أنت هنا: الرئيسية المكتبة الاسلامية الآداب الطبية في الإسلام
 
 


تقديم

البريد الإلكتروني طباعة

 

الآداب الطبية

في الاسلام

مع لمحة عن تاريخ الطب

جعفر مرتضى العاملي

 


( 3 )

 

بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم

والحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين ، محمداً وآله الطيبين الطاهرين .
واللعنة على اعدائهم اجمعين . من الاولين والاخرين ، الى قيام يوم الدين .
وبعد ...
فقد مست الحاجة في بعض المجالات في الجمهورية الاسلامية الى الكتابة حول موضوع الاداب الطبية في الاسلام ، مع اعطاء لمحة عن تاريخ الطب ، وعن النهضة العلمية الاسلامية في هذا المجال ، وغير ذلك .
فطلب مني اخي الاعز الاكرم ، سماحة العلامة آية الله الشيخ علي الاحمدي الميانجي حفظه الله تعالى ان اكتب حول هذا الموضوع .
ورغم انني لست مؤهلا للقيام بمهمة كهذه ـ لا سيما وان الاداب الطبية وسواها مما لا بد من التعرض له هنا ، موضوعات جديدة لم يتطرق اليها

 


( 4 )


الباحثون فيما اعلم ـ فقد امتثلت امره ، شاكراً له ثقته بي ، وارجو من الله تعالى ان ينفع بما كتبت ، ويجعله خالصاً لوجهه الكريم .

18 جمادى الاولى سنة 1402 هـ .

جعفر مرتضى الحسيني العاملي

 

 


( 5 )

 

القسم الاول

تاريخ الطب

 


( 6 )



( 7 )

 

الفصل الاول :
الطب . . .

  قبل الاسلام

 


( 8 )


تذكير :
اننا نرى : انه لابد من اعتماد التاريخ الهجري اساسا لضبط الوقائع والاحداث لان النبي ( ص ) هو الذي وضع هذا التاريخ ، وبه ضبطت وقائع التاريخ الاسلامي ، وقد تحدثنا عن ذلك بالادلة القطعية في محله في غير هذا الكتاب ...
ولكننا ربما ننقل هنا بعض المطالب عن الاخرين ، الذين يعتمدون التاريخ المسيحي الميلادي ... فنضطر الى ذكر التاريخ الميلادي متابعة لهم ؛ لاننا لا نعطي لانفسنا حق تغيير النص الذي ننقله عنهم ، ولو بهذا المقدار ... فليلاحظ ذلك ... وشكرا ...


( 9 )


مبدأ ظهور الطب : اما متى وكيف كان ظهور علم الطب ؟ ففيه اختلاف بين المؤرخين ...
فيرى البعض : ان سحرة اليمن هم الذين وضعوا اساس علم الطب . ويرى آخرون : انهم السحرة من فارس . وفرقة ثالثة : انهم المصريون : ورابعة : الهنود ، او الصقالبة ، او قدماء اليونانيين ، او الكلدان ، الذين نسب اليهم : انهم كانوا يضعون مرضاهم في الازقة ، ومعابر الطرق ، حتى اذا مر بهم احد قد اصيب بذلك الداء وشفى اعلمهم بسبب شفائه ؛ فيكتبون ذلك على الواح ، يعلقونها في الهياكل ، فلذلك كان التطبيب عندهم من جملة اعمال الكهنة وخصائصهم (1) . وقيل غير ذلك ...
ولكن ابن ابي اصيبعة يرى : ان اختراع هذا الفن لا يجوز نسبته الى بلد خاص ، او مملكة معينة ، او قوم مخصوصين ، اذ من الممكن وجوده عند امة قد انقرضت ، ولم يبق من آثارها شيء ، ثم ظهر عند قوم آخرين ، ثم انحط عندهم حتى
____________
(1) راجع في كل ما تقدم : عيون الانباء ص 12 وقبلها ، والفهرست لابن النديم ص 412 ، وطب الامام الصادق للخليلي ص 5 ـ 6 وتاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني ص 22 ، ودائرة معارف القرن العشرين لوجدي ج 5 ص 661 الى غير ذلك من المصادر الكثيرة .


