أنت هنا: الرئيسية المكتبة الاسلامية الآداب الطبية في الإسلام القسم الثالث : الوقاية الصحية
 
 


القسم الثالث : الوقاية الصحية

البريد الإلكتروني طباعة
كتاب الآداب الطبية في الإسلام ص181 ـ ص200


كما ان اكرام بني هاشم ، الذين يتعرضون الى مختلف انواع الاضطهاد والتنكيل ، ويتحملون المصاعب والمصائب بسبب ارتباطهم بالرسول ( ص ) ، وانتسابهم اليه ، هذا الاكرام يكون من اقرب القربات ، ولعل هذا يفسر لنا ماروي عن الإمام الكاظم عن آبائه عليهم السلام ، عنه صلى الله عليه وآله وسلم :
« عيادة بني هاشم فريضة ، وزيارتهم سنة » (1) .
عيادة الأقارب :
وقد ورد في وصية امير المؤمنين عليه السلام لولده : « واكرم عشيرتك فانهم جناحك .. الى ان قال : واكرم كريمهم ، وعد سقيمهم » (2) .
استحباب الهدية للمريض :
ولان المريض يحتاج الى اظهار المحبة والعطف ، ولان ذلك يربط على قلبه ، ويجعله يطمئن الى محبة الاخرين له ، فان الهدية له تكون تعبيرا عن هذا الحب ، وهذا العطف .
وقد روى بعض موالي الإمام الصادق عليه السلام قال : مرض بعض مواليه ، فخرجنا اليه نعوده ، ونحن عدة من موالي جعفر ، فاستقبلنا جعفر في بعض الطريق ، فقال لنا : اين تريدون ؟ فقلنا : نريد فلانا نعوده ، فقال قفوا ، فوقفنا ..
فقال : مع احدكم تفاحة ، او سفرجلة ، او اترجة ، او لعقة من طيب ، او قطعة من عود بخور ؟
فقلنا ، ما معنا شيء من هذا .
فقال : اما تعلمون ان المريض يستريح الى كل ما ادخل به عليه ؟ (3)
____________
(1) مستدرك الوسائل ج 1 ص 83 عن البحار ، عن كتاب الامامة والتبصرة .
(2) كشف المحجة ص 173 ، والبحار ج 77 ص 218 عنه .
(3) الوسائل ج 2 ص 643 والكافي ج 3 ص 118 ومكارم الاخلاق ص 236 ، والبحار ج 81 ص 227 عنه .


( 182 )


عدم شكوى المريض الى عواده :
لقد ورد في كثير من النصوص الدعوة الى كتمان المرض ، واعتبار ذلك من كنوز البر (1) ، وان من كتم وجعا اصابه ثلاثة ايام من الناس ، وشكا الى الله عز وجل كان حقا على الله ان يعافيه منه (2) ، وان من مرض ليلة ولم يشك ما اصابه فيها الى احد كتب الله له عبادة ستين سنة (3) ، وان المريض في سجن الله ما لم يشك الى عواده (4) .
وقد مدح امير المؤمنين عليه السلام رجلا ، فكان مما قال : « وكان لا يشكو وجعا الا عند برئه » (5) .
وهناك مضامين اخرى في هذا المجال ، لا مجال لتتبعها ، فلتراجع في
____________
(1) امالي المفيد ص 4 ، والمواعظ العددية ص 6 ، وتحف العقول ص 216 . والبحار ج 82 ص 103 وج 81 ص 208 وج 78 ص 175 ، وص 36 / 37 و 137 لكنه عبر بكتمان المصيبة هنا وج 77 ص 423 عن المصادر التالية : دعوات الراوندي ، وشهاب الاخبار ، وارشاد المفيد ص 140 وبعض من تقدم . وغرر الحكم ج 1 ص 364 .
(2) الوسائل ج 2 ص 628 وفي هامشه عن الخصال ج 2 ص 166 والبحار كتاب الايمان والكفر باب 12 حديث 54 وج 81 ص 211 و 203 وج 62 ص 287 عن الشهيد رحمه الله وعن معاني الاخبار والخصال وغرر الحكم ج 2 ص 646 .
(3) مشكاة الانوار ص 281 والكافي ج 1 ص 115 و 116 والوسائل ج 2 ص 627 وراجع البحار ج 81 ص 215 عن ثواب الاعمال ص 175 .
(4) مستدرك الوسائل ج 1 ص 81 / 82 عن الدعائم والبحار ج 81 ص 211 وفي الهامش عن الدعائم ص 217 وعن النهج وبمعناه غيره فراجع البحار ، فصل : عيادة المريض .
(5) نهج البلاغة ، قسم الحكم ، الحكمة رقم 289 والبحار ج 81 ص 204 / 205 .


