وأما القول بانتهاء النسل إلى فردين من الإنسان الكامل بالكمال الفكري من طريق التولد ثم انشعابهما وانفصالهما بالتطور من نوع آخر من الإنسان غير الكامل بالكمال الفكري ثم انقراض الأصل وبقاء الفرع المتولد منهما على قاعدة تنازع البقاء وانتخاب الأصلح .
فيدفعه قوله تعالى : ( ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ) على التقريب المتقدم وما في معناه من الآيات .
على أن الحجة التي أقيمت على هذا القول قاصرة عن إثباته ، فإنها شواهد مأخوذة من التشريح التطبيقي وأجنة الحيوان والآثار الحفرية الدالة على التغير التدريجي في صفات الأنواع وأعضائها وظهور الحيوان تدريجاً آخذاً من الناقص إلى الكامل وخلق ما هو أبسط من الحيوان قبل ما هو أشد تركيباً .
وفيه أن ظهور النوع الكامل من حيث التجهيزات الحيوية بعد الناقص زماناً لا يدل على أزيد من تدرج المادة في استكمالها لقبول الصور الحيوانية المختلفة فهي قد استعدت لظهور الحياة الكاملة فيها بعد الناقصة والشريفة بعد الخسيسة ، وأما كون الكامل من الحيوان منشعباً من الناقص بالتوالد والاتصال النسبي فلا ولم يعثر هذا الفحص والبحث على غزارته وطول زمانه على فرد نوع كامل متولد من فرع نوع آخر على أن يقف على نفس التولد دون الفرد والفرد .
وما وجد منها شاهداً على التغير التدريجي فإنما هو تغير في نوع واحد بالانتقال من صفة لها إلى صفة اخرى لا يخرج بذلك من نوعيته والمدعى خلاف ذلك .
فالذي يتسلم أن نشأة الحياة ذات مراتب مختلفة بالكمال والنقص
والشرف والخسة وأعلى مراتبها الحياة الإنسانية ثم ما يليها ثم الأمثل فالأمثل وأما أن ذلك من طريق تبدل كل نوع مما يجاوره من النوع الأكمل ، فلايفيده هذا الدليل على سبيل الاستنتاج .
نعم يوجب حدساً ما غير يقيني بذلك فالقول بتبدل الأنواع بالتطور فرضية حدسية تبتني عليها العلوم الطبيعية اليوم ومن الممكن أن يتغير يوماً إلى خلافها بتقدم العلوم وتوسع الأبحاث .
وربما استدل على هذا القول بقوله تعالى : ( إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ) (1) ، بتقريب أن الاصطفاء هو انتخاب صفوة الشيء وإنما يصدق الانتخاب فيما إذا كان هناك جماعة يختار المصطفى من بينهم ويؤثر عليهم كما اصطفى كل من نوح وآل إبراهيم وآل عمران من بين قومهم ولا زال ذلك أن يكون مع آدم قوم غيره فيصطفى من بينهم عليهم ، وليس إلا البشر الأولي غير المجهز بجهاز التعقل فاصطفى آدم من بينهم فجهز بالعقل فانتقل من مرتبة نوعيتهم إلى مرتبة الإنسان المجهز بالعقل الكامل بالنسبة اليهم ثم نسل وكثر نسله وانقرض الإنسان الأولي الناقص .
وفيه أن « العالمين » في الآية جمع محلى باللام وهو يفيد العموم ويصدق على عامة البشر إلى يوم القيامة فهم مصطفون على جميع المعاصرين لهم والآتين بعدهم كمثل قوله : ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) فما المانع من كون آدم مصطفى مختاراً من بين أولاده ما خلا المذكورين منهم في الآية ؟ وعلى تقدير إختصاص الاصطفاء بما بين المعاصرين وعليهم ما هو المانع من كونه مصطفى مختاراً من بين أولاده
____________
(1) سورة آل عمران ، الآية : 33 .
المعاصرين له ، ولا دلالة في الآية على كون اصطفائه أول خلقته قبل ولادة أولاده .
على أن اصطفاء آدم لو كان على الإنسان الأولي كما يذكره المستدل كان ذلك بما أنه مجهز بالعقل وكان ذلك مشتركاً بينه وبين بني آدم جميعاً على الإنسان الأولي فكان تخصيص آدم في الآية بالذكر تخصيصاً من غير مخصص .
وربما استدل بقوله : ( ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم ) (1) .
بناء على أن « ثم » على التراخي الزماني ، فقد كان للنوع الإنساني وجود قبل خلق آدم وأمر الملائكة بالسجدة له .
وفيه أن « ثم » في الآية للترتيب الكلامي ، وهو كثير الورود في كلامه تعالى على أن هناك معنى آخر أشرنا اليه في تفسير الآية في مكان آخر من كتاب الميزان .
