حديث من وحي معركة بدر
والصلاة والسلام على اشرف الخلق وسيد المرسلين نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله الطاهرين وصحبه المنتجبين .
والسلام عليكم ايها المستمعون الكرام ورحمة الله وبركاته .
وبعد :
قال الله سبحانه وتعالى :
( ولقد نصركم الله ببدر وانتم اذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون * ) (1) .
إخوتي الاعزاء : ما امس حاجتنا اليوم ونحن نعيش نفحات هذا الشهر المبارك شهر النصر المبين والفتح العظيم ان نعيش اجواء معركة بدر الكبرى من جديد بالعودة فكريا وروحيا الى ذلك اليوم التاريخي المجيد لنستاف شذاه العاطر ونقتبس من سناه الزاهر فنستمد من ذلك الشذا الفواح والسنا الوضاح قوة روحية ومددا معنويا في معاركنا العديدة التي نخوضها هنا وهناك دفاعا ودفعا لاعدائنا الذين يشنون ضدنا اشرس حرب عرفها التاريخ لا لشيء الا لاننا ابينا ان نركع الا الله سبحانه ورفضنا ان نعطي بأيديها اعطاء الذليل ونقر لهم اقرار العبيد مترسمين بذلك خطى سيد الشهداء الحسين عليه السلام مرددين شعار الحرية وانشودة الإباء التي اطلقها في اجواء عاشوراء قائلا : هيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجور طابت وطهرت ونفوس ابية وانوف حمية من ان نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام .
وقد نشأ من طغيان هؤلاء الظالمين الذين مثلوا من جديد دور ابي لهب وابي جهل وامية بن خلف واتباعهم ـ ودور يزيد وعبيد الله بن زياد بعد ذلك .
____________
(1) سورة آل عمران ، آية : 123 .
أجل : لقد نشأ من تمثيل هؤلاء الطغاة المعتدين دور اولئك الظالمين المستكبرين في التاريخ ـ تمثيلنا لدور الرسالة الابية الرافضة لكل اشكال الظلم والاضطهاد عبر حماتها الابطال وفي طليعتهم الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم واهل بيته عليهم السلام .
وقد ترتب على تمثيلنا لهذا الدور الابي ووقوفنا في وجه طغاة العصر ـ اكثر من معركة حملت كل واحدة منها في طيها اسباب ومنطلقات واهداف معركة بدر وأُحد والاحزاب وخيبر وغيرها مما حصل في عهد الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم من المعارك الدامية ونظيرها ما حصل بعد ذلك في عهد الإمام علي عليه السلام كمعركة الجمل وصفين والنهروان وبعد ذلك كربلاء الثورة والإباء في عهد سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام .
وعلى هذا فنحن نخوض هذه المعارك كلها من جديد لنفس الاهداف التي جاهد الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم ، واهل بيته بعده ـ من اجلها وهي صون الرسالة من الانهيار والامة من الانحراف والفضيلة والرشاد من الذوبان في بوتقة الفساد والافساد .
واذا اخذنا بالمقياس الصحيح والميزان الحقيقي للنصر الواقعي نحرز توفره لجبهة الحق المتمثلة بالرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم واهل بيته عليهم السلام والسائرين على نهجهم من المسلمين الاحرار والمجاهدين الابرار ـ على جبهة الباطل المتمثلة بأعدائهم عبر التاريخ حتى في المعارك التي حرمت فيها جبهة الحق من النصر العسكري بسبب عدم تكافؤ بين الجبهتين في الميزان المادي ـ وذلك لان نفس ثبات هذه الجبهة المحقة ـ على مبدئها وتصديها للدفاع عنه بدافع تأدية الواجب المقدس الملقى على عاتقها من قبل الله سبحانه ـ يعتبر نصرا معنويا كبيرا وربحا اخرويا عظيما وفي المقابل يعتبر انحراف اتباع الباطل عن منهج الحق ومحاربتهم لانصاره هزيمة روحية وانتحارا معنويا يصبح به اهله موتى الاحياء بسبب موت ضمائرهم وقلوبهم ليصبحوا بذلك مصداقا لقول الشاعر :
ليس من مات فاستراح بميت | * | إنما الميت مـيت الاحيــاء |
إنما الميت من يعيـش كئيبا | * | كاسفا باله قلـيل الرجــاء |
وبهذا وذاك ندرك انا نحن السائرين على خطى الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام والتابعين لهم بإحسان منتصرون معنويا على كل اعدائنا في كل الجبهات والمعارك التي حركوها ضدنا هنا في لبنان وفلسطين وهناك في ايران وافغانستان وفي كل مكان يتصارع فيه المبدأ الحق وانصاره والمبدأ الباطل واتباعه والمطلوب منا نحن المسلمين وجميع المستضعفين ان نطور النصر المعنوي الى نصر عسكري مادي نستطيع من خلاله اقامة نظام الحق والعدل والمساواة بين جميع ابناء المجتمع بغض النظر عن الفوارق الدينية والمذهبية والسياسية .
