أنت هنا: الرئيسية المكتبة الاسلامية بلاغة الإمام علي بن الحسين عليهما السلام 5 ـ كتابه عليه السلام الى عبد الملك بن مروان جواباً
 
 


5 ـ كتابه عليه السلام الى عبد الملك بن مروان جواباً

البريد الإلكتروني طباعة
كتاب بلاغة الإمام علي بن الحسين ص150 ـ ص 175


مجاراة اللفظ ولا تغرق في نزع(1) اللحظ اذا لحظت ، وتقصد في اللفظ إلى افهامه اذا لفظت ، وان كنت الجليس اليه كنت في القيام عنه بالخيار ، وان كان الجالس اليك كان بالخيار ، ولا تقوم الا باذنه ، ولا قوة الا بالله.
(وفي رواية : ولا تقوم إلا باذنه ، ومن يجلس اليك يجوز له القيام عنك بغير اذنك وتنسى زلاته ، وتحفظ خيراته ولا تسمعه إلا خيرا).

31 ـ (وأما حق الجار) :

فحفظه غائباً ، وكرامته شاهداً ، ونصرته ومعونته في الحالين جميعا لا تتبع له عورة ، ولا تبحث عن سوءة لتعرفها ، فان عرفتها منه عن غير ارادة منك ولا تكلف ، كنت لما علمت حصناً حصيناً ، وستراً ستيراً لو بحثت الأسنة عنه ضميراً لم تتصل اليه لانطوائه عليه ، لا تستمع عليه من حيث لا يعلم ، لا تسلمه عند شديدة ، ولا تحسده عند نعمة ، تقيل عثرته وتغفر زلته ، ولا تدخر حلمك عنه اذا جهل عليك ، ولا تخرج أن تكون سلماً له ، ترد عنه لسان الشتيمة ، وتبطل فيه كيد
____________
(1) نزع اللخط رميه.


( 152 )


حامل النصيحة ، وتعاشره معاشرة كريمة ، ولا حول ولا قوة الا بالله .
( وفي رواية : ونصرته اذا كان مظلوماً فان علمت عليه سوءاً سترته عليه ، وان علمت انه يقبل نصيحتك نصحته فيما بينك وبينه ).

32 ـ(وأما حق الصاحب) :
فان تصحبه بالفضل ما وجدت اليه سبيلا ، وإلا فلا أقل من الانصاف وان تكرمه كما يكرمك وتحفظه كما يحفظك ولا يسبقك فيما بينك وبينه مكرمة ، فان سبقك كافأته ، ولا تقصر به عما يستحق من المودة ، تلزم نفسك نصيحته ، وحياطته ، ومعاضدته على طاعة ربه ، ومعونته على نفسه ، فيما يهم به من معصية ربه ، ثم تكون عليه رحمة ، ولا تكن عليه عذاباً ، ولا قوة الا بالله .
( وفي رواية : فان نصحته بالتفضل والانصاف ولا تدعه يسبق الى مكرمة ، وتوده كما يودك ، وتزجره عما يهم به من معصيته ).


( 153 )

33ـ (وأما حق الشريك) :
فان غاب كفيته ، وأن حاضر ساويته ، ولا تعزم على حكمك دون حكمه ، ولا تعمل برأيك دون مناظرته ، وتحفظ عليه ماله ، وتتقي خيانته ، فيما عز أو هان ، فانه بلغنا ( أن يد الله على الشريكين ما لم يتخاونا ) ولا قوة الا بالله .


34 ـ (وأما حق المال) :
فان لا تأخذه إلا من حله ، ولا تنفقه إلا في حله ، ولا تحرفه عن مواضعه ، ولا تصرفه عن حقائقه ، ولا تجعله إذا كان من الله إلا اليه ، وسبباً إلى الله ، ولا تؤثر به على نفسك من لعله لا يحمدك ، وبالحرى أن لا يحسن خلافته في تركتك ، ولا يعمل بطاعة ربك فيذهب بالغنيمة وتبوء بالاثم والحسرة والندامة مع التبعة ، ولا قوة الا بالله .
(وفي رواية : فاعمل به بطاعة ربك ، ولا تبخل به ).