( 183 )


مظانها (1) .
ونريد ان نشير هنا : الى ان هذه النصوص ناظرة الى الكتمان الذي يكون من اجل الاعتماد على كرم الله سبحانه ، والطافه ، ويعطى المريض دفعة روحية قوية ، تكون ثمرتها القرب من درجة المتوكلين ، التي هي من اعظم الدرجات . والتي يفوز من وصل اليها ، ويرتاح ويسعد من حصل عليها ..
واكثر من ذلك ، فان الانسان يصير مقتنعا تماما بأن الله وحده هو الذي يملك النفع والضرر . وهو الشافي ، ومنه الشفاء ، وبه الشفاء . وان كل من سواه لا يستطيعون بدونه حيلة ، ولا يهتدون سبيلا .
نعم .. يمكن ان يكونوا واستطة لافاضة الخير من قبل الله تعالى ، مالك كل شيء وخالقه ..
ولعل الى هذا يشير ما ورد في النصوص المتقدمة من التأكيد على لزوم كون الشكوى الى الله سبحانه لا الى غيره ..
فان ذلك ليس الا من اجل ان يمر هذا الانسان بالتجربة الروحية التي تصهره في بوتقتها ، وتنفى كل خبث عنه ، وليخرج بعد ذلك طاهرا مطهرا نقيا ..
وما احلى التجربة ، وما انجحها وانجعها في هذا الوقت الذي يشعر فيه الانسان بالضعف وبالحاجة ، ويبقى ثلاثة ايام يعيش في الاجواء الالهية ؛ مع الله الغني والقوي
____________
(1) المحاسن للبرقي ص 9 ، والبحار ج 76 ص 335 وج 81 ص 203 و 208 ، و 206 و 177 عنه وعن دعوات الراوندي ، ومجالس الصدوق ص 258 / 259 ، ومستدرك الوسائل ج 1 ص 81 ، والوسائل ج 2 ص 628 و 627 ومن لايحضره الفقيه ج 4 ص 9 / 10 والكافي ج 1 ص 116 و 115 ومجمع الزوائد ج 2 ص 295 عن الطبراني ، والاوسط ، ومستدرك الحاكم ج 1 ص 349 وتلخيصه للذهبي ، بهامش نفس الصفحة ؛ والترغيب والترهيب ج 4 ص 292 وغرر الحكم ج 2 ص 662 .


( 184 )


والمالك لكل شيء .. وتكون ظروفه الخاصة هذه ، وهذه الاجواء التي يعيشها سببا في ان يخرج من مرضه هذا بروحية جديدة ، تؤثر على كل حالاته ، ومجمل سلوكه تأثيرا قويا وبعيدا وشاملا في احيان كثيرة . ولربما يعادل الرقي الروحي والانساني الذي يحصل عليه خلال ليلة واحدة فقط ما يحصل عليه من عيادة ستين سنة ، كما جاء في الرواية ..
وبملاحظة النصوص التي وردت في هذا المجال نعرف : ان الشكوى التي ورد الترغيب في الابتعاد عنها هي الشكوى التي تستبطن استدرار عطف المشكو اليه ، نتيجة لشعوره بضعف الشاكي وعجزه ، والله لا يريد لعبده ان يكون ضعيفا وعاجزا الاّ امام الله عز وجل ...
ومن الجهة الاخرى ، فان الله تعالى لا يريد لعبده ان يعتقد بأن غير الله تعالى يملك له شيئا من النفع او الضر ، فان هذا امر مرغوب عنه ومرفوض ، لان الله وحده هو مالك كل شيء ، وبيده النفع والضرر ؛ وهو الكبير المتعال ..
وكذلك .. فان الشكوى التي تستبطن استعظام الامر الذي نزل بالشاكي واعتباره ان ذلك ينافي عدل الله سبحانه وتعالى ولطفه ورحمته .. ان هذه الشكوى مرغوب عنها شرعا ، ومرفوضة جملة وتفصيلا ، بل لابد من الصبر والتسليم ؛ فعن الصادق عليه السلام : من اشتكى ليلة فقبلها بقبولها ، وادى الى الله شكرها كانت له كفارة ستين سنة ، قال : قلت : وما قبلها بقبولها ؟ قال صبر على ما كان فيها (1) .. وعنه عليه السلام ، ايما رجل اشتكى ، فصبر واحتسب ، كتب الله له من الاجر اجر الف شهيد (2) .. وعن النبي ( ص ) ، انه قال : يكتب انين المريض
____________
(1) البحار ج 81 ص 205 وفي الهامش عن ثواب الاعمال ص 175 .
(2) طب الائمة ص 17 والبحار ج 81 ص 206 عنه وعن اعلام الدين .


