أنت هنا: الرئيسية المكتبة الاسلامية الآداب الطبية في الإسلام الفصل الثالث : الطب كمظهر حضاري
 
 


الفصل الثالث : الطب كمظهر حضاري

البريد الإلكتروني طباعة
كتاب الآداب الطبية في الإسلام ص59 ـ ص80

 

الفصل الثالث :
الطب كمظهر حضاري

 


( 60 )



( 61 )

 

دراسة الطب عند المسلمين

لقد كان الاطباء يلقون محاضراتهم الطبية على طلابهم في المستشفيات (1) بالاضافة الى مرافقتهم لهم في زياراتهم للمرضى ، حين ممارستهم الطب عمليا ...
وقال ابن ابي اصيبعة : كان ابو الفرج ابن الطيب « يقرىء صناعة الطب في البيمارستان العضدي ويعالج المرضى فيه ، ووجدت شرحه لكتاب جالينوس على اغلوتن ، وقد قرىء عليه وعليه الخط بالقراءة في البيمارستان العضدي ، في يوم الخميس الحادي عشر من شهر رمضان سنة ست واربعمئة » (2) .
وكان ابراهيم بن بكس « يدرس صناعة الطب في البيمارستان العضدي لما بناه عضد الدولة » (3) .
وكان ابن ابي الحكم يقعد في الايوان الكبير في البيمارستان ، فكان جماعة من الاطباء والمشتغلين يأتون اليه ، ويقعدون بين يديه ، ثم تجرى مباحث طبية ، ويقرىء التلاميذ ، ولا يزال معهم في اشتغال ومباحثة ونظر في الكتب مقدار
____________
(1) مختصر تاريخ العرب ص 283 و 369 والتراث اليوناني في الحضارة الاسلامية ص 92 وتاريخ التمدن الاسلامي المجلد الثاني ص 207 وراجع ص 205 .
(2) عيون الانباء ص 323 .
(3) عيون الانباء ص 329 .


( 62 )


ثلاث ساعات (1) .
ومجلس الرازي لتعليم الطب معروف ومشهور ، فقد كان يجلس في مجلسه ، ودونه التلاميذ ، ودونهم تلاميذهم ، ودونهم تلاميذ آخرون ، وكان يجيء الرجل ، فيصف ما يجد لاول من يلقاه منهم ، فان كان عنده علم ، والا تعداه الى غيره ، فان اصابوا ، والا تكلم الرازي في ذلك (2) .
واول مدرسة طبية منفصلة عن المستشفى كانت ـ فيما اعتقد ـ في سنة 622 هجرية قال ابن ابي اصيبعة : « ولما كان في سنة اثنتين وعشرين وست مئة .
وذلك قبل سفر الشيخ مهذب الدين عبد الرحيم بن علي عند الملك الاشرف وخدمته له ، وقف داره وهي بدمشق عند الصاغة العتيقة ، شرقي سوق المناخلين ، وجعلها مدرسة يدرس فيها من بعده الطب ، ووقف لها ضياعا وعدة اماكن ، يستغل ما ينصرف في مصالحها وفي جامكية المدرس ، وجامكية المشتغلين بها » (3) .
امتحان الاطباء :
لقد رأينا : ان المسلمين كانوا يمتحنون الاطباء ، ويعطونهم اجازة لممارسة التطبيب ، وممن كان يمتحن الاطباء في سنة 309 هـ ، سنان بن ثابت في بغداد (4) ومهذب الدين الدخوار في مصر (5) ، وابن التلميذ ، المتوفى سنة 560 ببغداد (6)
____________
(1) عيون الانباء ص 628 .
(2) تاريخ الحكماء ص 273 وعيون الانباء ص 416 ، وغير ذلك كثير .
(3) عيون الانباء ص 733 .
(4) تاريخ الحكماء ص 191 ، وعيون الانباء ص 302 ، وتاريخ طب در ايران ج 2 ص 282 و 686 وتاريخ التمدن الاسلامي المجلد الثاني ص 201 . وتاريخ مختصر الدول ص 162 .
(5) عيون الانباء ص 731 ، تاريخ التمدن الاسلامي المجلد الثاني ص 201 .
(6) عيون الانباء ص 351 و 352 .


