انتبه أيها الحاج

البريد الإلكتروني طباعة

زواج بغير اعوجاج 89 ـ ص 109


ثانيا : يجب على الحاج أن يسعى ليكون حجه مبرورا ، وذلك بالاستغفار من ذنوبه . ويتحلل ممن ظلمه ولو بكلمة واحدة قد أهانه بها ، ويحذر أن يكون قاطعا للرحم فيصل أرحامه وإن قطعوه أو كانوا فاسقين حتى في ترك الصلاة ، ويحذر كذلك ان يكون هاجراً لأخيه المؤمن أكثر من ثلاثة أيام ( استفت العلماء ) . كذلك يجب عليه أن يزكى جميع أمواله ولا يقتصر على نفقة الحج فقط ، فإن الله سبحانه وتعالى يقول : ( لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم ) ( آل عمران / 92 ) ( راجع صفحة : 27 رجاء ) .
فهل يدري الحاج أنه سيرجع إلى بلده ليتمتع بأمواله التي جمعها وعددها ؟ كلا . فإن الله سبحانه وتعالى يقول : ( وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي ارض تموت إن الله عليم خبير ) ( نهاية سورة لقمان ) .
ثالثا : هو أهم النداءات لأنه يهدف إلى زيادة الإيمان وتثبيته في القلب ، وذلك أن ينظر الحاج إلى سماء مكة المكرمة ويتصور تلك الطيور التي أرسلها الله سبحانه وتعالى وقد حُمل كل طير ثلاثة أحجار صغيرة بحجم ما بين العدسة والحمصة ، أحدها في منقاره والآخران في رجليه ، فرمت تلك الطيور بالأحجار ذلك الجيش العظيم الجبار الذي دخل مكة ليهدم بناء الكعبة ، فدمرته تدميراً كما قال تعالى : ( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل * ألم يجعل كيدهم في تضليل * وأرسل عليهم طيرا أبابيل * ترميهم بحجارة من سجيل * فجعلهم كعصف مأكول ) معنى العصف : العلف الناتج من الحبوب . فالمقصود أن أفراد الجيش قد دُمروا جميعا بصورة أن أجسامهم قد أصبحت مطحونة كالعلف بعد أن يأكله الحيوان ( كما بحثت السورة ، والله أعلم ) .

فليفكر الحاج :

هل هذه القصة خيالية ؟ كلا . إنها وقعت وتواتر وقوعها . فمن شك فيها كان مثله كمن شك في وجوده . لذلك خاطب الله


( 90 )


سبحانهن وتعالى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله ( ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل) فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ير الحادثة لأنه ولد في عامها « عام الفيل » بل رآها بوجدانه وعقله لشهرتها بين الناس ، وإجماع المؤرخين على حدوثها .
كيف وقعت الحادثة ؟ اتخذ العلماء الواعون هذه الحادثة من أعظم الدلائل على وجود الله سبحانه وتعالى ، لأن حدوثها خارج عن مظاهر الطبيعة وأسبابها وذلك كما يلي :
( أ ) هل الطبيعة تُحمل الطيور أحجاراً بالمظهر الذي مر ذكره ؟
( ب ) هل الطبيعة تولد تلك الطاقات الجبارة في تلك الأحجار الصغيرة لتبيد آلافا من الرجال وتقطع أجسامهم إربا إربا ؟
هيهات ، هيهات ! فإن حادثة الفتك والهلاك أحدثها رب محمد صلى الله عليه وآله وسلم (ألم تر كيف فعل ربك ) وكذلك هو ربنا ورب العالمين ، وهو الذي نادى رسوله أيضاً (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ) ( نهاية سورة الحجر ) .
فليكن النداء الأول (ألم تر كيف فعل ربك ) منبها للحاج وللقراء الأعزاء ليتبعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وفي النداء الثاني (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) وليسلكوا سبيله في عبادة ربهم حتى يأتيهم اليقين ( يعني الموت ) وليحذروا أن يأتيهم الموت بغتة وهم ساهون لاهون ، وعن طاعة ربهم معرضون ( رجاء : راجعوا مرة أخرى الصفحات ( 19 ـ 20 ـ 21 ) فإن الله سبحانه وتعالى سيعذب المجرمين يوم القيامة بأحجار عذابها أكبر من الأحجار التي رمي بها أصحاب الفيل أضعافا مضاعفة في الشدة والمدة ويشاركهم أصحاب الفيل أيضا وذلك لأنها نارية ، ويمتد عذابها لمدة طويلة قد تكون آلافا من السنين ، أو أبدية مضافاً إليها مظاهر أخرى من العذاب ( نعوذ بالله ) كما قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا قو انفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون) . ( التحريم : 6 ) .


