جاء النبي إلى بيتي ، فقال : لا تأذني لأحد . فجاءت فاطمة ، رضي الله عنها ، فلم أستطع أن أحجبها عن أبيها ، ثم جاء الحسن ، رضي الله عنه ، فلم أستطع أن أمنعه أن يدخل على جده وأمه ، ثم جاء الحسين فلم أستطع أن أحجبه ، فاجتمعوا حول النبي صلى الله عليه وسلم على بساط فجللهم النبي بكساء كان عليه ، ثم قال : هؤلاء أهل ب يتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا . فنزلت الاية حين اجتمعوا على البساط قالت [ أم سلمة ] (1) : فقلت : يا رسول الله ، وأنا ؟ قالت : فوالله ما أنعم (2) وقال : إنك إلى خير (3) .
وقال آخرون : بل عنى بذلك أزواج النبي صلى الله عليه وسلم .
ثم ذكر من طريق الأصبغ عن (4) علقمة قال : كان عكرمة رضي الله عنه ينادي في السوق : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) . قال : نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم خاصة (5) .
____________
(1) سقطت من الطبري .
(2) أي : ما قال : نعم .
(3) تفسير الطبري : 22 / 8 .
(4) في « ق » : الأصبغ بن علقمة ، والمثبت عن الطبري ، وقد سقطت كلمة « ابن علقمة » من « س » .
(5) تفسير الطبري : 22 / 8 .
وقال العلامة أبو محمد بن عطية (1) :
والرجس اسم يقع على الأثم وعلى العذاب ، وعلى النجاسات والنقائص ، فأذهب الله تعالى جميع ذلك عن أهل البيت [ ونصب أهل البيت ] (2) على المدح ، أو على النداء للمضاف ، أو بإضمار : أعني .
واختلف الناس في أهل البيت من هم ؟ فقال عكرمة ، ومقاتل ، وابن عباس رضي الله عنهم : هم زوجاته خاصة [ لا يدخل معهن رجل ] (4) وذهبوا الى أن البيت أريد به مساكن النبي صلى الله عليه وسلم .
قال أبو سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « نزلت هذه الاية في خمسة : فِيَّ ، وفي علي وفاطمة ، والحسن والحسين » (5) .
____________
(1) هو أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي المتوفي سنة 456 هـ وقد نقل المقريزي هذا النص من كتابه : « المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز » ومنه عدة نسخ مصورة بمعهد المخطوطات العربية تحت رقم 228 تفسير . انظر : الجزء الرابع / ورقة 3 / ب 40 / 1 .
(2) سقطت من « س » و « ق » والمثبت عن تفسير ابن عطية .
(3) في « س » و « ق » : لا رجل معهن .
(4) عبارة ابن عطية : « وذهبوا إلى أن أهل البيت أهل مساكن النبي ، والذي عليه الجمهور [ أن ] أهل البيت علي وفاطمة والحسن والحسين في هذا أحاديث نبوية قال أبو سعيد الخدري ... » .
(5) تفسير الطبري : 22 / 5 .
ومن حجة الجمهور قوله : « عنكم » ، و « يطهركم » بالميم ، ولو كان للنساء خاصة لكان : « عنكن » . قال ابن عطية : والذي يظهر [ لي ] (1) أن زوجاته لا يخرجن عن ذلك ألبتة ، فأهل البيت : زوجاته ، وبنته [ وبنوها ] (2) وزوجها ، وهذه [ 131 / ا ] الاية تقتضي أن الزوجات من أهل البيت ، لأن الاية فيهن ، والمخاطبة لهن . أما [ أن ] (3) أم سلمة ، رضي الله عنها ، قالت : نزلت هذه الاية في بيتي ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا ، وفاطمة ، وحسنا ، وحسينا ، فدخل معهم تحت كساء خيبري ، وقال : هؤلاء أهل بيتي ، وقرأ الاية ، وقال : اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا . قالت أم سلمة : فقلت وأنا يا رسول الله ؟ فقال : أنت من أزواجي (4) ، وأنت إلى خير .
وقال الثعلبي (5) : قيل : هم بنو هاشم ـ فهذا على أن البيت يراد به بيت النسب ، فيكون العباس وأعمامه [ وبنو
____________
(1) سقطت من « س » .
