة حددها الشارع ، وهي لفظ « الطلاق » ، لرواية بكير بن أعين عن الامام (ع) « ان يقول لها ، وهي في طهر من غير جماع : انت طالق ، ويشهد شاهدي عدل ، وكل ما سوى ذلك فهو ملغى » (4) .
ولا يقع الطلاق الا بالاشهاد ، وهو حضور شاهدين عدلين من الذكور ، لقوله تعالى بعد ذكر انشاء الطلاق وجواز الرجعة : ( وَاَشهِدُوا ذَوي عَدلٍ مِنكُم وَاَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ ذلِكُم يُوعَظُ بِهِ مَن كانَ يُؤمِن بِاللّهِ وَاليَومِ )
____________
1 ـ مجمع البيان : ج 28 ص 102 .
2 ـ الكافي : ج 2 ص 99 .
3 ـ من لا يحضره الفقيه : ج 2 ص 169 .
4 ـ الكافي ج 2 ص 101 .
( الآخِر ) (1) ، ولقوله (ع) : ( وان طلقها في استقبال عدتها طاهراً من غير جماع ، ولم يشهد على ذلك رجلين عدلين فليس طلاقه اياها بطلاق ) (2) .
ويقسم الفقهاء طلاق السنة الى قسمين ، الطلاق الرجعي والطلاق البائن . فالرجفي يملك فيه المطلِّق الحق الرجوع الى مطلقته المدخول بها ما دامت في العدة ، رضيت بذلك ام لم ترض ، لانها تعتبر شرعاً بحكم الزوجة اولاً ، ولانه هو الذي طلقها كرها لها ، ثانياً . ولايترتب على الطلاق الرجعي اي اثر على الحياة الزوجية سوى عدُّه من التطليقات الثلاث ، للنص الوارد عن الامام الصادق (ع) : ( المطلقة [ الرجعية ] تكتحل وتختضب وتتطيب ، وتلبس ما شاءت من الثياب ، لان الله عز وجل يقول : ( لَعَلَّ الله يحُدِثُ بَعدَ ذلِكَ اَمراً ) لعلها تقع في نفسه فيراجعها ) (3) .
والطلاق البائن هو الذي تنقطع فيه الرجعة الى المطلَّقة . ويشمل المطلَّقة ثلاثاً ، والمطلَّقة غير المدخول بها ، والآيسة ، والمطلَّقة خلعياً .
فاذا طلق المرء زوجته ثلاث مرات فلا تحل له ، حتى تنكح زوجاً غيره نكاحاً دائمياً صحيحاً ويدخل بها ، بدليل النص القرآني الشريف : ( فَاِن طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعد ، حَتّى تَنكح زَوجاً غَيرَه فَاِن طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيهِما اَن يَتَراجَعا ) (4) ، وما روي عن الامام (ع) : ( المطلقة التطليقة الثالثة لا تحل له ، حتى تنكح زوجاً غيره ، ويذوق عسيلتها ) (5) . وتحرم .
____________
2 ـ التهذيب : ج 2 ص 263 .
3 ـ الكافي : ج 2 ص 108 .
4 ـ البقرة : 230 .
5 ـ الكافي : ج 2 ص 103 .
المطلقة تسع مرات للعدة مؤبداً على زوجها . بمعنى ان طلاق العدة وهو ان يطلقها ثم يراجعها ويطأها ثم يطلقها في طهر آخر ثم يراجعها ويطأها ، ويحللها الزوج الثاني ، ثم يتزوجها الاول بعقد جديد ، وهكذا الى ان يتم طلاق العدة تسع مرات ، يثبت الحرمة المؤبدة بين المطلَّقين . فلا يحل لهما بعدئذ الزواج من بعضهما مرة اُخرى .
