مسألة 682 : اليمين ـ ويطلق عليها الحلف والقسم أيضاً ـ على ثلاثة أنواع:
الاَول: ما يقع تأكيداً وتحقيقاً للاخبار عن تحقق امرٍأو عدم تحققه في الماضي أو الحال أو الاستقبال، كما يقال: (والله جاء زيد بالامس) أو (والله هذا مالي) أو (والله يأتي عمرو غداً).
الثاني: ما يقرن به الطلب والسؤال ويقصد به حث المسؤول على انجاح المقصود ويسمى: (يمين المناشدة) كقول السائل: (اسألك بالله ان تعطيني ديناراً).
ويقال للقائل: (الحالِف) و(المُقسِم) وللمسؤول: (المحلوف عليه) و(المُقسَم عليه).
الثالث: ما يقع تأكيداً وتحقيقاً لما بنى عليه والتزم به من ايقاع امر أو تركه في المستقبل، ويسمى: (يمين العقد) كقوله: (والله لاَصومنَّ غداً) أو (والله لاَتركنّ التدخين).
مسألة 683 : تنقسم اليمين من النوع الاَول المتقدم إلى قسمين:
( 222 )
صادقة وكاذبة، والايمان الصادقة كلها مكروهة بحد ذاتها سواء أكانت على الماضي أو الحال أو المستقبل، واما الايمان الكاذبة فهي محرمة ـ بل قد تعتبر من المعاصي الكبيرة كاليمين الغموس، وهي: اليمين الكاذبة في مقام فصل الدعوى ـ ويستثنى منها اليمين الكاذبة التي يقصد بها الشخص دفع الظلم عنه أو عن سائر المؤمنين، بل قد تجب فيما إذا كان الظالم يهدد نفسه أو عرضه أو نفس مؤمن آخر أو عرضه، ولكن إذا كان ملتفتاً إلى امكان التورية وكان عارفاً بها ومتيسرة له فالاحوط وجوباً ان يوري في كلامه بان يقصد بالكلام معنى غير معناه الظاهر بدون قرينة موضحة لقصده، فمثلاً إذا حاول الظالم الاعتداء على مؤمن فسأله عن مكانه واين هو؟ يقول (ما رايته) فيما اذا كان قد رآه قبل ساعة ويقصد به انه لم يره منذ دقائق.
مسألة 684 : اليمين من النوع الاَول المتقدم لا يترتب عليها أثر سوى الاثم فيما إذا كان الحالف كاذباً في اخباره عن تعمّد أو أخبر من دون علم، نعم ما تفصل بها الدعاوى والمرافعات لها احكام خاصة وتترتب عليها آثار معينة كعدم جواز المقاصة وقد مرت الاشارة إليه في المسألة (886 ج2).
مسألة 685 : الظاهر جوازاليمين بغير الله تعالى من الذوات المقدسة والاشياء المحترمة فيما إذا كان الحالف صادقاً فيما يخبر عنه، ولكن لا يترتب عليها أثر اصلاً ولا تكون قسماً فاصلاً في الدعاوى والمرافعات.
مسألة 686 : لا تنعقد اليمين من النوع الثاني المتقدم، ولا يترتب عليها شيء من اثم ولا كفارة لا على الحالف في احلافه ولا على المحلوف عليه في حنثه وعدم انجاح مسؤوله.
واما اليمين من النوع الثالث فهي التي تنعقد عند اجتماع الشروط
( 223 )
الاتية ويجب برّها والوفاء بها ويحرم حنثها وتترتب على حنثها الكفارة، وهي موضوع المسائل الآتية.
مسألة 687 : لا تنعقد اليمين إلاّ باللفظ أو ما هو بمثابته كالاشارة بالنسبة إلى الاخرس، والاظهر كفاية الكتابة للعاجز عن التكلم، بل لا يترك الاحتياط في غيره، ولا يعتبر فيها العربية لا سيما في متعلقاتها.
مسألة 688 : لا تنعقد اليمين إلاّ إذا كان المقسم به هو الله تعالى دون غيره مطلقاً، وذلك يحصل باحد أُمور:
1 ـ ذكر اسمه المختص به كلفظ الجلالة، ويلحق به ما لا يطلق على غيره كالرحمن.