(2) في « ق » : « وبنوه » والمثبت عن « س » .
(3) ساقطة من « ق » .
(4) في تفسير ابن عطية : « أنت من أزواج النبي » .
(5) الثعلبي : هو أبو اسحاق أحمد بن محمد بن ابراهيم الثعلبي ـ أو الثعالي ـ النيسابوري . كان أوحد زمانه في علم التفسير توفي سنة 427 هـ انظر وفيات الاعيان : ترجمة رقم 30 / 61 / 62 .
أعمامه ] (1) منهم .
وروي نحوه عن زيد بن أرقم ، رضي الله عنه .
وقال الشيخ أبو العباس أحمد بن عمر بن ابراهيم القرطبي (2) ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) . قال الزجاج . قيل يراد به نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، وقيل يراد به نساؤه ، وأهله الذين هم أهل بيته ، وأهل [ البيت ] (3) : نصب على المدح . قال : وإن شئت على البدل قال : ويجوز الرفع والخفض . وقال النحاس : إن خفض على أنه بدل من الكاف والميم لم يجز عند أبي العباس محمد بن يزيد قال : لا يبدل من المخاطب ، ولا من المخاطب لأنهما لا يحتاجان إلى تبيين : ( ويطهركم تطهيرا ) مصدر فيه معنى التوكيد .
قوله : ( واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة (4) ) هذه الألفاظ تعطي أن أهل البيت نساؤه .
وقد اختلف أهل العلم في أهل البيت من هم ؟
____________
(1) سقط من « س » .
(2) انظر تفسير القرطبي : 14 / 182 .
(3) سقطت من « ق » و « س » والمثبت عن القرطبي .
(4) سورة الأحزاب ، آية : 34 .
فقال عطاء ، وعكرمة وابن عباس : هم زوجاته خاصة لا رجل معهن ، وذهبوا إلى أن البيت أريد به مساكن النبي صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى : ( واذكرن ما يتلى في بيوتكنّ ) .
وقال فرقة منهم الكلبي : هم علي وفاطمة والحسن ، والحسين خاصة ، وفي هذا أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، واحتجوا بقوله تعالى : ( ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) بالميم ، ولو كان للنساء خاصة لكان : « عنكن » و « يطهركن » ، إلا أنه يحتمل أن يكون خرج على لفظ الأهل ، يقول الرجل لصاحبه : كيف أهلك ؟ أي إمرأتك ، ونساؤك فيقول : هم بخير . قال الله تعالى : ( أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته [ 131 / ب ] عليكم أهل البيت ) (1) .
[ والذي يظهر من الاية أنها عامة في جميع أهل البيت ] (2) من الازواج وغيرهم ، وإنما قال : ( ويطهركم تطهيرا ) لان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعليا ، وحسنا ، وحسينا كانوا فيهم ، وإذا اجتمع المذكر والمؤنث غلب المذكر ، فاقتضت الاية أن الزوجات من أهل البيت ؛س لان
____________
(1) سورة هود ، آية : 73 .
(2) هذه الفقرة سقطت من « س » .
الاية فيهن ، والمخاطبة لهن ، يدل عليه سياق الكلام ، والله سبحانه وتعالى أعلم .
أما أن أم سلمة رضي الله عنها قالت : نزلت هذه الاية في بيتي ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا ، وفاطمة وحسنا ، وحسينا ، فدخل معهم تحت (1) كساء خيبري ، وقال : هؤلاء أهل بيتي ، وقرأ الاية ، وقال : اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، فقالت أم سلمة : وأنا معهم يا نبي الله ؟ قال : أنت على مكانك ، وأنت على خير » . أخرجه الترمذي (2) وغيره (3) وقال : هذا حديث غريب ، وفي رواية : وقالت أم سلمة : أدخلت رأسي في الكساء وقلت : وأنا منهم [ يا رسول الله ؟ ](4)قال : نعم .
وقال الثعلبي : هم بنو هاشم .. فهذا يدل على أن البيت يراد به بيت النسب ، فيكون العباس ، وأعمامه وبنو أعمامه منهم .