( 185 )


حسنات ما صبر ، فان جزع كتب هلوعاً (1) .
وورد : ان الصادق عليه السلام سئل عن حد الشكاية للمريض ، فقال : ان الرجل يقول : حممت اليوم ، وسهرت البارحة ، وقد صدق ، وليس هذا شكاية ، وانما الشكوى ان يقول : قد ابتليت بما لم يبتل به احد ، ويقول : لقد اصابني ما لم يصب احدا (2) ..
قال المجلسي رحمه الله تعالى : « هذا تفسير للشكاية التي تحبط الثواب ، والاّ فالافضل : ان لا يخبر به احدا ، كما يظهر من الاخبار السابقة . ويمكن حمله على الاخبار لغرض كاخبار الطبيب مثلا » (3) .
فالإخبار بالمرض لايلازم الشكوى ، كما دل عليه الخبر الانف .. وقد تقدم ايضا : ان المريض في سجن الله ما لم يشك على عواده . وان من مرض يوما وليلة فلم يشك الى عواده ، بعثه الله يوم القيامة مع خليله ابراهيم . وانه ما من عبد ابتليته ببلاء فلم يشك الى عواده الا ابدلته لحماً خيراً من لحمه (4) الخ .. وكل ذلك يدل على ان الإخبار بالمرض شيء ، والشكوى المرغوب عنها شيء آخر .. وأما اختلاف الروايات في الترغيب بعدم الشكوى ليلة ، او ثلاثة ايام ، او مطلقا ، فيحمل على اختلاف درجات الفضل فيها ..
واما رواية من كتم وجعا اصابه ثلاثة ايام الخ .. فيمكن ان يقال ؛ ان المراد فيها ، ان اخباره لاخوانه بعد الثلاثة يصير له فضل . او ان المراد بالكتمان
____________
(1) البحار ج 81 ص 211 وفي هامشه عن الدعائم ص 217 .
(2) الكافي ج 3 ص 116 ومشكاة الانوار ص 279 وراجع : البحار ج 81 ص 202 وفي هامشه عن معاني الاخبار ص 142 و 253 .
(3) هامش الكافي ج 3 ص 116 عن مرآة العقول ، وراجع : البحار ج 81 ص 202 .
(4) راجع المصادر المتقدمة من اول البحث عن شكوى المريض على عواده وحتى الان ، لتجد هذه النصوص وغيرها .


( 186 )