( 63 )


ويضيف البعض الى هؤلاء : ابراهيم بن سنان ، وابا سعيد اليماني (1) .
وذكر في كتاب : تاريخ البيمارستانات في الاسلام اجازتين قد بقيتا من القرن الحادي عشر الهجري، احداهما ترتبط بالفصد ، والاخرى ترتبط بالجراحة (2) .
الاختصاص في الطب :
لقد كان الاختصاص في فروع الطب ظاهرة شائعة بين الاطباء المسلمين ؛ فهناك الطبيب المختص بالجراحة ، وآخر بامراض العين ، وثالث بأمراض النساء ، ورابع بالامراض العقلية ، وخامس في الاسنان ، وهكذا ...
النساء والطب :
ولم يكن الطب مقصورا على الرجال بل لقد كان في النساء ايضا عالمات في الطب ، وقد تقدمت الاشارة الى هنيدة ، وزينب الاودية وغيرهما ... ونزيد هنا : انهم يقولون : ان اخت الحفيد بن زهر الاندلسي وابنتها كانتا عالمتين بصناعة الطب ، ولهما خبرة جيدة بمداواة النساء ، وكانتا تدخلان على نساء المنصور الاندلسي ، ولا يقبل سواهما (3) .
كثرة الاطباء المسلمين :
ان عدد الاطياء طيلة فترة الحكم الاسلامي كثير جدا لا يمكن حصره ،
____________
(1) تاريخ طب در ايران ج 2 ص 686 وراجع ص 816 وفيه ان ابراهيم بن سنان قد كلف ابا سعيد بذلك ، فكانت النتيجة : ان اجيز 800 طبيب وجراح . ولكن الظاهر هو ان الامر قد اشتبه على هذا البعض فخلط بين سنان بن ثابت ، وابراهيم بن سنان كما يظهر من مراجعة : عيون الانباء ص 302 وغيره .
(2) تاريخ طب در ايران ج 2 ص 820 .
(3) عيون الانباء ص 524 ، وتاريخ التمدن الاسلامي المجلد الثاني ص 201 عنه .


( 64 )


ولا استطاع مؤلفوا الموسوعات والتراجم ، حتى ذكر اسماء اقل القليل منهم ...
ويكفى ان نذكر : انهم قد احصوا اطباء بغداد وحدها في زمن المقتدر بالله سنة 309 وامتحنوهم ؛ فأجيز منهم ( 860 ) طبيبا ، فأعطوهم الاذن في التطبيب ، سوى من استغنى عن الامتحان لشهرته ، وسوى من كان في خدمة السلطان (1) .
وكان سيف الدولة اذا جلس على المائدة حضر معه اربعة وعشرون طبيبا . وكان فيهم من يأخذ رزقين لاجل تعاطيه علمين (2) . وكان في خدمة المتوكل 56 طبيباً (3) .
وكان يخدم في المستشفى العضدي 24 طبيباً من مختلف الاختصاصات (4) وحين بنى المعتضد المستشفى ، اراد ان يكون فيه جماعة من افاضل الاطباء واعيانهم ، فأمر ان يحضر له لائحة باسماء الاطباء المشهورين حينئذ ببغداد واعمالها ؛ فكانوا متوافرين على الماءة فاختار منهم نحو خمسين الخ (5) .
الخدمات الطبية عند المسلمين :
وكان للمسلمين ايضا عناية خاصة بالايتام ، والعميان ، والقواعد من النساء فكان لهم رعاية ودواوين خاصة ، تحت اشراف مسؤولين عن امورهم واحوالهم (6)
« وكان من الاطباء او الصيادلة من هو خاص بالجند ، يرافقه في اسفاره ومنهم من هو خاص بالخلفاء والامراء ، ولهؤلاء رواتب خاصة ، ويعرفون بالمرتزقين ، ومنهم من يطببون العامة ، وهم غير مرتزقين (7) » .
____________
(1) عيون الانباء ص 302 ، وتاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني ص 200 عنه .
(2) عيون الانباء ص 610 وتاريخ التمدن الاسلامي المجلد الثاني ص 200 عنه .
(3) تاريخ التمدن الاسلامي ج 2 ص 200 عن عيون الانباء ج 2 ص 140 وفيه : انهم كانوا من النصارى !!
(4) عيون الانباء ص 415 .
(5) المصدر السابق .
(6) وفيات الاعيان ج 1 ص 495 ط سنة 1310 هـ والعيون والحدائق .
(7) تاريخ التمدن الاسلامي المجلد الثاني ص 201 .