2 ـ ذكره باوصافه وافعاله المختصة التي لا يشاركه فيها غيره كمقلب القلوب والابصار، والذي نفسي بيده، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، واشباه ذلك.
3 ـ ذكره بالاوصاف والافعال التي يغلب اطلاقها عليه بنحو ينصرف اليه تعالى وان شاركه فيها غيره، كالربّ والخالق والبارىَ والرازق وامثال ذلك، بل لا يبعد ذلك فيما لا ينصرف اليه في نفسه ولكن ينصرف اليه في مقام الحلف كالحي والسميع والبصير.
مسألة 689 : المعتبر في انعقاد اليمين ان يكون المحلوف به ذات الله تبارك وتعالى دون صفاته وما يلحق بها، فلو قال: (وحق الله، أو بجلال الله، أو وعظمة الله، أو بكبرياء الله، أو وقدرة الله، أو وعلم الله، أو لعمر الله) لم تنعقد إلاّ إذا قصد ذاته المقدسة.
مسألة 690 : لا يعتبر في انعقاد اليمين ان يكون انشاء القسم بحروفه
( 224 )
بان يقول: (والله أو تالله لافعلَّن كذا) بل لو انشأه بصيغتي القسم والحلف كقوله: (اقسمت بالله أو حلفت بالله) انعقدت أيضاً، نعم لا يكفي لفظا (اقسمتُ) و(حلفتُ) بدون لفظ الجلالة أو ما هو بمنزلته.
مسألة 691 : يجوز الحلف بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والائمة عليهم السلام وسائر النفوس المقدسة وبالقرآن الشريف والكعبة المعظمة وسائر الامكنة المحترمة ولكن لا تنعقد اليمين بالحلف بها ولا يترتب على مخالفتها اثم ولا كفارة.
مسألة 692 : لا تنعقد اليمين بالبراءة من الله تعالى أو من رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أو من دينه أو من الاَئمة عليهم السلام بان يقول مثلاً: (برئت من الله، أو من دين الاسلام ان فعلت كذا، أو ان لم افعل كذا) فلا تؤثر في ترتب الاثم على حنثها، نعم هذه اليمين بنفسها حرام ويأثم حالفها من غير فرق بين ان يحنثها وعدمه، والاظهر ثبوت الكفارة في حنثها وهي اطعام عشرة مساكين لكل مسكين مـدّ.
ومثل يمين البراءة في عدم الانعقاد أن يقول: (ان لم افعل كذا، أو ان لم اترك كذا فانا يهودي أو نصراني مثلاً) ولكن لا ينبغي صدورها من المسلم.
مسألة 693 : لو علَّق اليمين على مشيئة الله تعالى بان قال: (والله لافعلن كذا ان شاء الله) وكان مقصوده التعليق على مشيئته تعالى لا مجرد التبرك بهذه الكلمة لم تنعقد حتى فيما إذا كان المحلوف عليه فعل واجب أو ترك حرام إلاّ إذا قصد التعليق على مشيئته التشريعية، ولو علق يمينه على مشيئة غير الله عزّ وجلّ بان قال: (والله لافعلن كذا ان شاء زيد مثلاً) انعقدت على تقدير مشيئته، فان قال زيد: (انا شئت ان تفعل كذا) انعقدت
( 225 )
وتحقق الحنث بتركه، وان قال: (لم أشأ) لم تنعقد، ولو لم يعلم أنه شاء أو لم يشأ لم يترتب عليها أثر ايضاً، وهكذا الحال لو علق على شيء آخر غير المشيئة فانه تنعقد على تقدير حصول المعلق عليه فيحنث لو لم يأت بالمحلوف عليه على ذلك التقدير.
مسألة 694 : يعتبر في انعقاد اليمين ان يكون الحالف بالغاً عاقلاً مختاراً قاصداً غير محجور عن التصرف في متعلق اليمين، فلا تنعقد يمين الصغير والمجنون ولو ادوارياً إذا حلف حال جنونه، ولا يمين المكره والسكران ومن اشتد به الغضب حتى سلبه قصده أو اختياره، ولا يمين المفلّس إذا تعلقت بما تعلق به حق الغرماء من امواله، ولا يمين السفيه سواء تعلقت بعين خارجية ام بما في ذمته، ولا يعتبر في الحالف ان يكون مسلماً فتصح يمين الكافر على الاظهر.