وقد فرض الله سبحانه الجهاد وحث الامة على تطبيق نظامه ابتداء من اجل نشر نور العدل والاحسان في كل مكان باعتبار ان ذلك هو الهدف الاساسي من انزال الله الشرائع وارسال الانبياء وخصوصا الشريعة الاخيرة الخاتمة الكاملة وخصوصا الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم حيث جاء ليتمم مكارم الاخلاق وليكون رحمة للعالمين ـ وكذلك الجهاد الدفاعي فهو لم يشرع الا من اجل الدفاع عن كرامة الإنسان وقداسة الاديان وحرية الاوطان ودفع الاضرار عن كل المظلومين المستضعفين في العالم وقد اعتبر الإسلام الجهاد من اجل تحقيق الاهداف الرسالية الإنسان ية التي شرع من اجلها ـ جهادا في سبيل الله وان تحقيق هذه الاهداف نصر لله سبحانه وعد المحققين له من المجاهدين بالنصر المؤزر في الكثير من آيات كتابه الكريم .
منها قوله تعالى :
( إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم *)(1) .
____________
(1) سورة محمد ، آية : 7 .
وقوله تعالى :
( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز * ) (1) .
وحيث شاءت الحكمة الإلهية ان تدرك المسببات بأسبابها العادية فلا بد من توفير اسباب النصر الذي هو امنية المؤمنين الحريصين على ان تبقى كلمة الله هي العليا وكلمة الباطل هي السفلى حتى لا يتحقق منهم خضوع الا لارادة الله سبحانه كما شاء سبحانه لهم واراد منهم لان الخضوع له وحده هو عين العزة والكرامة والسمو والرفعة ومصدر الرخاء والسعادة .
والاسباب التي تساهم في انتزاع النصر في ساحة الصراع الفكري او العسكري ـ عديدة اهمها بالنسبة الى النصر الفكري ـ ما يلي :
1 ـ الدراسة الموضوعية الواعية للرسالة الإسلامية والاحاطة بالبراهين الفطرية والعلمية التي توجب العلم الجازم بأصول الدين المعهودة وتزيل الشبهات والشكوك التي اثيرت او تثار حولها من قبل اعداء الإسلام وكذلك يطلع على الادلة الصحيحة الدالة على ان الشريعة الإسلامية هي اصلح نظام يحقق للمجتمع اهدافه وتطلعاته في كل مجالات حياته .
2 ـ ان تكون هذه الدراسة بقصد التقرب الى الله بتأدية اهم الواجبات الشرعية التي يجب على كل مكلف ان يقوم بها لان هذا القصد مع الاخلاص لله تعالى يساعد على التوفيق لتحصيل العلم بما يجب او يستحب للمكلف ان يحصله كما هو واضح .
3 ـ التطبيق العملي لكل الاحكام الشرعية وامتثالها على الوجه المطلوب مهما كلف ذلك من تضحيات وصعوبات ما لم يصل الى مرحلة الضرر او الحرج الشديد القريب منه ـ فإذا توفرت هذه الاسباب للشخص الذي يخوض معركة الصراع الفكري مع اعداء الرسالة الإسلامية يظفر بالنجاح
____________
(1) سورة الحج ، آية : 40 .
والتغلب على خصومه في هذه المعركة الفكرية ويشهد بهذه الحقيقة الايمانية الموضوعية الانتصارات الكثيرة التي ظفر بها انصار الحق في العقيدة والحق في النظام والشريعة الصالحة المنبثقة من العقيدة الصحيحة ـ على خصومهم في التاريخ ـ والاحتجاج بكلا جزئية للطبرسي ـ حافل بذلك واما اسباب النصر العسكري فعديدة ايضا واهمها ما يلي :
1 ـ القيادة الرسالية الحكيمة الشجاعة المخلصة لله سبحانه في النية والقصد وللهدف ببذل كل الجهود التي تتطلبها الساحة النضالية .
2 ـ توفر الجنود المؤمنين بالله سبحانه والمتوكلين عليه والمخلصين له في النية والقصد والمطيعين للقيادة الشرعية الحكيمة التي تمثل اطاعتها والعمل بتوجيهاتها ـ الاطاعة لله سبحانه بحيث تكون هذه الاطاعة من مصاديق نصر الله سبحانه الذي وعد بالمكافأة عليه بنصر من عنده تعالى كما هو نص الآيتين السابقتين وهذا يقتضي ان تكون القيادة شرعية مستمدة سلطتها من الشرع الحنيف كما هو مضمون السبب الاول الذي عبرنا عنه بالقيادة الرسالية .
3 ـ توحيد الصف بين جميع الاطراف والافراد الذين يهمهم امر النصر ، والانتصار على الاعداء وذلك بغض النظر عن الخلافات الدينية والنزاعات المذهبية والصراعات السياسية الهامشية والتقاء الجميع تحت راية القواسم المشتركة التي تهم الجميع .