عدم الشكوى ، لاعدم الإخبار بالمرض مطلقا ؛ بقرينة قوله فيها ، « وشكا الى الله عز وجل » فتكون كغيرها من الروايات .
وأما الرواية التي تجعل كتمان المرض من كنوز البر ، فلابد وان تحمل على ما ذكر ايضا . او على صورة الشفاء السريع ، حيث لا يطول المرض ، او على ما ذكره المجلسي آنفا ..
ويبقى ان نشير الى ان ما ورد من قول الإمام الصادق عليه السلام للحسن بن راشد : يا حسن اذا نزلت بك نازلة ، فلا تشكها الى احد من اهل الخلاف ، ولكن اذكرها لبعض اخوانك ، فانك لن تعدم من خصال اربع : اما كفاية ، واما معونة بجاه ، او دعوة تستجاب ، او مشورة برأي (1) .
وكذا ما عن الصادق ( ع ) ، من شكا الى مؤمن فقد شكا الى الله عز وجل ، ومن شكا الى مخالف فقد شكا الله عز وجل (2) .
فان الظاهر هو انها ناظرة الى شكوى غير المرض ، وحيث لا تستبطن الشكوى ايا من المعاني المرغوب عنها شرعا ..
ويشير الى ذلك قوله : « اما كفاية » وذلك لان المرض لاتتأتى فيه الكفاية ، وأما ما بعد هذه الفقرة كالمعونة بالجاه مثلا فيمكن ان تتأتى فيه ، بأن يستعمل نفوذه لايصاله الى الطبيب الفلاني ، او ادخاله المستشفى الفلاني ، وما اشبه ذلك وبالنسبة للمشورة بالرأي واستجابة الدعاء ، فالامر فيهما واضح ...
____________
(1) البحار ج 78 ص 265 عن التحف وج 81 ص 207 عن كتاب الاخوان للصدوق ص 34 ، والوسائل ج 2 ص 631 عنه وروضة الكافي ص 170 والفصول المهمة ص 502 ، وتحف العقول ص 284 .
(2) الوسائل ج 2 ص 632 والبحار ج 81 ص 207 ومعاني الاخبار ج 2 ص 387 وبمعناه عن قرب الاسناد ص 52 وراجع غرر الحكم ج 2 ص 683 .


( 187 )


وأما الحديث الثاني ، فهو مطلق ، ولعله يشير الى ما تضمنه حديث الحسن بن راشد ، لان السياق منسجم معه اكثر من غيره ، حيث ان المريض قد منع من الشكوى حتى الى عواده ، وان كانوا من اخوانه ، كما اشرنا اليه ..
عدم اسماع المريض التعوذ من البلاء :
وقد تقدم : ان محمد بن علي ( ع ) كان لايسمع المبتلى التعوذ من البلاء ، وتقدم ما يشير الى الحكمة في ذلك حين الكلام على موضوع « الممرض في المستشفى » .
عدم اطالة الجلوس عند المريض :
وان عوارض المرض ، والحالات المتغيرة ، التي تطرأ على المريض ، لربما تفرض عليه احيانا : ان يكون في وضع لايرغب ان يراه عليه احد ..
كما ان نفس الحالة العلاجية له لربما يكون اطلاع الغير عليها موجبا لتألم المريض نفسيا .. واذا كانت العيادة ضرورية ايضا ، فوجه الجمع هو عدم اطالة مكث العائد عند المريض حتى لايزيد في احراجه ، او في المه النفسي .
ومن هنا .. فقد ورد عنهم عليهم السلام استحباب عدم اطالة الجلوس عند المريض ، حتى عبر عنها الإمام الصادق صلوات الله وسلامه عليه ـ كما روى ـ بقوله :
« العيادة قدر فواق ناقة » (1) .
وعن امير المؤمنين عليه السلام ، قوله : ان من اعظم العواد اجراً لمن اذا عاد اخاه خفف الجلوس الا اذا كان المريض يحب ذلك ويريده ، ويسأله ذلك الخ
____________
(1) الكافي ج 1 ص 117 / 118 والوسائل ج 2 ص 642 .


( 188 )