( 91 )


أيها الآباء ! قفوا عند هذه الآية الكريمة بقلوبكم ، وتدبروها بوعي تام لتجدوا أنفسكم مسؤولين عن أزواجكم وأولادكم ، فأنتم قوامون عليهم . فليس المعنى أنكم تقومون عليهم بالاستعلاء والطغيان والظلم والعدوان ، بل هو أن تقوموا عليهم بتقويم أخلاقهم بعد تقويم أنفسكم ، لتكونوا آمنين من عذاب الله سبحانه وتعالى يوم القيامة ، كما أشار الله سبحانه وتعالى في الآية الكريمة (قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة ) .
( رجاء ـ رجاءً . ارجعوا الصفحات : 23 ـ 24 ـ 25 ـ 26 )
أيها الآباء ! احذروا عقاب ربكم في أن تمتعوا أنفسكم وأهليكم بخيرات الدنيا فقط ، وتعرضون عن العمل لخيرات الآخرة ( اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا ) فتبتهجون وتسرون لمظاهر الحياة الطيبة من أموال ومساكن وأولاد وأزواج ومناصب وغيرها من فروع الزينة والجمال . فإذا كانت تلك هي أكبر همكم لا تفرحون إلا بنيلها ولا تحزنون إلا لفراقها وفقدانها ، فسيكون جزاؤكم قول الله سبحانه وتعالى : ( وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا * ويصلى سعيرا * إنه كان في أهله مسرورا * إنه ظن أن لن يحور * بلى إن ربه كان به بصيرا ) ( سورة الانشقاق ) .
وقال تعالى أيضا : ( كلا إذا بلغت التراقي * وقيل من راق * والتفت الساق بالساق * إلى ربك يومئذ المساق * فلا صدق ولا صلى * ولكن كذٌب وتولى * ثم ذهب إلى أهله يتمطى ) ( أواخر سورة القيامة ) .
أيها الآباء ! لا يغرنكم الشيطان فيوسوس في صدوركم فتقولون : « حالنا كحال الناس . أولادنا كأولاد الناس . أزواجنا كأزواج الناس « حشر مع الناس عيد » أخشوا يوما يحشر الله فيه الناس كما يقول سبحانه وتعالى: ( يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظم * يوم ترونها تذهل


( 92 )


كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد) ( أوائل سورة الحج ) .
فالعيد سنقلب إلى عذاب الله الشديد في ناره التي يقول لها هل امتلأت وتقول هل من مزيد . ( نعوذ بالله ) . فبادروا وسارعوا إلى تأديب أنفسكم وأهليكم بآداب الإسلام .
أيها الآباء ! تدبروا الآيات القرآنية الآتية لعكم ترحمون ، باجتناب الغرور بأكثرية الناس وأغلبيتهم في هجر الحق .
( أ ) (وإن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون) ( البقرة / 243 ) .
( ب ) ( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) ( الروم / 30 ) .
( جـ ) ( قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الالباب لعكم تفلحون ) ( المائدة / 100) .
( د ) ( وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون ) ( الأنعام / 116 ) .
أيها الآباء ! احذروا وحذٌروا أهليكم معاشرة الفجار الفاسقين ، وذلك بعد وعظهم ونصحهم واليأس من إهتدائهم ، فإنهم كالمرضى بالأمراض السارية يسري مرضهم إلى من يختلط معهم .
كما قال الشاعر :

لا تربط الجرباء حـول صحيحــة * خوفــي على تلك الصحيحة تجـرب

وهناك مثل آخر أشار إليه الشاعر الآخر :

صاحب أخا ثقة تحظـى بصحبتــه * فالطبع مكتسب من كــل مصحـوب
كالريــح آخذة مما تمـر بــــه * نتناً مــن النت أو طيباً من الطيـب


( 93 )

فراقبوا أزواجكم وأولادكم بجد واجتهاد ، ودققوا في اختيار سلوكهم خارج مساكنهم ، فإن الله سبحانه وتعالى سيسألكم ويحاسبكم على ذلك .
أيها الآباء

! احذروا وحذٌروا أهليكم هجر القرآن فرتلوه كل يوم ( صفحة واحدة على الأقل ) وزكوا أنفسكم بالاستماع له والإنصات من الإذاعات والمسجلات(1) وفكروا في معانيه ، واعملوا بأوامره وأحكامه ، فإن لم تفعلوا فسيشكوكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في يوم القيامة الخطير ، كما يقول الله تعالى : ( ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا * ياو يلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا * لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا * وقال الرسول يا ربٌ إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ) ( الفرقان / 27 . . 30 )
فيا حسرة على قوم يقرأون عشرات من الكتب المدرسيه والصحف والمجلات ليتمتعوا بها في دنياهم ، ولا يقرأون كتاب الله المجيد ليتمتعوا به في دنياهم وآخرتهم ( وما يذكر إلا أولو الألباب) .
أيها الآباء ! تعلموا الأحكام الفقهية من العلماء المتقين ، بدراسة كتبهم ولقائهم ومقابلتهم ، وعلموها أهليكم وزودوهم بها كما تزودونهم بالطعام والشراب واللباس ولوازم الحياة ، وبينوا لأزواجكم وبناتكم بصورة خاصة أحكام الدماء الثلاثة ( الحيض ـ الاستحاضة ـ النفاس ) لأن الجهل بها ـ كما مر سابقا ـ يبطل عباداتهن الصلاة والصوم والحج وغيرها من الأمور الشرعية .
____________
(1) استجيبوا لنداء الرحمن الذي علم القرآن : ( وإذا قرىء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) . واحذروا عداوة الشيطان في ندائه : وإذا غنى المغنون والمغنيات ، فاستمعوا لهم وانصتوا لعلكم من رحمة الله تحرمون .

