3 | الصلاة بمنى تماماً

البريد الإلكتروني طباعة

كتاب الإسلام محمدي الوجود ... حسيني البقاء ص16 ـ 31


منه (1).
وقال ابن أبي ليلى : ما ابتدعوا بدعة أحب إلي من التثويب في الصلاة ؛ يعني العشاء والفجر (2).
وروى ابن أبي شيبة في المصنف بسنده عن الاسود بن يزيد أنه سمع مؤذنا يقول في الفجر « الصلاة خير من النوم » ، فقال : لايزيدون في الاذان ما ليس منه.
وقد استمرت هذه البدعة الى الان ، قال السرخسي : أما المتأخرون فاستحسنوا التثويب في جميع الصلوات ، لان الناس قد ازدادت بهم الغفلة ، وقلّما يقومون عند سماع الاذان ، فيستحسن التثويب للمبالغة في الاعلام (3).

البدعة الثالثة : الصلاة بمنى تماماً
روى الشيخان وغيرهما بسندهم الى عبدالرحمن بن يزيد قال : صلى بنا عثمان بن عفان بمنى أربع ركعات ، فقيل ذلك لعبدالله بن مسعود رضي الله عنه فاسترجع (4) ، ثم قال صليتُ
____________
(1) نيل الاوطار : 2|38.
(2) المصنف لابن ابي شيبة : 1|190 حديث 2170 ، بسند صحيح عن وكيع عن سفيان عن عبدالرحمن بن عبدالله الاصفهاني عن ابن أبي ليلى.
(3) المبسوط : 1|131.
(4) أي قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ولا يقال ذلك إلا لمصيبة ، ولا مصيبة

==

 


( 17 )


مع رسول الله صلى الله عليه وآله بمنى ركعتين ، وصلت مع ابي بكر بمنى ركعتين ، وصليت مع عمر بن الخطاب بمنى ركعتين ، فليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان (1).

البدعة الرابعة : تحريم نكاح المتعة
أخرج مسلم في صحيحه عن جابر قال : كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وأبي بكر حتى نهى عنه عمر في شأن عمر بن حريث (2). وقد ذكر السيوطي في تاريخ الخلفاء وابو هلال العسكري في كتاب الاوائل تحريم عمر للمتعة (3).

البدعة الخامسة : تحريم متعة الحج
روى البخاري في صحيحه عن عمران بن حصين قال : أنزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وآله
____________
==
أعظم من مصيبة الدين.
(1) صحيح البخاري : 1|325 تقصير الصلاة ، صحيح مسلم : 1|483 صلاة المسافرين ، صحيح سنن ابن داود : 1|369.
(2) صحيح مسلم : 2|1023 كتاب النكاح باب 13 ، مسند احمد : 3|380 ، 4|429 ، 438 ، 439 ، فلو أن الرسول صلى الله عليه وآله نهى عنها لما خفي ذلك على جابر وهو الحافظ لتراث النبي صلى الله عليه واله والمدمن صحبته.
(3) تاريخ الخلفاء : 108 ، الاوائل : 1|240.


( 18 )


ولم ينزل قرآن يحرمها ولم ينه عنها حتى مات ، قال رجل برأيه ماشاء (1).
وروى بسنده عن مروان قال : شهدت عثمان وعليا عليه السلام وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما ، فلما رأى علي أهلّ بهما لبيك بعمرة وحجة ، قال : ما كنت لأدع سنة النبي صلى الله عليه واله لقول أحد (2).

البدعة السادسة : صلاة التراويح
روى البخاري بسنده عن عبدالرحمن بن عبد القاري أنه قال : خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان الى المسجد ، فإذا الناس أوزاع متفرقون ، يصلي الرجل لنفسه ، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط ، فقال عمر : إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارىء واحد لكان أمثل ، ثم عزم فجمعهم على أُبي بن كعب ، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم ، قال عمر : نعم البدعة هذه (3).
____________
(1) صحيح البخاري : 6|33 ، كتاب التفسير سورة البقرة ، والرجل الذي يقصده الصحابي عمران هو الخليفة عمر بن الخطاب.
(2) صحيح البخاري : 2|175 كتاب الحج باب التمتع والاقران ، سنن النسائي بشرح السيوطي : 5|148.
(3) صحيح البخاري : 2|595 ، الموطأ : 59 حديث 247.