وفي معناه غيره (1) .
فانه اذا كان المريض يريد ذلك ، فان الاستجابة له يكون فيها تقرب الى الله تعالى من جهة ، كما ان طلبه هذا .. يكشف عن عدم وجود ما يحتمل ان يكون موجبا للحرج بالنسبة اليه .. من جهة اخرى ..
وضع اليد على المريض ، والجلوس عند رأسه :
ولعل لاجل ان يطمئن المريض الى انه لايزال مقبولا لدى الاخرين ، ولاتنفر النفوس منه ، وكذلك الحال بالنسبة للعائدة نفسه ... نلاحظ : ان ثمة اوامر بوضع العائد يده على المريض ، واعتبر ان الذي يخالف ذلك يكون من الحمقى ، وعيادة الحمقى اشد على المريض من وجعه ، حيث يتسبب الاحمق بكثير من الآلام النفسية للمريض ، بسبب تصرفاته غير اللائقة ، والمشعرة للمريض بضعفه ونقصه ..
وقد ذكر البعض : ان النبي ( ص ) كان اذا عاد مريضا وضع يده على جبتهه ، وربما وضعها بين ثدييه ، ويدعو له (2) .
وقد روي عن ابي عبد الله عليه السلام : تمام العيادة للمريض : ان تضع يدك على ذراعه وتعجل القيام من عنده ، فان عيادة النوكي اشد على المريض من وجعه (3) ..
____________
(1) راجع الوسائل ج 2 ص 642 ، والكافي ج 3 ص 118 / 119 وقرب الاسناد ص 8 والبحار ج 81 ص 214 و 227 وسفينة البحار ج 2 ص 285 ومجمع الزوائد ج 2 ص 296 عن البزار ومصنف عبد الرزاق ج 3 ص 594 وكشف الاستار ج 1 ص 369 .
(2) الطب النبوي لابن القيم ص 92 وراجع البخاري ، المرضى 13 .
(3) الكافي ج 3 ص 118 والوسائل ج 2 ص 642 والبحار ج 81 ص 227 وفي هامشه عن مكارم الاخلاق ص 415 .


( 189 )


وفهم الشهيد رحمه الله : ان وضع اليد على ذراعه هو حال الدعاء له (1) .
ولكن قد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام : قوله : من تمام العيادة للمريض ان يضع العائد احدى يديه على الاخرى ، او على جبهته (2) . وفهم المجلسي رحمه الله : ان المقصود هو ان يضع العائد يده على جبهة نفسه ، واحتمل ان يكون ذلك لاجل اظهار الحزن والتأسف على مرضه ، كما هو الشايع ، فلا يبعد ان يكون ذكرهما على سبيل المثال (3) ..
ولكن الاظهر هو ما تقدم من انه يضع يده على المريض نفسه ، او على ذراعه ... ( وذكر الذراع للمثال على الظاهر ) .. ويمكن حمل هذه الرواية على ذلك ، لانها ليست نصا فيما ذكره المجلسي ، فيمكن ارجاع الضمير على المريض فيها ، ويشير الى ذلك بالاضافة الى النصوص المتقدمة ما عن النبي ( ص ) : ان من تمام عيادة المريض : ان يدع احدكم يده على جبهته او يده فيسأله كيف هو ، وتحياتكم بينكم بالمصافحة (4) .. وكذا قوله : ( ص ) من تمام عيادة المريض اذا دخلت عليه ان تضع يدك على رأسه ، وتقول : كيف اصبحت (5) .
فانها ظاهرة في ان يضع يده على المريض ـ كما اعترف به المجلسي قدس سره ، ولكنه اورد عليه : بأنه وان كان اظهر معنى ، ولكنه ـ بمعنى هذا الاخير
____________
(1) البحار ج 81 ص 227 عن الدروس .
(2) قرب الاسناد ص 8 وسفينة البحار ج 2 ص 285 والكافي ج 3 ص 119 والوسائل ج 2 ص 642 والبحار ج 81 ص 214 .
(3) البحار ج 81 ص 214 .
(4) امالي الطوسي ج 2 ص 253 ، ومستدرك الوسائل ج 1 ص 86 والبحار ج 81 ص 273 و 226 كلاهما عنه وعن مكارم الاخلاق ص 414 .
(5) سفينة البحار ج 2 ص 285 والبحار ج 81 ص 223 وامالي الطوسي ج 2 ص 253 ومستدرك الوسائل ج 1 ص 86 .


( 190 )