35 ـ (وأما حق الغريم المطالب لك) :
فان كنت موسراً أوفيته ، وكيفيته واغنيته ، ولم تردده


( 154 )

وتمطله ، فان رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ( مطل الغنى ظلم ). وان كنت معسراً أرضيته بحسن القول ، وطلبت اليه طلباً جميلا ورددته عن نفسك رداً لطيفا ، ولم تجمع عليه ذهاب ماله ، وسوء معاملته ، فان ذلك لؤم ، ولا قوة الا بالله.

36 ـ (وأما حق الخليط) :
فان لا تغره ، ولا تغشه ، ولا تكذبه ، ولا تغفله ، ولا تخدعه ، ولا تعمل في انقاصه عمل العدو الذي لا يبقي على صاحبه ، وأن اطمأن اليك أستقصيت به على نفسك ، وعلمت أن غبن المسترسل ربا.
(وفي رواية : ولا تخدعه وتتقي الله تبارك وتعالى في أمره).
( ثم حق الخصم ):

37 ـ (وأما حق الخصم المدعى عليك) :
فان كان ما يدعى عليك حقاً لم تنفسخ في صحبته ، ولم تعمل في ابطال دعوته ، وكنت خصم نفسك له ، والحاكم عليها والشاهد له بحقه دون شهادة ا لشهود ، فان ذلك حق الله عليك ،


( 155 )

وأن كان ما يدعيه باطلا رفقت به ، وردعته ، وناشدته بدينه ، وكسرت حدته عنك بذكر الله ، والقيت حشو الكلام ولغطه الذي لا يرد عنك عادية عدوك ، بل تبوء بائمه ، وبه يشحد عليك سيف عداوته ، لأن لفظة السوء تبعث الشر ، والخير مقمعة الشر ، ولا قوة الا بالله.
(وفي رواية : فان كان ما يدعى عليك حقاً كنت شاهده على نفسك ولم تظلمه ، واوفيته حقه ، وان كان ما يدعى به باطلا رفقت به ، ولم تأت في أمره غير ا لرفق ، ولم تسخط ربك في أمره).

38 ـ (وأما حق الخصم المدعى عليه) :
فان كان ما تدعيه حقا اجملت في مقاولته بمخرج الدعوى ، فان الدعوى غلظة في سمع المدعى عليه ، وقصدت قصد حجتك بالرفق ، وأمهل المهلة ، وأبين البيان ، والطف اللطف ، ولم تتشاغل عن حجتك بمنازعته بالقيل والقال ، فتذهب عنك حجتك ، ولا يكون لك في ذلك درك ، ولا قوة إلا بالله.
( وفي رواية : وان كنت محقا في دعواك أجملت مقاولته ،


(156)

ولم تجحد حقه ، وأن كنت مبطلا في دعواك أتقيت الله عز وجل وتبت اليه وتركت الدعوى).
(ثم حق المشاورة والنصيحة) :

39 ـ (وأما حق المستشير) :
فان حضرك له وجه رأي جهدت في النصيحة ، وأشرت عليه بما تعلم أنك لو كنت مكانه عملت به ، ليكن ذلك منك في رحمة ولين ، فان اللين يؤنس الوحشة ، وأن الغلظ يوحش موضع الانس ، وأن لم يحضرك له رأي ، وعرفت له من تثق برأيه ، وترضى به لنفسك دللته عليه ، وأرشدته اليه فكنت لم تأله خيرا ولم تدخره نصحا ، ولا حول ولا قوة الا بالله.
(وفي رواية : أن علمت له رأيا حسنا اشرت عليه وأن لم تعلم أرشدته الى من يعلم ).

40 ـ (وأما حق المشير عليك) :
فلا تتهمه فيما لا يوافقك من رأيه ، واذا أشار عليك فانما هي الآراء وتصرف الناس فيها وأختلافهم ، فكن عليه


( 157 )

في رأيه بالخيار اذا أتهمت رأيه ، فاما تهمته فلا يجوز لك اذا كان عندك ممن يستحق المشاورة ، ولا تدع شكره على ما بدا لك من اشخاص رأيه ، وحسن وجه مشورته ، فاذا واقفك حمدت الله وقبلت ذلك من أخيك بالشكر والارصاد بالمكافأة في مثلها وأن فزع اليك ، ولا قوة إلا بالله.
(وفي رواية : أن لا تتهمه فيما لا يوافقك من رايه ، وان وافقك حمدت الله عز وجل ).