( 65 )


وكان لدى المسلمين دار للمجانين ، وصيدليات تعطي الدواء مجانا في ايام معينة ، وكان الاطباء يذهبون مع ادويتهم الى الاماكن التي لا يمكن بناء مستشفى فيها (1) .
وقد ذكر القفطي وغيره في ترجمة سنان بن ثابت : ان الوزير علي بن عيسى الجراح ـ في سنة كثرت فيها الامراض والاوباء ـ قد وقع الى سنان بن ثابت يأمره : بأن يفرد لمن في الحبوس كلها اطباء يدخلون اليهم في كل يوم ، ويحملون معهم الادوية والاشربة ، وما يحتاجون اليه من المزورات ويعالجوا من فيها من المرضى .
ووقع اليه توقيعا آخر ، يأمره بانفاذ متطببين ، وخزانة من الادوية والاشربة يطوفون في السواد ، ويقيمون في كل صقع منه مدة ما تدعو الحاجة الى مقامهم ويعالجون من فيه ، ثم ينتقلون الى غيره ، ففعل سنان ذلك (2) .
كما ان المسلمين قد أنشأوا ما نسميه اليوم بالعيادات الخارجية (3) .
هذا ... ولم يكن كل هؤلاء الاطباء يتقاضى اجره ، بل كان من بينهم من يعمل مجانا ، فمثلا لقد « كان ابو بكر بن القاضي ابي الحسن الزهري يطبب الناس من دون اجرة ، ويكتب النسخ لهم (4) » .
ويلاحظ : انهم كانوا في اوائل امرهم يهتمون بفحص البول ، وبالفصد ، والاستفراغ ، ونحو ذلك ... ولكن هذه المعالجات قد بدأت تتطور نحو الافضل باستمرار ، تبعا للتقدم والنبوغ الطبي ، الذي كان يتجلى يوما بعد يوم ، حتى بعث المسلمون في الطب روحا جديدة ، كما هو المعلوم ومعروف لكل احد .
____________
(1) تمدن اسلام وعرب ص 615 .
(2) تاريخ الحكماء 193 / 194 ، وعيون الانباء ص 301 .
(3) مختصر تاريخ العرب ص 283 .
(4) عيون الانباء ص 536 .


( 66 )

 

المستشفيات :

الرازي ... وبناء مستشفى :
يقول كوستاف لوبون : لقد بنيت المستشفيات الاسلامية موافقة لاصول حفظ الصحة ، وكانت احسن من المستشفيات الموجودة في هذه الايام . وقضية الرازي حينما اراد ان يختار موقعا للمستشفى معروفة ومشهورة ، فان الطريقة التي استعملها ، يؤيدها اليوم المحققون في الامراض المعدية ، فان الرازي امر بعض الغلمان : ان يعلق في نواح مختلفة من بغداد قطع لحم ، ليرى في ايها لا يتفسخ اللحم وينتن في وقت اقصر ، ليكون الموقع الملائم لبناء المستشفى (1) ويقال : ان هذا المستشفى هو المستشفى العضدي .
ولكن ذكر ابن ابي اصيبعة : ان الرازي كان اقدم من عضد الدولة (2) ، وعليه فلا بد وان يكون الرازي قد اراد بناء مستشفى غير مستشفى عضد الدولة وذلك لان الرازي توفى سنة 320 هـ ، وقال الحسن بن سوار بن بابا ، وكان قريب العهد منه : انه توفي في سنة نيف وتسعين وماءتين ، او ثلاثمائة وكسر (3) وعضد الدولة انما توفى سنة 372 هـ ، كما هو معلوم .
ولكن قد ذكر القفطي ان الرازي قد توفي سنة 364 وعاش في زمن المكتفي ، وبعض زمن المقتدر (4) ، وعليه فلا مانع من ان يكون قد شارك في اختيار موضع المستشفى العضدي ، كما ذكروا .
____________
(1) راجع تمدن اسلام وعرب ص 614 وقضية الرازي مذكورة ايضا في عيون الانباء ص 415 وموجز تاريخ الشرق الادنى ص 192 .
(2) عيون الانباء ص 415 .
(3) عيون الانباء ص 420 .
(4) تاريخ الحكماء ص 272 وراجع تاريخ الاطباء والحكماء ص 153 الترجمة الفارسية .