( 10 )


نسي ، ثم ظهر على اساس هؤلاء لدى غيرهم ؛ فنسب اليهم اختراعه ، او اكتشافه (1) .
هذا ... وثمة رأي آخر يقول : ان صناعة الطب مبدؤها الوحي والالهام ، وقد قال الشيخ المفيد قدس الله نفسه الزكية :
« الطب صحيح ، والعلم به ثابت ، وطريقه الوحي ، وانما أخذه العلماء به عن الانبياء ، وذلك انه لا طريق الى علم حقيقة الداء الا بالسمع ، ولا سبيل الى معرفة الدواء الا بالتوفيق ... الخ (2) » ... هذا ... وقد ذكروا لهذا القول دلائل وشواهد ، لا مجال لايرادها هنا ؛ فمن ارادها فليراجعها في مظانها (3) .
اما نحن ... فنرى : ان الطب قد وجد منذ وجد الانسان على وجه هذه الارض ، فمنذ ذلك الحين عانى من الداء ، فوفق بالهام من الله الى كثير من الامور التي يمكن ان تعتبر دواء ...
كما اننا نرى : ان كثيرا من المعالجات . وان كانت قد جاءت عن طريق ارشادات الانبياء عليهم السلام للناس اليها ، كما قاله الشيخ المفيد ... الا انه ليس كله كذلك ، بل فيه ما جاء عن طريق التجربة ايضا ، . او الصدفة ، او الفكر والملاحظة ، بعد الاطلاع على طبائع بعض الاشياء ، كما هو مشاهد وملموس ... ولعلنا يمكن ان نجد لدى ابن ابي اصيبعة بعض الميل الى هذا الرأي (4) ، وان كان قد عبر في اول كلامه عن صعوبة الجزم برأي ما ، في هذا المجال ...
الصلة بين الطب ، والسحر ، والكهانة :
ان الذي يراجع تاريخ الشعوب والامم الخالية يجد : انه قد كان ثمة صلة
____________
(1) راجع عيون : الانباء ص 27 ط سنة 1965 وطب الامام الصادق ص 5 ـ 6 .
(2) البحار ج 62 ص 75 .
(3) راجع على سبيل المثال : عيون الانباء ص 13 ، فما بعدها والبحار ج 62 ص 75 وطب الامام الصادق ، حديث الاهليلجة ص 43 ـ 50 عن البحار ...
(4) راجع ، عيون الانباء ص 17 ـ 26 . ط سنة 1965 .


( 11 )


وثيقة جدا بين السحر والطب ، فقد كانوا يداوون مرضاهم بالسحر ، وكان الساحر طبيبا يداوي المريض بسحره : وكذلك كان الكهان يداوون المرضى ايضا .
نعم ... لقد كانوا يداوون مرضاهم بالرقى والتضرعات والتوسلات للالهة . ولاجل ذلك كان الطب من جملة اختصاصات الكهان عموماً في تلك الازمنة (1) .
وقد تقدمت الاشارة الى ان الكثيرين ينسبون هذا العلم الى كهنة بابل ، او كهنة الفرس ، او كهنة اليمن الى آخر ما تقدم ... الامر الذي يوضح الدور الهام لهذا الصنف من الناس ... ولسوف نجد فيما يأتي ايضا بعض ما يشير الى هذا :
الطب عند الامم السالفة :
هذا ... ولا بأس بأن نذكر لمحة عن حالة الطب لدى الامم السالفة ، وان كنا لا نرى تفاوتا كبيرا في نوعية المعالجات والتوجهات الطبية بين تلك الامم ، بحيث يجعل في الحديث عن كل واحدة على حده كبير فائدة او جليل اثر .
ولكننا مع ذلك ... سنحاول ان نظهر بعض التوجهات الخاصة التي نلمحها لدى كل امة بقدر الامكان ، وذلك على النحو التالي :
1 ـ الطب عند المصريين :
لقد كانت الرقى والعزائم اساس الطب المصري القديم ، لاعتقادهم ان الامراض من الالهة ، فلا تشفيها الا التوسلات لها ، فكانوا يلجأون الى الكهنة لقربهم منها (2) .
واول طبيب عرف باسمه من المصريين هو ( ايمتحب ) الذي عاش حوالي
____________
(1) المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام ج 8 ص 380 عن ارشاد الساري ج 8 ص 360 . وتاريخ التمدن الاسلامي ، المجلد الثاني ص 22 ، وغير ذلك من المصادر الكثيرة ...
(2) المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام ج 8 ص 381 .