41 ـ (وأما حق المستنصح) :
فان حقه ان تؤدي اليه النصيحة ، على الحق الذي ترى له ، ان يحمل ويخرج المخرج الذي يلين على مسامعه وتكلمه من الكلام بما يطيقه عقله ، فان لكل عقل طبقة من الكلام يعرفه ويجتنبه ، وليكن مذهبك الرحمة ، ولا قوة الا بالله .
( وفي رواية : وليكن مذهبك الرحمة له والرفق به ).

37 ـ (وأما حق الناصح) :
فان تلين له جناحك ، ثم تشرئب له قلبك ، وتفتح له سمعك ، حتى تفهم عنه نصيحته ، ثم تنظر فيها ، فان كان


( 158 )

وفق فيها للصواب حمدت لله على ذلك وقبلت منه وعرفت له نصيحته وأن لم يكن وفق لها رحمته ولم تتهمه ، وعلمت انه لم يألك نصحاً ، إلا انه أخطأ ، الا أن يكون عندك مستحقاً للتهمة ، فلا تعبأ بشيء من أمره على كل حال ، ولا قوة إلا بالله.
(وفي رواية : وتصغى اليه بسمعك فإن اتى بالصواب حمدت الله وأن لم يوفق رحمته ).
ثم حق السن :
43 ـ (وأما حق الكبير) :

فان حقه توقير سنه ، وأجلال اسلامه اذا كان من أهل الفضل في الاسلام بتقديمه فيه ، وترك مقابلته عند الخصام ، ولا تسبقه إلى طريق ، ولا تؤمه في طريق ، ولا تستجهله ، وأن جهل عليك تحملت ، وأكرمته بحق اسلامه مع سنه ، فانما حق السن بقدر الاسلام ، ولا قوة إلا بالله .
(وفي رواية : توقيره لسنه ، وأجلاله لتقدمه في الاسلام قبلك).


( 159 )

44 ـ (وأما حق الصغير) :
فرحمته وتئقيفه وتعلميه والعفو عنه ، والستر عليه ، والرفق به ، والمعونة له ، والستر على جرائر حداثته ، فانه سبب للتوبة ، والمداراة له ، وترك مما حكته ، فان ذلك ادنى لرشده .
(وفي رواية : رحمته في تعليمه).
ثم حق السائل والمسؤول
45 ـ (وأما حق السائل) :
فاعطاؤه اذا تهيأت صدقة ، وقدرت على سد حاجته والدعاء له فيما نزل به ، والمعاونة له على طلبته ، وان شككت في صدقه ، وسيقت اليه التهمة ، ولم تعزم على ذلك لم تأمن ان يكون من كيد الشيطان اراد أن يصدك عن حظك ، ويحول بينك وبين التقرب الى ربك ، تركته بستره ورددته رداً جميلا وأن غلبت نفسك في أمره ، وأعطيته على ما عرض في نفسك منه فان ذلك من عزم الأمور.
(وفي رواية : أعطاؤه على قدر حاجته ).


( 160 )

46 ـ (وأما حق المسؤول) :
فحقه ان اعطى قبل منه ما أعطى بالشكر له ، والمعرفة لفضله ، وطلب وجه العذر في منعه ، وأحسن به الظن ، واعلم انه ان منع فماله منع ، وان ليس التريث في ماله وان كان ظالماً فان الانسان لظلوم كفار.
( وفي رواية : ان أعطى فاقبل منه بالشكر والمعرفة بفضله ، وان منع فاقبل عذره ).

47ـ (وأما حق من سرك الله به وعلى يديه) :
فان كان تعمدها لك حمدت الله أولا ثم شكرته على ذلك بقدره في موضع الجزاء ، وكافأته على فضل الابتداء ، وأرصدت له المكافأة ، وأن لم يكن تعمدها ، حمدت الله اولا ثم شكرته وعلمت انه منه توحدك بها وأحببت هذا اذ كان سبباً من أسباب نعم الله عليك ، وترجو له بعد ذلك خيراً ، فان اساب النعم بركة حيث ما كانت ، وأن كان لم يعتمد ، ولا قوة الا بالله.
( وفي رواية : أن تحمد الله عز وجل أولا ثم تشكره ).