( 94 )

أيها الآباء ! تدبروا قول الله سبحانه وتعالى : ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين ) ( القصص : 83 ) .
فيجب عليكم أن تدرءوا الفساد عن أنفسكم وأهليكم ، ومن أخطر مظاهر الفساد هو الانحراف عن سبيل الرشاد في الحياة الجنسية، فاتقوا ربكم فيها فإنه قريب إليكم ورقيب عليكم ، يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور من الشهوة الخبيثة ، فأطيعوه وانصحوا أهليكم بما يأتي :
( أ ) الحذر من النظر إلى الأفلام الخليعة والصور المثيرة للغريزة الجنسية .
( ب ) حذر الذكر من نظرته الخائنة إلى الأنثى والذكر ، وحذر الأنثى من نظرتا الخائنة إلى الرجل والمرأة . إن هذين الأمرين هما بمثابة شرارتين خطيرتين تؤديان إلى حرائق عاتية تشب في بناء الإنسانية فتدمر فضيلتها وكرامتها تدميرا . وتلك الحرائق هي . . الزنى ـ اللوط ـ المساحقة ـ العادة السرية ـ جرائم القتل ـ جرائم الانتحار . أمراض عصبية وأخطرها الهستريا وهي الناتجة من الكبت الجنسي .
أيها الوالدان . أيها الأولاد ! أودٌ هنا أن أرسلها إليكم صيحة ناصحة فأناديكم قائلا : « هل يطيق أحدكم أن يمرض بالتهاب بسيط في عينيه أياما قلائل ؟ كلا . فكيف بهما إذا التهبتا مع باقي الأعضاء من الجسد بلهب نار جهنم سنوات كثيرة ، قد تمتد إلى الا´لاف ؟ ! ! ( نعوذ بالله ) وأعتقد بانكم تميزون النظرة الخائنة في إحدى نظرتين :
الأولى : نظرة إلى طفل جميل أو طفلة جميلة .
الثانية : نظرة إلى شاب جميل أو فتاة جميلة .
فاستغفروا ربكم ( أيها الإخوة والأخوات ) ، فإن الله يغفر الذنوب جميعا .


( 95 )

ونهاية المطاف : إن الحصن المنيع ضد أخطار الجنس هو حجاب المرأة بصورة تصد إثارة الغريزة الجنسية ، وتكبح جماح شهواتها وأهوائها . وقد أسهب الكتاب وأطنبوا في بحوثهم حول الحجاب . ولكنني هنا أود بتوفيق الله تعالى أن أقدم للقراء الأعزاء خلاصة ما كتبوه ولب ما شرحوه ، ليكون منهاجا لأولي الألباب يثبتونه في قلوبهم ، فيقبتون بذلك على العفة والغيرة ، ويستقيمون على مكافحة ما يفسد النفوس ويهوي بها أسفل سافلين .
( 96 )

الحجاب لأولي الألباب

أولا : إن الإسلام للمرأة هو بناء الحق والهدى تبنيه في قلبها لتكون سعيدة في الدنيا والآخرة ، ولهذا البناء فروع وشُعب يرتبط بعضها بالبعض الآخر . ومن أهم الفروع هو الباب الذي يحمي البناء من دخول المعتدين الذين يحالون أن يعتدوا على المرأة بتدمير كرامتها وعفتها . وأولئك هم شياطين الجن والإنس ، ولصوص الرجس والدٌنس . والحجاب هو ذلك الباب(1) ، ويقي المرأة كذلك شر المآب في يوم الحساب .
ثانيا : أيتها الأخت العزيزة ! احذري الإيمان ببعض كتاب الله المجيد والكفر ببعض ، وتدبري قول الله تعالى : ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يُردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون ) ( البقرة : 85 ) . واعلمي أن القرآن هو شفاء للأمراض الإنسانية كما قال تعالى : ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين . . . ) ( الإسراء : 82 ) فهل يجوز للمريض أن يتناول قسما من الدواء ويهجر القسم الآخر ؟ كلا لأن هذا الهجر والنقص لا يحقق له العلاج الكامل .
وبعد هذه المقدمة : هل يجوز لك ـ أيتها الأخت العزيزة ـ الإيمان ببعض الآيات والكفر ببعضها ، وترك الاستجابة لأحكاما وأوامرها ؟
1 ـ ( حافضوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) ( البقرة : 238 ) .
____________
(1) هل يكمل بناء الدار ( مثلا ) بغير باب ؟ وهل يكمل بناء الإسلام بغير حجاب ؟ كلاٌ ثم كلا .

