الاسلام
محمدي الوجود ... حسيني البقاء
محاضرات
الشيخ أحمد الماحوزي
تدوين وتقرير
السيد مصطفى المزيدي
« الاسلام محمدي الوجود حسيني البقاء »
مقولة مشهورة ومتداولة عند المؤمنين ، وكون الإسلام محمدي الوجود مما لاشك ولا ريب فيه ومن البديهيات المتفق عليها عند كافة أهل الإسلام ، وغيرهم من بقية الأديان السماوية وغير السماوية ، أما القول ببقاء الإسلام واستمراريته بسبب الحسين وتضحيته فهذا مما يحتاج إلى دليل وبرهان.
فيا ترى هل ما يعتقده المؤمنون من أنه لولا الإمام الحسين عليه السلام ، ولولا مواقفه وشهادته في كربلاء لما بقي من الإسلام إلا اسمه ومن الدين إلا رسمه ، ولكان الإسلام اليوم كبقية الأديان السماوية الأخرى ـ اليهودية والمسيحية ـ ليس لها تطابق مع دين الكليم موسى والمسيح عيسى عليهما السلام إلا في الإسم ودعوى الإنتساب إليهما.
فهل هذه الكلمة « الإسلام محمدي الوجود ، وحسيني البقاء » كلمة حب وعاطفة أطلقها عشاق ومحبي الإمام الحسين عليه السلام ، أم أنها كلمة لها واقع حقيقي ؟
إذ لعل إنسان يتساءل ويقول : كثير من المذاهب الإسلامية لا تنظر إلى الإمام الحسين عليه السلام على أنه إمام مفترض الطاعة ، كما ينظر إليه المؤمنون ، ومع ذلك فإنها متمسكة ظاهرا بالدين وبدستور الاسلام الخالد « القرآن الكريم » فالاسلام مستمر وباق حتى لو لم يقتل الإمام الحسين في كربلاء ، بل حتى لو لم يولد الإمام الحسين عليه السلام.
إلا إنا نصرّ ونقول :
انه لو لم يكن الإمام الحسين عليه السلام ، ولو لم تكن واقعة كربلا لكان الإسلام إسمه موجود وحقيقته مفقودة ، ولأصبح كبقية الأديان السماوية الموجودة الان ليس له من الحق إلا الاسم ، وأن مقولة « الإسلام حسيني البقاء » لها واقع حقيقي ملموس ممتد من قوله صلى الله عليه وآله « حسين مني وأنا من حسين » (1).
____________
(1) أخرجه البخاري في الأدب من صحيحه ورواه في التاريخ الكبير : ج4 قسم 2 صفحة 415 ، مسند الإمام أحمد : 4 | 172 ، سنن ابن ماجه ، سنن الترمذي ، المستدرك على الصحيحين : 3 | 177 ، ولمعرفة دلالة الحديث راجع ما ألقيناه تحت عنوان « علي مني وأنا منه ».
ولتوضيح ذلك نقول : هناك طائفة من البشر يعتنقون المسيحية وطائفة أخرى يعتنقون اليهودية ، ويزعمون أنها المسيحية التي جاء بها عيسى ، واليهودية التي أنزلت على موسى عليهما السلام ، ولكن الواقع يشهد على أن المسيحية واليهودية الموجودة الان لا تشكل أكثر من 5% مما كانت عليه عند موسى وعيسى عليهما السلام ، بل لعله أقل من هذه النسبة .
وليس الكلام ـ في مقامنا هذا ـ في اسم المسيحية واليهودية وبعض الأمور الاعتقادية الضئيلة والقليلة والأحكام المتفرعة على ذلك ، وإنما الكلام في الطابع العام لهذا الدين أو ذاك ، فالطابع العام لليهودية والمسيحية الموجودتان الان لايمت بصلة الى المسيحية واليهودية التي جاء بها عيسى وموسى عليهما السلام ، لافي الاعتقاد ولا في الطقوس العبادية.