والذي قبله ـ عاميان (1) ..
ولكننا نقول : ان الرواية الاخرى التي تقول : تمام العيادة ان تضع يدك على المريض اذا دخلت عليه (2) ، ورواية وضع اليد على الذراع ليستا بعاميتين ، وهما تؤيدان ارادة هذا المعنى ، وهو وضع العائد يده على يد المريض ، او على جبهته .
وثمة احاديث اخرى في وضع العائد يده على المريض ، او على جبهته ، فمن ارادها فليراجعها (3) . واخيرا .. فقد روى عن ابن عباس : ان النبي ( ص ) كان اذا عاد المريض جلس عند رأسه (4) .
دعاء المريض للعائد والعكس :
وحيث ان المريض يكون في هذه الحالة اقرب الى الله تعالى منه في غيرها ، فان دعاءه يكون اقرب الى الاستجابة ، ولاجل ذلك .. ولاجل ان يشعر انه ايضا يملك في مرضه هذا امتياز يفقده الاخرون ، فلا يجب ان يشعر بالذل والضعف ، فانه كما هو محتاج الى غيره ، كذلك ، فان غيره محتاج اليه .. من اجل ذلك ، نجد : انه قد روي عن ابي عبد الله عليه السلام قوله : اذا دخل على اخيه عائدا له فليسأله يدعو له ، فان دعاءه مثل دعاء الملائكة .. (5)
____________
(1) البحار ج 81 ص 223 .
(2) الكافي ج 3 ص 118 والوسائل ج 2 ص 642 عنه وعن قرب الاسناد ص 8 .
(3) مجمع الزوائد ج 2 ص 298 وسنن ابي داود ج 3 ص 187 وسنن البيهقي ج 1 ص 381 و 382 ومستدرك الحاكم ج 1 ص 342 وتلخيصه للذهبي بهامشه .
(4) مجمع الزوائد ج 2 ص 297 عن ابي يعلى .
(5) الكافي ج 3 ص 117 والبحار ج 81 ص 219 وفي هامشه عن المنتهى للعلامة ص 425 ، والوسائل ج 2 ص 637 ، ومكارم الاخلاق ص 236 ط قديم وسنن ابن ماجة ج 1 ص 463 ، والترغيب والترهيب ج 4 ص 322 . وجواهر الاخبار والآثار ، بهامش البحر الزخار ج 3 ص 87 .


( 191 )


وثمة احاديث اخرى بهذا المعنى ، فليراجعها من اراد (1) .
كما انه يستحب ان يدعو العائد للمريض ايضا ، فعن زرارة ، عن احدهما : اذا دخلت على مريض ، فقل : اعيذك بالله العظيم الخ .. (2) وقد تقدم : انه يستحب للمريض ان يأذن لاخوانه بالدخول عليه ، فانه ما من احد الا وله دعوة مستجابة ..
دعاء المساكين للمريض :
وعن الصادق عليه السلام لاتستخفوا بدعاء المساكين للمرضى منكم ، فانه يستجاب لهم فيكم ، ولا يستجاب لهم في انفسهم (3) .. وعن الصادق عليه السلام : يستحب للمريض : ان يعطسي السائل بيده ، ويأمر السائل ان يدعو له (4) .
سؤال المريض عن حاله ، وعما يشتهي :
ويذكر البعض : انه ( ص ) كان يسأل المريض عن شكواه ، وكيف يجده ،
____________
(1) راجع ، ثواب الاعمال ص 30 ، والبحار ج 81 ص 217 و 225 عنه وعن عدة الداعي ، وعن الكافي ج 2 ص 509 . وسفينة البحار ج 2 ص 285 ، ومكارم الاخلاق ص 236 ، ط قديم ومجمع الزوائد ج 2 ص 295 عن الطبراني في الاوسط ، والترغيب والترهيب ج 4 ص 322 عن ابن ماجة والطبراني ، وابن ابي الدنيا ، والوسائل ج 2 ص 637 / 638 وفي هامشه عن بعض من تقدم وعن الاصول ص 356 ، وعن المنتهى للعلامة ص 425 ، وعن الخصال والدعائم .
(2) البحار ج 81 ص 228 و 225 وفي هامشه عن مكارم الاخلاق ص 450 وعن اعلام الدين .
(3) البحار ج 62 ص 276 عن السرائر ، باب الاطعمة والاشربة .
(4) البحار ج 81 ص 209 عن دعوات الراوندي .