( 97 )

2 ـ ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) ( البقرة : 183 ) .
3 ـ ( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) ( آل عمران : 97 ) .
* * *
4 ـ (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو ابنائهن . . . . . ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يُخفين من زينتهن وتوبوا إلى اله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ) ( النور : 31 ) .
تنبيه هام : يجب على المرأة ان تجتنب في لباس الحجاب النقوش والألوان التي تفتن الناظرين وتثير شهوتهم الجنسية ، وكذلك تجتنب إطهار الحلى حتى الخاتم الصغير على الأحوط . ويجب عليها أيضا أن تحذر بروز أعضاء جسدها بملابس ضيقة خصوصا على الصدر .
5 ـ (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وأن يستعففن خير لهن والله سمع عليم ) ( النور : 60 ) في هذه الآية تحذير للنساء اللاتي بلغن سن الشيخوخة من التبرج بزينة اللباس والمساحيق والأصباغ ، فكيف إذن بالشابات ؟ ! ! ! .
6 ـ ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك ادنى أن يعرفن فلا يؤذين . . . ) ( الأحزاب : 59 ) .
7 ـ ( يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقُلن قولا معروفا * وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله . . . ) ( الأحزاب : 32 ـ 33 ) .


( 98 )

8 ـ ( . . . . وإذا سألتموهن متاعاً فاسئلوهن من وراء حجاب ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن . . . ) ( الأحزاب : 53 ) .
تنبيه هام : تشير الآيات الأربع الأخيرة إلى أمر نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالحجاب بصورة مُركزة ، مع العلم بالتحصين النبوي لهن ، فكيف إذن ببقية النساء ؟ . والهدف الآخر من التركيز هو كون نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدوة لغيرهن من النساء ( كما بحثت الآيات والله أعلم ) .
ونهاية المطاف : احذري ـ أيتها الأخت العزيزة ـ أن تكفري بالآيات الأخيرة التي تأمرك بالحجاب خصوصا الآية الرابعة المرقمة (31) من سورة النور فاستنيري بها واخرجي من ظلمات الجهل والضلال . فإن أعرضت عن قولي فإن أملي وطيد بأنك تؤمنين بالآية الكريمة الآتية : ( إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب . . . ) ( النساء : 56 ) . فهل تطيفين ماء مغليا يسيل لحظة قصيرة على عضو واحد من أعضائك المكشوفة والمصبوغة ؟ فبالطبع تجيبين ( لا ) وكيف يكون حالك أيضا إذا شملتك الآية الكريمة : ( وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير * إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور * تكاد تميز من الغيظ كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير * قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن انتم إلا في ضلال كبير * وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير * فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير ) (الملك : 6 إلى 11 ) وبالتالي ارحمي نفسك وتدبري قول ربك : ( ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون ) ( السجدة : 22 ) فإيٌاك ، إيٌاك أن تغفلي عن آيات ربٌك في أمر الحجاب واجتهدي لحجب جلدك الرقيق عن عذاب الحريق .


( 99 )

ثالثا : لا يجوز اختلاط الرجال بالنساء في محافل الترف ، ولا يجوز اجتماعهم في البيوت والنوادي والكازينوات والمدارس وغيرها بمظهر الزينة والتبرج والمزاح والنظرات الخائنة ، فكل ذلك يؤدي إلى فساد المجتمع ونسف بناء الأسرة . فانتبه أيها القارىء العزيز إلى ما يأتي :
( أ ) ما أكثر ما قرأنا وسمعنا أن زوجا خان زوجته وطلقها ، وهجر أطفاله واصطحب امرأة فاجرة غرته خلال الاجتماع والاختلاط .
( ب ) ذكرت إحدى الصحف أن رجلا قتل صديقه ليستحوذ على زوجته التي كانت تظهر أمامه بتبرج وخلاعة ، حينما كان يزور زوجها في داره .
( جـ ) قتلت زوجها بالتعاون مع صديقها وقطعت أعضاءه ووضعتها في كيس ورمته في بالوعة الدار ، وذلك لكي تتزوج بذلك الصديق .
هذه الأحداث الثلاثة هي من آلاف الأحداث التي تزداد يوماً بعد يوم . فاعتبر أيها القارىء العزيز واحذر أن تدمر نفسك في الدنيا والآخرة .
رابعا : أيها القارىء العزيز ! احذر النظر إلى الأفلام الخليعة التي تثير الغريزة الجنسية ، خصوصا الأفلام التي تقوم النساء فيها بأدوار سافلة ساقطة . فقد ذكر أن أحد الشباب شاهد فلما جنسياً مثيراً ، وبعد انتهاء العرض أقبل مسرعا إلى الدار واعتدى على أخته الصغيرة النائمة بنفس الشكل القبيح الذي شاهده ، وقد أدت الجريمة النكراء إلى النزيف والوفاة . ( نعوذ بالله )
خامسا : لا تجوز المصافحة بين الرجل والمرأة إلا من استثناهم الدين الحنيف وهم : ( الزوجان الوالدان ، الإخوان والأخوات . العم والعمة . الخال والخالة . ابن الأخت وبنت الأخت . ابن الأخ وبنت الأخ . أم الزوجة . زوجة الابن . الإخوة والأخوات والأمهات من الرضاعة ( بشروطها ) . فتحرم مصافحة بقية الأقارب كبنت العم وابن العم ، وبنت