مسألة 695 : لا تنعقد يمين الولد مع منع الوالد، ولا يمين الزوجة مع منع الزوج، حتى فيما إذا كان المحلوف عليه فعل واجب أو ترك حرام على الاقرب، فلا حنث ولا كفارة عليهما في صورة مخالفتها بترك الواجب أو فعل الحرام وان ترتبت عليهما آثارهما من الاثم وغيره. ولو حلف الولد من دون اذن الاب، أو حلفت الزوجة من دون اذن زوجها، كان للاب والزوج حلّ يمنيهما فلا حنث ولا كفارة عليهما، وهل يعتبر اذنهما ورضاهما في انعقاد يمينهما ـ حتى انه لو لم يطلّعا على حلفهما أو لم يحلا مع علمهما لم تنعقد من اصلها ـ أو لا، بل يكون منعهما مانعاً عن انعقادها وحلّهما رافعاً لاستمرارها، فتصح وتنعقد في الصورتين المذكورتين؟ قولان اقواهما الثاني.
( 226 )
مسألة 696 : تنعقد اليمين فيما إذا كان متعلقها واجباً أو مستحباً أو ترك حرام أو مكروه، ولا تنعقد فيما إذا كان متعلقها ترك واجب او مستحب أو فعل حرام أو مكروه، واما إذا كان متعلقها مباحاً متساوي الطرفين في نظر الشرع فان ترجح فعله على تركه أو العكس بحسب المنافع والاغراض العقلائية الدنيوية فلا اشكال في انعقادها فيما إذا تعلقت بطرفه الراجح وعدم انعقادها فيما إذا تعلقت بطرفه المرجوح، واما إذا تساوى طرفاه بحسب الاغراض الدنيوية للعقلاء أيضاً فهل تنعقد إذا تعلقت به فعلاً أو تركاً أم لا؟ قولان اقربهما الثاني إلاّ إذا كان متعلقها مشتملاً على مصلحة دنيوية شخصية فانه لا يبعد انعقادها حينئذٍ.
مسألة 697 : كما لا تنعقد اليمين فيما إذا كان متعلقها مرجوحاً شرعاً كذلك تنحل فيما إذا تعلقت براجح ثم صار مرجوحاً، كما لو حلف على ترك التدخين إلى آخر عمره فضرّه تركه بعد حين فانه تنحل يمينه حينئذٍ، ولو عاد إلى الرجحان لم تعد اليمين بعد انحلالها على الاقوى.
مسألة 698 : يعتبر في متعلق اليمين أن يكون مقدوراً للحالف في ظرفه وان لم يكن مقدوراً له حين انشائها، فلو حلف على أمر يعجز عن انجازه فعلاً ولكنه قادر عليه في الظرف المقرر له صح حلفه، ولو حلف على أمر مقدور له في ظرفه ولكنه أخر الوفاء به إلى ان تجدد له العجز عنه ـ لا عن تعجيز ـ مستمراً إلى انقضاء الوقت المحلوف عليه، أو إلى الابد ان لم يكن له وقت، فان كان معذوراً في تأخيره ـ كما لو اعتقد تمكنه منه لاحقاً أو قامت عنده حجة على ذلك ـ انحلت يمينه ولا اثم عليه ولا كفارة، وإلاّ لحقه الاثم وثبتت عليه الكفارة، ويلحق بالعجز فيما ذكر الحرج والعسر
( 227 )
الرافعان للتكليف.
مسألة 699 : إذا انعقدت اليمين وجب عليه الوفاء بها وحرمت عليه مخالفتها ووجبت الكفارة بحنثها، والحنث الموجب للكفارة هي المخالفة عمداً فلو كانت نسياناً أو اضطراراً أو اكراهاً أو عن جهل يعذر فيه فلا حنث ولا كفارة، ولا فرق في الجهل عن عذر بين ان يكون في الموضوع أو في الحكم كما لو اعتقد اجتهاداً أو تقليداً عدم انعقاد اليمين في بعض الموارد المختلف فيها ثمّ تبين له ـ بعد المخالفة ـ انعقادها.