وروى نحوه عن زيد بن أرقم .
وعلى قول الكلبي يكون قوله : ( واذكرن ) [ ابتداء مخاطبة الله تعالى ، أي مخاطبة أمر الله تعالى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم
____________
(1) في « س » و « ق » : « في » بدل : « تحت » والمثبت عن القرطبي .
(2) انظر تحفة الأحوذي أبواب التفسير : 9 / 66 ، 67 .
(3) انظر مسند الإمام أحمد : 6 / 292 ، 296 .
(4) زائدة في القرطبي .
على جهة الموعظة ، وتعديد النعمة بذكر ] (1) ما يتلى في بيوتكن من آيات الله تعالى والحكمة . قال أهل العلم بالتأويل : آيات الله : القرآن ، والحكمة : السنة .
والصحيح أن قوله : ( واذكرن ) منسوق على ما قبله ، وقال : ( عنكم ) ، كقوله : ( أهل ) فالأهل مذكر ، فسماهن ـ وإن كن اناثا ـ باسم التذكير ، فلذلك صار ( عنكم ) ، ولا اعتبار بقول الكلبي وأشباهه فإنه توجد له أشياء من هذا التفسير ما [ لو ] كان في زمن لاسلف الصالح لمنعوه [ من ذلك ] وحجروا عليه ؛ فالايات كلها من قوله : ( يا أيها النبي قل لأزواجك ) إلى قوله : ( إن الله كان لطيفا خبيرا ) (2) منسوق بعضها على بعض ، فكيف صار في الوسط كلام منفصل لغيرهن ؟ إنما هذا شيء جرى في الأخبار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الاية دعا عليا (3) وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، رضي الله عنهم ، فعمد النبي صلآ الله عليه وسلم الى كساء فلفها عليهم ، ثم ألوى (4) بيده إلى السماء فقال : « اللهم هؤلاء أهل بيتي (5) اللهم أذهب عنهم الرجس
____________
(1) سقطت هذه الفقرة من « ق » والمثبت عن « س » والقرطبي .
(2) سورة الاحزاب ، الآيات من : 28 إلى 34 .
(3) في « س » و « ق » : دخل عليه علي . والمثبت عن القرطبي : 14 / 184 .
(4) ألوى بيده : أشار .
(5) في « س » ، « ق » : اللهم هؤلاء أهلي ، والمثبت عن القرطبي .
وطهرهم تطهيرا » (1) فهذه دعوة رسول الله [ 132 / ا ] صلى الله عليه وسلم بعد نزول الاية أحب أن يدخلهم في الاية التي خوطب بها ( الأزواج ) (2) ؛ فذهب الكلبي وطائفة (3) أنها لهم خاصة ، وانما هي دعوة لهم خارجة عن (4) التنزيل والله أعلم .
وقال العلامة نجم الدين سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم الطوفي (5) في كتاب « الأشارات الألهية في المباحث الأصولية » (6) . قوله عز وجل : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) .
____________
(1) انظر مسند الإمام احمد : 6 / 292 .
(2) سقطت من « س » و « ق » والمثبت عن « القرطبي » .
(3) عبارة القرطبي : « فذهب الكلبي ومن وافقه فصيرها لهم خاصة ، وهي دعوة .. » .
(4) في القرطبي : « خارجه من » .
(5) هو سليمان بن عبد القوي المعروف بابن أبي عباس الطوفي . ولد سنة 657 هـ ، وأصله من طوف قرية ببغداد ، قدم الشام ، وأقام بمصر مدة ، وشارك في مختلف الفنون ، وله مصنفات فيها . توفي بمدينة الخليل سنة 716 هـ انظر « الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة » لابن حجر : 2 / 249 / 252 .
(6) هذا الكتاب مخطوط وتوجد منه نسخة بدار الكتب المصرية تحت رقم 687 تفسير . انظر ورقة رقم 160 ، 161 ، كما توجد نسخة مصورة في معهد المخطوطات بالجامعة العربية تحت رقم 8 تفسير .
احتج بها الشيعة على أن أهل البيت معصومون ، ثم على أن اجماعهم حجة ؛ أما أنهم معصومون (1) فلأنهم طهروا ، وأذهب الرجس عنهم ، وكل من كان كذلك فهو معصوم .