أما الإسلام الان ـ الموجود لدى المذاهب الإسلامية ـ طابعه العام ينطبق مع الإسلام الذي جاء به الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله ، نعم لا ينطبق عليه بحذافيره ولكنه في الأعم الأغلب وفي أكثر الأحكام يتطابق معه ، فما عند المسلمين اليوم بكافة فرقهم كثير منه مؤسس من قبل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله ، وهذه حقيقة واضحة لا يمكن التغافل والغفلة عنها وهو سر خلود الإسلام
الى يوم القيامة ، فهو خالد بهذه الفرق الإسلامية التي تشكل بمجوعها 50% الى 70% تقريبا (1) من الدين الذي جاء به النبي الأمي صلى الله عليه وآله ، وخالد على نحو الحقيقة والواقعية بتلك الطائفة التي لا تزال على الحق وظاهرة به الى يوم القيامة (2) ، والتي تشكل الإسلام والإيمان صورة وقالباً.
____________
(1) وهذا بفضل الحسين عليه السلام ولولاه ـ كما سيأتي ذكره ـ لكان شأن هذه المذاهب شأن المذاهب المسيحية لا تشكل من دين المسيح عليه السلام إلا الاسم ودعوى الانتساب.
(2) ففي الحديث المستفيض « لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين الى يوم القيامة » ، راجع : صحيح البخاري : 4 |253 كتاب المناقب باب 28 ، صحيح مسلم : 1 | 137 كتاب الإيمان باب نزول عيسى عليه السلام ، صحيح سنن أبي داود للألباني : 2 | 471 ، صحيح سنن ابن ماجه للألباني : 1 | 6 ، سنن الترمذي : 4 | 485 ، صحيح سنن النسائي للالباني : 2 | 756 ، سلسلة الأحاديث الصحيحة للالباني : 4 | 571.
وأخرجه الامام أحمد بن حنبل في المسند عن جابر ، وابي امامة ، وثوبان ، وزيد بن أرقم ، ومعاوية بن قرة ، وجابر بن سمرة ، وأبي هريرة ، ومعاوية بن أبي سفيان ، ومسلمة ، والمغيرة ، وعمران بن الحصين ، راجع المسند : 2|321 ، 340 ، 379 ، 5|345 ، 384 ، 4|93 ، 97 ، 99 ، 101 ، 104 ، 244 ، 248 ، 252 ، 369 ، 429 ، 434 ، 437 ، 5|34 ، 35 ، 92 ، 94 ، 98 ، 103 ، 105 ، 106 ، 108 ، 269 ، 278 ، 279 .
وفي بعض الروايات « ناس من أمتي » ، وبعضها الآخر كما في صحيح البخاري « أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك » ، وفي بعضها الثالث « لن يبرح الدين قائما ، يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة » ، « والطائفة ، والعصابة ، والأمة ، وناس » فيها دلالة على أن الدين لا يزال قائما بفئة قليلة من الناس لا بالأغلبية من المسلمين.
إذا عرفت ذلك نقول : لولا الإمام الحسين عليه السلام لكان اسلام بقية المذاهب والفرق اسلاما طابعه العام لا يتلاءم مع الإسلام الواقعي والحقيقي الذي جاء به الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله ، بل ليس له من الإسلام الواقعي الا الاسم وزعم الانتساب ، كما هو شأن اليهودية والمسيحية.
مصادر الشيعة
ولبلورة المطلب واتضاحه نمهّده بمقدمة ، فنقول :
لاشك أن مبدأ انحراف الاديان قاطبة هو الانحراف في مصادر لاتشريع في كل دين ، فما من دين إلا وله مصادر التشريع خاصة به يُستنبط منها عباداته ومعتقداته ، وترك هذه المصادر أو استحداث مصادر أخرى لم يقرّها هذا الدين أو ذاك ، هو منشأ وبداية الانحراف والابتعاد عن الدين ، بل الاختلاف في منابع المعرفة والتشريع هو منشأ كل الاختلاف والتنازع الفكري والثقافي والعقائدي بين بني البشر.