مسألة 700 : إذا كان متعلق اليمين الفعل ـ كالصلاة والصوم ـ فان عيّن له وقتاً تعين، وكان الوفاء بها بالاتيان به في وقته، وحنثها بعدم الاتيان به في وقته وان أتى به في وقت آخر، ونظير ذلك ما إذا كانت الازمنة المتأخرة جداً خارجة عن محطّ نظره حين الحلف فانه لا يجوز له التأخير في الاتيان به إلى حينها وإلاّ كان حانثاً، وان اطلق كان الوفاء بها بايجاده في أيّ وقت كان ولو مرة وحنثها بتركه بالمرة، ولا يجب التكرار ولا الفور والبدار بل يجوز له التأخير ولو بالاختيار ولكن لا إلى حدّ يعدّ توانياً وتسامحاً في اداء الواجب، وان كان متعلق يمينه الترك ـ كما إذا حلف ان لا يأكل الثوم أو لا يدخن ـ فان قيّده بزمان كان حنثها بايجاده ولو مرة في ذلك الزمان، وان أطلق كان مقتضاه التأبيد مدة العمر، فلو اتى به في مدة عمره ولو مرة في أيّ زمان كان تحقق الحنث، ولو اتى به اكثر من مرة لم يحنث إلاّ بالمرة الاولى فلا تتكرر عليه الكفارة.
مسألة 701 : إذا كان المحلوف عليه صوم كل يوم من شهر رجب مثلاً أو ترك التدخين في كل نهار منه فان قصد تعدّد الالتزام والملتزم به
( 228 )
بعدد الايام تعدّد الوفاء والحنث بعددها وإلاّ ـ بان صدر منه التزام واحد متعلق بالمجموع ـ لم يكن له إلاّ وفاء أو حنث واحد، فلو ترك الصوم في بعض الايام أو استعمل الدخان فيه تحقق الحنث وثبتت الكفارة، ولا حنث ولا كفارة بعده وان ترك الصوم أو استعمل الدخان في سائر الايام، ولو تردد فيما قصده حين الحلف جرى عليه حكم الصورة الثانية على الاقوى، ومثله ما إذا حلف ان يصوم كل خميس أو حلف ان لا يأكل الثوم في كل جمعة.
مسألة 702 : كفارة حنث اليمين عتق رقبة أو اطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، فان عجز فصيام ثلاثة أيام متواليات، وستأتي احكامها في كتاب الكفارات ان شاء الله تعالى.
الفصل الثاني
في النذور
مسألة 703 : النذر هو ان يجعل الشخص لله على ذمته فعل شيء أو تركه.
مسألة 704 : لا ينعقد النذر بمجرد النية بل لا بُدّ فيه من الصيغة، ويعتبر في صيغة النذر اشتمالها على لفظ (لله) أو ما يشابهه ما مرّ في اليمين كأن يقول الناذر: (للهِ عليَّ أن آتي بنافلةَ الليلِ) أو (للرحمن عليَّ ان أدعَ التعرضَ للمؤمنينَ بسوء)، وله ان يؤدي هذا المعنى بأية لغة اُخرى غير العربية حتى لمن يحسنها على الاظهر، ولو اقتصر على قوله (عليّ كذا) لم ينعقد وان نوى في ضميره معنى (لله)، ولو قال: (نذرت لله ان اصوم) مثلاً أو (لله عليّ نذر صوم) مثلاً ففي انعقاده اشكال فلا تترك مراعاة الاحتياط فيه.
مسألة 705 : يعتبر في الناذر البلوغ والعقل والاختيار والقصد وعدم الحجر عن التصرف في متعلق النذر. فيلغو نذر الصبي وان كان مميزاً، وكذلك نذر المجنون ـ ولو كان ادوارياً ـ حال جنونه، والمكره والسكران ومن اشتد به الغضب إلى ان سلبه القصد أو الاختيار، والمفلس إذا تعلق نذره بما تعلق به حق الغرماء من امواله، والسفيه سواء تعلق نذره بعين خارجية أم بما في ذمته.
مسألة 706 : لا يصح نذر الزوجة بدون اذن زوجها أو اجازته فيما ينافي حقه في الاستمتاع منها، وفي صحة نذرها في مالها من دون اذنه
( 230 )
واجازته ـ في غير الحج والزكاة والصدقة وبّر والديها وصلة رحمها ـ اشكال، هذا فيما إذا كان النذر في حال زوجيتها له، واما إذا كان قبلها فهل هو كذلك أم لا يعتبر اذنه في مثله فيلزمها العمل به وان كره الزوج؟ وجهان اقربهما الاَوّل.