والوجه في تأثير السبب الاخير في انتزاع النصر ـ واضح ـ لان الوحدة تسبب القوة والقدرة على تحقيق هدف التغلب على الخصم ـ وعلى العكس من ذلك الشرذمة والانقسام فهي تسبب ضعف الصف المجاهد وقوة الطرف المقابل بطريق غير مباشر ـ كما هو الحاصل فعلا بين العدو التاريخي الغاصب للاراضي الإسلامية والمدنس لمقدساتها رغم قلته عدداً وكثرة العرب والمسلمين كما وعُددا كل ذلك لانهم تأثروا بالسياسة الاستعمارية القائمة على اساس بث الفتن وتحريك النعرات الطائفية والمذهبية عملا بسياستهم
المعهودة التي مثلوها بشعارهم الاستعماري القائل : ( فرق تسد ) .
وبذلك يظهر السر في أمر الله سبحانه الامة الإسلامية باعتصامها بحبل الله الواحد ونهيها عن التفرق بقوله سبحانه :
( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) (1) .
كما نهاها عن التنازع المؤدي الى الضعف والفشل في تحقيق هدف النصر وغيره من الاهداف الرسالية التي لا تتحقق الا بالتضامن والتعاون وذلك بقوله تعالى :
( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين * ) (2) .
وبين سبحانه الوسيلة الناجحة والراجحة التي تساعدهم على حل النزاع الحاصل ـ على اساس العدل والحكمة ومراعاة المصلحة العامة التي هي محل اهتمام الجميع وذلك بقوله سبحانه :
( يايها الذين آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول وأُولي الامر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الاخر ذلك خير واحسن تأويلاً * ) (3) .
فقد اشتملت هذه الآية المباركة على الامر بما يكون وقاية من حصول الخلاف والتنازع غالبا ـ وهو اطاعة الله سبحانه والرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأُولي الامر وهم اهل بيته عليهم السلام باعتبار ان اطاعتهم تعتبر اطاعة لله سبحانه ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم كما هو واضح وهي بطبعها اذا تحققت تقي افراد الامة من الصراع والتنازع غالبا كما اشتملت هذه الآية على ما يكون علاجا ناجحا ونافعا لازالة آثار التنازع السلبية ـ على تقدير حصوله ـ وهو رده الى الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ـ وهذا عبارة عن الرجوع الى الشرع الإسلامي المقدس لحل المشكلة العارضة
____________
(1) سورة آل عمران ، آية : 103 .
(2) سورة الانفال ، آية : 46 .
(3) سورة النساء ، آية : 59 .
وحسم النزاع الطارىء لانه شرع الله العادل الكامل الذي بعث به رسوله الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم ليقدم لكل موضوع حكمه ولكل مشكلة حلها ولكل حاجة حياتية قضاءها .
تحصل مما ذكر مؤخرا للنصر العسكري اسبابه الكثيرة واهمها ثلاثة وهي القيادة الشرعية الحكيمة الشجاعة والجندية الوفية المخلصة المطيعة والوحدة الإسلامية الجامعة لكل الاطراف والافراد تحت راية كلمة التوحيد تميهدا لتوحيد الكلمة .
والشواهد التاريخية والارقام الواقعية تثبت بوضوح مدى تأثير توفر الشروط الثلاثة المذكورة في انتزاع النصر على الاعداء وصون الرسالة والامة من الظلم والاعتداء .
فبانقياد المهاجرين والانصار من المسلمين لتوجيهات القائد الاعظم والرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم في وقعة بدر واتحاد كلمتهم ـ كان الانتصار الحاسم في هذه المعركة التاريخية .
وبانقياد اصحاب الحسين عليه السلام وثباتهم على موقفهم وابدائهم الاستعداد الاقصى لبذل اعظم التضحيات في سبيل نصر المبدأ والرسالة هو الذي شجعه على الانطلاق الى المعركة لكسب النصر المعنوي تمهيداً لانتزاع النصر العسكري بعد ذلك .
وما أمس حاجتنا نحن المسلمين وجميع المواطنين في لبنان الى نبذ جميع خلافاتنا الجانبية الداخلية وتوحيد صفنا الإسلامي والوطني على صعيد الوطن الواحد من اجل حشد كل الطاقات المادية والمعنوية في معركة التحرر وتقرير المصير التي تخوضها اليوم مقاومتنا الرسالية البطلة على صعيد الجنوب والبقاع الغربي من اجل تحرير الارض واستعادة العزة والكرامة الإسلامية والإنسان ية هذا حاصل ما اقتضت المصلحة نقله من الكلمة واذيعت سابقا في شهر رمضان المبارك قبل عشر سنوات تقريبا من وحي معركة بدر
وقد حذفت مقدارا منها واضفت مقدارا اليها تمشيا مع مقتضيات المرحلة الراهنة .
