أنت هنا: الرئيسية المكتبة الاسلامية بلاغة الإمام علي بن الحسين عليهما السلام 4 ـ كتابه الى اصحابه المعروف برسالة الحقوق وفيها خمسون حقا
 
 


4 ـ كتابه الى اصحابه المعروف برسالة الحقوق وفيها خمسون حقا

البريد الإلكتروني طباعة

كتاب بلاغة الإمام علي بن الحسين ص126 ـ ص 150


فيما رغبوا ، فما لبثوا أن لحقوا ، فاذا كانت الدنيا تبلغ من مثلك هذا المبلغ من كبر سنك ، ورسوخ عقلك ، وحضور أجلك ، فكيف يسلم الحدث في سنه الجاهل في علمه المأفون في رأيه ، المدخول في عقله ، إنا لله وانا اليه راجعون ، على من المعول به ، وعند من المستعتب ؟ . ونشكوا إلى الله بثنا ، وما نرى فيك ، ونحتسب عند الله مصيبتنا بك ، فانظر كيف شكرك لمن غذاك بنعمه صغيراً وكبيراً ، وكيف أعظامك لمن جعلك بدينه في الناس جميلا ، وكيف صيانتك لكسوة من جعلك بكسوته في الناس ستيراً ، وكيف قربك أو بعدك ممن أراك أن تكون منه قريبا ذليلا ، مالك لا تنتبه من نعستك ، ولا تستقيل من عثرتك فتتول ، والله ما قمت لله مقاماً واحداً أحييت به دينا ، أوامت له به باطلا ، فهذا شكرك من استحملك ما أخوفني أن تكون كمن قال الله في كتابه(1) : (اضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً) . أستحملك كتابه ، واستودعك علمه فاضعتها فنحمد الله الذي عافانا مما أبتلاك به والسلام(2).
____________
(1) سورة مريم آية 95.
(2) بحار الانوار ج17 ص 213 ط ايران وتحف العقول لابن شعبه ص 66 والامام زين العابدين ص 159 للمقرم ط نجف.


( 127 )


( كتابه عليه السلام )
(إلى عبد الملك بن مروان جوابا)

وذلك أن أم زين العابدين عليه السلام زوجها(1) بعد أبيه بزيد مولى أبيه واعتق جارية وتزوجها ، فكتب اليه عبد الملك بن مروان يعيره بذلك.
فكتب اليه زين العابدين عليه السلام :
____________
(1) لما صدرت الطبعة الاولى من الكتاب ثارت جماعة من فضلاء اهل العلم وغيرهم ـ مع عدم علمهم بالحديث والتاريخ ـ حول هذه الكلمة . وما دروا ان امه عليه السلام ماتت في نفاسها فسلمه ابوه الامام الحسين (ع) الى ام ولد له وكان (ع) يدعوها بالام والعبارة تقصد هذا كما يذكر المؤرخون وكما جاء في عيون اخبار الرضا (ع) ص 27 ط ايران عن ابي الحسن الرضا (ع) انه قال للنوشجاني ان ام علي بن الحسين ماتت في نفاسها به فكفله بعض امهات ولد ابيه فسماها الناس امه ، وانما هي مولاته وزعموا زوج امه ، ومعاذ الله ذلك وانما زوج هذه انتهى والسبب في اقدام الامام على زواجها يذكره الصدوق في نفس المصدر المتقدم فراجع.


( 128 )


لقد كان في رسول الله صلى الله عليه وآله أسوة حسنة ، وقد أعتق رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم صفية بنت حي بن أخطب وتزوجها ، وأعتق زيد بن حارثة وزوجه بنت عمته زينب بنت جحش(1).

( كتابه عليه السلام )
(إلى عبد الملك بن مروان أيضا)

بسم الله الرحمن الرحيم ، إلى عبد الملك بن مروان من علي بن الحسين عليه السلام أما بعد : فانك كتبت في يوم كذا وشهر كذا إلى الحجاج (ابن يوسف الثقفي) في حقنا لبني عبد المطلب بما هو كيت وكيت ، وقد شكر الله لك ذلك.
ثم طوى الكتاب وختمه وارسل به مع غلام له(2)
____________
(1) وفيات الاعيان ج3 ص 33 لابن خلكان نقلا عن المعارف لابن قتيبة والبحار ج6 عن كتاب التهذيب للطوسي باختلاف.
(2) الفصول المهمة ص 184 ط نجف للمالكي ونور الابصار ص 140 للشبلنجي وكان كتاب عبد الملك بن مروان الى الحجاج بن يوسف الثقفي : بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الملك بن مروان الى الحجاج بن يوسف اما بعد فانظر في دماء بني عبد المطلب ـ