( 67 )


بعض احوال المستشفيات :
اما احوال المستشفيات في العهد الاسلامي ، فقد تقدم : ان كوستاف لوبون يقل : انها كانت موافقة لاصول الصحة ، واحسن من المستشفيات الموجودة في هذه الايام ، كما انهم قد شيدوا في كل مدينة مستشفيات عامة ، كما سنرى (1) .
وكان لكل مرض قاعة او قاعات خاصة ، يطوفها الطبيب المختص بها ، وبين يديه المشارفون والقوام لخدمة المرضى ، فيتفقد المرضى ، ويصف لهم الادوية ، ويكتب لكل مريض داوءه (2) .
وكانوا يعالجون جميع المواطنين في مستشفياتهم ، سواء اكانوا من المسلمين او من غيرهم ، وكانوا يقومون بعمليات التدفئة للمرضى على اكمل وجه ، ويقدمون لهم المؤمن ، والدثار ، وغير ذلك (3) .
وقال المقريزي عن مستشفى ابن طولون الذي اسسه سنة 259 هـ في القاهرة : « وشرط في المارستان ان لا يعالج فيه جندي ، ولا مملوك ، وعمل حمامين للمارستان ، احدهما للرجال ، والاخرى للنساء ، حبسهما على المارستان وغيره ، وشرط : انه اذا جيىء بالعليل تنزع ثيابه ، ونفقته ، وتحفظ عند امين المارستان ، ثم يلبس ثيابا ، ويفرش له ، ويغدى عليه ، ويراح بالادوية والاغذية والاطباء حتى يبرأ ، فاذا اكل فروجا ورغيفا امر بالانصراف ، واعطى ماله وثيابه (4) » .
____________
(1) مختصر تاريخ العرب ص 283 .
(2) تاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني ص 207 ، عن طبقات الاطباء ج 1 ص 155 .
(3) تاريخ الحكماء ص 194 ، وعيون الانباء ص 302 و 301 .
(4) الخطط للمقريزي ج 2 ص 405 ، وراجع الحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري ج 2 ص 205 / 206 والمستشفى لابن طولون ذكر في كتاب الولاة والقضاة للكندي ص 216 / 217 .


( 68 )


وقال عن المستشفى المنصوري ، الذي بنى في القاهرة سنة 683 هـ :
« ... ورتب فيه العقاقير والاطباء ، وسائر ما يحتاج اليه من به مرض من الامراض ، وجعل السلطان فيه فراشين من الرجال والنساء لخدمة المرضى وقرر لهم المعاليم ، ونصب الأسرّة للمرضى ، وفرشها بجميع الفرش المحتاج اليها في المرض .
وافرد لكل طائفة من المرضى موضعا ، فجعل اواوين المارستان الاربعة للمرضى بالحميات ونحوها ، وافرد قاعة للرمدي ، وقاعة للجرحى ، وقاعة لمن به اسهال ، وقاعة للنساء ، ومكانا للمبرودين ، وينقسم قسمين : قسم للرجال ، وقسم للنساء ، وجعل الماء يجري في جميع هذه الاماكن .
وافرد مكانا لطبخ الطعام ، والادوية ، والاشربة ، ومكانا لتركيب المعاجين والاكحال ، والشيافات ونحوها ، ومواضع يخرن فيها الحواصل .
وجعل مكانا يفرق فيه الاشربة والادوية ، ومكانا يجلس فيه رئيس الاطباء لالقاء درس طب ... الخ . » وكان وقفه عاماً لكل احد (1) .
المستشفيات الميدانية
لقد كان لدى المسلمين مستشفيات تستصحبها الجيوش معها ، فقد قال ابن خلكان ، والقفطي عن ابي الحكم عبيد الله بن المظفر المغربي ، المتوفى سنة 549 هـ : « وذكر العماد الاصفهاني في الخريدة : ان ابا الحكم المذكور كان طبيب البيمارستان الذي كان يحمله اربعون جملا ، والمستصحب في معسكر السلطان محمود السلجوقي حيث خيم » . ثم ذكر خدمة ابن المرخم فيه ايضا طبيبا وفصادا (2) .
____________
(1) راجع : الخطط للمقريزي ج 2 ص 406 .
(2) وفيات الاعيان ج 1 ص 274 ط سنة 1309 هـ ، وتاريخ الحكماء ص 405 وتاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني ص 207 عن الاول وعن : تراجم الحكماء .