( 19 )


هذا وقد روى البخاري ومسلم والترمذي وابو داود والنسائي والدارمي ومالك واحمد وغيرهم بأسانيدهم عن زيد بن ثابت : ان رسول الله صلى الله عليه وآله اتخذ حجرة ـ قال : حسبت أنه قال : من حصير ـ في رمضان ، فصلى فيها ليالي ، فصلى بصلاته ناس من أصحابه ، فلما علم بهم جعل يقعد ، فخرج إليهم فقال : قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم ، فصلوا أيها الناس في بيوتكم ، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة (1).
فمع هذا المنع من الرسول صلى الله عليه واله نجد حرص الناس والسواد الاكثر من المسلمين على اتباع سنة الخليفة عمر وترك سنة الرسول صلى الله عليه واله (2) ، وحينما حاول الامام علي عليه السلام المنع من هذه الصلاة ارتفعت العقائر « واسنة عمراه » فتركهم لشأنهم.

إحداث الصحابة
وقد تواترت الاحاديث عن الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله
____________
(1) صحيح البخاري : 1|228 كتاب الاذان باب 81 حديث 731 ، صحيح مسلم : 1|539 صلاة المسافرين باب 29 حديث 781 ، سنن الترمذي : 2|312 حديث 450 ، سنن أبي داود : 1|274 حديث 1044 ، سنن الدارمي : 1|317 ، مسند احمد : حديث 21665 ، 21686 ، 21709 تحقيق احمد شاكر ، الموطأ : 66 حديث 288.
(2) وهي القيام بأداء النوافل في البيت لا جماعة في المسجد.


( 20 )



بأن عددا غير قليل من الصحابة سوف يحدثوا في الدين ما ليس منه ، من هذه الروايات.
ما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وآله ـ في حديث ـ قال ألا وإنه يجاء برجال من أمتي ، فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : يا رب أصحابي ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول كما قال العبد الصالح (وكنت عليهم شهيدا مادمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم ) (1).
وما رواه البخاري عن ابي هريرة أنه كان يحدّث ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال : يرد عليّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيُحلّؤن (2) عن الحوض ، فأقول : يا رب أصحابي ، فيقول : إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقري (3). وما رواه مسلم واحمد عن عبدالله قال : قال رسول الله صلى
____________
(1) صحيح البخاري : 6|69 كتاب التفسير ، سورة المائدة ، 6|122 سورة الانبياء ، 8|136 كتاب الرقاق باب 45 ، صحيح مسلم : 4|2195 كتاب الجنة باب 14 ، سنن الترمذي : 5|321 ، صحيح سنن النسائي للالباني : 2|449 ، مسند أحمد : 1|235 ، 253.
(2) أي يبعدون عن الحوض.
(3) صحيح البخاري : 8|150 كتاب الرقاق باب في الحوض.


( 21 )


الله عليه وآله : أنا فرطكم (1) على الحوض ، ولأُنازعن أقواما ثم لأغلبن عليهم (2) ، فأقول : يا رب ، أصحابي أصحابي ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك (3).
وما رواه البخاري ومسلم عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إني فرطكم على الحوض ، من مر عليّ شرب ، ومن شرب لم يظمأ أبدا ، وليردنّ علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ، ثم يحال بيني وبينهم.
قال ابوحازم : فسمعني النعمان بن أبي عياش ، فقال : هكذا سمعت من سهل ؟ فقلت : نعم ، فقال : أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته وهو يزيد فيه : فأقول : إنهم مني ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فأقول : سحقا سحقا لمن غيّر بعدي (4).
فإذا كان عدد غير قليل من الصحابة هكذا وضعهم دنيا وآخرة ، فكيف بغيرهم ممن لم ير رسول الله صلى الله عليه وآله ؟