فمن باب التوضيح هناك خلاف بين البشر قاطبة في مصادر المعرفة ، هل هي العقل او الحس أو التجربة، فهناك مذهب ومدرسة عقلية صرفة ، وهناك مدرسة ثانية حسية صرفة ، وهناك مدرسة ثالثة تجريبية صرفة ، وهناك مدرسة رابعة تعتبر كل هذه
المنابع مصادر للمعرفة مع اختلاف في متعلق المعرفة ؛ فبعض المعارف لا سبيل لمعرفتها إلا بالعقل ، وبعضها الاخر لا طريق لاستيعابها إلا عن طريق الحس ، وبعضها الثالث لا يعرف إلا عن طريق التجربة .
وبما أن هذه المدارس تختلف في مصادر المعرفة ومنابع التشريع ، فيتفرع على هذا الاختلاف ، الاختلاف والتباين في العقيدة والسلوك العبادي ، وهذا واضح لا غبار عليه ، إذ بداية الخلاف بين المدارس يرجع الى الخلاف في مصادر المعرفة كما ذكرنا.
وهذا الخلاف أيضا جار بين المسلمين في مصادر المعرفة المرتبطة بالدين والاسلام ، فالكتاب والسنة مجمع على كونهما من مصادر المعرفة والتشريع عند الجميع ، وهنالك خلاف في كون : سنة أهل البيت عليهم السلام ، وسنة الصحابي ، والقياس ، والمصالح المرسلة ، وسد الذرائع ، والاستحسان ، مصادر للمعرفة والتشريع الاسلامي.
وباختلاف المصادر تختلف الاحكام سواء المرتبطة بالجانب العقائدي أو المرتبطة بالاحكام الفرعية ـ العبادات والمعاملات ـ.
فمن جعل أهل البيت عليهم السلام (1) مصدراً للمعرفة والتشريع تختلف عقائده وممارساته عمّن لم يجعلهم عليهم السلام مصدرا لذلك.
ومن جعل قول وفعل وتقرير الصحابي ـ مهما كانت صحبته مع الرسول صلى الله عليه وآله ـ مصدرا للمعرفة والتشريع ، تختلف عقائدة وممارساته عمن لم يجعلهم مصدرا للمعرفة والتشريع (2).
ولكن هذا الخلاف كما أشرنا إليه بشكل موجز لا يؤدي الى غياب الطابع العام للإسلام (3) ، بل يبقى الطابع العام طابعا اسلاميا ، نعم الاسلام بمعناه الحقيقي لايوجد إلا في طائفة واحدة المشار
____________
(1) كما هو مقتضى الادلة الكثيرة والمعتبرة والواضحة كحديث الثقلين وحديث سفينة نوح وغيرهما.
(2) ولذلك ذهب اغلبية المسلمين ـ تبعا للخليفة عمر بن الخطاب ـ الى أن قول الرجل لزوجته : أنت طالق طالق طالق ، في مجلس واحد هو طلاق ثلاثي بحاجة الى محلل ، خلافا لقوله تعالى ( الطلاق مرتان فامساك بمعروف أو تسريح باحسان ... فإن طلقها فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره ) ، وخلافا لسنة الرسول وسيرة أبي بكر ، وستأتي تتمة لذلك فانتظر.
(3) مع ملاحظة الجهود التي بذلها سيد المتقين علي بن أبي طالب عليه السلام في تصحيح سيرة الخلفاء بعد الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وارشاد بقية الصحابة والتابعين الى مصادر التشريع الحقة ، حتى قال الخليفة عمر بن الخطاب في مواقف كثيرة « لولا علي لهلك عمر » « لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن ».
إليها في قوله صلى الله عليه وآله المتقدم « لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ».
الأئمة المضلون
نعم : الذي يمحق الاسلام محقا ويمحي تعاليمه وسننه هو اتخاذ الأئمة المضلين فقط وجعلهم حجة على الدين ومصادر للمعرفة والتشريع ، فهذا ما يخاف به على الاسلام ، وهذا ما حذّر منه الاسلام والقرآن ، في عدة من البيانات والآيات.
من تلك الايات التي تشير الى هذا الخطر الكبير قوله تعالى ( اتخذوا احبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم ، وما امروا إلا ليعبدوا الله إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون ) (1).