أبيات شعرية من وحي الوحدة ومعركة بدر
ويسرني ان اختم هذه الكلمة بأبيات نظمت سابقا حول موضوع الوحدة وحررتها في الجزء الاول من كتابي ( من وحي الإسلام ) وهي كما يلي :
بالوحدة العصماء يبتسم الغد | * | وننال ما نصبو اليه ونـنشد |
في ظلها الطاقات تحشد كلها | * | ليقوم صرح بالوفاق مشـيد |
الجمع يدرك بالتعاون دائـماً | * | ما يبتغيه وليس ينجح مـفرد |
كلتا اليدين تصفقان لمـأرب | * | يُجنى ولا تستطيع تصفيقا يد |
كما يسرني نقل المقطوعة الشعرية التي نظمت بمناسبة عيد النصر الذي ظفر به الإسلام بقيادة رسوله الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم وبطولة الإمام علي عليه السلام في معركة بدر الكبرى وكان نظمها في السابع عشر من رمضان وهو يوم عيد الانتصار من (1) سنة 1414 هـ الموافق 27 ـ 2 ـ 1994 م وهي كما يلي :
( بدر ) أطلت كوكبا ســيارا | * | يحمي الهدى ويحطم الكـفارا |
والقائد الاعلى النـبي محــمد | * | يدعو لخوض غمارها الكرارا |
ليحطم الشرك العنـيد بهــمة | * | علوية تستوجب الاكـــبارا |
ويظل دين محمد عبر المـدى | * | فجرا يبث على الورى الانوارا |
ليحققوا في حاضر هدف السما | * | منهم ويحيوا بالهدى احـرارا |
وبعد الفراغ من الحديث عن الشخصيات الرسالية الثلاث ابي طالب رضوان الله عليه وخديجة ام المؤمنين رحمة الله عليها والإمام الحسن عليه السلام .
____________
(1) هذه سنة النظم واما سنة المعركة فهي الثانية من هجرة الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم .
حديث حول شخصية الإمام علي ( ع )
يأتي دور الحديث عن الشخصية الفذة التي ذابت في الإسلام فكرا وعاطفة وعملا فكانت اسلاما عمليا متحركا على صعيد الحياة الخارجية كما ذابت في الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم حبا وقربا وتجاوبا وسلوكا فكانت محمدا الثاني الذي خلقه الله سبحانه ورعاه بعين عنايته الفائقة ليكون صورة اخرى عن رسوله الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم ويكون وحده المتعين لان يكون خير خليفة وخلف لخير سلف بدون حاجة الى ورود نص ونقل بعد وضوح الحقيقة في نظر الوجدان السليم وشهادة العقل .
وقد عبر الله سبحانه عن تلك الوحدة الرسالية التي صهرت هاتين الشخصيتين في بوتقة الرسالة الواحدة وذلك بآية المباهلة وهي قوله تعالى :
( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين * ) (1) .
وقد اتفق المفسرون على ان هذه الآية الكريمة قد نزلت في اربعة من اهل البيت عليهم السلام حيث ورد في التفسير ان المراد من الابناء الحسنان ومن النساء فاطمة الزهراء ومن انفسنا ـ علي عليه السلام .
وقبل الشروع بالحديث عن شخصية الإمام علي عليه السلام احب ان اشير الى تحقق صدفة موفقة وحاصلها انه عندما فرغت من الحديث حول الشخصيات الثلاث المتقدمة واردت الشروع بالحديث عن شخصية الإمام علي عليه السلام صادف ذلك في اليوم الثالث عشر من رجب وهو نفس يوم ولادته المباركة قبل بعثة الرسول الاعظم بعشر سنوات على المشهور وشاء الله سبحانه ان تحصل هذه الصدفة ليكون خروج فكرة الحديث عن هذه الشخصية
____________
(1) سورة آل عمران ، آية : 61 .
العظيمة ـ من عالم النظرية والفكر الى عالم الوجود والتطبيق ـ مقترنا بتاريخ خروجها من عالم الرحم الى دنيا الوجود .
وحيث كان هذا الإمام العظيم قرآنا ناطقا كما وصف نفسه يوم صفين وكما تحدث عنه الرسول الاعظم بقوله صلى الله عليه وآله وسلم : علي مع القرآن والقرآن مع علي يدور معه حيثما دار ـ كان نفس الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بنص آية المباهلة المتقدمة ـ يكون الحديث عنه تفسيرا للقرآن الناطق وتوضيحا لآياته المباركة كما يكون ترجمة لحياة الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم ومن اجل توضيح ما ذكرته في حقه من جهة توجه الرعاية الإلهية والعناية السماوية بذاته المقدسة ليكون كما اراد الله له ان يكون محمداً الثاني فلا بد من ان يكون الحديث عن شخصيته الفذة منطلقا معه منذ البداية وقبل خروجه من عالم الرحم الى عالم الوجود الخارجي ـ وبعد ذلك ابتداء من اول يوم من ايام ولادته والى يوم شهادته لندرك سر العظمة في شخصية هذا الإمام العظيم .