( 161 )

48 ـ (وأما حق من ساءك القضاء على يديه بقول أو فعل)
فان كان تعمدها كان العفو اولى بك لما فيه له من القمع وحسن الأدب مع كثير من أمثاله من الخلق ، فان الله يقول : (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل) الى قوله عز وجل (من عزم الأمور) وقال عز وجل : (وأن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير الصابرين) هذا في العمد ، فان لم يكن عمداً لم تظلمه بتعمد الانتصار منه فتكون قد كافأته في تعمد على خطأ ، ورقت به ، ورددته بألطف ما تقدر عليه ولا قوة الا بالله.
( وفي رواية : ان تعفو عنه وأن علمت ان العفو يضر انتصرت قال تبارك وتعالى ( ولمن انتصر بعد ظلمه فاولئك ما عليهم من سبيل).
ثم حق بقية الناس:
49 ـ (وأما حق أهل ملتك عامة) :
فاضمار السلامة ، ونشر جناح الرحمة ، والرفق بمسيئهم وتألفهم ، واستصلاحهم ، وشكر محسنهم الى نفسه واليك ، فان


( 162 )

أحسانه إلى نفسه أحسانه اليك اذا كف عنك اذاه ، وكفاك مؤنته ، وحبس عنك نفسه ، فعمهم جميعا بدعوتك ، وانصره جميعا بنصرتك ، وأنزلهم جميعا منك منازلهم كبيرهم بمنزلة الوالد ، وصغيرهم بمنزلة الولد ، وأوسطهم بمنزلة الأخ ، فمن أتاك تعاهدته بلطف ورحمة ، وصل أخاك بما يجب للاخ على أخيه.
( وفي رواية : والرحمة لهم ، وكف الاذى عنهم وتحب لهم ما تحب لنفسك ، وتكره لهم ما تكره لنفسك وان تكون شيوخهم بمنزلة أبيك وشبابهم بمنزلة اخوتك وعجائزهم بمنزلة بمنزلة امك والصغار بمنزلة اولادك ).

50 ـ (وأما حق أهل الذمة ) :
فالحكم فيهم أن تقبل منهم ما قبل الله ، وتفي بما جعل الله لهم من ذمته وعهده ، وتكلهم اليه فيما طلبوا من أنفسهم ، وتحكم فيهم بما حكم الله به على نفسك فيما جرى بينك وبينهم من معاملة ، وليكن بينك وبين ظلمهم من رعاية ذمة الله ، والوفاء بعهده ، وعهد رسوله ، صلى الله عليه وآله وسلم حائل ، فانه بلغنا انه قال : ( من ظلم معاهداً كنت خصمه ) فاتق الله ، ولا حول ولا قوة الا بالله .
( وفي رواية : ان تقبل منهم ما قبل الله عز وجل منهم ولا تظلمهم ما وفوا الله عز وجل بعهده ).


( 163 )


(الخاتمة) فهذه خمسون حقا محيطا بك ، لا تخرج منها في كل حال من الاحوال يجب عليك رعايتها ، والعمل في تأديتها والاستعانة بالله جل ثناؤه على ذلك ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، والحمد لله رب العالمين(1).

( كتابه عليه السلام )
( الى عبد الملك بن مروان جواباً )

وذلك لما تزوج سريرة ، مرأة كانت للحسن بن علي عليهما السلام وبلغ ذلك إلى عبد الملك بن مروان ، فكتب اليه كتاباً انك صرت بعل الاماء ، فكتب اليه علي بن الحسين عليه السلام :
أن الله رفع بالاسلام الخسيسة ، وأتم به الناقصة ، وأكرم به من اللؤم ، فلا لوم على امرء مسلم ، وانما اللوم لوم الجاهلية ، ان رسول الله صلى الله عليه وآله أنكح عبده ونكح أمته(2).
____________
(1) تحف العقول ص 160 ط ايران لابن شعبة واعيان الشيعة ج4 ص 501 ط صيدا للامين والامالي ص 221 ط قم للصدوق ومن لا يحضره الفقيه ايضا له باختلاف كثير بصورة مختصره.
(2) بحار الانوار وناسخ التواريخ ج2 ص 44 من احواله (عليه السلام).