( 12 )


القرن الثلاثين قبل الميلاد (1) .
وتوجد اوراق من البردي ـ وهي سبع ـ وقد كتب بعضها في القرن السادس او السابع عشر ، وبعضها قبل الفي سنة للميلاد ، وفيها ما يرتبط بالطب (2) .
ويذكر وجدي انه من المعروف : ان احد فراعنة مصر ، وهو نيتى بن فينيس ، قد الف كتابا في علم التشريح . واشتهر الملك ( نيخور دفس ) وهو من الاسرة الثالثة من الفراعنة بوضعه رسالة في الطب ، كما ان قيروش ودار ملكي الفرس قد عينا في قصورهما اطباء من المصريين .
ويقول وجدي : « كان للاطباء المصريين امتيازات ، مثل اعفائهم من الضرائب وكان الناس يحملون اليهم هدايا بدل الاجور ، وكان منهم من هو موظف عند الحكومة تنقده اجره في كل شهر ، وكان الناس يستشيرونه بدون اجر » (3) .
2 ـ الطب عند الكلدان ، والبابليين ، والاشوريين ، والاسرائيليين :
اما الكلدان فكان اطباؤهم من السحرة ، وكان جل اهتمامهم موجها الى معالجة المريض بالرقى ، مع السماح له بتعاطي بعض الاعشاب ، وكانت جميع الامراض عندهم تعزى الى الارواح الشريرة .
كما ان الاشوريين والبابليين كانوا يعتمدون في معالجاتهم على الرقى والعزائم بصورة عامة ... ويعتمدون فيما عن البابليين على الوثائق التي وجدت في خزانة كتب الملك آشور بانيبال ، وهي الان في المتحف البريطاني ، ويرجع حكم ذلك الملك الى القرن السابع قبل الميلاد (4) .
____________
(1) تاريخ العلم ج 1 ص 112 تأليف : جورج سارتون .
(2) تاريخ العلم ج 1 ص 113 وراجع ص 196 / 197 ودائرة معارف القرن العشرين لوجدي ج 5 ص 659 / 660 .
(3) و (4) راجع : تاريخ العلم ج 1 ص 196 ، وراجع دائرة معارف القرن العشرين ج 5 ص 661 .


( 13 )


وقد تقدم : ان كهنة بابل كانوا يضعون مرضاهم في الازقة ، ومعابر الطرق حتى اذا مر احد كان قد اصيب بهذا المرض وشفى ، اعلمهم بسبب شفائه فيكتبون ذلك ... الخ .
ويوجد في قانون حمورابي الاشوري ، الذي حكم حوالي القرن العشرين قبل الميلاد مواد قانونية خاصة بالطب الجراحي (1) .
اما الاسرئيليون ، فقد كان الطب عندهم بيد رجال الدين ، وقد وجد في التلمود بعض ما يرتبط بالطب (2) .
ولكن ليعلم : ان التلمود ليس له من القدم بحيث يعبر وجود ذلك فيه عن نبوغ خاص للاسرائيليين في علم الطب ، بل هو قد وضع بعد ان قطع الطب شوطا كبيرا في كثير من مجالاته ،
3 ـ الطب عند الهنود :
وهو عندهم ايضا يعتمد على السحر والرقى ، وفي كتابهم المسمى ( ريجفيدا ) الذي يتحدث عن خصائص اعشاب كثيرة تجد دعوات تتلى لكثير من الامراض .
و « كان الطب عندهم بيد البراهمة ، وقد عرف اليونانيون ايام مدنيتهم بأن الطب الهندي ارقى من طبهم ، ولكنهم لم يفصلوا وجه هذا الرقى ، فقد تكلم ابقراط كثيرا عن علاجاتهم ، وكان تيوفراست يذكر اعشابا طبية اخذها عنهم » (3) .
4 ـ الطب عند الصينيين :
ويذكر وجدي ان الصينيين يزعمون : انه كان لديهم حدائق لتربية النباتات
____________
(1) تاريخ العلم ج 1 ص 198 / 199 .
(2) دائرة معارف القرن العشرين ج 5 ص 661 / 662 .
(3) المصدر السابق ج 5 ص 662 .