الرجوع الى أصل المطلب
وعليه فلولا الامام الحسين عليه السلام لكان كل خليفة يأتي
____________
(1) أي متقدمكم .
(2) أي سأجادل عن أقوام رغبة في خلاصهم فلا ينفعهم ذلك.
(3) صحيح مسلم : 4|1796 كتاب الفضائل باب 9 ، مسند أحمد : 1|284 ، 406 ، 407 ، 425 ، 453.
(4) صحيح مسلم : 4|1793 ، صحيح البخاري : 8|150.


( 22 )


بعد الرسول الاكرم صلى الله عليه واله سواء كان من الصحابة أو التابعين أو تابعي التابعين قوله حجة وفعله حجة وتقريره حجة.
فإذا كان الخلاف في حجية قول الصحابة أوصلنا الى هذا الخلاف فكيف لو توسعت الحجية الى حجية أقوال وأفعال حكام بني أمية وحكام بني العباس والدولة العثمانية ، لو حصل ذلك لما بقي من الاسلام إلا اسمه ، إذ كل خليفة وأمير سوف يأتي بأحكام وممارسات لم يأت بها الخليفة السابق ، فينام المسلمون ويستيقظون وإذا بالإسلام والدين قد تحول الى دين لا يمت بصلة الى الدين الاسلامي الصحيح ، فيصبح كبقية الأديان السماوية المنحرفة عن واقعها المنزل من الله تعالى.
ثورة الامام الحسين عليه السلام أحدثت خندقا بين الخلفاء وبين التشريع وان ليس كل من تسلم الخلافة من بني أمية أو بني العباس قوله وفعله وتقريره حجة ، ولو أن الامام الحسين عليه السلام بعد وفاة أخيه الامام الحسن عليه السلام وفي حياة معاوية خرج على معاوية لما تحقق هذا الفصل بين الخلافة والتشريع ، إذ سينقسم المسلمون الى جماعة الحسين وجماعة معاوية وذلك لكون معاوية في نظرهم من الصحابة العدول ، بخلاف خروجه في وقت يزيد بن معاوية لا أحد يمكن أن يتجرأ من العلماء والمحدثين


( 23 )


ويزعم بأنه من جماعة وحزب يزيد.
فلولا الامام الحسين عليه السلام لكانت سنة يزيد بن معاوية حجة ، وكلما جاء خليفة أضاف الى السلام مجموعة من البدع في العقيدة والممارسة ، فيصل الاسلام الى الاجيال اللاحقة وهو لا يمت للاسلام الحقيقي بصلة أصلا ، وهذا ما حدث للاديان السماوية الاخرى وللمسيحية بشكل خاص ، فلقد دخل مجموعة من اليهود في دين المسيح ظاهرا فحملوا رأيته وتعصبوا له ، إلى ان وصلت زمام الأمور بيدهم فانحرفوا بالمسيحية عن دين المسيح.
وهذا الخطر هو الذي يخاف منه على الاسلام ، ولكن ببركة الحسين عليه السلام وثورته وشهادته رفع هذا الخطر عن الاسلام ، وأوجد خندقا بين التشريع والحجية وبين الخلفاء وائمة الضلال ، وأيقظ المسلمين من سباتهم وعرّفهم أن كل من أُطلق عليه لقب « الخليفة » أو « أمير المؤمنين » لا يمكن أن تكون سنته وسيرته حجة ومصدرا للتشريع ، إلا اذا كان هذا الخليفة منصوصا عليه من قبل الله والرسول صلى الله عليه وآله.
ولو أن المسلمين وسّعوا مصادر المعرفة الإسلامية بحيث تشمل كل من جاء من الخلفاء والمتسلطين لكان ـ كما أشرنا ـ كل خليفة يأتي ببدعة جديدة ويمحي سنة عريقة ، فيصلنا الاسلام


