(و) غرام التبرج والخلاعة في اللباس وغيره بالنسبة للمرأة .
(ز) غرام الزعامة (الدكتاتورية والطغيان).
(ك) غرام جمع المال واحتكاره.
أيها القراء الأعزاء : ما زلنا في بحث الفارين من الله ، وقد ذكرنا منهم الكافر الملحد ابتداء وهو أخطرهم ، ويأتي بعده العاصون وأهمهم :
1 ـ تارك الصلاة : ـ الصلاة عماد الدين ، وأهم مظهر لشخصية المسلم وهويته ،وهي أول ما يحاسب المرء عليها يوم القيامة . وفيها فوائد جسمية واجتماعية وروحية لا مجال لذكرها في هذا الكتاب ، ويعتقد بعض الناس بطلان صلاة الفاسق المنغمس في شهواته فذلك ليس صحيحا ، لأن الله تعالى لا يضيع عمل العاملين . ويستفيد المصلي من صلاته أيضاً أنها تنصحه وتهديه ، وتنهاه عما هو عليه من الفسق والعصيان (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) فيصبح من الصالحين ولو بعد حين . قولى هذا كله يكون بعد نهى العاصي عن معصيته فإن لم ينته ولم يتب في أقرب فرصة ، فأحذره من ترك الصلاة وهجرها . . فإن تارك الصلاة قد قطع الصلة بينه وبين ربه بصورة جريئة ، لذلك فإنه يستحق العذاب الذي يتمثل ويبرز في قول الله تعالى : (فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون ) ففي هذه الآية إنذار خطير لتارك الصلاة ، وذلك لأن كلمة (فويل) معناها العذاب الشديد في النار ، وهو للمصلين الساهين الذين يؤدون الصلاة ولكنهم يتهاونون في تصحيح الأداء كالقراءة والوضوء والطهارة وغيرها ، أو أنهم يتسامحون في الأوقات ، أو يؤدونها أوقاتاً ويتركونها أخرى (كما بحثت الآية والله أعلم) .
فكيف إذن يكون حال الذين لا يستقبلون القبلة مدى حياتهم ؟ فليرجع هؤلاء الفارون من ربهم إليه بالاستغفار وأداء الصلاة وقضاء ما فات منهم بالتدريج .
2 ـ تارك الصوم :الصوم فريضة فيها فوائد متعددة كالصلاة لا مجال لذكرها أيضاً . ولكن محور الهدف لأدائها هو الانقياد لأوامر الله تعالى والاستسلام لإرادته . وأحذركم أيها الإخوة أن تعرضوا عن تلبية نداء ربكم الذي يناديكم قائلا (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) (البقرة / 183) فإن أعرضتم وتوليتم فسيكون جزاؤكم على أكلكم قوله تعالى :
(ليس لهم طعام إلا من ضريع) (الغاشية/ 6) إنه طعام في منتهى القذارة والنتونة. وأما جزاء شربكم قوله تعالى : (وسقوا ماءً حميماً فقطع أمعاءهم) (محمد / 15) (نعوذ بالله) .
3 ـ تارك الحج : الحج فريضة سنها الله تعالى لينفع بها الناس منافع متعددة ، أهمها تزكية النفس وتهذيبها ، ويلي ذلك منفعة اجتماع المسلمين للتعارف فيما بينهم، وتبادل الآراء وحل المشاكل ، وذلك لتحقيق أهداف إنسانية سامية. وقد انذر محمد صلى الله عليه وآله وسلم تارك الحج بعذاب في النار تكون شدته كعذاب اليهود والنصارى ، كما روى عنه ( من استطاع الحج ولم يحج مات إن شاء يهودياً أو نصرانياً ) (نعوذ بالله). وهناك من يعتذر عن أداء الحج بعدم زواجه أو ملكيته لدار يسكنها. فلا يقبل منه هذا العذر إلا في بعض الظروف الخاصة تتبين عند المرجع الديني الأعلى ، وذلك عند عسر العزوبة فقط .
4 ـ مانع الزكاة : الزكاة حقوق مالية متعددة فرضها الله تعالى في أموال معينة ، تتعلق بالزاراعة والتجارة ومكاسب أخرى . وأمر أن تصرف لسد حاجات المساكين والفقراء ، وتحقيق مشاريع إنسانية قويمة ليضمن المجتمع بذلك رخاءه وهناءه . فليراجع كل ذي مال وكسب وإن كان قليلاً العلماء المتقين ليقرروا تكليفه الشرعي في الوجوب أو عدمه . وقد أنذر الله
تعالى الأغنياء الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله بآيات عديدة ، وخلاصتها قوله تعالى : (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) .