( 14 )


الطبية قبل المسيح بثلاثة آلاف عام ، وينسبون الى الملك ( هوانج تي ) كتابا في الطب الفه ـ حوالي سنة 2600 قبل الميلاد ، وهو باق عندهم الى اليوم .
وقد استفاد منهم الاوربيون في معارفهم الطبية ، ويقال : ان العالم « بوردو » قد اخذ مباحثه في النبض عن الكتب الصينية ، والمادة الطبية كانت اهم ما شغلهم ويعتبر كتابهم المسمى ( بنتاو ) كنز المادة الطبية ، وفيه ( 1100 ) مادة يسرد خصائصها العلاجية .
وصناعة الطب عندهم حرة يتعاطاها من شاء ، وكانت مدارسهم الطبية في المدن الى القرن العاشر كثيرة ، ثم اختفت الا مدرسة في العاصمة (1) .
5 ـ الطب عند اليونان ، والرومان :
لقد رأينا في الالياذة لهوميروس اشارات الى كثير من المعلومات الطبية ولا سيما الجراحية (2) .
وكان الطب موجودا لدى اليونان قبل ابقراط ، لانه هو نفسه ينقل عن مؤلفات سابقة ، ولكن ابقراط قد خلص هذا العلم مما علق به من الشعوذة والعقائد بالارواح ، ولم يقم ابقراط بما قام به الا اعتمادا على الثروة الطبية الجيدة التي ورثها عن اسلافه (3) .
ويذكر وجدي ايضا : ان الكتب التي سبقت ابقراط مفقودة ، وليس لدينا اقدم من كتبه الان ، وكان الطب عندهم سحريا يعتمد على الرقى والعزائم . ثم لما نبغ الفلاسفة امثال انكزيماندوا ، وبارفيد ، وهيراقليت وغيرهم تكلموا في الاهوية ، والاغذية ، والامراض ، وغير ذلك . ثم جاء فيثاغورس فاشتغل بالطب وكتب امبيدو كل في الجنين والحواس ، والوراثة والتوالد .
____________
(1) راجع : دائرة معارف القرن العشرين ج 5 ص 663 .
(2) تاريخ العلم ج 2 ص 215 .
(3) تاريخ العلم ج 2 ص 217 ودائرة معارف القرن العشرين ج 5 ص 664 .


( 15 )


ثم ترقى الطب عندهم حتى أسس بطليموس الاول والثاني ملكا مصر مدرسة الاسكندرية ، التي نبغ منها جالينوس ، الذي عاش في القرن السادس قبل الهجرة .
وكان الطب الروماني مبنيا على الخرافات والاوهام ، واليونان هم الذين ادخلوا العلم الطبي اليهم من مدرسة الاسكندرية ـ التي استمرت ـ كما يقول البعض (1) الى اواخر القرن الاول الهجري ـ ولعل اول طبيب يوناني دخل رومية هو اركاجانوس بن ليزانياس سنة 192 قبل المسيح ، ثم سقط الى الحضيض على اثر بعض اعماله الجراحية ، ثم عاد فدخلها من العلماء اليونانيين من كان له اثر كبير في نشر هذا العلم هناك (2) .
6 ـ الطب عند الفرس :
قد تقدم ان البعض يقول : ان كهنة الفرس هم واضعوا علم الطب .
ويذكر وجدي : ان الطب كان عندهم مخلوطا من الرقى والتعزيم ، وشيء من المبادىء الطبية العلمية . وان تاريخ الطب عندهم يصعد الى نحو القرن الرابع قبل المسيح عليه السلام ، واصوله الاولية مذكورة في كتابهم المقدس زندافستا في الفصل المعنون به « فنديد » وخصوصا تحت عنوان « فارجاد » ، وهو احدث تاريخا من كتب « الفيدا » الهندية المقدسة (3) .
وكحصيلة لما تقدم ، فان جورج سارتون يقول : ان في وسعنا ان نقرر : ان القسم الاكبر من المعارف الطبية يرجع الى الالف الثالث قبل الميلاد (4) .
____________
(1) تاريخ طب در ايران ج 2 ص 13 .
(2) دائرة معارف القرن العشرين ج 5 ص 664 / 665 وفي تاريخ العلم ص 215 ـ 320 بحث شامل عن الطب اليوناني الابقراطي ... ولعل هذا التعمد في اظهار عظمة الطب اليوناني من اجل التقليل من اهمية النهضة الطبية الاسلامية العظمى التي انست من قبلها واعجزت من بعدها .
(3) راجع : دائرة معارف القرن العشرين ج 5 ص 663 .
(4) تاريخ العلم ج 1 ص 197 .


