في المجتمع الإسلامي
مقدمة المركز
الحمد لله الواحد الأحد الذي تطمئن القلوب بذكره ، والصلاة والسلام على أبي القاسم محمد أشرف أنبياء الله ورسله ، وعلى آله المنتجبين ، المطهرين ، وبعد.
سبق لمركز الرسالة أن أصدر في شأن الأُسرة كتابين من سلسلته المستمرة «سلسلة المعارف الإسلامية» كان الأول تحت عنوان «تربية الطفل في الإسلام» وتناول الثاني «آداب الأُسرة في الإسلام» وقد حملا الرقمين «8» و«21» على الترتيب ، ثمّ جاء كتابنا الثالث هذا ليعالج هذا الموضوع الحسّاس من جوانبه الأُخرى. تقديراً منّا للحاجة المستمرة إلى رفع مستوى الوعي الديني والثقافي في شأن الأُسرة ، اللبنة الأساس في المجتمع ، ومدرسة الإعداد الأولى والأهم لأفراده.
وتقديراً ـ من ناحية أخرى ـ لأهمية الحديث عن الاُسرة اليوم في خضم الصراع الحضاري والثقافي الدائر بين الإسلام كدين ونظام للحياة والمجتمع وبين الأنظمة المادية ، سواء في الشرق أو الغرب ، التي جعلت تفكيك الاُسرة أو تهميش الروابط الاُسرية جزءاً لا يتجزء من صياغاتها النظرية وبرامجها العملية ، مع ما تمتلكه هذه الأنظمة المادية اليوم من عناصر قوة تمكنها من الاختراق الثقافي للمجتمعات الإسلامية التي افتقدت منذ زمن عنصر المبادرة ، بل افتقدت إلى حدٍ كبير القدرة على التحصن الثقافي ضد أي غزو أو اختراق من هذا النوع.
وإذا كان الإسلام يتمتع بقدراته الذاتية الفائقة بما يتوفر عليه من نظم شاملة ومتماسكة فإن المسلمين بحاجة دائماً إلى مزيد من الوعي الذي يرتفع بمعارفهم الإسلامية إلى مستوى الثقافة العملية المعاشة في الواقع ، من أجل تقليل الفجوة بين
واقعهم العملي وبين ما يستندون إليه من رصيد عقيدي وفكري اثبتت وتثبت تجارب الاُمم انه الرصيد الأكمل والأعظم ، شمولاً وعمقاً وتماسكاً ، من أي رصيد آخر تستند إليه أُمّة من أُمم الأرض.
فها نحن نشهد في عصرنا الحديث صرخات الكثير من المفكرين وعلماء الاجتماع الغربيين وهي تتوجع من نظام تفكيك الاُسرة ومخلفاته السيئة على الفرد والمجتمع ، مشفوعة باحصاءات علمية تؤكد دعواهم المستمرة إلى المحافظة على نظام الاُسرة وصيانة كيانها ، بل قد ذاق المجتمع الغربي نفسه مرارة واقعه الاُسري المفكك فظهرت جمعيات خاصة لمقاومة اتجاه النساء إلى العمل خارج المنزل ، واُخرى تدعو إلى العودة إلى الأديان السماوية وتعاليمها في شأن الاُسرة.. فيما خصصت احدى الحكومات الاسكندنافية أخيراً مكافئات مالية مغرية للآباء أيام الاجازات ، ترغيباً لهم في أن يقضوا أوقاتاً أطول مع أبنائهم.
ولكن مهما بلغت هذه الصرخات من قوة وقدرة على التأثير فإنها ستبقى معالجات سطحية إذا ما قورنت بالنظام الاُسري في الإسلام الذي تتوزع أركانه على المجتمع والاُسرة والفرد ، ليضمن تحقيق الاستعداد التام لتكوين الاُسرة السليمة ، منذ مقدماتها الاُولى ، متابعاً مراحل نشأتها وتكوينها ونموها ، في ما هو اُسري بحت ، وفي ما يتجاوز اطار الاُسرة إلى المجتمع. الأمر الذي يتطلب تحقيق المستوى الأفضل من الوعي برسالة هذا النظام والمعرفة بتفاصيله التي تنتظم في نسق متكامل لا يستغني فيه بعضها عن بعض.
من أجل ذلك كلّه يتبنّى مركز الرسالة هذا الكتاب الذي نرجو له أن يسهم في تعضيد بناء الأُسرة المسلمة على الأُسس القويمة ، لتكون أكثر صلابة أمام التحديات المعاصرة ، وأكثر متانة في أداء رسالتها في المجتمع.