( 69 )


ويقول سيد أمير علي . « ... وكان يرافق الجيش في ابان المعارك فريق من الاطباء ، ومستشفى حسن التجهيز ، الحقت به نقالات لنقل الجرحى بشكل محفات تنقلها الجمال . وقد استلزم مستشفى الميدان الخاص بكل من الرشيد . والمأمون عدداً كبيراً من الجمال والبغال لنقل الخيام ، والمؤن ، والادوية .
وحتى في العهود التالية ايام الملوك الضعفاء امثال السلطان محمود السلجوقي كانت لوازم مستشفى الجيش تنقل على اربعين جملا » (1) .
مستشفيات الطواري :
ولم تقتصر الخدمات الطبية عند المسلمين على ما ذكر ، بل لقد تعدت ذلك الى ايجاد مراكز للطوارىء في الاجتماعات العامة .. فقد :
« قال جامع السيرة الطولونية ، وقد ذكر بناء جامع ابن طولون : وعمل في مؤخرة ميضأة : او خزانة شراب ، جعل فيها الشرابات الادوية ، وعليها خدم ، وفيها طبيب جالس يوم الجمعة لحادث يحدث للحاضرين للصلاة (2) » .
اول مستشفى في الاسلام :
اننا نستطيع ان نقول : ان اول مكان خصص لنزول المرضى ، ومعالجتهم بعد ظهور الاسلام ، كان مسجد الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة منذ عهد الرسول عليه وآله الصلاة والسلام .
يقول الدكتور جواد علي وغيره : « وقد كان في مسجد الرسول موضع يعالج فيه المرضى والجرحى ، وكان الرسول والصحابة يتفقدون المرضى النازلين به . (3) » وسيأتي ان شاء الله في بحث مداواة المرأة للرجل الاشارة
____________
(1) مختصر تاريخ العرب ص 369 .
(2) الخطط للمقريزي ج 2 ص 405 ، والحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري ج 2 ص 206 .
(3) المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام ج 8 ص 412 ، والتراتيب الادارية ج 1 ص 453 / 454 ، وتاريخ طب در ايران ج 2 ص 763 عن تاريخ البيمارستانات في الاسلام ص 9 .


( 70 )


الى خيمة رفيدة ، او كعيبة بنت سعيد : التي كانت في مسجد النبي ( ص ) تداوى فيها الجرحى .
وما ذكر يدل على ان ما ذكره البعض من ان اول مستشفى في الاسلام هو مستشفى الوليد بن عبد الملك (1) .
لا يصح ... وانما هو غفلة عن حقيقة الحال ، ولعل الوليد : اول من اهتم بتوسعته لاتساع الحالة المادية في زمنه .
جريمة اموية نكراء ! :
قال ابن قتيبة : « ابو الحسن ، قال : مر سليمان بن عبد الملك بالمجذومين في طريق مكة ، فأمر باحراقهم ، وقال : لو كان الله يريد بهؤلاء خيرا ما ابتلاهم بهذا الإبتلاء (2) . » وانها حقا لجريمة نكراء يندى له جبين الانسان الحر الما وخجلا .
هذا ... ولا بأس بالمقارنة بين افاعيل فراعنة وجبابرة هذه الامة ، والشجرة الملعونة في القرآن ، وبين امر الرسول ( ص ) والائمة ( ع ) الناس بأن لا يديموا النظر الى اهل البلاء ، فان ذلك يحزنهم ... وبين ما كتبه علي في عهده للاشتر من الحث على القيام بامور ذوي البؤس والزمني واجراء الارزاق عليهم ، للاقصى وللادنى على حد سواء ، فراجع (3) .
____________
(1) الخطط للمقريزي ج 2 ص 405 ، وتاريخ اليعقوبي ج 2 ص 290 ، والتراتيب الادارية ج 1 ص 454 و 455 ، وتاريخ التمدن الاسلامي المجلد الثاني ص 205 ، والحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري ج 2 ص 205 ، وتاريخ طب در ايران ج 2 ص 148 .
(2) عيون الاخبار لابن قتيبة ج 4 ص 69 .
(3) نهج البلاغة قسم الكتب ، والبحار ج 77 ص 259 و 260 عن تحف العقول ص 126 .