أما الأولى فلنص هذه الاية .
وأما الثانية فلأن الرجس اسم جامع لكل شر ، ونقص ، والخطأ ، وعدم العصمة بالجملة (2) شر ونقص ، فيكون ذلك مندرجا تحت عموم الرجس الذاهب عنهم ، فتكون الأصابة في القول ، والفعل ، والأعتقاد ؛ والعصمة بالجملة ثابتة لهم ، وأيضا فلأن الله عز وجل طهرهم ، وأكد تطهيرهم بالمصدر حيث قال : ( ويطهركم تطهيرا ) أي ويطهركم من الرجس وغيره تطهيرا ، إذ هي تقتضي عموم تطهيرهم [ من كل ما ] (3) ينبغي التطهير منه عرفا ، أو عقلا ، أو شرعا ، والخطأ وعدم العصمة داخل تحت ذلك ، فيكونون مطهرين منه ، ويلزم من ذلك عموم إصابتهم ، وعصمتهم .
ثم أكدوا دليل عصمتهم من الكتاب والسنة في علي رضي الله عنه [ وحده ] (4) ، وفي فاطمة عليها السلام وحدها وفي جميعهم ؛ أما دليل العصمة في علي رضي الله عنه ، فلما ثبت أن
____________
(1) في « ق » : « إما لأنهم » والمثبت عن « س » و « الإشارات » .
(2) في « ق » : « والجهالة » . والمثبت عن « س » و « الإشارات » .
(3) في « ق » : « ما ينبغي » والمثبت عن « س » .
(4) سقطت من « ق » ، والمثبت عن « س » و « الإشارات » .
النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسله إلى اليمن قاضيا قال : يا رسول الله : كيف تبعثني قاضيا ولا علم لي بالقضاء ؟ قال : [ إذهب ] (1) فإن الله سيهدي قلبك ، ويسدد لسانك ، ثم ضرب صدره وقال : اللهم اهد قلبه وسدد لسانه » (2) . قالوا : قد دعا له بهداية القلب وسداد اللسان ، وأخبره بأن سيكونان له ، ودعاؤه مستجاب ، وخبره حق وصدق ، ونحن لا نعني بالعصمة إلا هداية القلب للحق ، ونطق اللسان بالصدق ؛ فمن كان عنده للعصمة معنى غير هذا ، أو ما يلازمه فليذكره .
وأما دليل العصمة في فاطمة رضي الله عنها [ 132 / ب ] فقوله صلى الله عليه وسلم : « فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها » (3) والنبي صلى الله عليه وسلم معصوم ، فبضعته ـ أي جزؤه ، والقطعة منه يجب أن تكون معصومة .
وأما دليل العصمة في جميعهم ـ أعني عليا ، وفاطمة ، وولديهما
____________
(1) ساقطة من « س » .
(2) انظر مسند أحمد : 1 / 111 ، 149 .
(3) أخرجه البخاري في كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم : 5 / 28 وباب مناقب فاطمة عليها السلام : 5 / 36 ، وكتاب النكاح باب ذب الرجل عن ابنته في الغيرة والإنصاف : 7 / 47 . ومسلم كتاب فضائل فاطمة بنت النبي عليها الصلاة والسلام 7 / 140 ـ 143 .
فلقوله صلى الله عليه وسلم : « إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يفترقا (1) حتى يردا علي الحوض » ، رواه الترمذي (2) .
ووجه دلالته أنه لازم بين أهل بيته ، والقرآن والمعصوم ، وما لازم المعصوم فهو معصوم . قالوا : واذا ثبت عصمة أهل البيت وجب أن يكون اجماعهم (3) حجة لامتناع الخطأ ، والرجس عليهم بشهادة السمع المعصوم ، والا لزم وقوع الخطأ فيه ، وأنه محال .
واعترض الجمهور بأن قالوا : لا نسلم أن أهل البيت في الاية من ذكرتم ، بل هم نساء النبي صلى الله عليه وسلم بدليل سياقها وانتظام ما استدللتم به معه ، فإن الله تعالى قال : ( يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن إتقيتن ) (4) الاية . ثم استطردها إلى أن قال : ( وأقمن الصلاة وآتين الزكاة ، وأطعن الله ورسوله ، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ، واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات
____________
(1) في « الاشارات » يتفرقا .