( 164 )

( كتابه عليه السلام )
( الى عبد الملك بن مروان أيضاً جواباً )

لما بلغ عبد الملك ان سيف رسول الله صلى الله عليه وآله عنده ، فبعث يستوهبه منه ، ويسأله الحاجة ، فأبى عليه السلام ، فكتب اليه ، عبد الملك يهدده ، وأن يقطع رزقه من بيت المال.
فاجابه عليه السلام :
أما بعد : فان الله ضمن للمتقين المخرج من حيث يكرهون والرزق من حيث لا يحتسبون ، وقال جل ذكره : (ان الله لا يحب كل خوان كفور ) فانظر أينا أولى بهذه الآية(1).

( كتابه عليه السلام )
( إلى الحجاج بن يوسف الثقفي )

كتب ملك الروم إلى عبد الملك ، أكلت لحم الجمل الذي هرب عليه ابوك من المدينة ، لأغزونك بجنود مائة الف ومائة الف ومائة الف فكتب عبد الملك إلى الحجاج أن يبعث
____________
(1) المناقب ج4 ص 126 ط بمبىء لابن شهر اشوب والمحاسن للبرقي.

( 165 )

إلى زين العابدين عليه السلام ويتوعده ، ويكتب اليه ما يقول ففعل .
فقال علي بن الحسين عليهما السلام :
أن لله لوحا محفوظا ، يلحظه في كل يوم ثلثمائة لحظة ، ليس منها لحظة إلا يحيي فيها ويميت ، ويعز ويذل ، ويفعل ما يشاء ، وأن لا أرجو أن يكفيك منها لحظة واحدة.
فكتب بها الحجاج الى عبد الملك ، فكتب عبد الملك بذلك الى ملك الروم ، فلما قرأه قال : ما خرج الا من كلام النبوة(1).
(وقد انتهى ما ظفرت عليه من كتبه ورسائله عليه السلام)

( وهو آخر الباب الثاني ونشرع الآن )

(في الباب الثالث في قصار كلماته )

____________
(1) المناقب في آل ابي طالب ج4 ص 124 بمبئي لابن شهر اشوب وناسخ التواريخ ج2 ص 43 من احواله (عليه السلام) ط ايران.

( 166 )


( 167 )

بلاغة
الإمام علي بن الحسين عليهما السلام


خطب ـ رسائل ـ كلمات
في القصار من كلماته
وفيها : حكم ، ومواغظ ، وآداب



( 168 )


( 169 )

بسم الله الرحمن الرحيم

الباب الثالث


( في القصار من كلمات الامام السجاد علي بن الحسين عليهما السلام)
(سئل عنه عن الصمد )(1)
1 ـ فقال عليه السلام : الصمد الذي لا شريك له ، ولا يؤده حفظ شيء ولا يعزب عنه شيء ، والذي لا جوف له ، والذي قد انتهى سؤدده ، والذي لا يأكل ولا يشرب ، والذي لا ينام والذي لم يزل ولا يزال .
____________
(1) الوافي ج1 ص 81 ط ايران للفيض والامام زين العابدين ص 31 ط نجف للمقرم .
الصمد فعيل بمعنى مفعول من صمد اليه اذا قصده ، وهو السيد الذي يصمد المقصود اليه في الحوائج فهو عبارة عن وجوب الوجود والاستغناء المطلق ، واحتياج كل شيء في جميع اموره اليه اي الذي يكون عنده ما يحتاج اليه كل شيء ويكون رفع حاجة الكل اليه ، ولم يفقد في ذاته شيئاً مما يحتاج اليه الكل واليه يتوجه كل شيء بالعبادة والخضوع وهو المستحق لذلك كما في مرأة العقول للعلامة المجلسي ره.