( 24 )


اليوم وهو لايشكل أكثر من 2% بالمئة مما عليه الاسلام في عصر الرسول صلى الله عليه وآله وما عليه الصحابة آنذاك.
فما أعظم بركة الحسين على هذه الأمة ، ولاغرابة في ذلك فإنه كما في الحديث المستفيض « حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا حسين سبط من الأسباط ».
ولذلك تواترت الاحاديث عن طريق أهل السنة والجماعة بكاء الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله على الحسين قبل مقتله ، وتكرار إهداء تربته الى الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله من قبل عدة من الملائكة ، فكان صلى الله عليه واله يأخذ تلك التربة ويقلّبها ويقبّلها وعيناه تفيضان من الدموع (1).

خلود الاسلام بالقرآن
ولعلك تقول : حُفظُ الاسلام بحفظ القران ، فمادام القران موجودا فالاسلام موجود.
نقول : الكل يستدل بالقرآن الكريم ، فما من فرقة من الفرق إلا وهي تستدل على عقائدها وممارساتها من القران الكريم ،
____________
(1) راجع مسند أحمد : 1|85 ، 242 ، 4|265 ، 6|468 ، سنن الترمذي ، المستدرك : 3|176 ، 4|19 ، 398 المعجم الكبير : 2811 ، مجمع الزوائد : 9|194 ، ومصادر عدة كثيرة ذكرنا بعضها في « الشعائر الحسينة سنة أم بدعة » فراجع.


( 25 )


الجبري (1) يستدل على عقيدته في الجبر من القران الكريم ، والمفوّض يستدل على تفويضه من القران الكريم ، وقس على ذلك بقية الفرق.
ويكفى في ذلك ان المسلمين اختلفوا في اوضح اية في القران الكريم وهي اية الوضوء ( يا أيها الذين آمنوا اذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم الى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم الى الكعبين ) بين قائل بالمسح في الارجل وقائل بالغسل ، فإذا حصل الخلاف في مثل هذه الاية الواضحة الدلالة فالاختلاف في بقية الايات أسهل وأوضح ، بل الكفرة والملحدين أيضا يستدلون على بطلان الاسلام من القران الكريم.
ومثال آخر آية الطلاق فقد قال تعالى ( الطلاق مرتان فامساك بمعروف أو تسريح باحسان .... فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ) فمع أن الاية في غاية الصراحة والوضوح نجد جمهور المسلمين خالفوا كتاب الله وتركوه وراء ظهورهم واتبعوا اجتهاد الخليفة عمر بن الخطاب ، فإذا قال الرجل لزوجته أنت طالق طالق طالق في مجلس واحد ، اعتبرها جماعة كثيرة من
____________
(1) وهو القائل بأن الانسان مجبر على فعله.


( 26 )


فقهاء المسلمين (1) هذا الطلاق ثلاثيا مع أنه مخالف لصريح ونص القران الكريم ، كل تقليداً للخليفة عمر بن الخطاب ، فاذا كانت هذه الاية الواضحة الدلالة مُعرض عنها فكيف ببقية الايات التي لها ظهورات متعددة.
فالقرآن حمال ذو وجوه والكل يمكنه بمغالطته وأفكاره الخاطئة من أن يفسر القران وفق أفكاره ومعتقداته وممارساته الخاصة ، ومن هنا تبرز أهمية وجود من يفسر القران كما هو ، وليس هو الا الامام المعصوم الذي هو عدل القران.
ولذا في حديث الثقلين قرن الرسول بين الكتاب والعترة وان الابتعاد عن الضلال رهن التمسك بهما معا لا بأحدهما دون الاخر (2) فقال صلى الله عليه واله « اني مخلف فيكم الثقلين كتاب
____________
(1) نعم رجعت مشيخة الازهر في هذه الاعصار الى كتاب الله وسنة الرسول الاكرم صلى الله عليه واله والاقتداء بأهل البيت ، وتركوا سنة الخليفة عمر بن الخطاب ، فجعلوا الطلقات الثلاث بصيغة واحدة طلقة واحدة.
(2) وحديث الثقلين من الاحاديث التي وصلت الى مرتبة الاستفاضة بل الى مرتبة التواتر لكثرة الاسانيد والطرق الواردة فيه.
قال الفاضل القطيفي : وقد ذكر الالباني هذا الحديث ضمن أحاديث سلسلته الصحيحة ، وخرج بعض طرقه وأسانيده الصحيحة والحسنة ، وذكر بعض شواهده وحسنها ، ووصف من ضعف هذا الحديث بأنه حديث عهد بصناعة الحديث ، وأنه قصر تقصيرا فاحشا في تحقيق الكلام عليه ، وأنه فاته كثير من الطرق والاسانيد التي هي بذاتها صحيحة أو حسنة ، فضلا عن الشواهد