واذا ادعت المرأة المطلقة ثلاثاً بانها تزوجت من زوج آخر يقبل قولها بلا يمين ، وللزوج الاول ان يتزوجها اذا اطمأنَّ الى صدق ادعائها « لرواية حماد الصحيحة عن ابي عبد الله (ع) في رجل طلق امرأته ثلاثاً ، فبانت منه ، فاراد مراجعتها ، فقال لها : اني اريد مراجعتك فتزوجي زوجاً غيري ، فقالت : قد تزوجت زوجاً غيرك ، وحللت لك نفسي ؟ أتصدَّق ويراجعها ، وكيف يصنع ؟ قال (ع) : اذا كانت المرأة ثقة صُدِّقَت في قولها بناء على عدم ارادة الشرطية بذلك » (1) .
والطلاق البائن ، خلعي ومبارأة ، فالطلاق الخلعي ناتج عن ابانة الزوجة على مال تفتدي نفسها به ، بسبب كرهها له ، لقوله تعالى : ( فَاِن خِفتُم اَلاّ يُقِيما حُدودَ اللهِ فَلا جُناحَ عَلَيهِما فيما افتَدَت بِه تِلكَ حُدود اللهِ فَلا تَعتَدُها ) (2) ، وقوله ايضاً : ( فَاِن طِبنَ لَكُم عَن شَيء مِنهُ نَفساً فَكُلُوهُ هَنيئاً مَريئاً ) (3) . وقيل في صيغة الطلاق الخلعي ، ان الافضل ان يجمع بين لفظي الخلع والطلاق ، فيقول مثلاً : خلعتك على كذا فانت طالق . واتفق الفقهاء على
____________
1 ـ الجواهر : ج 32 ص 173 .
2 ـ البقرة : 229 .
3 ـ النساء : 4 .
ان الخلع يجب ان يعقب البذل فوراً لأن المعاوضة تقتضيه . واذا تراخى في الطلاق بعد ان بذلت له المال لم يستحق العوض ، ووقع الطلاق رجعياً ان كان قد دخل بها ، ولم تكن آيسة .
والمعروف ان الفدية هو العوض الذي تبذله الزوجة لزوجها كي يطلق سراحها ؛ فيمكن ان يكون بمقدار المهر او اقل او اكثر ، بدليل قول الامام الصادق (ع) : ( يخلعها بما تراضيا عليه من قليل او كثير ) (1) .
ويشترط في الطلاق الخلعي ما يشترط في غيره ، من وجود العقل والبلوغ والاختيار والقصد عند كلا الطرفين . ويشترط في المختلعة ايضاً ان تكون في طهر لم يواقعها فيه اذا كان قد دخل بها ، وان تكون غير آيسة ، ولا صغيرة ، ولا حامل . ويشترط في صحة الخلع حضور شاهدي عدل . ولا يصح الخلع ولا يجوز للرجل اخذ العوض الا اذا كانت هي وحدها كارهة للزوج ، للنص الشرعي الصريح بذلك : ( لا يكون الخلع ، حتى تقول : لا اطيع لك امراً ، ولا ابر لك قسماً ، ولا اقيم لك حداً ، فخذ مني وطلقني ، فاذا قالت ذلك فقد حل له ان يخلعها بما تراضيا عليه من قليل او كثير ) (2) . والمختلعة تعتد اينما شاءت ، ولا نفقة لها الا اذا كانت حاملاً .
وطلاق المبارأة ، « تطليقة بائنة ، وليس فيها رجعة » حسب ما ورد في الرواية (3) . ومن شروطها تبادل الكراهية من قبل الزوجين ، وقد ثبت الاجماع على ذلك « مضافاً الى موثق سماعة عن ابي عبد الله وابي الحسن
____________
1 ـ التهذيب : ج 2 ص 276 .
2 ـ التهذيب : ج 2 ص 276 .
3 ـ الاستبصار : ج 3 ص 317 .