وربما استدل بقوله : « وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه » الآيات وتقريبه أن الآية الأولى المتعرضة لأول خلق الإنسان تذكر خلقته الأولية من تراب التي يشترك فيها جميع الأفراد ، والآية الثالثة تذكر تسويته ونفخ الروح فيه وبالجملة كماله الإنساني والعطف بثم تدل على توسط زمان معتد به بين أول خلقته من تراب وبين ظهوره بكماله .
وليس هذا الزمان المتوسط إلا زمان توسط الأنواع الأخرى التي تنتهي بتغيرها التدريجي إلى الإنسان الكامل وخاصة بالنظر إلى تنكر « سلالة »
____________
(1) سورة الأعراف ، الآية : 11 .
المفيد للعموم .
وفيه أن قوله : « ثم سواه » عطف على قوله « بدأ » والآيات في مقام بيان ظهور النوع الإنساني بالخلق وأن بدأ خلقه وهو خلق آدم كان من طين ثم بدل سلالة من ماء في ظهور أولاده ، ثم تمت الخلقة سواء كان فيه أو في أولاده بالتسوية ونفخ الروح .
وهذا معنى صحيح يقبل الإنطباق على اللفظ ولا يلزم منه حمل قوله : ( ثم جعل نسله من سلالة ماء مهين ) على أنواع متوسطة بين الخلق من الطين وبين التسوية ونفخ الروح ، وكون « سلالة » نكرة لا يستلزم العموم فإن إفادة النكرة للعموم إنما هو فيما إذا وقعت في سياق النفي دون الإثبات .
ـ 6 ـ
الطبيعة الإنسانية والمجتمع
المتأمل في شؤون الاجتماع الإنساني ، والناظر في الخواص والآثار التي يتعقبها هذا الأمر المسمى بالاجتماع من جهة أنه اجتماع لا يشك في أن هذا الاجتماع إنما كونته ثم شعبته وبسطته إلى شعبه وأطرافه الطبيعة الإنسانية لما استشعرت بإلهام من الله سبحانه بجهات حاجتها في البقاء والاستكمال إلى أفعال اجتماعية فتلتجي إلى الاجتماع وتلزمها لتوفق إلى أفعالها وحركتها وسكناتها في مهد تربية الإجتماع وبمعونته ، ثم استشعرت والهمت بعلوم ( صور ذهنية ) وإدراكات توقعها على المادة ، وعلى حوائجها فيها وعلى افعالها وجهات أفعالها تكون هي الوصلة والرابطة بينها وبين أفعالها وحوائجها كاعتقاد الحسن والقبح ، وما يجب ، وما ينبغي ، وسائر الأصول الإجتماعية من الرئاسة والمرؤوسية والملك والاختصاص ، والمعاملات المشتركة والمختصة ، وسائر القواعد والنواميس العمومية الطبيعة الإنسانية والمجتمع
والآداب والرسوم القومية التي لا تخلو عن التحول والإختلاف باختلاف الأقوام والمناطق والأعصار ، فجميع هذه المعاني والقواعد المستقرة عليها من صنع الطبيعة الإنسانية بإلهام من الله سبحانه ، تلطفت بها طبيعة الإنسان ، لتمثل بها ما تعتقدها وتريدها من المعاني في الخارج ، ثم تتحرك اليها بالعمل ، والفعل والترك ، والاستكمال .
والتوجه العبادي إلى الله سبحانه ، وهو المنزه عن شؤون المادة والمقدس عن تعلق الحس المادي إذا أريد أن يتجاوز حد القلب والضمير ، وتنزل على موطن الأفعال ـ وهي لا تدور إلا بين الماديات ـ ولم يكن في ذلك بد ومخلص من أن يكون على سبيل التمثيل بأن يلاحظ التوجهات القلبية على اختلاف خصوصياتها ، ثم تمثل في الفعل بما يناسبها من هيئات الأفعال وأشكالها ، كالسجدة يراد بها التذلل ، والركوع يراد به التعظيم ، والطواف يراد به تفدية النفس ، والقيام يراد به التكبير ، والوضوء والغسل يراد بها الطهارة للحضور ونحو ذلك . ولا شك أن التوجه إلى المعبود ، استقباله من العبد في عبوديته روح عبادته ، التي لولاها لم يكن لها حياة ولا كينونة ، وإلى تمثيله تحتاج العبادة في كمالها وثباتها واستقرار تحققها .