( 192 )


ويسأله عما يشتهي (1) وهذا يعبر للمريض عن الاهتمام بأمره ، وبما يعاني فيسر لذلك ، ويرتاح له ، ويطمئن به ..
التأميل بالصحة والسلامة :
والمريض يحتاج الى بعث الثقة في نفسه ليقوى على المرض ، ولا ينهار امام عوارضه وعواديه التي لا يجد فيها حيلة ، ولا لدفعها عن نفسه سبيلا .. ولعل هذه يفسر لنا ماروي عنه ( ص ) : اذا دخلتم على المريض فنفّسوا له في الاجل ، فان ذلك لا يرد شيئا ، ولكنه يطيب النفس (2) .
والمراد بالتنفيس : التوسعة ، اي وسعوا له في الاجل ، واملوه بالصحة والسلامة ، كأن يقول له : لابأس عليك ، وستشفى ان شاء الله قريبا (3) .
وقد ذكر البعض : ان النبي ( ص ) كان ربما قال للمريض : « لابأس عليك طهور ان شاء الله » (4) .
الاكل عند المريض :
عن أمير المؤمنين عليه السلام ، انه قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ان يأكل العائد عند المريض ، فيحبط الله اجر عيادته (5) .. ولماذا لا ..
____________
(1) الطب النبوي لابن القيم ص 92 .
(2) البحار ج 81 ص 225 عن كنز الكراجكي . وسفينة البحار ج 2 ص 285 ومستدرك الوسائل ج 1 ص 96 ، وسنن ابن ماجة ج 1 ص 462 ، والطب النبوي لابن القيم ص 92 ، وفي هامشه عن الترمذي وسنن الترمذي ج 4 ص 412 ومصابيح السنة ج 2 ص 78 والبحار الزخار ج 3 ص 86 و 87 .
(3) راجع : البحار ج 81 ص 225 وسفينة البحار ج 2 ص 285 .
(4) الطب النبوي لابن القيم ص 93 ، ومصابيح السنة ج 2 ص 76 .
(5) سفينة البحار ج 2 ص 285 و 535 ومستدرك الوسائل ج 1 ص 96 و 127 عن الجعفريات والدعائم . والبحار ج 81 ص 228 وفي هامشه عن دعائم الاسلام ج 1 ص 218 .


( 193 )


مادام انه لربما يكون المريض ممنوعا عن طعام كهذا ، فاذا أكل عنه ، فانه يجعله يشتيهيه ، ويتحسر على قدرته على تناول مثله .. فيكون قد زاده بعيادته له الماً ، بدل ان يخفف عنه .
ما يقال للمريض بعد شفائه :
ولقد كان امير المؤمنين عليه السلام ، اذا رأى المريض قد برىء قال : يهنك الطهر من الذنوب (1) ..
وعن الحسن بن علي عليه السلام : انه قال لرجل ابلّ من علته : ان الله قد ذكرك فاذكره ، و اقالك فاشكره .. وروى ذلك عن علي امير المؤمنين ايضا (2) .
وعن السجاد عليه السلام ما جمع فيه بين ما تقدم عن عمه الحسن ، وما تقدم عن جده أمير المؤمنين عليه السلام (3) .
نعم .. وما احسنها من كلمة ! .. منسجمة كل الانسجام مع الروحية التي يهتم الاسلام بتقويتها ، ومع الاهداف التي يحاول ان يوجه اليها الانسان الذي يتعرض الى الابتلاء بالمرض ، ومتاعبه ، ومضاعفاته .. تلك الروحية ، وهاتيكم الاهداف التي نطقت بها الروايات ، ودلت عليها التوجيهات التي صدرت عنهم عليهم السلام للمريض ، ولعواده ، كما قدمنا بعضا من الاشارة اليها فلا نعيد ..
____________
(1) كتاب ابي الجعد ص 21 ، وامالي المفيد ص 25 ، وامالي الطوسي ج 2 ص 244 ، ومستدرك الوسائل ج 1 ص 79 و 80 / 81 والبحار ج 81 ص 224 و 186 و 86 عن دعوات الراوندي ، وامالي المفيد .
(2) تحف العقول ص 165 والبحار ج 78 ص 106 وشرح النهج للمعتزلي ج 20 ص 209 وقصار الجمل ج 2 ص 238 عنه .
(3) تحف العقول ص 203 والبحار ج 78 ص 138 .


( 194 )


وحسبنا ما ذكرناه هنا فان فيما ذكرناه كفاية لمن اراد الرشد والهداية ..
والحمد لله ، وصلاته وسلامه على عباده الذين اصطفى ، محمد وآله الطاهرين .