(ع) : سألته عن المبارأة ، كيف هي ؟ فقال : يكون للمرأة شيء على زوجها من صداق او من غيره ، ويكون قد اعطاها بعضه ، فيكره كل منهما صاحبه ، فتقول المرأة لزوجها : ما أخذته منك فهو لي ، وما بقي عليك فهو لك ، وابارئك ، فيقول لها الرجل : فان انت رجعت في شيء مما تركت فانا احق ببضعك » (1) . وصيغة المبارأة تصح بلفظ : « بارأتك ، انت طالق » ، حيث « لابد هنا من الاتباع بالطلاق على المشهور ، بل لا نعلم فيه مخالفاً ، وادعى جماعة انه اجماع » (2) . ويجب ان تكون الفدية بمقدار المهر او اقل ، ولا تجوز الزيادة ، للنص عنه (ع) : « لا يحل لزوجها ان يأخذ منها الا المهر فما دونه » (3) .
والعدة ، هي الفترة التي حددها الشرع للمطلقة للدخول في زواج آخر ، للنص المجيد : ( وَالمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصنَ بِاَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوء ) (4) ، والمقصود شرعاً بالقرء هو الطهر ، او ما بين الحيضتين ، وقوله تعالى ايضاً : ( وَالَّذينَ يَتَوَفَّونَ مِنكُم وَيَذَرُونَ اَزواجاً يَتَرَبَّصنَ بِاَنفُسِهِنَّ اَربَعَة اَشهُرٍ وَعَشراً ) (5). وقد اجمع الفقهاء على انه لا اثر للعدة ما لم يحصل الدخول ، كما جاء في قوله تعالى : ( اَذا نَكَحتُم المُؤمِنات ثُمَّ طَلَّقتُمُوهُنَّ مِن قَبل اَن تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُم عَلَيهِنَّ مِن عِدَّةٍ تَعتَدّونَها ) (6) ، والرواية الواردة عن ائمة اهل البيت (ع) : ( اذا طلق الرجل امرأته ، قبل ان يدخل بها تطليقة واحدة
____________
1 ـ الجواهر : ج 33 ص 89 .
2 ـ شرح اللمعة للشهيد الثاني : ج 6 ص 112 .
3 ـ الكافي : ج 2 ص 124 .
4 ـ البقرة : 228 .
5 ـ البقرة : 234 .
6 ـ الاحزاب : 49 .
فقد بانت منه ، وتزوج من ساعتها ان شاءت) (1). ولا عدة على المطلقة التي بلغت سن اليأس ، وهو الخمسين بالنسبة لغير القرشية ، والستين بالنسبة للقرشية ، للعوامل الجينية الوراثية . والمطلقة الحامل تعتد بوضع الحمل نصاً واجماعاً لقوله تعالى : ( وَاُولاتِ الاَحمالِ أجَلهُنَّ اَن يَضَعنَ حَملَهُنَّ ) (2) ، « قال ابن عباس هي في المطلقات خاصة وهو المروي عن ائمتنا (ع) ؛ فعدتهن وضع الحمل » (3) . اما المطلقة الشابة التي لا يأتيها الحيض لسبب مرضي ، وتسمى بالمسترابة ، فانها تعتد مع الدخول وعدم الحمل بثلاثة اشهر ، بدليل النصوص الشرعية ، ومنها : ( عدة المرأة التي لا تحيض والمستحاضة التي لا تطهر ثلاثة اشهر ، وعدة التي تحيض ويستقيم حيضها ثلاثة قروء ... والمسترابة [ وهي التي يأتيها الحيض ما زاد على شهر ] فلتعتد ثلاثة اشهر ولتترك الحيض ) (4) .