الفصل الثالث
المرأة
المرأة
من المعلوم أن الإسلام ـ والذي شرعه هو الله عزّ اسمه ـ لم يبن شرائعه على أصل التجارب كما بنيت عليه سائر القوانين لكنا في قضاء العقل في شرائعه ربما احتجنا إلى التأمل في الأحكام والقوانين والرسوم الدائرة بين الأمم الحاضرة والقرون الخالية ، ثم البحث عن السعادة الإنسانية ، وتطبيق النتيجة على المحصل من مذاهبهم ومسالكهم حتى نزن به مكانته ومكانتها ، ونميز به روحه الحية الشاعرة من أرواحها ، وهذا هو الموجب للرجوع إلى تواريخ الملل وسيرها ، واستحضار ما عند الموجودين منهم من الخصائل والمذاهب في الحياة ولذلك فإنا نحتاج في البحث عما يراه الإسلام ويعتقده في : ـ
1 ـ هوية المرأة والمقايسة بينها وبين هوية الرجل .
2 ـ وزنها في الاجتماع حتى يعلم مقدار تأثيرها في حياة العالم الإنساني .
3 ـ حقوقها والأحكام التي شرعت لأجلها .
4 ـ الأساس الذي بنيت عليه الأحكام المربوطة بها .
إلى استحضار ما جرى عليه التأريخ في حياتها قبل طلوع الإسلام وما كانت الأمم غير المسلمة يعاملها عليه حتى اليوم من المتمدنة وغيرها ، والاستقصاء في ذلك وإن كان خارجاً عن طوق الكتاب ، لكنا نذكر طرفاً منه .
ـ 1 ـ
حياة المرأة في الأمم غير المتمدنة
كانت حياة النساء في الاُمم والقبائل الوحشية كالأمم القاطنين بافريقيا واستراليا والجزائر المسكونة بالأوقيانوسية وأمريكا القديمة وغيرها بالنسبة إلى حياة الرجال كحياة الحيوانات الأهلية من الأنعام وغيرها بالنسبة إلى حياة الإنسان .حياة المرأة في الأمم غير المتمدنة
فكما أن الإنسان لوجود قريحة الاستخدام فيه يرى لنفسه حقاً أن يمتلك الأنعام وسائر الحيوانات الأهلية ويتصرف فيها كيفما شاء ، وفي أي حاجة من حوائجه شاء ، يستفيد من شعرها ووبرها ولحمها وعظمها ودمها وجلدها وحليبها وحفظها وحراستها وسفادها ونتاجها ونمائها ، وفي حمل الأثقال ، وفي الحرث ، وفي الصيد ، إلى غير ذلك من الأغراض التي لا تحصى كثرة .
وليس لهؤلاء العجم من الحيوانات من مبتغيات الحياة وآمال القلوب في المأكل والمشرب والمسكن والسفاد الراحة إلا ما رضي به الإنسان الذي امتلكها ولن يرضى إلا بما لا ينافي أغراضه في تسخيرها وله فيه نفع في الحياة ، وربما أدى ذلك إلى تهكمات عجيبة ومجازفات غريبة في نظر
الحيوان المستخدم لو كان هو الناظر في أمر نفسه : فمن مظلوم من غير أي جرم كان أجرمه ، ومستغيث وليس له أي مغيث يُغيثه ، ومن ظالم من غير مانع يمنعه ، ومن سعيد من غير استحقاق كفحل الضراب يعيش في انعم عيش وألذه عنده ، ومن شقي من غير استحقاق كحمار الحمل وفرس الطاحونة .
وليس لها من حقوق الحياة إلا ما رآه ، الإنسان المالك لها حقاً لنفسه فمن تعدى اليها لا يؤاخذ إلا لأنه تعدى إلى مالكها في ملكه ، لا إلى الحيوان في نفسه ، كل ذلك لأن الإنسان يرى وجودها تبعاً لوجود نفسه وحياتها فرعاً لحياته ومكانتها مكانة الطفيلي .
كذلك كانت حياة النساء عند الرجال في هذه الاُمم والقبائل حياة تبعية ، وكانت النساء مخلوقة عندهم « لأجل الرجال » بقول مطلق : كانت النساء تابعة الوجود والحياة لهم من غير استقلال في حياة ، ولا في حق فكان آبائهن ما لم ينكحن وبعولتهن بعد النكاح أولياء لهن على الإطلاق .
كان للرجل أن يبيع المرأة ممن شاء وكان له أن يهبها لغيره ، وكان له أن يقرضها لمن استقرضها للفراش أو الاستيلاد أو الخدمة أو غير ذلك ، وكان له أن يسوسها حتى بالقتل ، وكان له أن يخلي عنها ، ماتت أو عاشت ، وكان له أن يقتلها ويرتزق بلحمها كالبهيمة وخاصة في المجاعة وفي المآدب ، وكان له ما للمرأة من المال والحق وخاصة من حيث إيقاع المعاملات من بيع وشراء وأخذ ورد .