( 16 )


هذا ... ولاهمية جامعة جنديشابور في النهضة الاسلامية ، نرى انه لابد من اعطاء لمحة عن هذه الجامعة الشهيرة ، فنقول :
جامعة جنديشابور :
تقع مدينة جنديشابور بين شوشتر وخرابات شوش في خوزستان (1) .
ويظهر من كلام القفطي : انها كانت مركزا طبيا شهيرا من عهد شابور الاول ، وان الطب قد انتقل اليها من الروم (2) .
ويحتمل البعض ان مدرسة الطب فيها كانت قبل القرن الرابع او الخامس الميلادي (3) .
يقول القفطي : انه بعد ان انتقل اليها بعض الاطباء الروم مع ابنة ملكهم « ولما اقاموا بها بدؤا يعلمون احداثا من اهلها ، ولم يزل امرهم يقوى في العلم ، ويتزايدون فيه ، ويرتبون قوانين العلاج على مقتضى امزجة بلدانهم حتى برزوا في الفضائل . وجماعة يفضلون علاجهم وطريقتهم على اليونانيين والهند ؛ لانهم اخذوا فضائل كل فرقة ؛ فزادوا عليها بما استخرجوه من قبل نفوسهم ! فرتبوا لهم دساتير وقوانين ، وكتبا جمعوا فيها كل حسنة ، حتى ان في سنة عشرين من ملك كسرى اجتمع اطباء من جند يشابور بأمر الملك ، وجرى بينهم مسائل واجوبتها . واثبتت عنهم . وكان امرا مشهورا . وكان واسطة المجلس : جبرئيل درستباذ ؛ لانه كان طبيب كسرى . والثاني : السوفسطائي واصحابه . ويوحنا ، وجماعة من الاطباء ...
وجرى لهم من المسائل والتعريفات ما اذا تأملها القارىء لها استدل على فضلهم وغزارة علمهم ... » (4) .
____________
(1) راجع مقالا للدكتور محمد محمدي في مجلة الهادي سنة 2 عدد 2 بعنوان : جامعة جنديشابور وكتاب تاريخ طب در ايران ، ومعجم البلدان للحموي ، وغير ذلك .
(2) تاريخ الحكماء ص 133 .
(3) هو الدكتور محمد محمدي في مقال له في مجلة الهادي سنة 2 عدد 2 ص 51 وهو بعنوان : جامعة جند يشابور .
(4) تاريخ الحكماء ص 133 .


( 17 )