مسألة 707 : اذا اذن لها الزوج في النذر ـ فيما يعتبر اذنه ـ فنذرت عن اذنه انعقد، ولم يكن له حلّه بعد ذلك ولا المنع عن الوفاء به.
مسألة 708 : يصح نذر الولد سواء أذن له الوالد فيه أم لا، ولكن اذا نهاه احد ابويه عما تعلق به النذر فلم يعد بسببه راجحاً في حقه انحل نذره ولم يلزمه الوفاء به، كما لا ينعقد مع سبق توجيه النهي اليه على هذا النحو.
مسألة 709 : النذر على قسمين: مطلق ومعلَّق، والمطلق ما لم يكن معلقاً على شيء، ويسمى بـ (نذر التبرع) كقوله: (لله عليّ ان اصوم غداً)، والاظهر انعقاده ولزوم الوفاء به، والمعلَّق ـ ولا اشكال في انعقاده ـ على قسمين:
القسم الاَوّل: نذر بر، وهو فيما اذا كان المعلق عليه امراً وجودياً أو عدمياً مرغوباً فيه للناذر، سواء أكان من فعله ام من فعل غيره، ويعتبر ان يكون مما يحسن به تمنيه ويسوغ له طلبه من الله تعالى.
فلا يصح النذر براً فيما لو علقه على فعل حرام أو مكروه، أو ترك واجب أو مستحب منه أو من غيره، كأن يقول: (ان تجاهر الناس بالمعاصي أو شاع بينهم المنكرات فللّه عليّ ان اصوم غداً)، والظاهر انه لا يعتبر فيما اذا كان المعلَّق عليه فعل نفسه ان يكون طاعة لله ـ من فعل واجب أو مستحب أو ترك حرام أو مكروه، أو انقياداً له: بفعل ما يحتمل
( 231 )
محبوبيته، أو ترك ما يحتمل مبغوضيته ـ بل يجوز ان يكون مباحاً، له فيه منفعة دنيوية كأن يقول: (ان تركت التدخين سنة فللّه عليّ ان اتصدق بمائة دينار).
ويقع نذر البر على نحوين:
1 ـ نذر شكر لله تعالى على ايجاده للمعلَّق عليه، أو توفيقه الغير على ايجاده، ومن الاَوّل قوله: (ان شفى الله مريضي أو ان أعاد مسافري سالماً فللّه عليّ ان اصوم شهراً) ومن الثاني قوله: (ان وفّقت لزيارة الحسين عليه السلام يوم عرفة، أو ان وفّق ولدي في الامتحان، فللّه عليّ كذا).
2 ـ نذر بعث للغير نحو المعلَّق عليه، كأن يقول لولده: (ان حفظت القرآن الكريم فللّه عليّ ان ابذل لك نفقة حجك) أو يقول: (من ردّ عليّ مالي فللّه عليّ ان اهبه نصفه).
القسم الثانى: نذر زجر، وهو فيما اذا كان المعلق عليه ـ فعلاً كان أو تركاًـ امراً مرغوباً عنه للناذر، سواء أكان من فعله أم من فعل غيره، ويعتبر ان يكون مما يحسن به تمني عدمه ويسوغ له طلب عدم تحققه من الله تعالى، واذا كان النذر لزجر نفس الناذر اعتبر ان يكون متعلقه أمراً شاقاً عليه، واذا كان لزجر غيره اعتبر ان يكون امراً مبغوضاً لذلك الغير، ومثال الاَوّل ان يقول: (ان تعمدت الكذب أو ان تعمدت الضحك في المقابر فللّه عليّ ان اصوم شهراً)، ومثال الثاني ان يقول لوارثه: (ان تركت الصلاة فللّه عليّ ان اتصدق بجميع مالي، أو اُوصي بثلث تركتي للفقراء).