وكان على المرأة أن تُطيع الرجل ، أباها أو زوجها ، في ما يأمر به طوعاً أو كرهاً ، وكان عليها أن لا تستقل عنه في أمر يرجع اليه أو اليها ، وكان عليها أن تلي أمورالبيت والأولاد وجميع ما يحتاج إليه حياة الرجل فيه ، وكان
عليها أن تتحمل من الأشغال أشقها كحمل الأثقال وعمل الطين وما يجري مجراهما ومن الحرف والصناعات أرديها وسفسافها ، وقد بلغ عجيب الأمر إلى حيث أن المرأة الحامل في بعض القبائل إذا وضعت حملها قامت من فورها إلى حوائج البيت ، ونام الرجل على فراشها أيام يتمرض ويداوي نفسه ، هذه كليات ما له وعليها ، ولكل جيل من هذه الأجيال الوحشية خصائل وخصائص من السنن والآداب القومية باختلاف عاداتها الموروثة في مناطق حياتها والأجواء المحيطة بها يطلع عليه من راجع الكتب المؤلفة في هذه الشؤون .
ـ 2 ـ
حياة المرأة في الاُمم المتمدنة قبل الإسلام
نعني بهم الأمم التي كانت تعيش تحت الرسوم المليئة المحفوظة بالعادات الموروثة من غير استناد إلى كتاب أو قانون كالصين والهند ومصر القديم وإيران ونحوها .حياة المرأة في الاُمم المتمدنة قبل الإسلام
تشترك جميع هذه الأمم ، في أن المرأة عندهم ، كانت ذات استقلال وحرية ، لا في إرادتها ولا في أعمالها ، بل كانت تحت الولاية والقيمومة ، لا تنجز شيئاً من قبل نفسها ولا كان لها حق المداخلة في الشؤون الاجتماعية من حكومة أو قضاء أو غيرهما .
وكان عليها أن تشارك الرجل في جميع أعمال الحياة من كسب وغير ذلك .
وكان عليها : أن تختص بأمور البيت والأولاد ، وكان عليها أن تطيع الرجل في جميع ما يأمرها ويريد منها .
وكانت المرأة عند هؤلاء أرفه حالاً بالنسبة إليها في الاُمم غير المتمدنة ، فلم تكن تقتل ويؤكل لحمها ، ولم تحرم من تملك المال بالكلية بل كانت تمتلك في الجملة من إرث أو أزدواج أو غير ذلك ، وإن لم تكن لها أن تتصرف فيها بالاستقلال ، وكان للرجل أن يتخذ زوجات متعددة من غير تحديد وكان لها تطليق من شاء منهن ، وكان للزوج أن يتزوج بعد موت الزوجة ولا حق لها في الغالب ، وكانت ممنوعة عن معاشرة خارج البيت غالباً .
ولكل اُمة من هذه الامم مختصات بحسب اقتضاء المناطق والأوضاع : كما أن تمايز الطبقات في إيران ربما أوجب تميزاً لنساء الطبقات العالية من المداخلة في الملك والحكومة أو نيل السلطنة ونحو ذلك أو الإزدواج بالمحارم من أم أو بنت أو اُخت أو غيرها .
وكما أنه كان بالصين الازدواج بالمرأة نوعاً من اشتراء نفسها ومملوكيتها ، وكانت هي ممنوعة من الارث ومن ان تشارك الرجال حتى ابنائها في التغذي ، وكان للرجال أن يتشارك في أكثر من واحدة منهم في الازدواج بمرأة واحدة يشتركون في التمتع بها ، والانتفاع من اعمالها ، ويلحق الأولاد أقوى الأزواج غالباً .
وكما أن النساء كانت بالهند من تبعات أزواجهن لا يحل لهن الازدواج بعد توفي أزواجهن أبداً ، بل إما أن يحرقن بالنار مع جسد أزواجهن أو يعشن مذللات ، وهن في أيام الحيض انجاس خبيثات لازمة الاجتناب ، وكذا ثيابها وكل ما لا مستها بالبشرة .
ويمكن أن يلخص شأنها في هذه الأمم : أنها كالبرزخ بين الحيوان والإنسان يستفاد منها استفادة الإنسان المتوسط الضعيف الذي لا يحق له إلا
أن يمد الإنسان المتوسط في أمور حياته كالولد الصغير بالنسبة إلى وليه غير انها تحت الولاية والقيمومة دائماً .