( 195 )

 

القسم الثالث :

الوقاية الصحية :

الفات نظر :
كانت النية متجهة الى الكتابة في موضوع الوقاية الصحية .. ولكننا .. وبعد كتابة الفصل الاول منه وجدنا انه يمكن الاكتفاء بما كتبه الشهيد السعيد الدكتور باك نجاد ، فآثرنا الانصراف الى ما هو اهم ، وبذل الجهد في معالجته اولى ..
ولكننا احببنا ان نورد هنا ما كنا قد كتبناه في هذا المجال ـ وان كان ناقصا ـ كما هو ، ومن دون اي تصرف فيه ، على امل ان ينفع الله به .. وهو الموفق والمسدد ..




( 196 )



( 197 )

 

الفصل الاول :
المقدمات

 


( 198 )



( 199 )


الوقاية الصحية في مجالها الاوسع :
لقد اهتم الاسلام بصحة الانسان اهتماما بالغا ، حتى لقد روي ان النبي ( ص ) قال : ان في صحة البدن فرح الملائكة ، ومرضاة الرب ؛ وتثبيت السنة (1) . وعنه صلى الله عليه وآله : لا خير في الحياة الا مع الصحة .. (2)
وقد تقدم : ان الاسلام قد اعتبر العلم علمين : علم الاديان ، وعلم الابدان . والروايات في هذا المجال كثيرة ، لا مجال لتتبعها ..
كما ان الاسلام قد اهتم بأن يوجه الانسان نحو الوقاية الصحية ، حتى لا يقع في براثن المرض اصلا ، وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام : « ان عامة هذه الارواح من المرة الغالبة ، او دم محترق ، او بلغم غالب ، فليشتغل الرجل بمراعاة نفسه قبل ان تغلب عليه شيء من هذه الطبايع ، فيهلكه .. » . (3)
وفسر المجلسي كلمة الارواح بقوله : « وكأن المراد هنا : الجنون ، والخيل ، والفالج ، واللقوة ، بل الجذام والبرص ، واشباهها (4) » .
____________
(1) اولين دانشكاه وآخرين بيامبر ج 2 ص 380 عن : آئين جاويدان ص 322 .
(2) اولين دانشكاه ج 2 ص 382 عن نهج الفصاحة .
(3) طب الائمة ص 110 والبحار ج 62 ص 264 عنه .
(4) البحار ج 62 ص 264 .


( 200 )


وروى : لاتأكل ما قد عرفت مضرته ، ولاتؤثر هواك على راحة بدنك (1) وعن الرضا عليه السلام : « ان الجسد بمنزلة الارض الطيبة الخراب ، ان تعوهدت بالعمارة والسقي ، من حيث لا تزداد الخ (2) » .
وان القاء نظرة اجمالية على شمولية وسعة موضوع الوقاية الصحية في الاسلام ليعطينا :
ان الحديث عن هذا الموضوع بشكل علمي دقيق ومستوعب ليس سهلا وميسوراً وانما هو امر بالغ الصعوبة .. وذلك لانه يدخل فيه العديد من الموضوعات الواسعة والمتشعبة جدا .. وقد يضطر الباحث فيما لو اراد استيفاء الحديث في هذا الاتجاه الى الاستشهاد بأحاديث ربما تتجاوز المئات الى الآلاف ، فضلا عن العشرات من المصادر الاسلامية الموثوقة ، ان لم نقل عن المئات ايضا .. كما ان ذلك يحتاج الى كتابة مجلدات كثيرة ، ووقت طويل يبذله القارىء والباحث على حد سواء ..
كما اننا لا يجب ان ننسى : ان استيعاب هذا الموضوع ، واستيفاء البحث فيه من جميع جوانبه ، يحتاج الى الكفاءات والاختصاصات المتنوعة ، التي تمتلك خبرات كبيرة في مجالات اختصاصها من جهة ، ثم في مجال الاطلاع على النصوص الاسلامية في القرآن والسنة النبوية واهل البيت ، وفهم تلك النصوص ، والاستفادة منها في الموقع المناسب ، من الجهة الاخرى ..
البحث في خصائص الاشياء :
وعلى ضوء ما تقدم ؛ فاننا نجد انفسنا مضطرين الى حصر البحث في الموضوعات الاكثر الحاحاً في هذا المجال ..
____________
(1) البحار ج 62 ص 269 .
(2) الرسالة الذهبية ص 13 / 14 .