مسألة 710 : اذا كان المعلَّق عليه فعلاً اختيارياً للناذر فالنذر قابل لان يكون نذر شكر وان يكون نذر زجر، والمايز هو القصد، مثلاً اذا قال: (ان
( 232 )
شربت الخمر فللّه عليّ كذا) ان كان في مقام زجر النفس وصرفها عن الشرب فأوجب على نفسه شيئاً على تقدير شربه ليكون زاجراً لها عنه فهو نذر زجر فينعقد، وان كان في مقام تنشيط النفس وترغيبها فجعل المنذور جزاءً لصدوره منه وتهيؤ اسبابه له كان نذر شكر فلا ينعقد.
مسألة 711 : يعتبر في متعلَّق النذر من الفعل أو الترك ان يكون مقدوراً للناذر في ظرفه، فلو كان عاجزاً عنه في وقته ان كان موقتاً ومطلقاً ان كان مطلقاً لم ينعقد نذره، وإذا طرأ العجز عنه في الاثناء انحلّ ولا شيء عليه، نعم لو نذر صوم يوم أو ايام فعجز عن الصوم فالاحوط وجوباً ان يتصدق عن كل يوم بمدّ على مسكين أو يدفع له مدين ليصوم عنه.
مسألة 712 : يعتبر في متعلَّق النذر ان يكون راجحاً شرعاً حين العمل، بان يكون طاعة لله تعالى من صلاة أو صوم أو حج أو صدقة أو نحوها مما يعتبر في صحتها قصد القربة، أو أمراً ندب اليه الشرع ويصّح التقرب به إلى الله تعالى كزيارة المؤمنين وتشييع جنائزهم وعيادة المرضى وغيرها، فينعقد النذر في كل واجب أو مندوب ـ ولو كان كفائياً ـ اذا تعلق بفعله، وفي كل حرام أو مكروه اذا تعلق بتركه.
واما المباح ـ كما اذا نذر اكل طعام او تركه ـ فان قصد به معنى راجحاً كما لو قصد بأكله التقوّي على العبادة أو بتركه منع النفس عن الشهوة انعقد نذره وإلاّ لم ينعقد على الاظهر.
مسألة 713 : اذا كان متعلق النذر راجحاً في ظرف الاتيان به ولم يكن يعلم به الناذر حين النذر، أو نذر الاتيان بمباح من دون ان يقصد به معنى راجحاً ثم طرأ عليه الرجحان حين العمل فهل ينعقد نذره ويلزمه الوفاء به؟
( 233 )
فيه اشكال ولا يبعد عدم انعقاده.
مسألة 714 : كما لا ينعقد النذر فيما اذا لم يكن متعلقه راجحاً شرعاً كذلك لا ينعقد فيما اذا زال رجحانه لبعض الطوارىَ، فلو نذر صيام شهر معين ثم ضرّه الصوم فيه بعد حين، أو نذر ترك التدخين لتتحسن صحته ويقوى على خدمة الدين ثم ضرّه تركه انحل النذر ولا شيء عليه.
مسألة 715 : لو نذر الاتيان بالصلاة أو الصوم أو الصدقة أو أيّ عمل راجح آخر مقيداً بخصوصية معينة زمانية أو مكانية أو غيرهما، فان كانت راجحة بصورة أولية كما لو نذر الصلاة في مسجد الكوفة أو الصوم في يوم الجمعة، أو بصورة ثانوية طارئة مع كونها ملحوظة حين النذر، كما إذا نذر الصلاة في مكان هو افرغ للعبادة وابعد عن الرياء بالنسبة اليه، فلا اشكال في انعقاد نذره وتعيّن الاتيان بالمنذور بالخصوصية المعيّنة، فلو أتى به فاقداً لها لم يكن موفياً بنذره.
واما اذا كانت الخصوصية خالية عن الرجحان ففي انعقاد نذره وجهان اقواهما الانعقاد، نعم اذا كان منذوره تعيين تلك الخصوصية لاداء ذلك العمل الراجح لا نفس ذلك العمل مقيداً بها لم ينعقد النذر؛ لعدم الرجحان في متعلقه.
مسألة 716 : لو نذر صوماً ولم يعين العدد كفى صوم يوم، ولو نذر صلاة ولم يعيّن الكيفية والكمية تجزىَ ركعتان، بل تجزىَ مفردة الوتر على الاقوى، ولو نذر صدقة ولم يعين جنسها ومقدارها كفى كل ما يطلق عليه اسم الصدقة، ولو نذر فعل طاعة أتى بعمل قربي ويكفي صيام يوم أو التصدق بشيء أو صلاة ولو ركعة الوتر من صلاة الليل وغير ذلك.