ـ 3 ـ
حال المرأة عند الاُمم القديمة
كانت الاُمم المذكورة آنفاً اُمماً تجري معظم آدابها ورسومهم الخاصة على أساس اقتضاء المناطق والعادات الموروثة ونحوها من غير أن تعتمد على كتاب أو قانون ظاهراً لكن هناك أمم اخرى كانت تعيش تحت سيطرة القانون أو الكتاب ، مثل الكلدة والروم واليونان .حال المرأة عند الاُمم القديمة
أما الكلدة والآشور فقد حكم فيهم شرع « حامورابي » بتبعية المرأة لزوجها وسقوط استقلالها في الارادة والعمل ، حتى ان الزوجة لو لم تطع زوجها في شيء من أمور المعاشرة أو استقل بشيء فيها كان له أن يخرجها من بيته ، أو يتزوج عليها ويعامل معها بعد ذلك معاملة ملك اليمين محضاً ولو أخطأت في تدبير البيت بإسراف أو تبذير كان له أن يرفع أمرها إلى القاضي ثم يغرقها في الماء بعد إثبات الجرم .
وأما الروم فهي أيضاً من أقدم الاُمم وضعاً للقوانين المدنية ، وضع القانون فيها أول ما وضع حدود سنة اربعمائة قبل الميلاد ثم أخذوا في تكميله تدريجاً ، وهو يعطي للبيت نوع استقلال في إجراء الأوامر المختصة به ، ولرب البيت وهو زوج المرأة وأبو أولادها نوع ربوبية كان يعبده لذلك أهل البيت كما كان يعبد هو من تقدمه من آبائه السابقين عليه في تأسيس البيت . وكان له الاختيار التام والمشيئة النافذة في جميع ما يريده ويأمر به على أهل البيت من زوجة وأولاد حتى القتل لو رأى أن الصلاح فيه ، ولا يعارضه في ذلك معارض ، وكانت النساء نساء البيت كالزوجة والبنت
والأخت أرادأ حالاً من الرجال حتى الأبناء التابعين محضاً لرب البيت ، فإنهن لم يكن أجراء للأجتماع المدني فلا تسمع لهن شكاية ، ولا ينفذ منهن معاملة ، ولا تصح منهن في الأمور الاجتماعية مداخلة لكن الرجال اعني الأخوة والذكور في الأولاد حتى الأدعياء ( فإن التبني والحاق الولد بغير أبيه كان معمولاً شائعاً عندهم وكذا في اليونان وإيران ، عند العرب ، كان من الجائز أن يأذن لهم رب البيت في الاستقلال بأمور الحياة مطلقاً لأنفسهم .
ولم يكن اجزاء اصيلة في البيت بل كان أهل البيت هم الرجال ، وأما النساء فتبع ، فكانت القرابة الاجتماعية الرسمية المؤثرة في التوارث ونحوها مختصة بما بين الرجال ، واما النساء فلا قرابة بينهن انفسهن كالأم مع البنت أو الأخت مع الأخت ، ولا بينهن وبين الرجال كالزوجين أو الأم مع الابن أو الأخت مع الأخ أو البنت مع الأب ولا توارث فيما لا قرابة رسمية ، نعم القرابة الطبيعية ( وهي التي يوجبها الاتصال في الولادة ) كانت موجودة بينهم ، وربما يظهر أثرها في نحو الإزدواج بالمحارم ، وولاية رئيس البيت وربه لها .
وبالجملة كانت المرأة عندهم طفيلية الوجود تابعة الحياة في المجتمع ( المجتمع المدني والبيتي ) زمام حياتها وإرادتها بيد رب البيت من أبيها إن كانت في بيت الأب أو زوجها إن كانت في بيت الزوج أو غيرهما . يفعل بها ربها ما يشاء ويحكم فيها ما يريد ، فربما باعها ، وربما وهبها ، وربما أقرضها للتمتع ، وربما أعطاها في حق يراد استيفائه منه كدين وخراج ونحوهما ، وربما ساسها بقتل أو ضرب أو غيرهما ، وبيده تدبير مالها إن ملكت شيئاً بالازدواج أو الكسب مع إذن وليها لا بالإرث لأنها كانت محرومة منه ، وبيد ابيها أو واحد من سراة قومها تزويجها ، وبيد زوجها تطليقها .
وأما اليونان فالأمر عندهم في تكون البيوت وربوبية أربابها فيها كان
قريب الوضع من وضع الروم .
فقد كان الاجتماع المدني وكذا الاجتماع البيتي عندهم متقوماً بالرجال ، والنساء تبع لهم ، ولذا لم يكن لها استقلال في إرادة ولا فعل إلا تحت ولاية الرجال ، لكنهم جميعاً ناقضوا انفسهم بحسب الحقيقة في ذلك ، فإن قوانينهم الموضوعة كانت تحكم عليهن بالاستقلال ولا تحكم لهن إلا بالتبع إذا وافق نفع الرجال ، فكانت المرأة عندهم تعاقب بجميع جرائمها بالإستقلال ، ولا تثاب لحسناتها ولا يراعى جانبها إلا بالتبع وتحت ولاية الرجل .