( 71 )


المستشفيات في القرنين الاولين للهجرة :
1 ـ ثم انشأ الوليد بن عبد الملك في سنة 88 هـ مستشفى في دمشق ، وجعل فيه الاطباء ، واجرى لهم الارزاق ، وامر بحبس المجذومين لئلا يخرجوا ، واجرى عليهم وعلى العميان الارزاق (1) .
2 ـ وكان في زمن الرشيد دار للمجانين (2) . ولا ندري ! ان كانت قد اوجدت قبله ، او انه هو الذي اوجدها ، فما جزم به جرجي زيدان ، من ان المنصور هو الذي بناها ، او الذي خلفه (3) في غير محله .
3 ـ ثم انشأ الرشيد مستشفى في بغداد ، وعندما اراد البدء به احضر له بختيشوع ( دهشتك ) من جنديشابور ، الذي كان رئيس المستشفى هناك ، وعرض عليه ان يتولى هذه المهمة ، لكن دهشتك رفض العرض ، واشار عليه : ان يقلد هذا الامر لماسويه ، ففعل (4) .
ويميل البعض الى اعتباره اول مستشفى ، ان لم نعد ما صنعه عبد الملك هو المستشفى الاول (5) .
____________
(1) المصادر التي تقدمت قبل الحاشيتين الاخيرتين ، بالاضافة الى : تاريخ الطبري ج 5 ص 224 ، ونقله في تاريخ طب در ايران ج 2 ص 763 و 764 عن صبح الاعشى ج 1 ص 431 ، وتاريخ البيمارستانات في الاسلام ص 10 ، وغرر النقائص الفاضحة ، وغرر الخصائص الواضحة ص 248 .
(2) الكشكول للشيخ البهائي ص 213 ، وتاريخ التمدن الاسلامي المجلد الثاني ص 206 عنه .
(3) تاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني ص 206 .
(4) تاريخ الحكماء ص 383 / 384 ، وعيون الانباء ص 245 ، وموجز تاريخ الشرق الادنى ص 191 / 192 ، والتراث اليوناني في الحضارة الاسلامية ص 91 ، وتاريخ طب در ايران ج 2 ص 94 ، ومجلة الهادي سنة 2 عدد 2 ص 52 عن الاول .
(5) تاريخ طب در ايران ج 2 ص 158 .


( 72 )


4 ـ وأنشأ البرامكة مستشفى باسمهم ، كان يتولى امره ابن دهن الهندي (1) .
5 ـ وكتب طاهر بن الحسين لابنه عبد الله : « وانصب لمرضى المسلمين دوراً توقيهم ، وقواما يرفقون بهم ، واطباء يعالجون اسقامهم (2) . »
6 ـ وكان في بغداد مستشفى للمجانين هو دير هرقل القديم (3) .
المستشفيات في القرن الثالث فما بعده :
ويقول البعض : « ثم مضى قرن بأكمله قبل ان يسمع المرء بانشاء مثل هذه المؤسسة في العاصمة بغداد من جديد ... وهو القرن الذي دعى فيه اطباء البيمارستانات المشهورين في جنديشابور الى قصر الخليفة .
ولعل السبب في ذلك راجع الى سر من رأى ، التي اصبحت المقام الثاني للخلفاء (4) . »
وعلى كل حال .. فاننا نجد المسلمين قد اهتموا في القرن الثالث بانشاء المستشفيات الكثيرة في مختلف الاقطار ، وكمثال على ذلك نذكر :
1 ـ المستشفى الذي انشأه احمد بن طولون في مصر سنة 259 او 261 حسبما تقدم .
2 ـ وقبل انقضاء القرن الثالث بنيت المستشفيات في مكة والمدينة (5) .
____________
(1) الفهرست لابن النديم ص 356 ، والحضارة الاسلامية في القرن الرابع ص 205 عنه ، وتاريخ طب در ايران ج 2 ص 770 ، وتاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني ص 206 .
(2) الحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري ج 2 ص 205 عن كتاب بغداد لطيفور ص 50 .
(3) راجع : معجم البلدان للحموي ج 2 ص 540 ، والاغاني ج 18 ص 39 و 30 والحضارة الاسلامية في القرن الرابع ج 2 ص 206 عنه .
(4) التراث اليوناني في الحضارة الاسلامية ص 91 .
(5) عيون الانباء ص 316 .