مركز الرسالة
المقدمة
الحمدُ لله الذي جعل لنا من أنفسنا أزواجاً وجعل بيننا مودةً ورحمة. والصلاة والسلام على رسوله الأمين وآل بيته الطيبين الطاهرين..
وبعد.. فقد احتل موضوع الاُسرة مكانةً مرموقة في برنامج الإسلام التغييري الواسع النطاق ، لكونها تشكل اللّبنة الأساسية الاُولى في صرحه الاجتماعي.
ولم ينصبّ اهتمام الإسلام على مرحلة تشكيل الأُسرة وتكوينها فحسب ، بل أولى عناية خاصة لمرحلة ماقبل التأسيس ، وذلك بترغيب الشباب من الجنسين على العيش المشترك ضمن إطار الاُسرة كمجتمع صغير. فقد أشار إلى المعطيات الإيجابية المترتبة على العُلقة الزوجية ونفّر أشد التنفير من العزوبة. كما تعرّض بشيء من التفصيل للمقومات الأساسية التي يجب أن تقوم عليها الحياة الزوجية ، وتطرّق للاُسس السليمة التي تتم بموجبها عملية اختيار الشريك ، تلك الاُسس التي ترتكز على نظافة القصد وسلامة النية.
وكان من الطبيعي أن يحث الإسلام على التساهل في قضية المهر وشروط الزواج ومقدماته ، ازدادت عنايته أكثر بالاُسرة في مرحلة النشأة والتكوين ، فقد عمل على توثيق العلاقة الجديدة بين الزوجين على مختلف الأصعدة.
فعلى الصعيد النفسي ومن أجل الارتقاء الروحي والإيماني للزوجين أكّد على توثيق علاقتهما بالله تعالى ، وهو أمر له مردود إيجابي على علاقتهما فيما بينهما ، ولا يخفى بان توثيق العلاقة مع الخالق ، يؤدي ـ بالملازمة ـ إلى تقوية العلاقة مع المخلوق.
وعلى الصعيد التربوي ، دعا الإسلام إلى تأسيس اُسرة تقوم على أُسس من التفاهم والانسجام ، والحب المتبادل والمعاشرة بالمعروف ، والشعور بالمسؤولية تجاه العائلة ، وكذلك الإنصاف والعدل ، وتقسيم العمل وتوزيع الأدوار وعدم إلحاق
الضرر بالطرف الآخر ، وما إلى ذلك.
وعلى الصعيد الأخلاقي أكّد على التمسك بعرى الصبر الجميل ، والابتعاد عن الخيانة الزوجية وعدم خلع حزام العفة ، وتجنب الطعن في الشرف من خلال القذف وما إلى ذلك ، وأيضاً تجنب الغيرة التي تكون لها ـ في غالب الأحيان ـ آثار تدميرية على الاُسرة ، زد على ذلك دعوة الإسلام الملحة إلى تحصين سياج الاُسرة من خلال رعاية جانب الآداب والأخلاق الإسلامية من قبل كلا الزوجين.
ولم يكتف الإسلام ـ كرسالة شمولية ـ بالجانب الوعظي ، أو الإرشادي ، بل صبّ توصياته بخصوص الاُسرة في قوالب قانونية واضحة وملزمة ، حدَّد فيها الواجبات الملقاة على الزوجين تجاه بعضهما البعض ، وتجاه أولادهما ، كما بيّن الحقوق المترتبة على كلِّ فرد في الاُسرة.
هذه الخطوط الرئيسة سوف تجد تفاصيلها في هذا البحث الذي اتّبعنا فيه المنهج النقلي ، وأردنا من خلاله الكشف عن موقف الإسلام الأصيل الذي تمثله مدرسة أهل البيت عليهم السلام من موضوع الاُسرة ، وهو الموضوع الذي يتزايد بشأنه اهتمام الرأي العالمي نتيجة للدعوات المظلّلة التي تصدر من الغرب ، وتدعو الشباب إلى التمرد على نظام الاُسرة بغية تقويضه ، إما من خلال سلوك طريق الرّهبنة والعزوف عن الزواج ، أو الانجراف مع تيار الإباحية العارم الذي يتنصّل للقيم ويسعى نحو تحطيم النظم التقليدية ومنها نظام الاُسرة.
وقد قسّمنا البحث إلى مقدِّمة وثلاثة فصول ، نتعرض في :
الفصل الأول : إلى الاُسرة قبل التكوين.
أما الفصل الثاني : فيتكفل ببيان عناية الإسلام بالاُسرة عند نشأتها.
أما الفصل الثالث : فهو مقارنة بين المنهج الإسلامي والمادي في بناء الاُسرة وما يترتب على المنهجين من آثار اجتماعية وتربوية وأخلاقية.