وهذا بعينه من الشواهد الدالة على أن جميع هذه القوانين ما كانت تراها جزء ضعيفاً من المجتمع الإنساني ذات شخصية تبعية ، بل كانت تقدر أنها كالجراثيم المضرة ، مفسدة لمزاج المجتمع مضرة بصحتها غير ان للمجتمع حاجة ضرورية إليها من حيث بقاء النسل ، فيجب أن يعتني بشأنها ، وتذاق وبال أمرها إذا جنت أو أجرمت ، ويحتلب الرجال درها إذا احسنت أو نفعت ، ولا تترك على حيال إرادتها صوناً من شرها كالعدو القوي الذي يغلب فيؤخذ أسيراً مسترقاً يعيش طول حياته تحت القهر ان جاء بالسيئة يؤاخذ بها وإن جاء بالحسنة لم يشكر لها .
وهذا الذي سمعته : ان الاجتماع كان متقوماً عندهم بالرجال هو الذي الزمهم أن يعتقدوا ان الأولاد بالحقيقة هم الذكور ، وأن بقاء النسل ببقائهم ، وهذا هو منشأ ظهور عمل التبني والالحاق بينهم ، فإن البيت الذي ليس لربه ولد ذكر كان محكوماً بالخراب ، والنسل مكتوباً عليه الفناء والانقراض ، فاضطر هؤلاء إلى اتخاذ ابناء صوناً عن الانقراض وموت الذكر ، فدعوا غير ابناءهم لاصلابهم أبناءً لانفسهم فكانوا أبناء رسماً يرثون ويورثون ويرتب عليهم آثار الابناء الصلبيين ، وكان الرجل منهم إذا زعم انه عاقر لا يولد منه
ولد عمد إلى بعض أقاربه كأخيه وابن اخيه فأورده فراش اهله لتعلق منه فتلد ولداً يدعوه لنفسه ، ويقوم بقاء بيته .
وكان الأمر في التزويج والتطليق في اليونان قريباً منهما في الروم ، وكان من الجائز عندهم تعدد الزوجات غير أن الزوجة إذا زادت على الواحدة كانت واحدة منهن زوجة رسمية والباقية غير رسمية .
ـ 4 ـ
حال المرأة عن العرب ومحيط حياتهم ( محيط نزول القرآن )
وقد كانت العرب قاطنين في شبه الجزيزة ، وهي منطقة حارة جدبة الأرض والمعظم من امتهم قبائل بدوية بعيدة عن الحضارة والمدنية ، يعيشون بشن الغارات ، وهم متصلون بإيران من جانب ، وبالروم من جانب ، وببلاد الحبشة والسودان من آخر .حال المرأة عن العرب ومحيط حياتهم ( محيط نزول القرآن )
ولذلك كانت العمدة من رسومهم رسوم التوحش ، وربما وجد خلالها شيء من عادات الروم وإيران ، ومن عادات الهند ومصر القديم أحياناً .
كانت العرب لا ترى للمرأة استقلالاً في الحياة ولا حرمة ولا شرافة إلا حرمة البيت وشرافته ، وكانت لا تورث النساء ، وكانت تجوز تعدد الزوجات من غير تحديد بعدد معين كاليهود ، وكذا في الطلاق ، وكانت تئد البنات ابتداء بذلك بنو تميم لوقعه كانت لهم مع النعمان بن المنذر ، اُسرت فيه عدة من بناتهم ، والقصة معروفة فأغضبهم ذلك فابتدروا به ، ثم سرت السجية في غيرهم ، وكانت العرب تتشأم إذا ولدت للرجل منهم بنت يعدها عاراً لنفسه ، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به ، لكن يسره الابن مهما كثر ولو بالدعاء والالحاق حتى انهم كانوا يتبنون الولد لزنا محصنة ارتكبوه ، وربما نازع رجال من صناديدهم وأولي الطول منهم في ولد ادعاه كل لنفسه .
وربما لاح في بعض البيوت استقلال لنسائهم وخاصة للبنات في أمر الازدواج فكان يراعي فيه رضى المرأة وانتخابها ، فيشبه ذلك منهم دأب الأشراف بايران الجاري على تمايز الطبقات .
وكيف كان فمعاملتهم مع النساء كانت معاملة مركبة من معاملة أهل المدنية من الروم وإيران كتحريم الاستقلال في الحقوق ، والشركة في الأمور العامة الاجتماعية كالحكم والحرب وأمر الازدواج إلا استثناءً ، ومن معاملة أهل التوحش والبربرية ، فلم يكن حرمانهن مستنداً إلى تقديس رؤساء البيوت وعبادتهم ، بل من باب غلبة القوي واستخدامه للضعيف .