( 129 )

( كتابه عليه السلام )
( إلى عبد الملك بن مروان أيضا جوابا )

أخبر عبد الملك أن علي بن الحسين عليه السلام تزوج مولاة له بعد ان أعتقها فكتب اليه انك علمت ان في اكفائك من قريش من تمجد به في ألصهر وتستنجبه في الولد ، فلا لنفسك نظرت ولا على ولدك أبقيت .
فكتب اليه السجاد عليه السلام:
اما بعد فقد بلغني من كتابك تعنفني فيه بتزويجي مولاتي ، وتزعم انه كان من قريش من اتمجد به في الصهر ، واستنجبه في الولد ، وانه ليس فوق رسول الله صلّى الله عليه وآله مرتقى في مجد ، ولا مستزاد في كرم فكانت هذه الجارية ملك يميني ، خرجت مني ارادة الله عز وعلا بامر التمس فيه ثوابه ثم ارتجعتها على سنة رسول الله صلى الله عليه وآله ، ومن كان زكيا في دين الله فليس يحل به
____________
ـ فاجتنبها ، فاني رأيت الى آل ابي سفيان ولما ولعوا فيها لم يلبثوا الا قليلا والسلام.

( 130 )

شيئا من امره ، وقد رفع الله بالأسلام الخسيسة(1) وتمم به النقيصة واذهب اللؤم فلا لؤم على امرء مسلم انما اللؤم لؤم الجاهلية والسلام.
فلما وقف عبد الملك على الكتاب رمى به الى ولده سليمان وبعد ان قرأه قال يا أمير المؤمنين لشد ما فخر عليك علي بن الحسين عليه السلام فقال : يا بني لا تقل ذلك فانه السن بني هاشم التي تفخر الصخر، وتغرف من بحران علي بن الحسين عليه السلام من حيث يتضع الناس(2).

( كتابه عليه السلام )
( إلى بعض أصحابه المعروف برسالة الحقوق(3) )

أعلم ـ رحمك الله ـ ان لله عز وجل عليك حقوقا محيطة
____________
(1) الخسيسة الرذالة والنقص.
(2) الكافي على هامش مرآة العقول ج3 ص 448 ط ايران والامام زين العابدين (عليه السلام) ص 371 ط نجف للمقرم والمناقب لابن شهر اشوب ص 124 ط بمبئي باختلاف.
(3) طبعت هذه الرسالة القيمة مرات عديدة مستقلة في ضمن بعض الكتب بدون شرح وقد تكرر الرسالة مع الشرح الوافي ـ

( 131 )

بك في كل حركة تحركتها ، أو سكنة سكنتها ، أو حال حلتها ، أو منزلة نزلتها ، أو جارحة قلبتها ، أو آلة تصرفت بها ، بعضها أكبر من بعض ، وأكبر حقوق الله عليك ما أوجبه لنفسه تبارك وتعالى من حقه الذي هو أصل الحقوق ومنه تتفرع ، ثم ما أوجبه عليك لنفسك من قرنك الى قدمك على اختلاف جوارحك فجعل لبصرك عليك حقا ، ولسمعك عليك حقا ، وللسانك عليك حقا ، وليدك عليك حقا، ولرجلك عليك حقا ، ولبطنك عليك حقا ، ولفرجك عليك حقا ، فهذه ا لجوارح السبع التي بها تكون الأفعال ، ثم جعل عز وجل لأفعالك عليك حقوقا ، فجعل لصلاتك عليك حقا ، ولصومك عليك حقا ، ولصدقتك عليك حقا ، ولهديك عليك حقا ، ولافعالك عليك حقا ، ثم تخرج الحقوق منك إلى غيرك من ذوى الحقوق الواجبة
____________
ـ يناسب لشخصية الامام الخالدة (ع) في مجلد ضخم كبير بقلم احد الفضلاء باسم (شرح رسالة الحقوق) ويقول احد الادباء في تعريفها :
وها نحن نقرها اليوم ـ في القرن العشرين ـ فنجدها وكانها بنت الساعة في تفكيرها وتسلسلها ، وتنظيمها لحقوق كل فرد مع ربه ونفسه ، ومع غيره من بني الأنسان بل نجد في بعض الحقوق ما لم تعمل به الى اليوم اكبر دول الحضارة والتقدم في العالم.