( 170 )

2 ـ وقال عليه السلام : عجباً للمتكبر الفخور ، الذي كان بالامس نطفة وهو غداً جيفة ، والعجب كل العجب لمن شك في الله ، وهو يرى الخلق ، والعجب كل العجب لمن انكر الموت ، وهو يموت في كل يوم وليلة ، والعجب كل العجب لمن انكر النشأة
____________
(1) بحار الانوار 17 ص 216 ط ايران للمجلسي.
* قال النبي الاعظم (ص) عجبا كل العجب للمختال الفخور انما خلق من نطفة ثم يعود الى جيفة ، وهو بين ذلك لا يدري ما يفعل به كما في مرآة العقول ص 315 ج2 وقال علي عليه السلام : ابن ادم اوله اوله نطفة مذرة ـ الخبيثة الفاسدة ـ وآخره جيفة قذره ، وهو في بينهما يحمل العذرة ، كما في الكشكول ط قم ج2 ص 377 للبهائي وقال الجواد (عليه السلام) : عجبا للمختال الفخور ، انما خلق من نطفة ثم يعود جيفة وهو فيما بين ذلك لا يدري ما يصنع كما في اصول الكافي بهامش مرآة العقول ج2 ص 315 ط ايران للمجلسي والامام زين العابدين ص 208 وقد نظمها بعض الشعراء كما في غرر الخصائص ص 45 للوطواط :

عجبت من معجب بصورته * وكان مـن قبـل نطفة قذرة
وفي غد بعد حسن صورته * يصير في الارض جيفة قذرة
وهـو على عـجبه ونخوته * ما بـيـن هذين يحمل العذرة



( 171 )

الاخرى ، وهو يرى النشأه الاولى ، والعجب كل العجب لمن عمل لدار الفناء ، وترك دار البقاء .
أقول : الجملة الاولى وردت عن النبي وبعض الأئمة عليهم السلام.
3 ـ وقال عليه السلام : أن قوماً عبدوا الله هيبة فتلك عبادة العبيد ، وان قوماً عبدوه رغبة فتلك عبادة التجار ، وأن قوما عبدوه شكراً فتلك عبادة الاحرار .
أقول: وروى هذه الرواية عن جده أمير المؤمنين وأبيه الامام الحسين عليهما السلام كما في ج3 ص 205 مصر من نهج البلاغة وفي بلاغة الامام الحسين عليه السلام ص 116 ط نجف عن البحار ج17 ، ولا غرو أن وافق كلامه عليه السلام كلام جده وأبيه عليهما السلام لانه ورث من جده العلم والفصاحة ، وارتوى من الله منهل الحكمة والعرفان .
(وعن الباقر عليه السلام ) قال : كان زين العابدين عليه السلام اذا نظر الى الشباب الذين يطلبون العلم أدناهم اليه ) .
4 ـ وقال : مرحبا بكم ، أنتم ودايع العلم ، ويوشك اذ
____________
(3) حلية الاولياء ج3 ص 134 ط مصر لابي نعيم وتذكرة الخواص ص 332 لابن الجوزي وصفوة الصفوة ج2 ص 53.
(4) انوار البهية ص 53 للقمي ط ايران.

( 172 )

أنتم صغار قوم أن تكونوا كبار آخرين.
5 ـ وقال عليه السلام ان الذنوب التي تغير النعم : البغي على الناس ، والزوال عن العادة في الخير ، واصطناع المعروف ، وكفران النعم ، وترك الشكر ، قال الله تعالى : ( ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ).
والذنوب التي تورث الندم : قتل النفس التي حرم الله ، قال الله تعالى في قصة قابيل حين قتل أخاه ، فعجز عن دفنه : ( فاصبح من النادمين) وترك صلة الرحم حين يقدر ، وترك الصلاة حتى يخرج وفتها وترك الوصية ، ورد المظالم ، ومنع الزكاة حتى يحضر الموت ، وينغلق اللسان .
والذنوب التي تزيل النعم : عصيان العارف ، والتطاول على الناس والاستهزاء بهم ، والسخرية منهم .
والذنوب التي تدفع النعم : أظهار الافتقار ، والنوم عن صلاة العتمة ، وعن صلاة الغداة ، واستحقار النعم ، وشكوى المعبود عز وجل .
والذنوب التي تهتك العصم : شرب الخمر ، ولعب القمار ،
____________
(5) معاني الاخبار للصدوق ص 78 باب 136 وناسخ التواريخ ج3 ص 70 من احواله (عليه السلام ) ط ايران.