وأما العبادة ، فكانوا يعبدون جميعاً ( رجالاً ونساءً ) اصناماً يشبه امرها أمر الأصنام عند الصابئين أصحاب الكواكب وأرباب الأنواع ، وتتميز اصنامهم بحسب تميز القبائل وأهوائها المختلفة ، فيعبدون الكواكب والملائكة ( وهم بنات الله سبحانه بزعمهم ) ويتخذونها على صور صورتها لهم أوهامهم ، ومن اشياء مختلفة كالحجارة والخشب ، وقد بلغ هواهم في ذلك إلى مثل ما نقل عن بني حنيفة انهم اتخذوا لهم صنماً من الحيس فعبدوه دهراً طويلاً ثم اصابتهم مجاعة فأكلوه فقيل فيهم :
لم يحذروا من ربهم * سوء العواقب والتباعة
وربما عبدوا حجراً حتى إذا وجدوا حجراً أحسن منه طرحوا الأول وأخذوا بالثاني ، وإذا لم يجدوا شيئاً جمعوا حفنة من تراب ثم جاؤوا بغنم فحلبوه عليها ثم طافوا بها يعبدونها .
وقد أودعت هذا الحرمان والشقاء في نفوس النساء ضعفاً في الفكرة بصور لها اوهاماً وخرافات عجيبة في الحوادث والوقائع المختلفة ضبطتها
كتب السير والتاريخ .
فهذه جمل من أحوال المرأة في المجتمع الانساني من أدواره المختلفة قبل الاسلام وزمن ظهوره ، آثرنا فيها الاختصار التام ، ويستنتج من جميع ذلك :
أولاً : انهم كانوا يرونها إنساناً في اُفق الحيوان العجم ، أو إنساناً ضعيف الإنسانية منحطاً لا يؤمن شره وفساده لو اُطلق من قيد التبعية ، واكتسب الحرية في حياته ، والنظر الأول أنسب لسيرة الامم الوحشية والثاني لغيرهم .
وثانياً : انهم كانوا يرون في وزنها الاجتماعي انها خارجة من هيكل المجتمع المركب غير داخلة فيه ، وإنما هي من شرائطه التي لا غناء عنها كالمسكن لا غناء عن الإلتجاء إليه ، أو أنها كالأسير المسترق الذي هي من توابع المجتمع الغالب ، ينتفع من عمله ولا يؤمن كيده على اختلاف المسلكين .
وثالثاً : انهم كانوا يرون حرمانها من عامة الحقوق التي أمكن انتفاعها منها إلا بمقدار يرجع انتفاعها إلى انتفاع الرجال القيمين بأمرها .
ورابعاً : ان أساس معاملتهم معها فيما عاملوا هو غلبة القوي على الضعيف ، وبعبارة اخرى قريحة الاستخدام ، هذا في الامم غير المتمدنة ، وأما الاُمم المتمدنة فيضاف عندهم إلى ذلك ما كانوا يعتقدونه في أمرها : انها انسان ضعيف الخلقة لا تقدر على الاستقلال بأمرها ، ولا يؤمن شرها ، وربما اختلف الأمر اختلاطاً باختلاف الامم والأجيال .
ـ 5 ـ
ماذا أبدعه الاسلام في أمرها ؟
لا زالت بأجمعها ترى في أمر المرأة ما قصصناه عليك ، وتحبسها في سجن الذلة والهوان حتى صار الضعف والصغار طبيعة ثانية لها ، عليها نبتت لحمها وعظمها وعليها كانت تحيا وتموت ، وعادت الفاظ المرأة والضعف والهوان كاللغات المترادفة بعدما وضعت متبائنة لا عند الرجال فقط بل وعند النساء ـ ومن العجب ذلك ـ ولا ترى اٌمة من الامم وحشيها ومدنيها إلا وعندهم أمثال سائرة في ضعفها وهوان أمرها ، وفي لغاتهم على اختلاف اصولها وسياقاتها والحانها أنواع من الاستعارة والكناية والتشبيه مربوطة بهذه اللفظة ( المرأة ) يقرع بها الجبان ، ويؤنب بها الضعيف ، ويلام بها المخذول المستهان والمستذل المنظلم ، ويوجد من نحو قول القائل :ماذا أبدعه الاسلام في أمرها ؟
مئات وألوف من النظم والنثر في كل لغة .
وهذا في نفسه كافٍ في أن يحصل للباحث ما كان يعتقده المجتمع الإنساني في أمر المرأة ، وإن لم يكن هناك ما جمعته كتب السير والتواريخ من مذاهب الامم والملل في أمرها ، فإن الخصائل الروحية والجهات الوجودية في كل أمة تتجلى في لعنها وأدابها .
ولم يورث من السابقين ما يعتني بشأنها ويهم بأمرها إلا بعض ما ورد في التوراة ، وما وصى به عيسى بن مريم عليهما السلام من لزوم التسهيل عليها والإرفاق بها .