فأقول : حيث اراد الله سبحانه ان تتحقق الغاية السامية التي خلق الكون والإنسان من اجلها وهي عبادته على الوجه الافضل الاكمل ـ فقد هيأ الوسائل والاسباب التي تساعد على تحققها كما اراد سبحانه واهم هذه الوسائل وابرزها إنزال الرسالة الافضل والاكمل على الرسول الافضل الاكمل بلحاظ البداية .
ووجود الشخصيات الافضل الاكمل من جميع الجهات بعد الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم لتنوب عنه وتمثل دوره في تحقيق الغاية الفضلى على الوجه الافضل .
ومن المعلوم ان الله سبحانه اذا اراد أمراً هيأ اسبابه وقد اوجد الاسباب التي يتوقف عليها تحقق الغاية المذكورة على الوجه المذكور فأنزل الرسالة الاكمل والافضل من كل الرسالات التي سبقتها بدليل انها انزلت لتغني عنها ولتطبق في كل العصور الى يوم القيامة بينما كانت السابقة محدودة الزمان والإنسان كما هو المعلوم ـ وذلك يعبر عن افضلية الرسول الاخير الخاتم من
جميع الانبياء والرسل السابقين ليكون هناك تناسب بين الرسالة الافضل وشخصية الرسول الذي بعث بها لتكون رحمة للعالمين وقد نبه على هذه الافضلية في الكثير من الآيات والعديد من الروايات المعتبرة المؤيدة لحكم العقل السليم الذي يحكم بضرورة التناسب والتكافؤ بين قيمة الرسالة وشخصية الرسول وذلك لان الدين السماوي يمثل المدرسة الإلهية وتعاليمه تمثل الدروس والمنتمون الى هذه المدرسة من المسلمين يمثلون طلاب مدرستها ـ ومن الواضح الملموس بالوجدان ان الدروس الارقى لا بد ان يناط القاؤها بالاستاذ الافضل الارقى ليستطيع ان يقوم بدور التدريس على الوجه المطلوب المحقق للغاية المنشودة من تأسيس المدرسة وانزال الدروس وتسجيل الطلاب واختيار الاساتذة ليقوموا بدور التدريس والتفهيم المحقق للهدف المقصود .
وبذلك يعرف بحكم العقل السليم والوجدان المستقيم ضرورة ان يكون من ينوب عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ويمثل دوره الرسالي بالتدريس والتوضيح ـ افضل اهل زمانه كما كان الرسول في عصره وذلك من اجل ان يكون قادرا على تفهيم الاحكان وإنارة العقول والافهام وكشف الشبهات والاوهام التي تثار بين الحين والاخر حول الرسالة الإلهية بأصولها العقائدية الحقة المعهودة والتشريعات السماوية القائمة عليها ـ وقد اثيرت الشكوك والشبهات سابقا ولا تزال تثار حولها لاحقاً من قبل الكفار الملحدين والمشركين ويلحق بهم المنافقون وكان كل واحد من اهل البيت المعصومين يتصدى لدفع هذه الشبهات وخصوصا الإمام الصادق عليه السلام حيث ظهرت في عهده موجة الزندقة والتشكيك وكان عليه السلام واقفا بالمرصاد يجيب على كل سؤال ويدفع كل اشكال وكتاب الاحتجاج حافل بالمناظرات والاحتجاجات التي كان اهل البيت عليهم السلام يتصدون فيها للمناقشة والاجابة العلمية السديدة المفيدة .
وكذلك العلماء الاجلاء الذين تخرجوا من مدرسة اهل البيت الفكرية
والفقيهة ـ قد مثلوا دور الأئمة المعصومين ونابوا عنهم في توضيح الحقائق في العقيدة والشريعة وما يتعلق بها ودفعوا الشبهات التي اثيرت حولها بأدلة قاطعة وبراهين ساطعة في السابق واللاحق .
وقد نوه الله سبحانه في كتابه الكريم بالعديد من الآيات البينات على فضل اهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وسمو منزلتهم وتفوقهم على غيرهم من اجل ان يلفت الانظار اليهم ويبين للآخرين انهم حججه على خلقه ومرجع الامة بعد رحيل نبيه الاعظم الى جواره المقدس ـ كما نوه الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم بشأنهم الرفيع وانهم خلفاؤه الشرعيون الذين يجب على الامة ان ترجع اليهم وتعتمد في قضاياهم الشرعية عليهم ـ ومن المعلوم ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا ينطق عن الهوى ـ لذلك يكون ارجاعه الناس الى اهل بيته بعده راجعا الى أمر الله سبحانه وارشاده وفيما يلي بعض الايات الدالة على قيادتهم الشرعية الثابتة لهم بعد جدهم الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم وبعض الروايات الواردة في هذا المجال إما تفسيرا لآية واردة في حقهم عليهم السلام او بيانا مستقلا مؤكدا للنص المفسر ولحكم العقل المستقل بضرورة الرجوع الى القائد الشرعي الذي تتوفر فيه كل شروط القيادة الشرعية وتندرج كلها بعنوانين وشرطين رئيسيين هما العصمة والتجرد من كل نقص والاعلمية من كل ابناء العصر ـ كما كان ذلك معتبرا في شخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيلزم اعتباره وتوفره فيمن ينوب عنه من اجل ان تتم الحجة وتتحقق الغاية المنشودة من إنزال الرسالة وبعثة الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم كما سبق .