(2) انظر تحفة الأحوذي ، أبواب المناقب ، باب مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم الحديث : 3874 ، 3876 / 10 / 287 / 290 .
(3) في « ق » : « اجتماعهم » والمثبت عن « س » ، و « الاشارات » .
(4) سورة الأحزاب : 32 .
الله والحكمة ) الاية . فخطاب نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، مكتنفا لذكر أهل البيت قبله ، وبعده منتظم له ، فاقتضى أنهن المراد به ، وحينئذ لا يكون لكم في الاية متعلق أصلا ، ويسقط الأستدلال بها بالكلية .. سلمناه ؛ لكن لا نسلم أن المراد بالرجس ما ذكرتم ، بل المراد به رجس الكفر ، أو نحوه من المسميات الخاصة .
وأما ما أكدتم به عصمتهم من السنة فأخبار آحاد لا تقولون بها ، مع أن دلالتها ضعيفة .
وأجاب الشيعة بأن قالوا : الدليل على أن أهل البيت في الاية [ هم ] (1) من ذكرنا : النص والأجماع ؛ أما النص فما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بقي بعد نزول هذه الاية ستة أشهر يمر وقت صلاة الفجر على بيت فاطمة رضي الله عنها [ 133 / ا ] فينادي الصلاة يا أهل البيت ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) . رواه الترمذي وغيره (2) وهو تفسير منه لأهل البيت بفاطمة ومن في بيتها رضي الله عنها ، وهو نص ، وأنص منه حديث أم سلمة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم أرسل خلف عليّ وفاطمة وولديهما ـ رضي الله عنهم ـ فجاؤا فأدخلهم
____________
(1) زائدة في « الاشارات » .
(2) انظر « تحفة الأحوذي » تفسير سورة الأحزاب الحديث : 3259 : 9 / 67 / 68 ، و « مسند أحمد » 3 / 259 ، 285 .
تحت الكساء ، ثم جعل يقول : « اللهم إليك لا إلى النار أنا وأهل بيتي ، اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي ـ وفي رواية حامتي (1) ـ اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا . قالت أم سلمة : فقلت يا رسول الله ، ألست من أهل بيتك ؟ قال : أنت إلى خير » . رواه أحمد (2) وهو نص في أهل البيت ، وظاهر في أن نساءه لسن منهم ، لقوله لأم سلمة : « أنت إلى خير » ، ولم يقل : بلى أنت منهم .
وأما الأجماع فلأن الأمة إتفقت على أن لفظ أهل البيت إذا اطلق انما ينصرف إلى من ذكرناه دون النساء [ ولو ] (3) لم يكن إلا شهرته فيهم كفى .
وإذا ثبت ما ذكرناه من النص والاجماع أن أهل البيت علي وزوجته وولده ، فما استدللتم به من سياق الاية ، ونظمه على خلافه لا يعارضه لأنه مجمل يحتمل الأمرين ، وقصاراه أنه ظاهر فيما ادعيتم ، لكن الظاهر لا يعارض النص والأجماع ، ثم ان الكلام العربي يدخله الاستطراد والاعتراض ، وهو تخلل الجملة الاجنبية بين الكلام المنتظم المتناسب ، كقوله تعالى ( ان الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة
____________
(1) حامة الإنسان : خاصته .
(2) مسند أحمد : 6 / 292 ، 298 ، 304 .
(3) ساقطة من « ق » والمثبت عن « س » .
أهلها أذلة ، وكذلك يفعلون * وإني مرسلة إليهم بهدية ) (1) ، فقوله : ( وكذلك يفعلون ) . جملة معترضة من جهة الله تعالى [ بين ] (2) كلام بلقيس .
وقوله تعالى : ( فلا أقسم بمواقع النجوم * وإنه لقسم لو تعلمون عظيم * إنه لقرآن . . ) (3) أي فلا أقسم بمواقع النجوم . إنه لقرآن كريم ، وما بينهما اعتراض [ على اعتراض ] (4) وهو كثير في القرآن وغيره من كلام العرب (5) فلم لا يجوز أن يكون قوله تعالى : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ) جملة معترضة متخللة لخطاب نساء النبي صلى الله عليه وسلم على هذا النهج [ 133 / ب ] وحينئذ يضعف اعتراضكم .