وعدة المتمتع بها اذا كانت حاملاً هو وضع الحمل ، ومع الدخول وعدم الحمل حيضتان ، للرواية المروية عن الامام جعفر بن محمد (ع) : ( اذا انقضى الاجل بانت منه بغير طلاق ، ويعطيها الشيء اليسير ، وعدتها حيضتان ) (5) . واذا كانت غير قادرة على الحيض فعدتها خمس واربعون يوماً « اجماعاً ونصوصاً ، بل في خبر البزنطي عن الامام الرضا (ع) انه قال : ( قال ابو جعفر (ع) : عدة المتمتعة خمسة واربعون يوماً ، والاحتياط خمس
____________
1 ـ الكافي : ج 2 ص 105 .
2 ـ الطلاق : 5 .
3 ـ مجمع البيان : ج 28 ص 108 .
4 ـ التهذيب : ج 2 ص 282 .
5 ـ الجواهر : ج 30 ص 196 .
واربعون ليلة ) ، بمعنى خمسة واربعون يوماً بلياليها ، بل الاولى عدم اعتبار التلفيق » (1) . والآيسة لا عدة لها .
ولو توفي زوجها فعدتها اربعة اشهر وعشرة ايام ، دخل بها ام لم يدخل ، دائمة كانت أو منقطعة ، لقوله تعالى : ( وَالَّذينَ يُتَوَفَّونَ مِنكُم ، وَيَذَرُونَ اَزواجاً يَتَرَبَّصنَ بِاَنفُسِهِنَّ اَربَعَة اَشهُرٍ وَعَشراً ) (2) . اما اذا كانت حاملاً وتوفي زوجها فعدتها ابعد الاجلين . واتفق الفقهاء على وجوب الحداد خلال فترة العدة ، اذا توفي زوجها ؛ للرواية المروية عن الامام (ع) : ( المتوفى عنها زوجها لا تكتحل للزينة ، ولا تتطيب ، ولا تلبس ثوباً مصبوغاً ، ولا تبيت عن بيتها ، وتقضي الحقوق ) (3) .
ويكون للمعتدة من الطلاق الرجعي النفقة حاملاً كانت او غير حامل ، وكذلك المعتدة من الطلاق البائن فان لها النفقة ان كانت حاملاً فقط ، ولا نفقة لها ان كانت حائلاً . اما المعتدة من الوفاة فلا نفقة لها وان كانت حاملاً ، بسبب وجود التركة المالية التي لها حق ثابت فيها . واتفق الفقهاء على ان المطلقة الرجعية تعتد في بيت الزوج ، ولا يجوز للزوج اخراجها منه ، ولا يجوز لها الخروج من البيت الا باذنه ، والا تعدّ ناشزة وتسقط نفقتها . اما المطلقة البائنة فانها تعتد في اي مكان ، لانقطاع العصمة بينها وبين زوجها اولاً ، وسقوط نفقتها الا إذا كانت حاملاً ثانيا ، وانتفاء التوارث بينهما ثالثاً .
ويستطيع الزوج في الطلاق الرجعي ان يستبقي زوجته المطلقة ، في
____________
1 ـ الجواهر : ج 30 ص 199 .
2 ـ البقرة : 234 .
3 ـ الكافي : ج 2 ص 116 .
عصمته خلال عدتها وردها اليه دون عقد جديد ، لقوله تعالى : ( وبُعُولَتهُنَّ اَحَقُّ بِرَدهنَّ ) (1) ، ( فَاِذا بَلَغنَ اَجَلَهُنَّ فَأمسِكُوهُنَّ بِمَعرُوفٍ اَو فارِقُوُهُنَّ بِمَعرُوفٍ ) (2) ، والمعنى انه عند الاشراف على انتهاء العدة لا ضير في ان يراجع مطلَّقته بقصد المعاشرة بالمعروف . وتتحقق الرجعة بالفعل المقصود ، و « تصح نطقاً كقوله (رجعت ) و ( راجعت ) و ( ارتجعت ) مع اتصالها باسم ظاهر ، كقوله ( راجعت فلانة ) او ( ارتجعت فلانة ) او مضمر كقوله ( راجعتك ) او ( ارتجعتك ) ، وفعلاً كالوطء والقبلة واللمس بالشهوة » (3) . وتتحقق الرجعة ايضاً بانكار الطلاق اثناء العدة . و « الاجماع على ذلك ، لانه يتضمن التمسك بالزوجية ، بل في المسالك هو ابلغ من الرجعة بالفاظها المشتقة منها وما في معناها . ويستدل على ذلك بصحيحة ابي ولاد عن ابي عبد الله (ع) : ( ان كان انكر الطلاق قبل انقضاء العدة فان انكاره للطلاق رجعة لها ، وان كان انكر الطلاق بعد انقضاء العدة فان على الامام ان يفرق بينهما بعد شهادة الشهود ) . وعن الفقه المنسوب الى الرضا (ع) : ( وادنى المراجعة ان يقبّلها او ينكر الطلاق ) ، فيكون انكار الطلاق رجعة » (4) .