( 73 )


3 ـ ثم انشأ بدر ، مولى المعتضد مستشفى في بغداد (1) .
4 ـ وفي سنة 302 هـ انشأ الوزير علي بن عيسى مستشفى آخر ، وقلده سعيد ابن يعقوب الدمشقي ، مع غيره من مستشفيات بغداد ، ومكة ، والمدينة (2) .
5 ـ وفي 306 هـ انشأ سنان بن ثابت مستشفى السيدة ، وانشأ المقتدر بيمارستانا آخر باسمه (3) .. ويقال : ان سنان هذا قد تقلد خمس مستشفيات في سنة 304 هـ (4) .
6 ـ وفي سنة 313 هـ . انشأ ابن الفرات ، خصم علي بن عيسى السياسي مستشفى اسندت رئاسته الى ثابت بن سنان (5) .
7 ـ ثم اسس امير الامراء التركي ابو الحسين قبل موته في سنة 329 هـ . مستشفى ، اسندت رئاسته الى سنان بن ثابت (6) .
8 ـ وفي سنة 355 اسس معز الدولة مستشفى في بغداد ايضا (7) .
9 ـ وفي سنة 368 اسس عضد الدولة المستشفى المشهور في بغداد . وكان يخدم فيه 24 طبيباً ، من مختلف الاختصاصات ، وقد اسندت رئاسته الى اكثر من 24
____________
(1) تاريخ البيمارستانات في الاسلام ص 180 والتراث اليوناني في الحضارة الاسلامية ص 91 .
(2) عيون الانباء ص 316 وتاريخ طب در ايران ج 2 ص 288 والتراث اليوناني في الحضارة الاسلامية ص 91 وتاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني ص 206 .
(3) المصادر المتقدمة مع : الحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري ج 2 ص 207 ، والمنتظم ج 6 ص 146 وعيون الانباء ص 302 وتاريخ الحكماء ص 194 / 195 .
(4) الحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري ج 2 ص 206 عن المنتظم 114 .
(5) عيون الانباء ص 305 ، والحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري ج 2 ص 207 عن المنتظم ص 23 والتراث اليوناني في الحضارة الاسلامية ص 92 ، وتاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني ص 206 .
(6) التراث اليوناني في الحضارة الاسلامية ص 92 ، والحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري ج 2 ص 207 .
(7) تاريخ طب در ايران ج 2 ص 775 والحضارة الاسلامية في القرن الرابع ج 2 ص 207 والمنتظم ج 7 ص 33 .


( 74 )


طبيباً على التوالي (1) .
وقد زار الرحالة الاندلسي ابن جبير هذا المستشفى في بغداد سنة 580 هـ . وكان لا يزال يعمل بنشاط ويظهر : انه لم يتعرض للخراب حين غزا المغول بغداد في سنة 656 هجرية (2) .
ثم تتابعت المستشفيات في مختلف البلاد والاصقاع ، بشكل مكثف ، كما يعلم من المراجعة الى المؤلفات والموسوعات ، فراجع على سبيل المثال : تاريخ البيمارستانات في الاسلام ، وتاريخ طب در ايران ج 2 ، والخطط للمقريزي والحضارة الاسلامية في القرن الرابع الهجري ، وغير ذلك ...
كما ان صاحب كتاب تاريخ طب در ايران ج 2 ص 787 فصاعدا قد اجمل وصف المستشفيات في البلاد الاسلامية ، فمن اراد فليراجعه ..
____________
(1) تاريخ طب در ايران ج 2 ص 775 ، وتاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني ص 207 والتراث اليوناني في الحضارة الاسلامية ص 92 ، وكثير من المصادر الاخرى .
(2) التراث اليوناني في الحضارة الاسلامية ص 93 .