أي أنكم أيها البخلاء لن تحشروا مع الأبرار الذين قال الله في حقهم ( إن الأبرار لفي نعيم) (الانفطار/ 13) بل تحشرون مع الفجار الذين قال الله في حقهم (وإن الفجار لفي جحيم) (الانفطار/ 14) . وإنكم تخزنون أموالكم للوارثين فلهم الهناء ولكن الشقاء ، كما قال الشاعر :
أبقيت مالك ميراثــا لوارثــه | * | فليت شعري ما أبقى لك المــال؟ |
القوم بعــدك في حال يسرهـم | * | فكيف بعدهم حالــت بك الحال؟ |
ملوا البكاء فما يبكيك من أحـد | * | واستحكم القيل في الميراث والقال |
5 ـ تارك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : من أهم أهداف الإسلام بناء مجتمع إنساني يتحلى بالخير والفضيلة ويتخلى عن الشر والرذيلة ، ولا يكون ذلك إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بطرق تربوية صحيحة . ونحن جميعا مسؤولون عن هذه المهمة السامية ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) (كما جاء في الحديث المنقول) . وتتفرع هذه المسؤولية كما يأتي :
(أ) الزوج عن زوجته وأولاده وخدمه .
(ب) الأم عن أولادها .
(جـ) مدير المدرسة والمعلمين عن التلاميذ .
(د) علماء الدين عن الناس جميعاً .
(هـ) الخطباء عن المستمعين .
(و) الحكام والزعماء عن شعوبهم .
(ز) الموظفون الكبار عن الصغار منهم .
ويتجلي خطر المسؤولية فيما يأتي من قول الله تعالى :
(أ) بسم الله الرحمن الرحيم (والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) (سورة العصر) .
أجل إن الإنسانية تخسر سعادتها في الدنيا والآخرة ، ولا تنتفع بالإيمان والأعمال الصالحة إذا تجردت عن التواصي بالحق ونشر تعاليمه . (فالساكت عن الحق شيطان أخرس) .
(ب) (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويعلنهم اللاعنون) (البقرة /159) .
ثم أكد الله تعالى جريمة كتمان الحق وعدم نشره بعد ذلك مباشرة ، بقوله ( إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فاولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم) (البقرة /160).
6 ـ ظالم الناس : وهو الذي يتعدى حدود الإنسانية والعدالة في معاملة الناس ، ويكون ذلك باللسان واليد. أما ظلم اللسان فيتجلى في السب والكلام البذيء والكذب والغيبة ، وهي أن يذكر المسلم أخاه المسلم الغائب عنه بعيوب هي فيه خلقا وخُلقا ، إلا إذا كان متجاهراً في أخلاقه السيئة فتجوز غيبته . والجدير بالذكر هو أن المستمع للغيبة مشترك في المعصية ، فيجب عليه النهي والمنع . كذلك التهمة والنميمة والسخرية . . . إلخ .
وأما الظلم باليج فيتجلى في الضرب والجرح والقتل ( بغير حق ) والسرقة ونقص الكيل وأكل الربى والغش والنميمة والسخرية.... إلخ .
إياك إياك أيها القارىء العزيز أن تظلم والديك وخصوصا أمك ، فلا يدخل الجنة من كان عاقا لوالديه . الله الله في الأقرباء فأحسن إليهم وإن أساءوا إليك ، وإياك أن تهجرهم فإن الله تعالى ينذرنا إنذارا خطيراً إذا قطعنا الأرحام (الأقارب) بقوله (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم * أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم) (محمد 22 ـ 23)
تدبروا هذه الآية بدقه وإمعان ، واحذروا لعنة الله وسخطه .
الله الله في الجيران ، ومع الأسف الشديد فإن أكثر الناس لم يؤدوا حق الجيران . وأحذرك أيها القارىء العزيز ظلم بقية الناس خصوصاً زوجتك ، فإنها من أهم مُقومات حياتك . فإياك أن تعتدي عليها بالسب والضرب والاستهزاء وغير ذلك من فروع الظلم ، فأحسن إليها بالمداعبة والملاطفة والنفقة. فقد جاء في الحديثين المرويين :
(أ) (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي).
(ب) (أكمل الناس إيمانا أحسنهم أخلاقاً مع أهله).
الزوجية البشرية
* خلق الله سبحانه وتعالى الكون وأظهر فيه آيات لا تعد ولا تحصى ، ليستدل الإنسان بها على حكمة خالقه وعظمة رب العالمين . ومن أهم آياته هي الزوجية البشرية التي تتجلى مظاهرها الحكيمة في الرجل والمرأة . كما أشار إلى ذلك أحد الفلاسفة بقوله: « إذا كانت المصادفات العمياء والاتفاقات المتكررة قد أوجدت إنساناً على وجه الأرض فكان رجلاً، فهل يجوز لذوي العقول الواعية أن يزعموا أن تلك المصادفات والتطورات قد أنشأت إنساناً آخر فكان امرأه لها أجهزة عجيبة التركيب تختلف عن أجهزة الرجل ، كجهاز الرضاعة والحمل والأوتار الصوتية ، بالإضافة إلى غريزة التجاذب الجنسي ؟ كلا ! ثم كلا ! فإن المفكرين الأحرار يخشعون ويسجدون لله الخالق البارىء المصور لكلا الجنسين الذكر والأنثى .
كما قال تعالى : (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) (الروم / 21) .