( 100 )

الخال وابن الخال ، فكيف إذن تجوز مصافحة غيرهم ؟ ويجب على المسلم أن يُقنع الطرف الثاني بأن من المصافحة ما قد حرمها الله سبحانه وتعالى كما مرٌ ، ولا تأخذه لومة لائم فإن خشية الله أحق من خشية الناس ، لأن المصافح العاصي ستشهد يده عليه يوم القيامة كما قال تعالى : ( اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم . . . ) (يس : 65 ) نعوذ بك يا رب من التهاب أيدينا بالنار الكبرى ، فإننا لا نطيق أن تقع عليها شرارة واحدة من نار الدنيا .
سادسا : لقد جهل أكثر الناس حرمة عرض أنفسهم عند العلاج الطبي على الطبيب أو الطبيبة ، غير المماثلين للمريض في الجنس ( الذكورة والأنوثة ) ويحتجون بأن الدين يجوز ذلك فذلك خطأ كبير . نعم يجوز ذلك عند الضرورة كالولادة الخطيرة التي لم يتيسر فيها وجود الطبيبة المولدة ، فما دامت هناك فرصة اختيارية فلا يجوز للرجل أن يعالج نفسه عند طبيبة ، ولا يجوز للمرأة أن تعالج نفسها عند طبيب ، خصوصا عند طب الأسنان . فمن كان مستغربا من قولي هذا فليسأل علماء الدين المتقين ، إذا كان من المسلمين المخلصين .
سابعا : لا تجوز المقابلة بين النساء والرجال ( غير المحارم ) واجتماعهم على مائدة واحدة من الطعام بصورة يُردد المزاح والضحك فيما بينهم ، أو يذكر أحدهم اللطائف والطرائف للآخر ـ خصوصا بين الشاب الجميل والشابة الجميلة ـ وإن املي وطيد بأن القراء الأعزاء يؤيدون قولي هذا ، فان الغريزة الجنسية عند الرجل والمرأة تتأثر بأدنى المؤثرات ، حتى بصوت المرأة عند بعض النساء ، ومن حسب قولي هذا خرافة فإنه قد استهزأ بقول الله تعالى : ( . . . فلا تخضعن بالقول فيطعمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا) ( الأحزاب : 32 ) .
ثامنا : أختي العزيزة ! أذكرك مرة أخرى باجتناب الأصباغ والمساحيق وإطالة الأظفار ، وأرجوك أن تراجعي (صفحة : 58 ) .


( 101 )

تاسعا : أختي العزيزة ! راجعي من تثقين به من العلماء المتقين في مسألة كشف الوجه والكفين خصوصا إذا كنت شابة بارزة في الجمال ، لأن الفقهاء اختلفوا حول هذه المسألة ، فمنهم جوٌزوا كشف الوجه والكفين ، ومنهم حرموه وأوجبوا الستر وسمحوا بفتحة ضيقة لنظر العينين ، وبرهنوا على ذلك بأن فتنة المرأة تبرز في وجهها خصوصا في هذا الزمان الذي اندلعت فيه نيران الشهوات والأهواء في قلوب الرجال ، خصوصا الشباب منهم ، وبالتالي فأنت بصيرة على نفسك وتعلمين الحال والمآل . وإذا اطمأن قلبك بعد البحث والعلم على جواز كشف الوجه والكفين ، فيجب عليك ستر شعر الرأس كله وكذلك ستر الرقبة ، وتجاوزي به إلى جزء قليل من الفك الأسفل . واحذري كشف ما يتصل بالكفين من اليدين ، ولا تغفلي عن ستر القدمين ، ونبهي أخواتك المؤمنات على ذلك .
عاشرا : أناديك ـ أيتها الأخت العزيزة ـ للانتباه إلى الأمثلة الآتية في الحجاب والسفور :
(أ) انك كاللؤلؤة القيمة تتلألئين بالشرف والفضيلة ، فاللؤلؤة لا يبعثر مكان حفظها بل يغلق حذرا من عدوان اللصوص ومد أيدي الخائنين اليها ( كذلك الحجاب والسفور ) .
( ب ) إنك عماد المجتمع الإنساني كالطاقة الكهربائية التي تزود الأجهزة المتصلة بها بما يُقوٌم حياة الإنسان ، فهذه الطاقة تسير في أسلاك يجب أن تكون مغلفة ، فإذا نزع الغلاف عنها تنقلب الحياة إلى الممات ، وينقلب الهناء إلى الشقاء ( كذلك الحجاب والسفور ) .
( حـ ) إنك كالحديقة الغنٌاء تضم الأشجار الخضراء الزاهية ، والفواكه الطيبة العطرة ، والأزهار الجذابة الخلابة ، فهي محاطة بسياح شامخ راسخ يدخل فيها من أحل له الدخول من بابها الخاص ، فإذا هدم سياجها تكون عرضة لعبث


( 102 )