قال الامام الصادق عليه السلام في تفسير الآية : أما والله ما دعوهم الى عبادة أنفسهم ولو دعوهم الى عبادة أنفسهم ما أجابوهم ، ولكن أحلوا لهم حراما وحرّموا عليهم حلالا فعبدوهم من حيث لا يشعرون (2).
____________
(1) التوبة : 31.
(2) الكافي : 1|543 ، المحاسن : 246.
قال الرازي : الاكثرون من المفسرين (1) قالوا : ليس المراد من الارباب أنهم اعتقدوا فيهم أنهم آلهة العالم ، بل المراد أنهم أطاعوهم في أوامرهم ونواهيهم ، نُقل أن عدي بن حاتم كان نصرانيا ، فانتهى الى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقرأ سورة براءة ، فوصل الى هذه الآية ، قال : فقلت : لسنا نعبدهم ، فقال صلى الله عليه وآله : أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ، ويحلون ما حرم الله فتستحلونه ؟! فقلت : بلى ، قال : فتلك عبادتهم (2) ، وقال الربيع : قلت لابي العالية ـ عامر الشعبي ـ : كيف كانت تلك الربوبية في بني إسرائيل ؟ فقال : إنهم ربما وجدوا في كتاب الله ما يخالف أقوال الاحبار والرهبان ، فكانوا يأخذون بأقوالهم ، وما كانوا يقبلون حكم كتاب الله .
قال : قال شيخنا ومولانا خاتمة المحققين والمجتهدين « رض » : قد شاهدت جماعة من مقلدة الفقهاء ، قرأت عليهم آيات كثيرة من كتاب الله تعالى في بعض المسائل ، وكانت مذاهبهم
____________
(1) تفسير الطبري : 10|80 ، الكشاف للزمخشري : 2|185 ، تفسير القرطبي : 8|120 ، تفسير ابن كثير : 2|348 ، الدر المنثور : 4|174.
(2) أخرجه ابن سعد وعبد حميد والترمذي وحسنه ، وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه ، راجع الدر المنثور : 4|174.
بخلاف تلك الايات ، فلم يقبلوا تلك الايات ولم يلتفتوا إليها ، وبَقوا ينظرون إليّ كالمتعجب ، يعنى : كيف يمكن العمل بظواهر هذه الايات مع أن الرواية عن سلفنا وردت على خلافها ، ولو تأملت حق التأمل وجدت هذا الداء سارياً في عروق الأكثرين من أهل الدنيا (1).
أما الأحاديث المحذرة من الأئمة المضلين فكثيرة جدا منها ما أخرجه الترمذي بسنده عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين (2).
فالخطر الذي يخاف منه على الاسلام هو : أن يصبح كل من تسلم زمام الامور السياسية والادارية للمسلمين قوله وفعله وتقريره حجة ، كحجية قول وفعل وتقرير الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله ، فيصبح مصدرا من مصادر التشريع ، وهذا ما حصل
____________
(1) تفسير الرازي : 16|37.
(2) سنن الترمذي : 4|504 ، كتاب الفتن ، وقال : حديث حسن صحيح ، المستدرك : 4|449 ، وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ، وقد روى الحديث عن ثوبان وعمر وأبي ذر وأبي الدرداء كل من : ابو داود في السنن : 4|97 ، احمد بن حنبل في المسند : 1|42 ، 5|145 ، 278 ، 284 ، 6|441 ، ابن ماجه في السنن 2|1304 ، والدارمي في السنن : 1|70 ، وصحح الحديث الالباني في صحيح سنن ابي داود : 3|801 ، وصحيح سنن ابن ماجه : 2|352.
بالفعل لدى المسلمين بالنسبة لبعض الخلفاء من الصحابة (1).
إذ أن بعض المسلمين ـ بل كثير منهم ـ يأخذون عقائدهم من الواقع المعاش ، فبما أن أبا بكر أول من جاء بعد الرسول صلى الله عليه وآله ثم عمر ثم عثمان ثم علي ، فأبو بكر عندهم أفضل الصحابة ثم عمر ثم عثمان ثم علي ، ولو أن معاوية لم يحارب عليا عليه السلام لكان بعد علي عليه السلام في الافضلية.