( 234 )
مسألة 717 : لو نذر صوم عشرة أيام مثلاً فان قيد بالتتابع أو التفريق تعين وإلاّ تخيّر بينهما، وكذا لو نذر صيام سنة فانه يكفيه ـ مع الاطلاق ـ صيام اثني عشر شهراً ولو متفرقاً، وهكذا الحال لو نذر صيام شهر فانه يجزئه ـ مع الاطلاق ـ صوم ثلاثين يوماً ولو متفرقاً، ولا يلزمه التتابع بينها إلاّ اذا كان مقصوداً له حين النذر على وجه التقييد.
مسألة 718 : لو نذر صوم شهر اجزأه صوم ما بين الهلالين من شهر ولو كان ناقصاً، ولو شرع فيه في اثناء الشهر فنقص فهل يجزئه اتباعه من الشهر اللاحق بمقدار ما مضى من الشهر الاَوّل ام يلزمه اكماله ثلاثين يوماً؟ وجهان، احوطهما الثاني بل لا يخلو من قوة.
مسألة 719 : اذا نذر صيام سنة معينة استثني منها العيدان، فيفطر فيهما ولا قضاء عليه، وكذا يفطر في الايام التي يعرض فيها ما لا يجوز معه الصيام من مرض أو حيض أو نفاس أو سفر لكن يجب القضاء على الاقوى.
مسألة 720 : لو نذر صوم كل خميس مثلاً فصادف بعضها احد العيدين أو احد العوارض المبيحة للافطار من مرض أو حيض أو نفاس أو سفر افطر، ويجب عليه القضاء حتى في الاَوّل على الاقوى.
مسألة 721 : لو نذر صوم يوم معين فافطر عمداً يجب قضاؤه مع الكفارة.
مسألة 722 : اذا نذر صوم يوم معين جاز له السفر وان كان غير ضروري ويفطر ثم يقضيه ولا كفارة عليه، وكذلك اذا جاء اليوم وهو مسافر لا يجب عليه الاقامة بل يجوز له الافطار والقضاء.
( 235 )
مسألة 723 : لو نذر زيارة احد الاَئمة عليهم السلام أو بعض الصالحين لزم،، ويكفي الحضور والسلام على المزور، والظاهر عدم وجوب غسل الزيارة وصلاتها مع الاطلاق وعدم ذكرهما في النذر، وان عيّن اماماً لم يُجزِ زيارة غيره وان كان زيارته افضل، كما انه اذا عجز عن زيارة من عيّنه لم يجب زيارة غيره بدلاً عنه، وان عيّن للزيارة زماناً تعين فلو تركها في وقتها عامداً حنث وتجب الكفارة، وهل يجب معها القضاء أم لا؟ وجهان اقواهما العدم.
مسألة 724 : لو نذر ان يحج أو يزور الحسين عليه السلام ماشياً انعقد مع القدرة وعدم الضرر، فلو حج أو زار راكباً مع القدرة على المشي فان كان النذر مطلقاً ولم يعين الوقت اعاده ماشياً، وان عين وقتاً وفات الوقت حنث بلا اشكال ولزمته الكفارة، وهل يجب مع ذلك القضاء ماشياً أم لا؟ وجهان اقواهما العدم، وكذلك الحال لو ركب في بعض الطريق ومشى في البعض.
مسألة 725 : ليس لمن نذر الحج أو الزيارة ماشياً ان يركب البحر أو يسلك طريقاً يحتاج الى ركوب السفينة ونحوها ولو لاجل العبور من النهر ونحوه إلاّ اذا كان الطريق المتعارف برّاً منحصراً فيما يتوقف على ذلك، ولو انحصر الطريق في البحر فان كان النذر موقتاً لم ينعقد من الاَوّل وان كان مطلقاً وتوقع فتح الطريق البري فيما بعد انتظر وإلاّ فلا شيء عليه، نعم اذا كان المشي ملحوظاً في نذره على نحو تعدد المطلوب لزمه ـ في الصورتين ـ الاتيان بالحج أو الزيارة راكباً بعد تعذر المشي.