وأما الرجس فإنما يجوز حمله على الكفر ، أو على مسمى خاص لو كان له معهود ، ولكن لا معهود له ، فوجب حمله على عمومه إذ هو اسم جنس معرف باللام ، وهو من أدوات العموم .
وأما ما ذكرناه من أخبار الاحاد فإنما أكدنا به دليل
____________
(1) سورة النمل ، آية : 34 ، 35 .
(2) في « ق » : « وليس كلام بلقيس » والمثبت عن « س » .
(3) سورة الواقعة ، آية : 75 ـ 77 .
(4) ساقطة من « س » .
(5) في « الإشارات » : « من الكلام العربي » .
الكتاب ، ثم هي لازمة لكم ، فنحن أوردناها إلزاما لا إستدلالا .
قال الطوفي : واعلم أن الاية ليست نصا ولا قاطعا في عصمة آل البيت وإنما قصاراها أنها ظاهرة في ذلك بطريق الأستدلال الذي حكيناه عنهم ، والله أعلم .
وقال العارف محي الدين أبو عبد الله محمد بن عربي (1) ، رحمه الله تعالى (2) : « كل عبد إلهي توجه لأحد عليه حق من المخلوقين فقد نقص من عبوديته لله تعالى بقدر ذلك الحق (3) فإن ذلك المخلوق يطلبه بحقه وله عليه سلطان به ، فلا يكون عبدا محضا خالصا لله تعالى ، وهذا هو الذي رجح عند المنقطعين إلى الله انقطاعهم عن الخلق ، ولزومهم السياحات ، والبراري ، والسواحل ، والفرار من الناس ، والخروج عن ملك الحيوان ؛ فإنهم يريدون بذلك الحرية من جميع الأكوان .
ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدا محضا قد طهره الله تعالى وأهل بيته تطهيرا ، وأذهب عنهم الرجس وهو كل ما يشينهم ، فإن الرجس
____________
(1) هو محيى الدين محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله الطائي الحاتمي الأندلسي ولد بمرسية سنة 560 هـ ثم ارتحل وطاف بالبلاد الإسلامية وتوفي في ربيع الآخر سنة 638 هـ . انظر ترجمته في « شذرات الذهاب » : 5 / 190 ـ 102 .
(2) انظر : « الفتوحات المكية » 1 / 196 ـ 198 .
(3) في « ق » و « س » : « بذلك القدر » والمثبت عن « الفتوحات » .
وهو كل ما يشينهم ؛ فإن الرجس هو القذر عند العرب كذا قال الفراء قال الله تعالى : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ) . فلا يضاعف إليهم إلا مطهر ولا بد ؛ فإن المضاف إليهم هو الذي يشبههم (1) ، فما يضيفون لأنفسهم إلا من له حكم الطهارة والتقديس . فهذه شهادة من النبي صلى الله عليه وسلم لسلمان الفارسي رضي الله عنه ، بالطهارة والحفظ الألهي والعصمة حيث قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم « سلمان منا أهل البيت » (2) وشهد الله لهم بالتطهير ، وذهاب الرجس عنهم ، وإذا كان لا يضاف (3) إليهم إلا مقدس مطهر ، وحصلت له العناية الألهية بمجرد الأضافة فما ظنك بأهل البيت في نفوسهم فهم المطهرون ؛ بل هم عين الطهارة .. فهذه الاية تدل على أن الله تبارك وتعالى قد شرك أهل البيت مع [ 134 / ا ] رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : ( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ) (4) . وأي وسخ وقذر أقذر من الذنوب وأوضح ؟!! فطهر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالمغفرة مما هو ذنب بالنسبة إلينا
____________
(1) في « ق » : « يشينهم » والمثبت عن « الفتوحات المكية » .
(2) انظر : « أسد الغابة » : 2 / 421 . بتحقيقنا .
(3) في « الفتوحات » لا ينضاف .
(4) سورة الفتح ، آية : 2 .