ويقال : ان خسرو انوشروان قد ارسل برزويه الطبيب ، والمشرف على امور الطب في جنديشابور ـ ارسله ـ مع هيئة خاصة الى مختلف البلدان لجلب الكتب الطبية (1) .
ويرى البعض : ان الطب في جند يشابور مزيج من طب اليونان ، والهند ، وايران ، ومدرسة مرو (2) .
7 ـ الطب عند العرب قبل الاسلام :
وقبل البدء في الحديث عن طب العرب في الجاهلية ... نشير الى اننا قد تعمدنا بعض التفصيل في هذا المجال ، من اجل اظهار حقيقة الوضع الذي كان سائدا في المنطقة التي ظهر فيها الاسلام ، الذي بعث اعظم ثورة ثقافية وانسانية عرفها التاريخ ... والذي شهد عالم الطب في ظله تطورا هائلا واسطوريا ، كما سنرى ، ولاجل ذلك نقول :
اما الطب عند العرب ، فيقول وجدي يقصد بذلك : الطب في فترة ما قبل الاسلام ؛ فيمكن ان يكون له وجه ... وان كنا نرجح : انه ليس الا نتيجة لتجارب شخصية محدودة ، او مأخوذة من اطباء جند يشابور ، او من اي من البلاد التي تحيط بهم .
فإذا كان وجدي يقصد بذلك : الطب في فترة ما قبل الاسلام ؛ فيمكن أن يكون له وجه ... وان كنا نرجح : انه ليس الانتيجة لتجارب شخصية محدودة ، أو مأخوذة من أطباء جنديشابور ، أو من أي من البلاد التي تحيط بهم .
واما اذا كان يقصد طب ما بعد ظهور الاسلام ؛ فلا ريب في عدم صحة هذا الكلام ، كما سنرى فيما يأتي ... ويؤيد انه يقصد هذا الثاني : قوله : انه كان قبل الاسلام منقولا اليهم من السوريين (4) .
____________
(1) راجع مقالا للدكتور محمد محمدي بعنوان : جامعة جنديشابور ، في مجلة الهادي سنة 2 عدد 2 ص 52 .
(2) تاريخ طب در ايران ج 2 ص 73 .
(3) دائرة معارف القرن العشرين ج 5 ص 666 .
(4) دائرة معارف القرن العشرين ج 5 ص 655 .


( 18 )


فالظاهر : انه قد تأثر بمزخرفات المستشرقين الذي يحاولون تعظيم وتضخيم دور اي من الامم التي سبقت الاسلام بهدف التخفيف من عظمة البعث الاسلامي ، في مختلف المجالات ، وذلك لاهداف حقيرة لاتخفى ...
وعلى كل حال ... فان مطالعة معالم النهضة الاسلامية الطبية لخير دليل على كذب هذا الادعاء ، ولسوف يأتي بعض ما يشير الى ذلك كما قلنا .
اما الدكتور فيليب حتى يقول : « انشأ الطب العربي العلمي عن الطب السوري الفارسي ، الذي كان يقوم بدوره على اسس من الطب الاغريقي . وقد اشرنا سابقا الى ان الطب الاغريقي ذاته قد استقى كثيرا من الطب الشعبي القديم الذي كان معروفا في الشرق الادنى ، ولا سيما الطب المصري » (1) .
ولكن ما ذكرناه نحن آنفا هو الاكثر دقة في هذا المجال ... فان الطب قد كان عند جميع الامم ولكن بمستويات مختلفة ومتفاوتة ، وقد استطاعت جنديشابور ان تحتوي معظم نتاج الامم السابقة ، ثم تصدر ما حصلت عليه الى سائر الشعوب التي كانت بحاجة الى مادة كهذه ومنها العرب ، وان كان العرب قد اقتبسوا ايضا من آخرين ممن حولهم ، كالسوريين ، او غيرهم ... واضافوه الى ما كان عندهم عن الكلدان غيرهم ، ومما حصلوا عليه من تجاربهم ، وان كانت محدودة جداً .
اما جامعة جنديشابور نفسها ؛ فقد انتقل الطب اليها على يد الرومان ، الذين تلقوا معارفهم عن اليونانيين ، الذين قدموا اليهم من مدرسة الاسكندرية .
الطب الجاهلي :
ويقولون : ان المعالجات في الجاهلية كانت تعتمد على بعض النباتات ، وبالعسل وحده ، او مع مواد اخرى : شرباً تارة ، وعجائن ولصقات اخرى . وبالحجامة ، والفصد ، والكي ، وبتر الاعضاء بالشفرة المحماة بالنار ... هذا بالاضافة الى معالجاتهم
____________
(1) موجز تاريخ الشرق الادنى ص 191 .