من الايات الواردة لبيان المرجعية والقيادة الشرعية لاهل بيت الرسول بعده صلى الله عليه وآله وسلم آية التطهير .
وهي قوله تعالى :
( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً ) (1) .
____________
(1) سورة الاحزاب ، آية : 33 .
وهذه الآية المباركة وان وردت في حق اربعة من اهل البيت مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهم علي وفاطمة وولداهما الحسن والحسين عليهم السلام على ضوء التفسير الوارد عند الفريقين الا ان كل واحد من الأئمة الثلاثة المذكورين ـ نص على من يكون خليفته بعده مضافا الى النص العام الدال على خلافة وامامة الاثني عشر من اهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الطاهرين من الكتاب والسنة المعتبرة وبعضها بلغ حد التواتر لدى الفريقين .
من الاول ـ اي الكتاب ـ قوله تعالى :
( يايها الذين آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول وأُولي الامر منكم ) (1) .
بقرينة الرواية المعتبرة التي ورد فيها السؤال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عن المراد بكلمة ( أُولي الامر ) على لسان جابر بن عبد الله الانصاري وبين الرسول بجوابه ان المراد منها هم علي وابناؤه الاحد عشر ويؤكد ذلك حكم العقل واستقلاله بضروة ان يكون المراد منها هؤلاء الأئمة المعصومين لانهم وحدهم القابلون لان يأتوا في المرتبة التالية لمنزلة جدهم الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم نظرا لعصمتهم وهي الشرط الاول ولأعلمية كل واحد منهم من كل معاصريه وهي الشرط الثاني لما تقدم ولذلك امر الله سبحانه بإطاعتهم مطلقا بدون تحفظ وتقييد كما أمر بإطاعة الرسول كذلك وهو أوضح دليل على عصمتهم وان كل ما يصدر عنهم ومنهم من قول او فعل او تقرير وامضاء لتصرفات الاخرين هو منسجم تمام الانسجام مع روح الشريعة وحكمها كالرسول صلى الله عليه وآله وسلم من هذه الجهة ومن الثاني اي من الروايات ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مقام بيان من يخلفه من اهل بيته وهو نوعان الاول خاص ببعضهم كحديث الغدير الذي ورد في حق الإمام علي عليه السلام وهو متواتر لدى الطرفين وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم : « من كنت مولاه فهذا علي مولاه » وكالحديث الوارد في حق الحسن والحسين عليهما السلام ومضمونه :
____________
(1) سورة النساء ، آية : 59 .
« الحسن والحسين إمامان ان قاما وان قعدا » .
والثاني عام شامل للأئمة الإثني عشر وقد ورد في بعض الروايات النص على العدد فقط وفي بعضها الاخر ورد النص على الاسماء مع النص على العدد وهنا اقتصر على الاول وهو ما ورد في عدة طرق عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من جملتها ما روي عن الإمام علي عليه السلام من قوله عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
« الأئمة بعدي اثنا عشر اولهم انت يا علي واخرهم القائم الذي يفتح الله على يديه مشارق الارض ومغاربها » .
ومن المعلوم ان نص النبي صلى الله عليه وآله وسلم على خلافة اهل بيته وامامتهم عليهم السلام هو تعيين من الله سبحانه ودور النبي هو البيان والتبليغ كما هو الشأن بالنسبة الى الاحكام الشرعية لانه معصوم لا ينطق ولا يخبر ويعين عن الهوى بل عن الوحي والهدى .
وهذا النوع من النص يعتبر تعيينا بالقول وشاءت حكمة الله سبحانه وعنايته الفائقة بالامة وهدايتها الى ما فيه سعادتها وسلامتها في الدنيا والآخرة وهو القيادة الشرعية التي تسير بها في طريق الحق والهدى الى هدف السعادة الذي اراد الله سبحانه ان تصل اليه وتحصل عليه من قيامها بواجب العبادة :
أجل : إن العناية الإلهية والرعاية السماوية للامة الإسلامية اقتضت ان تضم الى النص القولي الدال على القادة الشرعيين النص العملي المعبر عن كفاءة هؤلاء القادة واستعدادهم التام للنهوض بمسؤولية القيادة الشرعية على الوجه الافضل الذي يريده الله سبحانه .
النص العملي على أهلية
أهل البيت للقيادة الشرعية
وقد تمثل هذا النص العملي الصادر من قبل الله سبحانه مباشرة بما اوجده لكل واحد من المعصومين الاربعة عشر من المعجزات والكرامات الخارقة للعادة والخارجة عن نطاق قدرة البشر ليدل ذلك على مدى قربهم من الله سبحانه واستعدادهم المتفوق للقيام بواجب القيادة على الوجه الاكمل المقصود لله سبحانه .