( 132 )

عليك ، وأوجبها عليك حق أئمتك ، ثم حقوق رعيتك ، ثم حقوق رحمك ، فهذه حقوق تنشعب منها حقوق ، فحقوق أئمتك ثلاثة أوجبها عليك ، حق سائسك بالسلطان، ثم سائسك في بالعلم ، ثم حق سائسك بالملك ، وكل سائس امام ، وحقوق رعيتك ثلاثة أوجبها عليك ، حق رعيتك بالسلطان ، ثم حق رعيتك بالعلم فان الجاهل رعية العالم ، وحق رعيتك بالملك من الأزواج وما ملكت الايمان ، وحقوق رحمك كثيرة متصلة بقدر اتصال الرحم في القرابة ، فاوجبها عليك حق امك ، ثم حق أبيك ، ثم حق ولدك ، ثم حق أخيك ، ثم الأقرب فالأقرب ، والأولى فالأولى ، ثم حق مولاك المنعم عليك ، ثم حق مولاك الجارية نعمته عليك ، ثم حق ذي المعروف لديك ، ثم حق مؤذنك بالصلوة ، ثم حق أمامك في صلاتك ، ثم حق جليسك ، ثم حق جارك ، ثم حق صاحبك ، ثم حق شريكك ، ثم حق مالك ، ثم حق غريمك الذي تطالبه ، ثم غريمك الذي يطالبك، ثم خليطك ، ثم حق خصمك ، المدعى عليك ، ثم حق خصمك الذي تدعى عليه ، ثم حق مستشيرك ، ثم المشير عليك ، ثم مستنصحك ، ثم الناصح لك ، ثم حق من هو أكبر منك ، ثم من هو أصغر منك ، ثم حق سائلك ، ثم حق من سألته ، ثم


( 133 )

حق من جرى لك على يديه مسائة بقول أو فعل ، أو مسرة بقول أو فعل عن تعمد منه أو غير تعمد ، ثم حق أهل ملتك عامة ، ثم حق أهل الذمة ثم الحقوق الجارية بقدر علل الأحوال ؛ وتصرف الاسباب ، فطوبى لمن أعانه الله على قضاء ما أوجبه عليه من حقوقه ، ووفقه وسدده.

1 ـ ( فاما حق الله الأكبر عليك):
فان تعبده لا تشرك به شيئاً ، فاذا فعلت ذلك باخلاص جعل لك على نفسه ان يكفيك امر الدنيا والآخرة ، ويحفظ لك ما تحب منهما .

2 ـ (وأما حق نفسك عليك):
فان تستوفيها في طاعة الله، (وفي رواية) ان تستعملها بطاعة الله عز وجل فتؤدي إلى لسانك حقه ، وإلى سمعك حقه ، وإلى بصرك حقه وإلى يدك حقها ، وإلى رجلك حقها ، وإلى بطنك حقه ، وإلى فرجك حقه ، وتستعين بالله على ذلك.


( 134 )

3 ـ (وأما حق اللسان):
فاكرامه عن الخنا(1) ، وتعويده على الخير ، وحمله على الأدب ، واجمامه إلا لموضع الحاجة ، والمنفعة للدين والدنيا ، واعفاءه من الفضول الشنعة القليلة الفائدة التي لا يؤمن ضررها مع قلة عائدتها ، ويعد شاهد العقل والدليل عليه ، وتزين العاقل بعقله حسن سيرته في لسانه ، ولا قوة الا بالله العلي العظيم . (وفي رواية : وحق اللسان اكرامه عن الخنا وتعويده الخير وترك الفضول التي لا فائدة فيها والبر بالناس ، وحسن القول فيهم).

4 ـ (وأما حق السمع):
فتنزيهه عن أن تجعله طريقاً الى قلبك ، الا لفوهة كريمة ، تحدث في قلبك خيراً ، أو تكسب خلقاً كريما ، فانه باب الكلام الى القلب ، يؤدي اليه ضروب المعاني على ما فيها من خير أو شر ، ولا قوة الا بالله . (وفي رواية : وحق السمع تنزيهه عن سماع الغيبة ، وسماع ما لا يحل له ).
____________
(1) الخنا : الفحش في الكلام.