____________
1 ـ البقرة : 288 .
2 ـ الطلاق : 2 .
3 ـ التنقيح الرائع : ج 3 ص 329 .
4 ـ الجواهر : ج 32 ص 182 .
خصائص النظام العائلي الاسلامي بالمقارنة مع النظام العائلي الرأسمالي
ومن اجل فهم الابعاد الحقيقية للمؤسسة العائلية في المجتمع الاسلامي ، ودور الشريعة في إحكام بنائها العلوي ، لابد لنا من دراسة الفوارق الفكرية والفلسفية المتوقعة بينها وبين نظيرتها في النظام الاجتماعي الرأسمالي . وفي سبيل تحقيق ذلك الفهم ، لابد من ترتيب النقاط التالية :
اولاً : اقرار الضمان المالي للعائلة في المجتمع الاسلامي ؛ فتنصبّ مسؤولية الزوج على اعالة زوجته ووالديه وابنائه ، حيث اوجبت الشريعة نفقة الزوجة الدائمة على زوجها ، حتى لو كانت الزوجة ثرية ؛ وجعلت المسؤولية مشتركة بينهما ، فعليه النفقة وعليها الطاعة والتمكين . ولا شك ان تحديد النفقة الشرعية مرهون بالعرف ، الا ان الاصل فيها هو اشباع حاجاتها الاساسية من المأكل والملبس والمسكن والعلاج ونفقة الحمل والوضع والرضاعة والحضانة . وبطبيعة الحال ، فان وجوب الانفاق لا يقتصر على الزوجة فحسب ، بل يجب على الآباء نفقة ابنائهم وان نزلوا ذكوراً واناثاً ، وعلى الابناء نفقة آبائهم وان علوا ذكورا واناثاً ، وهو ما عبر عنه فقهياً بنفقة الاصول والفروع ، حتى لو كان الاصل فاسقاً او كافراً بلا خلاف .
اما في النظام الرأسمالي ، فان النظام العائلي مصمم نظرياً على اساس ان الفرد المنتج في العائلة الواحدة هو المسؤول عن اعالة الآخرين الذين لا
يقدرون على القيام بعمل منتج بسبب السن او المرض او العجز الطبيعي . ولكن الواقع يفصح عن ان وجوب النفقة على الزوج ـ من الناحية القانونية ـ منحصر بنفقة القاصرين من الاولاد فقط ؛ لان الزوج غير مكلف باعالة زوجته القادرة على العمل والانتاج . وليس غريباً اذن ، ان نجد ان نصف نساء الولايات المتحدة مثلاً يعملن على الساحة الانتاجية الاجتماعية خارج البيوت ، من اجل المساهمة في النفقة العائلية . ولا يلزم القانون الرأسمالي الابناء البالغين بالنفقة على آبائهم العاجزين عن العمل ، لان الدولة والنظام الاجتماعي والسياسي كلِّفا باشباع حاجات الشيوخ والمسنين . ولا يخفى ان روح هذا النظام مستمدة من فكرة « المذهب الفردي » التي تنادي بالتحلل من الالتزامات العائلية التي نادت بها جميع الاديان السماوية .