العابثين ونهباً للصوص المجرمين ( كذلك الحجاب والسفور ) .
( د ) إياك إياك أن تطيعي زوجك إذا نهاك عن الحجاب ، فلا طاعة لمخلوق بسخط الخالق . واعلمي بأنك ستحشرين إلى الله قريبا يوم القيامة ، فلا ينفعك زوجك ولا ينجيك أحد من عذاب الله الشديد ، إلا إذا أطعت واتقيت ربك خصوصا في أمر الحجاب ، وحاولي أن تنصحيه بالتي هي أحسن ، وآتيه بالمثل الآتي : إن الزوجة المحجبة كالسيارة الخاصة بالنسبة لزوجها ، أما إذا كانت سافرة فتصبح كالسيارة العمومية يتردد إليها الناس داخلين وخارجين ، فهي عرضة لتلويث مقاعدها وتدمير أطرافها وجوانبها الأخرى ، والجدير بالذكر هو أن التردد بالدخول والخروج بالنسبة للمراة لا ينحصر بالاتصال بها مباشرة ، بل يتجلى كذلك في تردد النظرات الخائنة إليها والهمسات الخبيثة الموجهة إليها ، وتلك هي الشرارات الجنسية التي تمتد إلى حرائق عاتية .
وأقول هنا : ويل للزوج الذي يسمع هذه النصيحة ويبقى مصرا على تعنته وطغيانه وفقدان غيرته على عرضه ، ويا حسرة عليه إذ يوبخه الحديث الشريف المروي وهو ( الغيرة من الإيمان ) فمن لا غيرة له لا إيمان له . ( نعوذ بالله ) .
وأقول أيضا : ويل ثم ويل للزوجة التي يأمرها زوجها بالحجاب فلا تطيعه ، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحديث المشهور . ومضمونه أنه سيأتي في آخر الزمان نساء كاسيات ولكنهن عاريات ، وإلى الشهوات مائلات ومميلات ، وفي جهنم خالدات ، فلا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها . ( نعوذ بالله ) .


( 103 )

ختاما
إن السفور من النسـاء وسيلــة * لتعارف الفتيــان والفتيـــات
وبه تباريــح الغرام تثور مـن * وهج الصدور بلاعج الزفــرات
حتى إذا تمـت مراتبه ومـــا * قــد عدهـا شوقي(1) من الحالات
هجم الفجور على الصيانة والحيـا * ورمى العفاف بأسهم الشهـــوات
ما في الرجال على النساء مؤمن * كــم من ثقاة فتكـــوا ببنات
فتحجبي بنت العفاف ترفعـــا * عــن أعين الفساق في النظرات
إن الحجاب وقاية الأعراض من * سفـــه السفور وذلـة اللذات
* * *
قل لمـــن بعــد حجــاب * أبهذا يأمـــر الغيد الشــرف
أسفور والحيـــا يحظـــره * وتقـــى الله وآداب السلــف
ليســت المــــرأة إلا درة * أيكــون الدر إلا في الصــدف
* * *
سيري لمجدك تحـت ظل عفــاف * وتجملى بمطـــارف الألطــاف
ودعي التبــرج والسفور ففيهمــا * ســرالسقوط ومنتهى الإسفـــاف
ليس التبـــرج للفتاة بزينـــة * تسمو بــــه لمراتب الأشـراف
لكنما هو دعـوة مــن جاهـــل * متجاهـــر بالمكر والإرجـــاف
يبغي الوصول إلى منـــاه بـخدعة * مستورة بمظـــاهر الإنصـــاف
لو كنت تدرين المراد لخفـت مــن * عقبى الخــداع وغائـل الإجحـاف
فتحذري سـوء النهايـــة واتقـى * لهب اللظـى بتحجــب وعفــاف

____________
(1) يريد قول أحمد شوقي في قصيدة :
نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء .

( 104 )

ما الدر وهو مجرد عـن حــرزه * بمقدار كالــدر فــي الأصـداف
وتصان بالستــر الثمار وتغتـدى * ببروزها في معـــرض الإتلاف
ولذا يقول الديـــن لا تتبرجـي * للأجنبـــي وحققــي أهـدافي
كي تسعدي بهدايتـــي وتحققي * هدف السمـــو بأمثل الأوصاف
* * *
يا ابنتي إن أردت آيــة حســن * وجمالا يزيـــن جسماً وعقــلا
فانبذي عــادة التبــرج نبـذاً * فجمال النفـــوس أسمى وأعلـى
زينة الوجه أن ترى العين فيــه * شرفـــا يسحر العيون ونبــلا
واجعلي شيمة الحياء خمـــارا * فهــو بالغادة الكريمـة أولــى
والبسي من عفاف نفسك ثوبــا * كــل ثوب سواه يفنى ويبلــى
* * *
رأيت النساء بعينــي الخيــال * وأبصرتهـــن بعيـن النظــر
فكن محاســن هــذا الوجـود * يطالعنـــه بأحــب الصـور
إليهن مهــوى قلوب الـورى * وعنهـــن يصدر كل البشــر
بهن الهدى ولهــن الهــوى * وهـــن الأمان وهــن الخطر
* * *
حسب المـــرأة قـوم آفـــة * من يدانيهـا مـــن النـاس هلك
وراهـــا غيرهــــم أمنيةً * ملك النعمـــة منها مــن ملك
إنما المرأة مـــرآة بهــــا * كـــل ما تنظره منك ولـــك
فهي شيطــان إذا أفسـدتهــا * وإذا أصلحتهـــا فهـي ملــك
* * *
نظم الشاعر العراقي « الزهاوي » قصيدة نقد فيها الحجاب وحث النساء على السفور ، وانطلقت قصيدته من مدينة « بغداد » ولها اسم آخر هو « الزوراء » فمن أبياتها :