(135)

5 ـ (وأما حق بصرك):
فغضه عما لا يحل لك ، وترك ابتذاله الا لموضع عبرة تستقبل بها بصراً ، أو تستفيد بها علماً ، فان البصر باب الاعتبار ( وفي رواية : وحق البصر ان تغضمه عما لا يحل لك وتعتبر بالنظر به ).

6ـ (وأما حق رجليك):
فان لا تمشي بهما الى ما لا يحل لك ، ولا تجعلهما مطيتك في الطريق المستخف باهلها فيها ، فانها حاملتك ، وسالكة بك مسلك الدين ، والسبق لك ، ولا قوة الا بالله . (وفي رواية : وحق رجليك أن لا تمشي بهما الى ما لا يحل لك فيهما ، ولا بد لك أن تقف على الصراط فانظر ان لا تزل بك فتردى في النار).

7ـ (وأما حق يديك):
فان لا تبسطها الى ما لا تحل لك ، فتنال بما تبسطها اليه ، من الله العقوبة في الآجل ، ومن الناس اللائمة في العاجل ، ولا


( 136 )

تقبضها عما افترض الله عليها ، ولكن توقرها بقبضها عن كثير مما لا يحل لها ، وبسطها الى كثير مما ليس عليها فاذا هي قد عقلت وشرفت في العاجل ، ووجب لها حسن الثواب من الله في الآجل. (وفي رواية : وحق يدك أن لا تبسطها الى ما لا يحل لك ).

8ـ (وأما حق بطنك):
فان لا تجعله وعاء لقليل من الحرام ولا لكثير ، وان تقتصد له في الحلال ، ولا تخرجه من حد التقوية الى حد التهوين ، وذهاب المرؤة وضبطه اذا هم بالجوع والظماء ، فان الشبع المنتهى بصاحبه مكسلة ومثبطه ومقطعة عن كل بر وكرم ، وان الري المنتهى بصاحبه الى السكر مسخفة ومجهلة ، ومذهبة للمرؤة . (وفي رواية : وحق بطنك ان لا تجعله وعاء للحرام ، ولا تزيد على الشبع).

9ـ (وأما حق فرجك):
فحفظه مما لا يحل لك ، والاستعانة عليه بغض البصر ، ـ فانه من أعون الأعوان ـ وكثرة ذكر الموت ، والتهدد لنفسك


( 137 )

بالله ، والتخويف لها به ، وبالله العصمة والتأييد ، ولا حول ولا قوة الا به . ( وفي رواية : وحق فرجك ان تحصنه عن الزنا ، وتحفظه من ان ينظر اليه ).
ثم حقوق الأفعال :

10ـ (وأما حق الصلاة):
فان تعلم انها وفادة الى الله ، وانك قائم بين يدي الله ، فاذا علمت ذلك كنت خليقاً أن تقوم فيها مقام الذليل الراغب الراهب ، والخائف الراجي المسكين المتضرع ، المعظم من قام بين يديه بالسكون أو الاطراق وخشوع الاطراف ، ولين الجناح ، وحسن المناجاة له في نفسه ، والرغبة اليه في فكاك رقبتك التي أحاطت بها خطيئتك ، واستهلكتها ذنوبك ، ولا قوة الا بالله . (وفي رواية : وحق الصلاة أن تعلم انها وفادة الى الله عز وجل وانك فيها قائم بين يدي الله عز وجل فاذا علمت ذلك قمت مقام الذليل الحقير الراغب الراهب الراجي الخائف المستكين المعظم لمن كان بين يديه بالسكون والوقار وتقبل عليها بقلبك وتقيمها بحدودها وحقوقها ).
ولم يذكر في التحف حق الحج ، وذكره في الخصال فقال:


( 138 )

( وحق الحج ):
أن تعلم انه وفادة الى ربك ، وفرار اليه من ذنوبك ، وبه قبول توبتك ، وقضاء الفرض الذي أوجبه الله عليك.