( 19 )


بالرقى والعزائم ، والاذكار التي تطرد الجن والارواح الشريرة .
ويقول البعض : انهم كانوا يعالجون الجراح المتعفنة والدماميل بمواد ضد العفونة ، ويعالجون الامراض المسرية بالحجر الصحي ، ويعالجون الجراح بالفتائل والتضميد (1) .
ويقول الدكتور جواد علي : (2) « وقد عرف الجاهليون ايضا طريقة تغطية بعض العيوب ، او الاصابات التي تلحق بأعضاء الجسم بالوسائل الصناعية ، فشدوا الاسنان ، وقووها بالذهب ، وذلك بصنع اسلاك منه تربط الاسنان ، او بوضع لوح منه في محل الاسنان الساقطة (3) واتخذوا انوفا من ذهب لتغطية الانف المقطوع ، كالذي روى عن عرفجة بن اسعد (4) من انه اتخذ انفا من ذهب (5) . وكان قد اصيب انفه يوم الطلاب في الجاهلية » انتهى . ولعل هذه القضية من الامور المسلمة تاريخيا كما يعلم من مراجعة كتب الحديث والتاريخ (6) .. وان كان البعض يرى : ان ذلك لا يرتبط بالطب ، وانما بفن الصياغة ... ولكنه على اي حال يعبر عن تطور ما في توجهات الناس آنئذ حتى ليفكرون بتغطية بعض العيوب بطرق ، ووسائل كهذه ...
وقد عرف الجاهليون الطب البيطري ايضا ، فكانوا يعالجون الحيوان بالكي
____________
(1) تاريخ طب در ايران ج 2 ص 118 .
(2) المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام ج 8 ص 415 .
(3) المعارف لابن قتيبة : ص 82 ونزيد نحن : مسند احمد ج 1 ص 73 والتراتيب الادارية ج 2 ص 65 و 69 عن الترمذي وسنن ابي داود .
(4) او الضحاك بن عرفجة او طرفة بن عرفجة ، كما يظهر من مراجعة المصادر الاتية .
(5) بأمر من النبي ( ص ) .
(6) مسند احمد ج 5 ص 23 ، وسنن ابي داود ج 4 ص 92 وسنن الترمذي ج 4 ص 240 ، وسنن النسائي ج 8 ص 164 وطبقات ابن سعد ج 7 ص 30 ، والعقد الفريد ج 6 ص 354 ، والاصابة ج 2 ص 223 وج 3 ص 207 و 474 عن ابن مندة والتراتيب الادارية ج 2 ص 65 .


( 20 )


بالنار ، وجب سنام الابل ، اذا اصيب بالدبرة . وقد كان العاص بن وائل بيطاراً كما يقولون (1) .
وكانوا ينقون رحم الفرس او الناقة من النطف ، ويخرجون الولد من بطن الفرس ، أو الناقة ، ويعبر عن ذلك بلفظ ( مسى ) (2) .
واما عن الامراض التي كانوا يعرفونها ، والنباتات التي كانوا يستعملونها ، فهي كثيرة ، ولسنا في صدد استقصائها . وقد ذكر اسعد علي في كتابه : « المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام » نبذة عن تلك الامراض ومعالجاتها ، فليراجعها من اراد . . .
ثم ان هذا الذي ذكرناه انما هو بالنسبة للطب عند الحضريين ، أما طب البادية فقد كان تقليديا موروثا عن مشايخ الحي وعجائزه . . .
منزلة الطب في الجاهلية :
وقد ذكر ابو حاتم : انه قد كان في زهير بن جناب عشر خصال لم يجتمعن في غيره ، من اهل زمانه : كان سيد قومه ، وشريفهم ، وخطيبهم ، وشاعرهم ، ووافدهم الى الملوك ، وطبيبهم ـ والطب عندهم شرف ـ وحازى قومه ـ والحزاة الكهان ـ وكان فارس قومه ، وله البيت فيهم ، والعدد منهم ... (4) .
اطباء العرب في الجاهلية :
لم يكن في العرب قبل ظهور الاسلام توجه او اندفاع نحو الطب ، ولذلك ، فانهم لم
____________
(1) المعارف لابن قتيبة ص 250 ، وتاريخ التمدن الاسلامي المجلد الثاني ص 24 والمفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام ج 8 ص 417 .
(2) المفصل في تاريخ العرب ج 8 ص 417 عن تاج العروس 342 .
(3) المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام ج 8 ص 389 .
(4) امالي السيد المرتضى ج 1 ص 238 ، ومعجم ادباء الاطباء ج 1 ص 178 وص 175 ، والمفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام ج 8 ص 380 / 381 كلاهما عن السيد المرتضى ونقله ايضا عيسى بن دأب في كتابه المناقب ( المخطوط ) .