( 105 )

اسفري فالحجاب يـــا ابنة فهـر * هـــو داء فـي الاجتماع وخيـم
كل شيء إلى التجــدد مــاضٍ * فلمـــاذا يُقــر هذا القـديــم
اسفري فالسفــور للنــاس صبح * زاهــر والحجــاب ليــل بهيم
* * *
أقول : ليس كل قديم متجددا ( كما قال الزهاوي ) فأهم مقومات الحياة هي قديمة لا تتجدد هل تجددت الشمس القديمة ؟ هل تجدد الهواء القديم ؟ هل تجدد أصل الماء القديم ؟ هل تجددت اللحوم والفواكه ؟ كلا ثم كلا . كذلك قوانين الإسلام القديمة المقومة للإنسانية العليا لن تتبدل ولن تتحول كما قال تعالى :
( أ ) (فلن تجد لسنة الله تبديلا ، ولن تجد لسنة الله تحويلا) ( فاطر : 43 ) .
( ب ) (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) ( الروم : 30 ) .
وقد تصدى للزهاوي شاعر بالأبيات الآتية :
أكريمة الزوراء لا يذهـــب بـك * هذا الخـــداع ببيئــة الـزوراء
لا يخدعنك شاعـــر بخيالـــه * إن الخيال مطيــــة الشعــراء
حصروا علاجك في السفور وما دروا * أن الـــذي وصفوه عيــن الداء
أو لم يروا أن الفتــاة بطبعهــا * كالمـــاء لم يُحفظ بغيــر إنـاء
مـن يكفل الفتيات بعـــد بروزها * ممــا يجيش بخاطر العـــذراء ؟
ومـــن الذي ينهى الشبيبة رادعا * عـــن خدع كل خربدة حسنـاء ؟
ليس الحجاب بمانــع تهذيبهــا * فالعلـــم لم يُرفع على الأزيــاء
أو لم يسع تعليمهن بـــدون أن * يملأن بالأعطـاف عيــن الرائي ؟
* * *


( 106 )

أرادوا لهــن حيـــاة السفــور * وتلك لعمـــري طريق الفجــور
وكيف يصان عفـــاف الفتــاة * وفي كـــل يوم خليل يــزور ؟
هل الغيـــد إلا بدور بنـــى * لهــن العفاف بــروج الخـدور
فأين التجـدد مـــن مـــدع يرى الحزم في نبذهـــن الستـور
* * *
أرجوك رجاء مخلصاً ( أيها القارىء العزيز ) مراجعة القصيدة ( صفحة : 60 )
وأخيرا : ( أيتها الأخت العزيزة ) فإن أملي وطيد بأن نور الله قد سطع في قلبك وتفتح لك سبيل الحق والهدى فاسلكي فيه آمنة مطمئنة ولا تستوحشي من قلة السالكين ، فإن الله سبحانه وتعالى معك فهو نعم النصير والظهير ويقول : (وقليل من عبادي الشكور) واعلمي بإن الدين هو النصيحة فانصحي تلك المرأة التي جهلت أو تجاهلت أحكام القرآن الكريم وتزعم أنها ليست مقتنعة بأمر الحجاب ، فاقنعيها بما شرحناه لك ، وقولي لها أيضا « لماذا تقتنعين بوصفة الطبيب إذا كنت مريضة وتعملين بأوامره ولا تردين عليه وهو بشر لا تؤمن أخطاؤه ، ولا تعملين بأوامر رب العالمين وأحكم الحاكمين ؟ ! ! وقد قال الله العليم الحكيم : (قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السموات وما في الأرض والله بكل شيء عليم ) ( الحجرات : 16 ) .


( 107 )