11ـ (وأما حق الصوم):
فان تعلم انه حجاب ضربه الله على لسانك وسمعك وبصرك وفرجك وبطنك ، ليسترك به من النار ( وفي رواية : فان تركت الصوم خرقت ستر الله عليك) وهكذا جاء في الحديث : ( الصوم جنة من النار) فان سكنت أطرافك في حجبتها ، رجوت أن تكون محجوباً ، وان انت تركتها تضطرب في حجابها ، وترفع جنبات الحجاب فتطلع الى ما ليس لها بالنظرة الداعية للشهوة ، والقوة الخارجة عن حد التقية لله لم تأمن من أن تخرق الحجاب وتخرج منه ، ولا قوة الا بالله.

12ـ (وأما حق الصدقة) :
فان تعلم انها ذخرك عند ربك ، ووديعتك التي لا تحتاج الى الاشهاد ، فاذا علمت ذلك كنت بما استودعته سراً أوثق منك


(139)

بما استودعته علانية ، وكنت جديراً أن لا تكون اسررت اليه أعلنته ، وكان الأمر بينك وبينه سراً على كل حال ، ولم تستظهر عليه فيما استودعته منها باشهاد الاسماع والأبصار عليه بها ، كانها اوثق في نفسك ، وكانك لا تثق به في تأدية وديعتك اليك ، ثم لم تمنن بها على أحد ، لأنها لك فاذا امتنت بها لم تأمن أن تكون بها مثل تهجين حالك منها الى من مننت بها عليه لأن في ذلك دليلا على أنك لم ترد نفسك بها ، ولو اردت نفسك لم تمنن بها على أحد، ولا قوة الا بالله. (وفي رواية: وحق الصدقة ان تعلم انها ذكرك عند ربك عز وجل ، ووديعتك التي لا تحتاج الى الاشهاد عليها وكنت بما تستودعه سرا اوثق منك بما تستودعه علانية ، وتعلم أنها تدفع البلايا والاسقام عنك في الدنيا ، وتدفع عنك النار في الاخرة).

13ـ (وأما حق الهدى):
فان تخلس(1) به الارادة الى ربك ، والتعرض لرحمته وقبوله ، ولا تريد عيون الناظرين دونه ، فاذا كنت كذلك لم تكن متكلفاً ولا متصنعاً وكنت انما تقصد الى الله ، واعلم ان
____________
(1) الشيء سلبه بمخاتلة وعاجلا.

( 140 )

الله يراد باليسير ، ولا يراد بالعسير كما أراد بخلقه التيسير ، ولم يرد بهم التعسير ، وكذلك التذلل اولى بك من التدهقن ، لأن الكلفة والمؤنة في المتدهقنين ، فاما التذلل والتمسكن فلا كلفة فيهما ، ولا مؤنة عليهما ، لأنهما موجودان في الطبيعة ، ولا قوة الا بالله.
(وفي رواية : وحق الهدى أن تريد به الله عز وجل ، ولا تريد به خلقه ، ولا تريد به الا التعرض لرحمة الله ، ونجاة روحك يوم تلقاه ).
ثم حقوق الأئمة :

14ـ (فأما حق سائسك بالسلطان ) :
فان تعلم انك جعلت له فتنة ، وانه مبتلى فيك بما جعله الله له عليك من السلطان ، ( وفي رواية : وان عليك ان لا تتعرض لسخطه فتلقى بيديك الى التهلكة ، وتكون شريكاً لهم فيما ياتي اليك من سوء) وان تخلص له في النصيحة ، وان لا تماحكه وقد بسطت يده عليك ، فتكون سبب هلاك نفسك وهلاكه ، وتذلل وتلطف لاعطائه من الرضا ما يكفه عنك ولا يضر بدينك ، وتستعين عليه في ذلك بالله ولا تعازه(1)
____________
(1) اي لا تعارضه في العزة والعظمة.

( 141 )

ولا تعانده ، فانك ان فعلت ذلك عققته ، وعققت نفسك ، فعرضتها لمكروهه ، وعرضته للهلكة فيك ، وكنت خليقاً ان تكون معينا له على نفسك ، وشريكا فيما اتى اليك ولا قوة إلا بالله.