وحيث ان موضوع الحديث في المقام هو شخصية الإمام علي عليه السالم ناسب ذلك ان اذكر بعض الكرامات الدالة على سمو منزلته عند الله سبحانه وانه الكفؤ المعين لقيادة الامة على نهج الحق ـ بعد رسول الحق عندما ينتقل الى جوار الله الحق عز وجل .
وقبل ان اذكر شيئا من كرامات الإمام علي عليه السلام احب ان اذكر بعض الكرامات التي حصلت للرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم اولا لانهما نفس واحدة بنص آية المباهلة كما تقدم فإذا ذكرت كرامة لاحدهما ناسب ذلك ان تذكر كرامة للآخر ـ وثانيا من اجل لفت النظر الى امر ربما يغيب عن اذهان الكثيرين وهو ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد حقق الله سبحانه له تلك الكرامات التي حصل بعضها وقت ولادته وبعد ذلك قبل بعثته ثم حصل بعضها الاخر بعد البعثة ـ وكان ذلك بقصد لفت الانظار الى شخصية الرسول ليؤمنوا برسالته ويصدقوا دعوته بإعتبار ان الكرامات السابقة على البعثة كانت تمهيدا لحصول القبول
والتصديق بدعوته بعد بعثته كما ان ما حصل منها مقترنا بالدعوة وحاصلا بعدها جاء ليكون برهانا على صدقه وانه مرسل من قبل الله سبحانه ـ على اساس ان المعجزة والكرامة من فعل الله سبحانه القادر على كل شيء وليست من فعل الإنسان لعجزه عنها ولهذا سميت بالمعجزة ـ والله سبحانه بحكمته وعدله لا يصدق كاذبا كما هو المعلوم ـ وانما يفضحه ويكذبه كما حصل مع مسيلمة الكذاب من اجل ان يعرف الناس واقعه فلا ينخدعوا بدعوته ويضلوا بحيلته .
وكما ان النبي يحتاج الى المعجزة والكرامة الخارقة لتكون برهان صدقه ـ كذلك الإمام النائب عنه يحتاج الى ذلك لنفس السبب والوجه ـ لان الله سبحانه اعلم حيث يجعل رسالته ابتداء مع الرسول وانتهاء واستمرارا مع نائبه الممثل له الذي يجب ان تتوفر فيه نفس الشروط المعتبرة في الرسول وقد تقدم انها ـ اي الشروط ـ يمكن ارجاعها الى شرطين اساسيين وهما العصمة والافضلية من كل معاصريه ومن جميع الجهات .
والذي ينظر الى الواقع بعين الانصاف والموضوعية يدرك انحصار هذين الشرطين في أئمة أهل البيت الاثني عشر عليهم السلام وجاء النص القولي مؤكدا للنص العملي الذي حققه الله سبحانه لكل واحد منهم بما اجرى على يديه من المعجزات وتحققت له من الكرامات .
بعض ما حصل للرسول ( ص )
من الكرامات قبل ولادته وحينها
وفيما يلي بعض الكرامات التي حصلت للرسول صلى الله عليه وآله وسلم قبل بعثته وحال ولادته ـ وبعدها اذكر بعض ما جرى له بعد بعثته اما الاول فمنه ما ورد في بعض الروايات المستفيضة عن أمه آمنة بنت وهب وانها حدثت واخبرت بأنها انبئت حين حملت بالرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم وقيل لها : انك حملت بسيد هذه الامة فإذا وقع على الارض فقولي : اعيذه بالواحد من شر كل حاسد فإن آية ذلك ان يخرج منك نور يملأ قصور بُصرى من ارض الشام فإذا ولد فسميه محمداً فإن اسمه في التوراة أحمد يحمده أهل السموات والارض واسمه في الانجيل حميد يحمده اهل السموات والارض واسمه في القرآن محمد فسميه محمداً فسميته بذلك ومن الكرامات التي قارنت ولادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما روي من انه لما كانت الليلة الاولى التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ارتجس (1) إيوان كسرى فسقطت منه اربعة وعشرون شرفة وخمدت نيران فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام وفاضت بحيرة ساوه وهناك كرامات اخرى ذكرها الشيخ الطبرسي في اعلام الورى واما المعجزات التي حصلت للرسول بعد بعثته فكثيرة ايضا منها مجيء الشجرة اليه وتحركها من مكانها اجابة لطلبه حتى وقفت بين يديه على تفصيل مذكور في محله من كتاب الاعلام المذكور ومنها
____________
(1) اي اهتز واضطرب .
خروج الماء من بين اصابعه وحنين الجذع الذي كان يخطب مستندا اليه ـ وذلك عندما صنع للرسول صلى الله عليه وآله وسلم منبر فترك الوقوف مستندا اليه وصعد المنبر ـ واشباعه الخلق الكثير بالطعام القليل .
الكرامات التي حصلت للإمام علي ( ع )
واما الكرامات التي حصلت للإمام علي عليه السلام فكثيرة وهي متنوعة بلحاظ زمان حصولها ـ لان بعضها حصل له عليه السلام حال وجوده في عالم الرحم ـ وبعضها حصل مقترنا بزمان ولادته ومنها ما حصل بعدها .