زواج رسول الله ( محمد ) صلى الله عليه وآله وسلم

لقد طعن أعداء الإسلام في شخصية رسول الله ( محمد ) صلى الله عليه وآله وسلم وتقولوا عليه بأنه كان مشغوفا في حب النساء وقد جمع بين تسع زوجات ولكنهم ( مع الأسف الشديد ) قد جهلوا أو تجاهلوا ما يأتي :
أولا : لا عيب في حب النساء فذلك من مظاهر الفطرة الإنسانية السليمة وهو التجاذب بين الذكر والأنثى وإنما العيب أن يخرج المرء بالحب عن حدود العدالة الإنسانية . ويُعرض عن غرض وجوده القويم ففي ذلك انحراف عن الحق وتشويه للكرامة . فلو نظرنا إلى حياة ( محمد ) صلى الله عليه وآله وسلم لوجدنا أن المرأه لم تشغله ولم تُلهه عن أعماله السامية الرفيعة فكانت حياته كلها كفاحا وجهادا لبناء تاريخ مجيد للإنسانية ! أجل إنه بنى أعظم تاريخ مشرق بنور الحق والعدل في حياته وبعد مماته ولكن من يُغلق عينيه دون النور يضر نفسه ولا يطفىء النور .
ثانيا : اتٌسم ( محمد ) صلى الله عليه وآله وسلم بالطٌهر والعفة في شبابه فلم يستبح قط لنفسه ما كان شباب الجاهلية يستبيحونه لأنفسهم من اللهو والفساد الجنسي . وقد بقى إلى نحو الخامسة والعشرين من عمره وهو لم يتعسف في طلب الزواج الحلال مع تيسره ولما تزوج في تلك السنة كان زواجه ( بخديجة ) وعمرها أربعون سنة أكتفى بها إلى أن توفيت وهو يجاوز الخمسين مع العلم بانتشار عادة التعدد ووفرة النساء ورغبتهن فيه وعدم وجود المانع من جهة خديجة لأنها كانت أكبر منه سنا بالإضافة إلى تقواها التي تكبح بها جماح عاطفتها وغيرتها بالنسبة لتعدد زوجاته . وكان بيده طلاق خديجة إذا أبدت تعسفا وتعنتا فلا يحرم نفسه من لذة الجنس ولكن هيهات فإن


( 108 )

لذة القيام بأداء الرسالة الإلهية وهداية الناس إلى سبيل الرشاد كانت أعظم لديه من لذة الاجتماع بأجمل فتاة في عصره .
ثالثا : لو كان الهوى الجنسي متحكماً في نفس ( محمد ) صلى الله عليه وآله وسلم لسارع إلى الزواج بعد خديجة بتسع فتيات بارزات في الجمال فيسرعن إليه راضيات فخورات وأولياء أمورهن أرضى منهن وأفخر بهذه المصاهرة ولكنه لم يتزوج بكرا غير ( عائشة ) وكان عمرها حوالي عشر سنوات ، أما بقية الزوجات فكلهن ثيبات ومنهن مسنات ( كسودة بنت زمعة ) وهي أول النساء بعد خديجة وقد تزوجها وعمره اثنتان وخمسون سنة وهو العهد الذي يتقلص فيه النشاط الجنسي . ومن النساء المسنات ( أم سلمة ) وماذا تقول ( أيها القارىء العزيز ) في بنت صغيرة كعائشة يتزوجها النبي ؟ هل كان ذلك بدافع جنسي ؟ كلا . لماذا لم يتزوج ( محمد ) صلى الله عليه وآله وسلم فتاة بكرا عمرها عشرون سنة ( مثلا ) بدل البنت الصغيرة ؟
إذن : كان تعدد الزوجات لتحقيق مصلحة عامة ومن ذلك إعزاز من ذل من المطلقات المؤمنات والأرامل الصالحات وكذلك لتقوية الصلات بأكابر قريش والرؤساء من أصحابه وذلك لدعم رسالته ودعوته لنشر مبادىء الإسلام في اوسع نطاق وأقرب فرصة .
رابعا : تزوج النبي ( محمد ) صلى الله عليه وآله وسلم ( زينب بنت جحش ) ابنة عمته وكانت زوجة ( زيد بن حارثة ) وقد طلقها الزوج بعد العجز عن الأصلاح لأنها كانت تكرهه فلم تنسجم معه وكان النزاع بينهما مستمرا فكان زواج النبي بها لايوائها وإسعادها فلم يكن بدافع الهوى ( كما يزعم أعداء الإسلام ) لأنه لو كان كذلك لتزوجها ابتداء فهو الذي عرضها على (زيد ) فتزوج بها . والجدير بالذكر هو أن زواج نبينا بزينب بنت


( 109 )

جحش تم بأمر من الله سبحانه وتعالى : (... فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها . . . .) ( الأحزاب : 37 ) .
خامسا : اجتمعت كلمة نساء النبي ( محمد ) صلى الله عليه وآله وسلم على الشكوى واشتددن فيها بأنهن لا يجدن نصيبهن من النفقة والزينة برخاء وترف من قبل زوجهن فهم النبي بتسريحهن وطلاقهن وخيرهن بين الصبر على معيشتهن والتسريح لأنه وجد أن حب الله والجهاد في سبيل إعلاء كلمته خير له من حب النساء بتحقيق شهواتهن وأهوائهن كما قال الله تعالى : (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن واسرحكن سراحا جميلا * وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما) ( الأحزاب : 27 ـ 28 ) فتدبروا واعتبروا يا أولي القلوب الواعية . فلا تغرنكم نساؤكم ولا تستجيبوا لأهوائهن منحرفين عن الحق ، نعم متعوهن من طيبات الحياة وزينتها ووسعوا عليهن بما أنعم الله به عليكم وارضوهن بما لا تخسرون به رضوان الله تعالى فلهن عليكم حق التكريم والاحترام .