15ـ (فأما حق سائسك بالعلم(1)):
فالتعظيم له ، والتوقير لمجلسه ، وحسن الاستماع اليه ، والاقبال عليه ، والمعونة له على نفسك فيما لا غنى بك عنه من العلم ، بان تفرغ له علمك ، وتحضره فهمك ، وتذكى له قلبك ، وتجلى له بصرك ، بترك اللذات ، ونقص الشهوات ، وان تعلم أنك فيما القى رسوله إلى من لقيك من أهل الجهل ، فلزمك حسن التأدية عنه اليهم ، ولا تخنه في تأدية رسالته والقيام بها عنه اذا تقلدتها ، ولا حول ولا قوة الا بالله.
(وفي رواية : وحق سائسك بالعلم التعظيم له ، والتوقير لمجلسه ، وحسن الاستماع اليه ، والاقبال عليه ، وان لا ترفع عليه صوتك ، ولا تجيب أحد يسأله عن شيء حتى يكون هو
____________
(1) اي مالك امرك في التعليم من اسست الرعية أي ملكت امورهم.

( 142 )

الذي يجيب ، ولا تحدث في مجلسه أحداً ولا تغتاب عنه أحداً وان تدفع عنه اذا ذكر عندك بسوء ، وان تستر عيوبه وتظهر مناقبه ولا تجالس له عدواً ، ولا تعادي له ولياً ، فاذا فعلت ذلك شهدت لك ملائكة الله بانك قصدته ، وتعلمت علمه لله جل اسمه لا للناس ).

(واما حق سائسك بالملك) :
فنحو من سائسك بالسلطان ، إلا أن هذا يملك ما لا يملكه ذاك تلزمك طاعته فيما دق وجل منك إلا أن يخرجك من وجوب حق الله ويحول بينك وبين حقه وحقوق الخلق ، فاذا قضيته رجعت إلى حقه ، فتشاغلت به ، ولا قوة الا بالله.
(وفي رواية : فاما سائسك بالملك فان تطيعه ، ولا تعصيه الا فيما يسخط الله عز وجل ، فانه لا طاعة المخلوق في معصية الخالق).
ثم حقوق الرعية :

17ـ (فاما حقوق رعيتك بالسلطان) :
فان تعلم انك انما استرعيتهم بفضل قوتك عليهم ، فانه انما أحلهم محل الرعية لك ضعفهم وذلهم ، فما اولى من كفاكه ضعفه


( 143 )

وذله حتى صيره لك رعية ، وصير حكمك عليه نافذاً لا يمتنع منك بعزة ولا قوة ، ولا يستنصر فيما تعاظمه منك إلا بالرحمة والحياطة والاناة ، وما أولاك اذا عرفت ما أعطاك الله من فضل هذه العزة والقوة التي قهرت بها أن تكون لله شاكراً ، ومن شكر الله اعطاه فيما أنعم عليه ، ولا قوة الا بالله.
(وفي رواية : وأما حق رعيتك بالسلطان فان تعلم انهم صاروا رعيتك لضعفهم وقوتك فيجب ان تعدل فيهم وتكون لهم كالوالد الرحيم ، وتغفر لهم جهلهم ولا تعاقب جلهم بالعقوبة ، وتشكر الله عز وجل على ما اولاك وعلى ما اتاك من القوة ) :

18ـ (وأما حق رعيتك بالعلم) :
فان تعلم ان الله جعلك لهم خازناً فيما اتاك من العلم ، وولاك من خزانة الحكمة ، فان أحسنت فيما ولاك الله من ذلك ، وقمت به لهم مقام الخازن الشفيع الناصح لمولاه في عبيده الصابر المحتسب الذي اذا راى ذا حاجة أخرج له من الاموال التي في يديه ، كنت راشداً ، وكنت لذلك آملا معتقداً وإلا كنت له خائناً ، ولخلقه ظالماً ، ولسلبه وعزه متعرضا.


( 144 )

19ـ (وأما حق رعيتك بملك النكاح) :
فان تعلم ان الله جعلها سكناً ومستراحاً وانساً وواقية ، وكذلك كل واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه ، ويعلم ان ذلك نعمة منه عليه ، ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها ، وان كان حقك عليها أغلظ ، وطاعتك بها الزم فيما أحببت وكرهت ، ما لم تكن معصية ، فان لها حق الرحمة والمؤانسة ، ولا قوة الا بالله.
( وفي رواية : وأما حق الزوجة فان تعلم أن الله عز وجل جعلها لك سكناً وأنساً فتعلم ان ذلك نعمة من الله عليك فتكرمها وترفق بها وان كان حقك عليها أوجب فان لها عليك ان ترحمها لانها اسيرك وتطعمها ، واذا جهلت عفوت عنها).
20ـ (وأما حق رعيتك بملك اليمين) :
فان تعلم انه خلق ربك ، ولحمك ودمك وانك لم تملكه لأنك صنعته دون الله ، ولا خلقت له سمعا ولا بصراً ، ولا اجريت له رزقا ، ولكن الله كفاك ذلك ، ثم سخره لك وائتمنك عليه ، واستودعك اياه لتحفظه فيه ، وتسير فيه بسيرته ،