اما ما حصل له حال وجوده في رحم امه فحاصله على ضوء بعض الروايات التي تفيد ما مضمونه ان والدته فاطمة بنت اسد كانت اذا جاءت الى بيت الله الحرام لتطوف حول الكعبة المشرفة تحس بإضطرابه في بطنها بحركة قوية تزعجها كلما دنت من احد الاصنام التي كانت منصوبة في الكعبة يومذاك فعرفت بذلك سر اضطرابه وانه كان يحصل منه لمجرد دنوها من الصنم ولو صدفة وبدون قصد التبرك به كما كانت عادة المشركين وهي منزهة عن ذلك بإيمانها الصادق وتوحيدها الخالص وان دلت هذه الكرامة على شيء فإنها تدل على ان لهذا الجنين شأنا كبيرا ودورا خطيرا ضد هذه الاصنام الحجرية والبشرية ايضا عندما يصدع الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم بدعوته المباركة وينطلق هذا البطل للتصديق بها والدفاع عنه وعنها بكل ما اوتي من طاقة وقوة معنوية وجسمية وهذا ما تحقق بعد ذلك كما تحدث التاريخ .
ومن الكرامات الحاصلة قبل ولادته انشقاق جدار الكعبة لوالدته لتدخل من خلال شقها الى داخلها بكرامة واكرام من الله سبحانه لها ولحملها الميمون المبارك ـ وكان ذلك عندما جاءت والدته كعادتها الى بيت الله الحرام من اجل الطواف والتعبد لله سبحانه وكانت حاملا به وفي الشهر التاسع من
حملها وصادف ان جاءها المخاض واشتد عليها ألم الولادة فلم يكن منها سوى ان انقطعت لله بالتضرع والدعاء بأن ييسر عليها ولادتها ويجعل لها من بعد عسر يسرا واخيرا استجاب الله دعاءها وفتح لها بابا من جدار الكعبة لتدخل من خلاله الى داخلها وتبقى في ضيافة الرحمن مدة ثلاثة ايام وهي تتغذى من طعام الجنة وفواكهها وبعد انتهاء مدة الضيافة فتح الله ذلك الباب من جديد بعد ان كان مسدوداً بالتئام الجدار والتحامه كما كان قبل ذلك .
والكرامات (1) التي حصلت لهذه المؤمنة أم أمير المؤمنين وسيد الوصيين ـ كثيرة ـ وهي اولا انشقاق الجدار لها لتدخل من خلال شقه الى داخل الكعبة المشرفة وثانيا نزول الطعام لها من الجنة كما حصل ذلك لمريم بنت عمران عندما كانت تعتكف في بيت الله للعبادة وثالثا انشقاق الجدار مرة اخرى تمهيدا لخروجها ورابعا سماعها هاتفا يقول لها عندما ارادت الخروج من الكعبة ـ ما حاصله : يا فاطمة سميه عليا فهو علي والله العلي الاعلى يقول : شققت اسمه من اسمي وادبته بآدابي واوقفته على غامض علمي وهو الذي يكسر الاصنام في بيتي وهو الذي يؤذن فوق ظهر بيتي ويقدسني ويمجدني فطوبى لمن احبه واطاعه وويل لمن ابغضه وعصاه وقد اشتهرت حادثة ولادة الإمام علي عليه السلام في بيت الله الحرام في التاريخ الإسلامي ولدى الفريقين من الشيعة والسنة وقد تحدث عنها الكثيرون من العلماء والادباء الكتاب والشعراء بتقدير واجلال لصاحب هذه الكرامة التي اراد الله سبحانه بها لفت الانظار الى شخصه العظيم وان له قدرا رفيعا عند الله سبحانه ومنزلة سامية تجعله في المنزلة الثانية والرتبة التالية لشخصية الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله الطاهرين وفيما يلي بعض ما ورد في شأن هذه الحادثة نثراً وبعده اذكر بعض ما ورد في شأنها شعرا .
____________
(1) يصح اعتبار هذه الكرامات من كرامات المولود المبارك لانها حصلت لها ببركته من باب القول المشهور ( من أجل عين الف عين تكرم ) .
من الاول ما ورد في كتاب ( علي من المهد الى اللحد ص 22 ) للمرحوم السيد محمد كاظم القزويني نقلا عن محمود الآلوسي في شرح قصيدة عبد الباقي العمري العينية التي افتتحها بالبيت التالي مخاطبا الإمام علياً عليه السلام بقوله :
وفيما يلي نص الآلوسي ( وفي كون الأمير كرم الله وجهه ولد في البيت امر مشهور في الدنيا وذكر في كتب الفريقين السنة والشيعة ولم يشتهر وضع غيره كرم الله وجهه كما اشتهر وضعه واحرى بإمام الأئمة ان يكون وضعه فيما هو قبلة للمؤمنين سبحان من يضع الاشياء في مواضعها وهو احكم الحاكمين ) .