فتربى المسلمون على قبول كل ما يصدر من الخلفاء بعد الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله ، وأصبحت اقوالهم وافعالهم حجة ودليل على الحكم الشرعي والاعتقادي ، حتى معاوية بن أبي سفيان الذي هو طليق باجماع المسلمين قوله حجة عند عدة من المسلمين (2).
____________
(1) وسنة الصحابي تارة تكون حجة بلحاظ أنها طريق الى سنة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله ، واخرى تكون حجة بما هي هي ، فعلى الأول تكون الحجية طريقية وعلى الثاني تكون الحجية موضوعية ، والحجية الموضوعية هي أن يكون الشيء بنفسه حجة يجب التعبد به كحجية الكتاب ، والحجية الطريقية هي أن يكون الشيء طريقا الى الحجة وكاشف عنها ، وليس الخلاف بين المسلمين في سنة الصحابي من كونها حجة طريقية ، وإنما الخلاف في كونها حجة موضوعية .
(2) وهؤلاء لم يفرقوا بين كون الصحابي عدل وثقة وبين كونه مصدرا للتشريع ، إذ كونه ثقة لايستلزم حجية أقواله وأفعاله ، فقد يخطأ وقد يغفل وقد ينسى ، والشاهد عليه اختلاف سيرة الشيخين أبي بكر وعمر.
ودلالة على مانقول نذكر عدة من الموارد التي غيّر فيها بعض الخلفاء من الصحابة سنة الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وأتبعهم السواد الأعظم والاكثر من المسلمين الى اليوم.
البدعة الاولى : الطلقات الثلاث
روى مسلم بسنده عن ابن عباس قال : كان الطلاق في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة ، فقال عمر بن الخطاب : إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة ، فلو أمضيناه عليهم ، فأمضاه عليهم (1) ، وهو إلى اليوم ممضى خلافا لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله (2).
البدعة الثانية : التثويب في الأذان (3)
روى الترمذي عن مجاهد قال : دخلت مع عبدالله بن عمر
____________
(1) صحيح مسلم 2|1099 ، كتاب الطلاق ، باب طلاق الثلاث ، سنن أبي داود : 2|261 ، صحيح سنن أبي داود للألباني : 2|415 ، صحيح سنن النسائي للالباني : 2|718.
(2) نعم رجعت مشيخة الازهر في هذه الاعصار الى كتاب الله وسنة الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله والاقتداء بأهل البيت ، وتركوا سنة الخليفة عمر بن الخطاب ، فجعلوا الطلقات الثلاث بصيغة واحد طلقة واحدة.
(3) وهو قول المؤذن « الصلاة خير من النوم ».
( 15 )
مسجدا ، وقد أذن فيه ، ونحن نريد أن نصلي فيه ، فثوّب المؤذن ، فخرج عبدالله بن عمر من المسجد ، وقال : أخرج بنا من عند هذا المبتدع ، ولم يصل (1).
واول من ثوّب في الأذان وأمر به هو الخليفة عمر بن الخطاب فقد أخرج مالك في الموطأ أنه بلغه أن المؤذن جاء الى عمر يؤذِنه لصلاة الصبح ، فوجده نائما ، فقال : الصلاة خير من النوم ، فأمره عمر أن يجعلها في نداء الصبح (2).
وروى عبدالرزاق بسند متصل عن عمر بن حفص قال : أن سعدا ـ ابن القرظ مؤذن عمر ـ أول من قال الصلاة خير من النوم ، في خلافة عمر ، فقال : بدعة ثم تركه وأن بلال لم يؤذن لعمر (3).
قال الشوكاني : وذهبت العترة والشافعي في أحد قوليه الى أن التثويب بدعة ، قال في البحر : أحدثه عمر ، فقال ابنه : هذه بدعة ، وقال علي عليه السلام حين سمعه : لا تزيدوا في الأذان ما ليس
____________
(1) سنن الترمذي 1|381 ، صحيح سنن أبي داود للألباني : 1|108 ، السنن الكبرى : 1|424.
(2) الموطأ : 42 حديث 151 ، وراجع المصنف لابن أبي شيبة : 1|189 حديث 2159 ، سنن الدارقطني : 1|243.
(3) المصنف : 1|473 رقم 1829.