( 27 )


الله وعترتي أهل بيتي ما أن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ».

فَهْمُ الكتاب
وعليه فكون الكتاب وسنة الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله موضعُ اتفاق بين المسلمين في كونهما عمدة مصادر التشريع ، لا يقتضي ويستلزم عدم الضلال والانحراف ، إذ الكتاب والسنة شيء وعوامل فهم الكتاب والسنة شيء اخر ، فلو توسعنا في مصادر المعرفة بحيث يشمل كل من أطلق عليه « أمير المؤمنين » لكان فهمه للكتاب والسنة هو المُحكّم والمُتبع ، او محاولة التأويل والتوجيه بين بدعته المستحدثة والايات القرانية المخالفة لها صراحة ، أو تجميد الايات وتعطيلها واتباع ما أحدثه الخليفة.

الاسلام والايمان
يقسم القران الكريم أفراد هذه الامة الى قسمين :
الاول : مسلم.
____________
والمتابعات ، وأنه لم يلتفت الى أقوال المصححين للحديث من العلماء ، إذ اقتصر في تخريجه على بعض المصادر المطبوعة المتداولة دون غيرها، فوقع في هذا الخطأ في تضعيف الحديث الصحيح ، راجع سلسلة الاحاديث الصحيحة : 4|355 حديث 1761 ، عنه مسائل خلافية : 98.


( 28 )


الثاني : مؤمن
والشاهد عليه قوله تعالى ( قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لايلتكم من أعمالكم شيئا ) (1) ، فإطاعة الله ورسوله شرط لتحقق الايمان ودخوله في قلب المرء ، والى هذا الشرط اشار تعالى بقوله أيضا ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعون يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ) (2) ، فمحبة الله تستلزم اتباع الرسول الاكرم صلى الله عليه واله ، أو من أمر الرسول صلى الله عليه واله بطاعته والاقتداء به ، فالحب بمصطلح القران يقتضي ويستلزم الاتباع والموالاة ، فهو عمل جوانحي مرتبط بقلب الانسان وجوارحي معا.
وقد أكدت بعض الايات على ضرورة التسليم القلبي المطلق لاوامر ونواهي الرسول الاكرم صلى الله عليه واله ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلّموا تسليما ) (3) ، فعلاوة على طاعة الرسول وانقياد جوارح وكيان الانسان الظاهري لأوامر ونواهيه صلى الله عليه واله لابد من الاذعان والتسليم القلبي لكل ما يصدر عنه حتى
____________
(1) الحجرات : 14.
(2) آل عمران : 31.
(3) النساء : 65.


( 29 )


وإن كان ـ بنظر المسلم ـ ضررا على الذات.
فالتسليم القلبي بكل ما حكم وجاء به الرسول الاكرم صلى الله عليه واله هو الايمان ، والتسليم القولي وتلفظ الشهادتين هو الاسلام ، وفرق كبير بين الايمان والاسلام ، فقد يكون الانسان مسلما وليس هو بمؤمن ولا عكس.