( 145 )

فتطعمه مما تأكل ، وتلبسه مما تلبس ، ولا تكلفه ما لا يطيق ، فان كرهته خرجت الى الله منه ، واستبدلت به ولم تعذب خلق الله ، ولا قوة الا بالله .
(وفي رواية : واما حق مملوكك فان تعلم انه خلق ربك ، وابن أبيك وامك ولحمك ودمك ولم تملكه لأنك صنعته من دون الله ، ولا خلقت شيئاً من جوارحه ، ولا اخرجت له رزقاً ، ولكن الله عز وجل كفاك ذلك ثم سخره لك وائتمنك عليه واستودعك اياه ليحفظ لك ما تأتيه من خير اليه ، فاحسن اليه كما أحسن الله اليك ، وان كرهته استبدلت به ولم تعذب خلق الله عز وجل ولا قوة الا بالله ).

21ـ (فاما حق أمك) :
أن تعلم انها حملتك حيث لا يحمل احد أحداً ، واطعمتك من ثمرة قلبها ما لم يطعم احد أحداً ، وانها وقتك بسمعها وبصرها ويدها ورجلها وشعرها وبشرها ، وجميع جوارحها مستبشرة فرحة ، محتملة لما فيه مكروهها وألمها وثقلها وغمها ، حتى دفعتها عنك يد القدرة ، واخرجتك إلى الارض ، فرضيت ان تشبع وتجوع هي ، وتكسوك وتعرى ، وترويك وتظمى ، وتظلك


( 146 )

وتضحي وتنعمك ببؤسها ، وتلذذك بالنوم بارقها ، وكان بطنها لك وعاءاً ، وحجرها لك حواءاً ، وثديها لك سقاءاً ونفسها لك وقاءاً ، تباشر حر الدنيا وبردها لك ودونك ، فتشكرها على قدر ذلك ، ولا تقدير عليه إلا بعون الله وتوفيقه .
(وفي رواية : واما حق امك فان تعلم انها حملتك حيث لا يحمل احد أحداً ، واعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطى أحد احداً ، ووقتك بجميع جوارحها ، ولم تبال أن تجوع وتطعمك وتعطش وتسقيك ، وتعرو وتكسوك ، وتظلك وتضحي ، وتهجر النوم لاجلك ، ووقتك الحر والبرد لتكون لها ، فانك لا تطيق شكرها الا بعون الله وتوفيقه ).

22 ـ (واما حق أبيك) :
فان تعلم انه اصلك ، وانك فرعه ، وانك لولاه لم تكن فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك ، فاعلم ان اباك أصل النعمة عليك فيه ، واحمد الله فاشكره على قدر ذلك، ولا قوة إلا بالله.
23 ـ (واما حق ولدك) :
فان تعلم انه منك ، ومضاف اليك في عاجل الدنيا بخيره


( 147 )

وشره ، وانك مسؤول عما وليته من حسن الأدب ، والدلالة على ربه ، والمعونة له على طاعتك فيك وفي نفسه ، فمثاب على ذلك ومعاقب ، فاعمل في أمره عمل المتزين بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا ، المعذر إلى ربه فيما بينك وبينه بحسن القيام عليه ، والاخذ له منه ، ولا قوة إلا بالله.
( وفي رواية : فاعمل في أمره عمل من يعلم انه مثاب على الأحسان اليه ، ومعاقب على الاساءة اليه ) .