وأما الإسلام أعني الدين الحنيف النازل به القرآن فإنه أبدع في حقها أمراً ما كانت تعرفه الدنيا منذ قطن قاطنوها ، وخالفهم جميعاً في بناء بنية فطرية عليها كانت الدنيا هدمتها من أول يوم وأعفت آثارها ، والغى ما كانت
تعتقده الدنيا في هويتها اعتقاداً ، وما كانت تسير فيها سيرتها عملاً .
أما هويتها : فإنه بين أن المرأة كالرجل إنسان ، وأن كل انسان ذكر أو انثى فإنه انسان يشترك في مادته وعنصره إنسانان ذكر وانثى ولا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى .
قال تعالى : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم ) (1) .
فجعل تعالى كل إنسان مأخوذا مؤلفاً من انسانين ذكر واُنثى هما معاً وبنسبة واحدة مادة كونه ووجوده ، وهو سواء كان ذكراً أو أنثى مجموع المادة المأخوذة منهما ، ولم يقل تعالى : مثل ما قاله القائل :
ولا قال مثل ما قاله الآخر :
بل جعل تعالى كُلاً مخلوقاً مؤلفاً من كل ، فعاد الكل أمثالاً ، ولا بيان أتم ولا أبلغ من هذا البيان ، ثم جعل الفضل في التقوى .
وقال تعالى : ( أني اُضيع عمل عامل منكم من ذكر أو انثى بعضكم من بعض ) (2) .
فصرح أن السعي غير خائب والعمل غير مضيّع عند الله ، وعلل ذلك بقوله : بعضكم من بعض فعبر صريحاً بما هو نتيجة قوله في الآية السابقة : ( إنا خلقناكم من ذكر وانثى ) ، وهو ان الرجل والمرأة جميعاً من نوع واحد
____________
(1) سورة الحجرات ، الآية : 13 .
(2) سورة آل عمران ، الآية : 195 .
ثم بين بذلك أن عمل كل واحدٍ من هذين الصنفين غير مضيع عند الله لا يبطل في نفسه ، ولا يعدوه إلى غيره ، كل نفس بما كسبت رهينة ، لا كما كان يقوله الناس : إن عليهن سيئاتهن ، وللرجال حسناتهن من منافع وجودهن ، وسيجيء لهذا الكلام مزيد توضيح .
وإذا كان لكل منهما ما عمل ولا كرامة إلا بالتقوى ، ومن التقوى الأخلاق الفاضلة كالايمان بدرجاته ، والعلم النافع ، والعقل الرزين ، والخلق الحسن ، والصبر ، والحلم فالمرأة المؤمنة بدرجات الإيمان ، أو المليئة علماً ، أو الرزينة عقلاً ، أو الحسنة خلقاً أكرم ذاتاً وأسمى درجة ممن لا يعادلها في ذلك من الرجال في الاسلام ، كان من كان ، فلا كرامة إلا للتقوى والفضيلة .
وفي معنى الآية السابقة وأوضح منها قوله تعالى : ( من عمل صالحاً من ذكر أو انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طبية ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) (1) .
وقوله تعالى : ( ومن عمل صالحاً من ذكر أو انثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب ) (2) .
وقوله تعالى : ( ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو اثنى وهو مؤمن فاولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا ) (3) .
وقد ذم الله سبحانه الاستهانة بأمر البنات بمثل قوله ، وهو من أبلغ
____________
(1) سورة النحل ، الآية : 97 .
(2) سورة المؤمن ، الآية : 40 .
(3) سورة النساء ، الآية : 124 .
الذم : ( وإذا بشر أحدهم بالانثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم * يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون ) (1) .
ولم يكن تواريهم إلا لعدهم ولادتها عاراً على المولود له ، وعمدة ذلك أنهم كانوا يتصورون أنها ستكبر فتصير لعبة لغيرها يتمتع بها ، وذلك نوع غلبة من الزوج عليها في أمر مستهجن ، فيعود عاره إلى بيتها وأبيها ، ولذلك كانوا يئدون البنات وقد سمعت السبب الأول فيه فيما مر ، وقد بالغ الله سبحانه في التشديد عليه حيث قال : ( وإذا الموؤُدة سئلت * بأي ذنب قتلت ) (2) . وقد بقي من هذه الخرافات بقايا عند المسلمين ورثوها من اسلافهم ، ولم يغسل رينها من قلوبهم المربون ، فتراهم يعدون الزنا عاراً لازماً على المرأة وبيتها وإن تابت دون الزاني وإن أصر ، مع أن الإسلام قد جمع العار والقبح كله في المعصية ، والزاني والزانية سواء فيها .
____________
(1) سورة النحل ، الآيتان : 58 ـ 59 .
(2) سورة التكوير ، الآيتان : 8 ـ 9 .