ولاية علي شرط الايمان
والخلاف بين المؤمنين وغيرهم ليس في كونهم مسلمين أو ليسوا بمسلمين ، من تشهد الشهادتين وصلى وصام وزكى وحج فهو مسلم ، وإنما الخلاف في تحقق الايمان وعدمه ، حب علي عليه السلام ركن الايمان ، ومتابعة علي عليه السلام واهل بيته محققة للايمان ، والايمان درجة والاسلام درجة اخرى ، فالايمان مقيّد باطاعة الرسول إطاعة مطلقة في أوامره ونواهيه وأحكامه.
فمن عصاه في قوله صلى الله عليه واله « أيها الناس ألست أولى بكم من أنفسكم ، قالوا : بلى ، قال : فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه » فهو مسلم إن حافظ على الشهادتين وخارج عن الايمان لعدم متابعته للرسول الاكرم صلى الله عليه واله في علي عليه السلام ، وستأتي تتمة فانتظر.

الردة عن الايمان
وكما أنه هناك ردّة عن الاسلام هناك ايضا ردّة عن الايمان ،


( 30 )


فكثير من الصحابة كما هو ظاهر قوله تعالى ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل افإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ) (1) حافظوا على التشهد بالشهادتين لكن اعترتهم ردّة في الايمان ، وهذا ما استفاضت به الروايات كما في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما.
فعن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه واله قال : بينما أنا قائم إذا زمرة حتى اذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم ، فقال : هلمّ ، فقلت : أين ؟ قال : إلى النار والله ، قلت : وما شأنهم ؟ قال : إنهم ارتدوا بعدك على ادبارهم القهقري ، ثم إذا زمرة ، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم ، فقال : هلمّ ، قلت : اين ؟ قال الى النار والله ، قلت : ما شأنهم ؟ قال : إنهم بعدك ارتدوا على أدبارهم القهقري ، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم » (2).
____________
(1) آل عمران : 144.
(2) صحيح البخاري : 8|150 ، قال في لسان العرب : 11|710 وفي حديث الحوض « فلا يخلص منهم إلا مثل همل النعم » الهمل : ضوال الابل ، واحدها هامل أي الناجي منهم قليل في قلة النعم الضالة.
قلت صدق الله تعالى إذ قال ( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين ) و الشاكرون في التاريخ قليل ( وقليل من عبادي الشكور ).


( 31 )


وعن أبي وائل قال : قال عبدالله : قال رسول الله صلى الله عليه واله : أنا فرطكم على الحوض ، ليرفعنّ إليّ رجال منكم ، حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني ، فأقول : أي رب ، أصحابي ! يقول : لا تدري ما أحدثوا بعدك (1).
وعنه عن ابي حازم قال : سمعت سهل بن سعد يقول : سمعت النبي صلى الله عليه واله يقول : أنا فرطكم على الحوض ، من ورده شرب منه ، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبدا ، ليرد عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ، ثم يحال بيني وبينهم.
قال ابوحازم : فسمعني النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا ، فقال : هكذا سمعت سهلا ؟ فقلت : نعم ، قال : وأنا أشهد على ابي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيه ، قال : إنهم مني ، فيقال : إنك لا تدري ما بدلوا بعدك ، فأقول : سحقا سحقا لمن بدّل بعدي (2).
وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله ، قال : ليردَنّ عليّ ناس من أصحابي الحوض حتى اذا عرفتهم اختلجوا دوني ، فأقول ، أصحابي ، فيقول : لاتدري ما أحدثوا بعدك (3).
____________
(1) صحيح البخاري : 9|58 كتاب الفتن باب 1 ، 8|148 كتاب الرقاق ، باب الحوض.
(2) صحيح البخاري : 9|58.
(3) صحيح البخاري : 8|149 ، صحيح مسلم : 4|1800 ، مسند أحمد : 3|281 ، 5|48 | 50.