( 75 )

 

القسم الثاني

من :
الاخلاق الطبية ... في الاسلام

 


( 76 )



( 77 )


الفصل الاول :



 

الطب ... كمسؤلية

 


( 78 )



( 79 )


احكام الاسلام
انه لا شك في ان الله الذي هو خالق كل شيء .. كما انه عليم وبصير بكل ما في هذا الكون ... وعليم بعباده ، وبصير بهم .. كما قال تعالى : « له ملك السماوات والارض ، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير . هو الاول والاخر ، والظاهر والباطن ، وهو بكل شيء عليم . هو الذي خلق السماوات والارض في ستة ايام ، ثم استوى على العرش ، يعلم ما يلج في الارض وما يخرج منها ، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها ، وهو معكم اينما كنتم ، والله عليم بصير » . (1) والايات في ذلك كثيرة ..
كذلك .. فانه تعالى رحيم بعباده رؤوف بهم ، لا يريد لهم الا الخير والسعادة ، والصلاح ، كما قال تعالى : « هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ؛ ليخرجكم من الظلمات الى النور ، وان الله بكم لرؤوف رحيم » (2) .
وقال تعالى : « بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين . الرحمان الرحيم . » (1)
____________
(1) الحديد 1 ـ 4 .
(2) الحديد 9 .


( 80 )


والايات في ذلك كثيرة . .
وهكذا .. فانه تعالى اذا شرع لهم احكاما تنظم امور معاشهم ومعادهم ـ بما في ذلك احكام القصاص ـ فانما يهدف من ذلك الى تحقيق السعادة والكمال لهم ، وحفظهم من الانزلاق في مهاوي الشقاء والضلال والضياع ، كما اشارت اليه الاية المتقدمة من سورة الحديد ...
وحينما سئل الامام الباقر عليه عن سبب تحريم الميتة ، والخمر ، ولحم الخنزير ، والدم ، قال : « ان الله تعالى لم يحرم ذلك على عباده ، واحل لهم ما وراء ذلك من رغبة فيما احل لهم ، ولا زهد فيما حرمه عليهم ، ولكنه خلق الخلق ، فعلم ما تقوم به ابدانهم وما يصلحهم ، فأحله لهم ، واباحه لهم : وعلم ما يضرهم فنهاهم عنه ، ثم احله للمضطر في الوقت الذي لا يقوم بدنه الا به » (1) .
وروى بأسانيد عن الرضا عليه السلام ، انه قال : « وجدنا : ان ما احل الله ففيه صلاح العباد ، وبقاءهم ، ولهم اليه حاجة ، ووجدنا المحرم من الاشياء ولا حاجة (2) ولا حاجة بالعباد اليه ، ووجدناه مفيدا » .
قال الحر العاملي : والاحاديث في ذلك كثيرة (3) .
ويكفي ان نذكر : ان الله تعالى قد اعتبر الاسلام نعمة انعم الله بها على العباد ، وقد اتم نعمته هذه بتنصيب علي ( عليه السلام ) اماما وقائدا في يوم الغدير ، قال تعالى :« اليوم اكملت لكم دينكم ، واتممت عليكم نعمتي ، ورضيت لكم الاسلام دينا » (4) .
____________
(1) الكافي ج 6 ص 242 ، والمحاسن ص 334 والتهذيب ج 9 ص 128 ومن لا يحضره الفقيه ج 3 ص 218 والوسائل ج 17 ص 2 .
(2) لعل الواو في قوله « ولا » زائدة .
(3) الفصول المهمة ص 541 عن علل الشرايع ، والبحار ج 6 ص 93 . وراجع علل الشرايع ج 1 ص 250 و 252 .
(4) المائدة 3 .