ولكن الدولة لا تستطيع سد كل حاجات الشيوخ والمسنين والعاجزين عن العمل . وخروج الزوجة للعمل خارج البيت ، يترك الابناء والبنات القاصرين دون رعاية ابوية هم بأمس الحاجة اليها وقت نموهم العقلي والبدني . ولذلك ، فان تحميل المسؤولية المالية على الزوج للانفاق على زوجته ووالديه وابنائه يعتبر من افضل الحلول الاجتماعية لمشكلة تحلل الاسرة وتدهورها الاخلاقي والاقتصادي ، والتي يشهدها النظام الرأسمالي بكل ضراوة بعد أكثر من ثلاثة قرون على انشائه وتطوره في المجالات الاقصادية والصناعية .
ثانياً : الضمان المالي للزوجة المتمثل بالصداق . وهو الذي شرعه الاسلام لمصلحتها ، واعتبره حقاً من حقوقها المالية ، ان كان مهراً مسمى ، او
مهر مثل ، او مهر تفويض . وفي جميع الحالات ، يجب ان يكون المهر نقداً او عقاراً او منفعة لها قيمة معتبرة في العرف الاجتماعي والاقتصادي . فاذا طلقها قبل الدخول كان لها نصف المهر ، ولها المهر كاملا بعد الدخول . ولا شك ان الصداق يعتبر ـ حسب النظرية الاسلامية ـ ضماناً مالياً كاملاً للمرأة خصوصاً بعد الطلاق ، حيث تتوقف نفقة الزوج عليها . فلابد لها حينئذٍ ، من الاستقلال مالياً دون الحاجة الى مد يدها طلباً للمساعدة في سد حاجاتها الاساسية ؛ وهو تشريع تفتقده النظرية الرأسمالية تماماً .
فاذا تم الطلاق حسب النظرية الرأسمالية ، فان المطلَّقين يتقاسمان الثروة التي جهدا في تحصيلها خلال سنوات الزواج ، ولكن اذا بددت الثروة المالية خلال ايام الزواج لسبب من الاسباب ، او كان الزوج عاجزاً عن توفيرها ، اصبحت المطلَّقة ريشة في مهب الرياح الاجتماعية ، لا تملك لنفسها مالاً تشبع فيه حاجاتها الاساسية . ولما كانت النظرية الرأسمالية لا ترى في المهر حقاً من حقوق الزوجة الرئيسية ولا شرطاً في صحة الزواج ، انحدرت اغلب المطلقات واولادهن الى مستوى الطبقة الفقيرة . ولذلك ، فانك ترى ان اغلب فقراء النظام الرأسمالي هم من المطلَّقات ، والارامل ، والاولاد من العوائل المطلَّقة .
ثالثاً : ان الشروط الشرعية التي يشترطها الزوج او الزوجة ضمن العقد ، في النظام الاسلامي ، ليس لها ما يقابلها في النظام العائلي الرأسمالي . فالشروط الصحيحة التي لا تفسخ العقد يترتب عليها الالزام وصحة العقد ، كاشتراط الصفات الجسدية او الخلقية في احدهما ، فيثبت خيار الفسخ مع تخلف تلك الصفات ، لعموم « المؤمنون عند شروطهم » . اما الشروط غير
الشرعية فهي اما ان تبطل العقد كالاقالة ، او تبطل الشرط ويبقى العقد صحيحاً كاشتراط عدم المس مطلقاً. وبالجملة ، فان الشروط الشرعية ضمن عقد الزواج ، توفر للزوج او الزوجة ضماناً اخلاقياً او جسدياً يساهم في ادامة البيت الزوجي ، وتحقيق سعادته ضمن اطار النظام الاجتماعي .