24 ـ (وأما حق أخيك) :
فان تعلم انه يدك التي تبسطها ، وظهرك الذي تلتجيء اليه ، وعزك الذي تعتمد عليه ، وقوتك التي تصول بها فلا تتخذه سلاحاً على معصية الله ، ولا عدة للظلم لخلق الله ، ولا تدع نصرته على نفسه ، ومعونته على عدوه ، والحؤول بينه وبين شياطينه ، وتأدية النصحية اليه ، والاقبال عليه في الله ، فان انقاد إلى ربه ، وأحسن الاجابة له ، وإلا فليكن الله آثر عندك واكرم عليك منه.
( وفي رواية : ولا تدع نصرته على عدوه ، والنصيحة له ، فان اطاع الله وإلا فليكن الله اكرم عليك منه ولا قوة الا بالله ).


( 148 )

25 ـ (وأما حق المنعم عليك بالولاء) :
فان تعلم انه انفق فيك ماله ، وأخرجك من ذل الرق ووحشته ، إلى عز الحرية وانسها ، واطلقك من اسر الملكة ، وفك عنك حلق العبودية وأوجدك رائحة العز ، وأخرجك من سجن القهر ، ودفع عنك العسر ، وبسط لك لسان الانصاف ، وأباحك الدنيا كلها ، فملكك نفسك، وحل اسرك ، وفرغك لعبادة ربك ، واحتمل بذلك التقصير في ماله ، فتعلم انه أولى الخلق بك بعد أولى رحمك في حياتك وموتك ، وأحق الخلق بنصرك ومعونتك ، ومكاتفتك في ذات الله ، فلا تؤثر عليه ، نفسك ما أحتاج اليك.
( وفي رواية : وان نصرته عليك واجبة بنفسك ، وما احتاج اليه منك ولا قوة الا بالله ) .

26 ـ (وأما حق مولاك الجارية عليه نعمتك) :
فان تعلم ان الله جعلك حامية عليه ، وواقية وناصراً ومعقلاً ، وجعله لك وسيلة وسبباً بينك وبينه ، فبالاحرى أن يحجبك عن النار ، فيكون في ذلك ثواباً منه في الآجل ، ويحكم


( 149 )

لك بميراثه في العاجل اذا لم يكن له رحم ، مكافأة لما انفقته من مالك عليه ، وقمت به من حقه بعد انفاق مالك ، فان لم تقم بحقه خيف عليك أن لا يطيب لك ميراثه ، ولا قوة الا بالله .
( وفي رواية : واما حق مولاك الذي أنعمت عليه فان تعلم أن الله عز وجل جعل عتقك له وسيلة اليه ، وحجاباً لك من النار ، وأن ثوابك في العاجل ميراثه اذا لم يكن له رحم مكافأة بما انفقت من مالك وفي الآجل الجنة ).

27 ـ (وأما حق ذي المعروف عليك) :
فان تشكره ، وتذكر معروفه ، وتنشر له المقالة الحسنة ، وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين الله سبحانه ، فانك إذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سراً وعلانية ، ثم ان أمكن مكافأته بالفعل كافأته ، وإلا كنت مرصداً له مواطناً نفسك عليها .
( وفي رواية : ثم ان قدرت على مكافأته يوما كافأته ).

28 ـ (وأما حق المؤذن) :
فان تعلم أنه مذكرك بربك ، وداعيك إلى حظك ، وأفضل أعوانك على قضاء الفريضة التي افترضها الله عليك ، فتشكره


( 150 )

على ذلك ، شكرك للمحسن اليك ، وعلمت انه نعمة من الله عليك لا شك فيها ، فاحسن صحبة نعمة الله عليها على كل حال ولا حول ولا قوة الا بالله.

29 ـ (وأما حق أمامك في صلواتك) :

فان تعلم انه تقلد السفارة فيما بينك وبين الله ، والوفادة الى ربك وتكلم عنك ، ولم تتكلم عنه ، ودعا لك ولم تدع له ، وطلب فيك ، ولم تطلب فيه ، وكفاك هم المقام بين يدي الله ، والمسألة له فيك ، ولم تكفه ذلك ، فان كان في شيء من ذلك تقصير كان به دونك وان كان اثما لم تكن شريكه فيه ولم يكن لك عليه فضل ، فوقي نفسك بنفسه ، وفي صلاتك بصلاته ، فتشكر له ذلك ، ولا حول ولا قوة الا بالله .
( وفي رواية : فان كان نقص كان به دونك ، وان كان تماما كنت شريكه ولم يكن له عليك فضل (زيادة) فتشكر له على قدر ذلك ) .

30 ـ (وأما حق الجليس) :
فان تلين له كتفك ، وتطيب له جانبك ، وتنصفه في