( 173 )

وتعاطي ما يضحك الناس ، واللغو ، والمزاح ، وذكرعيوب الناس ، ومجالسة أهل الشرب .
والذنوب التي تنزل البلاء : ترك اغاثة الملهوف ، وترك معاونة المظلوم ، وتضييع الامر بالمعروف ، والنهي عن المنكر.
والذنوب التي تديل الأعذار : المجاهرة بالظلم ، واعلان الفجور واباحة المحظور ، وعصيان الاخيار ، والانقياد إلى الأشرار.
والذنوب التي تقطع الرجاء : اليأس من روح الله ، والقنوط من رحمة الله ، والثقة بغير الله تعالى ، والتكذيب بوعد الله .
والذنوب التي تظلم الهواء : السحر والكهانة ، والايمان بالنجوم والتكذيب بالقدر، وعقوق الوالدين .
والذنوب التي تشكف الغطاء : الاستدانة بغير نية الأداء ، والاسراف في النفقة ، والبخل على الأهل والأولاد وذوي الأرحام ، وسوء الخلق ، وقلة الصبر ، واستعمال الزجرٍ والكسل ، والاستهانة بأهل الدين .


( 174 )

والذنوب التي ترد الدعاء : سوء النية ، وخبث السريرة ، والنفاق مع الاخوان ، وترك التصديق بالاجابة ، وتأخير الصلاة المفروضة حتى تذهب أوقاتها ، وترك التقرب الى ا لله عز وجل بالبر ، والصدقة واستعمال البذاء والفحش في القول.
والذنوب التي تحبس غيث السماء : جور الحكام في القضاء ، وشهادة الزور ، وكتمان الشهادة ، ومنع الزكوة والقرض ، والماعون وقساوة القلوب على أهل الفقر والفاقة ، وظلم اليتيم ، والارملة ، وأنتهار السائل ، ورده بالليل.
6 ـ وقال عليه السلام : الصبر والرضا عن الله رأس كل طاعة ، ومن صبر ورضى عن الله فيما قضى عليه فيما أحب أو كره ، لم يقض الله عز وجل فيما أحب أو كره إلا ما هو خير له.
7 ـ وقال عليه السلام : فقد الأحبة غربة.
8 ـ وقال عليه السلام : من قنع بما قسم الله له ، فهو من أغنى الناس .
____________
(6) البحار ج17.
(7) حلية الاولياء ج3 ص 134 لابي نعيم وصفوة الصفوة ج2 ص 53.
(8) البحار ج17 ص 159 وحلية الاولياء ج3 ص 135.

( 175 )

9 ـ وقال عليه السلام : أعظم الناس قدراً ، من لم يبال الدنيا في يد من كانت.
10 ـ وقال عليه السلام : رأيت الخير كله قد اجتمع في قطع الطمع عما في أيدي الناس ومن لم يرج الناس في شيء ، زاد أيدي الناس ومن لم يرج الناس في شيء ، زاد أمره إلى الله عز وجل في جميع أموره استجاب الله عز وجل له في كل شيء.
11 ـ وقال عليه السلام : ان أفضل الاجتهاد عفة البطن والفرج .
12 ـ وقال عليه السلام : لا تمتع من ترك القبيح وان كنت قد عرفت به ، ولا تزهد في مراجعة الجهل وان كنت قد شهرت بخلافه ، واياك والرضا بالذنب ، فانه أعظم من ركوبه ، والشرف في التواضع ، والغني في القناعة .
13 ـ وقال عليه السلام : يا ابن آدم لا تزال بخير ما دام لك واعظ من نفسك ، وما كانت المحاسبة من همك ، وما كان الخوف
____________
(9) ارشاد القلوب ج1 ص 18 ط ايران للديلمي .
(10) اصول الكافي ص 448.
(11) مشكاة الانوار ص 333 لابي الفضل الطبرسي.
(12) البحار ج17 للمجلسي.
(13) مشكاة الانوار ص 222 ط نجف.