رابعاً : لا يصح الزواج ، حسب الشريعة الاسلامية ، الاّ بالخلو من المحرمات النسبية والسببية للزوج والزوجة . ومع ان النظريتين ، الرأسمالية والاسلامية ، تتطابقان في حرمة التزاوج بسبب المحرمات النسبية كالام والبنت والاخت والعمة والخالة وبنت الاخ وبنت الاخت . الا انهما يفترقان في المحرمات السببية . ففي حين توجب النظرية الاسلامية حرمة التزويج بسبب آثار المصاهرة ، كحرمة زوجة الاب على الابن ، وزوجة الابن على الاب ، وام الزوجة على زوج ابنتها وبنت الزوجة على الزوج ؛ وحرمة التزويج بسبب آثار الزنا ، فليس لابيه ولا لابنه العقد على الزانية التي زنى بها : والحرمة المؤبدة للدخول بالمعتدة والمتزوجة ؛ وحرمة الجمع بين الاختين المتولدتين من اب وام ، او لاحدهما ؛ وحرمة الرجوع بعد التطليقة الثالثة ما لم تنكح زوجاً غيره ، ونحوها ؛ ففي كل هذه الحالات تنفرد النظرية الاسلامية عن بقية النظريات الاجتماعية في الاهتمام بنظافة العلاقات الاجتماعية والاسرية المبنية على طهارة النسل وعدم اختلاط الانساب . وهذا يفضي بالتأكيد الى صلابة البنية التحتية للمجتمع الاسلامي ، حيث تشكل سلامة الاسرة وصحة مقوماتها ، سلامة النظام الاجتماعي كلياً .
خامساً : العيوب الموجبة للخيار بين فسخ العقد وامضائه ، وهي العيوب المكتشفة بعد تمام اجراء العقد كالاضطراب العقلي والخصاء والجب
والعنن بالنسبة للرجل ، والاضطراب العقلي والبرص والجذام والعمى والعرج والقرن والعفل والافضاء والرتق بالنسبة للمرأة ؛ فيثبت في هذه الحالات ، حسب النظرية الاسلامية ، خيار الفسخ على الفور . وكذلك الخيار بالتدليس وهو التمويه باخفاء نقص او عيب موجود او ادعاء كمال غير متحقق قبل اتمام العقد . وكذلك الخيار لتخلف الشروط ، كأن تكون صفة عدم النقص من شروط العقد ، او كون عدم النقص وصفاً لا شرطاً ، او كون العقد مبنياً على اساس عدم النقص . ولكن اذا لم يبادر احدهما الى الفسخ لزمها العقد . ولاشك ان هذا التشريع يعكس عدالة النظام القضائي الاسلامي بين الرجل والمرأة تماماً ، على عكس ما يروجه اعداء النظرية الدينية ويتهمون فيها الاسلام بعدم المساواة بينهما في القضايا الزوجية .
اما في النظام الرأسمالي ، فان خيار الفسخ مرهون بحكم قضاة المحاكم البلدية ، حيث يرجعون الى العرف واهل الخبرة في تحديد ذلك ، ولا يوجد في القانون الرأسمالي ما يشير الى دقة تفاصيل العيوب الموجبة للخيار بين فسخ العقد وامضائه ، كما هو معمول به في النظرية الاسلامية .
سادساً : ان عقد الزواج والصداق في الاسلام لا يقصد منه المعاوضة التي لابد فيها من العلم الرافع للغرر . ففي المعاملات التجارية والبيع والشراء يجوز للفرد فحص المادة المراد شراؤها باغلب الاوجه المتعارف عليها اجتماعيا ، حتى تكتمل قناعة ذلك الفرد بالشراء . الا ان الاسلام لما ارجع للمرأة حقوقها ، حرّم ذلك في الزواج ، لان ذلك العلم الرافع للغرر يهين المرأة ويضع المجتمع امام اضطراب اخلاقي خطير ؛ ولكنه في نفس الوقت نظّم حدود العيوب الموجبة لخيار الفسخ والخيار بالتدليس . ومن الملفت للنظر