* يجب على الإنسان أن يعلم بأنه لم يُخلق في هذا الكون ليتمتع بالطعام والشراب واللباس والمسكن والمال والجنس والسلطة ، ويتخذ تلك المقومات الحيوية هدفا لكيانه وسعادته ، بل خُلق ليجعلها وسيلة لغاية سامية وهي السعي لمعرفة ربه ، وعمارة قلبه بتفواه في نفسه وفي عباده وبلاده . كما قال تعالى : (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) (الذاريات / 56) .
فالبناء الحيوي للإنسان بفروعه ( الطعام . الشراب . اللباس .
المسكن . العلم . العمل . المال . الجنس . السلطة ) إذا لم يكن مبنيا على أساس التقوى فهو بناء منهار ، كما قال تعالى (أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أمن أسس بنيانه على شفا جرف هارٍ فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين) (التوبة / 109) .
ولا يتحقق هذا البناء الإنساني القويم إلا بمجتمع يستضيىء بنور الله الذي يهدي إلى الصراط المستقيم وسبل السلام . ولا ينشأ هذا المجتمع إلا بإنشاء الأسرة الصالحة المُصلحة ، ولا يحصل ذلك إلا بأزواج قد غرست في قلوبهم شجرة الدين الحنيف تُؤتي الثمرات الطيبة من الأولاد .
* يتدبر الإنسان الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحث المرء على الزواج وتحفزه للمسارعة إليه فيعمل بمقتضاها.
* الآيات القرآنية :
(أ) (وانكحوا الأيامى(1) منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم) (النور / 32) .
الشرح : يجب على الآباء والأمهات أن يعجلوا في تزويج أبنائهم وبناتهم ، فإنهم مسؤولون أمام الله تعالى ومعاقبون على كل مفسدة تنتج من التأخير بدون عذر مشروع . أما عذر إكمال الدراسة فإنه غير مقبول ، وذلك لإمكان الزواج وإشباع الغريزة الجنسية بصورة لا تؤدي إلى الحمل والولادة ، وإن كان في ذلك نيل الحد الأدنى من الشهوة . فإن متاعب عزوبة الشاب والشابة خلال الدراسة أكثر من متاعب زواجهما أضعافاً مضاعفة . . وأملي وطيد بأن القراء الواعين يؤيدون ذلك . كل ذلك يتم بشرط عدم تعسير
____________
(1) الأيامى (جمع) والمفرد (أيم) تطلق الكلمة للرجل العزب وللمرأة العزبة .
والدي البنت لأمور تتعلق بهذا المشروع النبيل ، خصوصا المغالاة في المهور ، فإن السعادة الزوجية ليست في المال الكثير ، بل هي في مآل المرأة إلى مصير مستنير بنور الأخلاق الحميدة التي يتحلى بها الزوجان .
(ب) (ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزواجاً وذرية) . . . (الرعد/38) .
الشرح : إن الرسل هم قادة الناس ، وإن للناس فيهم أسوة حسنة . وأهم مظاهرها هو الزواج لإنتاج ذرية صالحة تعبد رب العالمين .
(جـ) (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما) (الفرقان /74) .
الشرح : مدح الله تعالى أولياءه في هذه الآية بأنهم يدعونه ليرزقهم أزواجاً وذريات يسطع في قلوبهم نور الهدى والإيمان، فتقر أعينهم بهم في الدنيا ، وكذلك الحال عندما يحشرون معهم في الجنة كما قال تعالى : (فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون) خصوصا بما كانوا يؤدبون ويهذبون أزواجهم وذرياتهم .
(د) (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن)... (البقرة/187) .
الشرح : جاءت هذه الآية بأحسن وصف للانسجام الزوجي ورباطه ، فباللباس تتجلى ثلاثة أمور هي من أهم ركائز حيوية الإنسان وهي الستر والوقاية والزينة فيحققها الزوجان كل منهما للآخر .
(هـ) (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) (الروم / 21) .
الشرح : أجل ليسكن الزوج إلى زوجته وتسكن الزوجة إلى زوجها في مسكن روحي تسوده المودة والرحمة ، فلا ينفعها مسكن يكون فخماً ببنائه
وأثاثه إذا كان سلوك أحدهما أو كليهما فحماً قد اسود بفساده وطغيانه .. فهناك الشقاء والعناء . وقد قيل : إن من أعظم البلايا مصاحبة من لا يوافقك ولا يفارقك . وكما قال الشاعر :
* الأحاديث النبوية المروية حول الزواج :
(أ) (تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة ، حتى بالسقط) .
(ب) (من رغب عن سنتي فليس مني ، وإن من سنتي النكاح ، فمن احبني فليستن بسنتي)
(جـ) (إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) ـ عريض ـ .
(د) (من تزوج أحرز نصف دينه ، فليتق الله في النصف الثاني) .
(هـ) (ركعتان يصليهما المتزوج أفضل من سبعين ركعة يصليهما عزب).
(و) (أكثر أهل النار العُزاب) . ـ خصوصاً الذين يستطيعون الزواج ـ .
أولا : يجب إحراز سلامه الزوجين من الأمراض الخطيرة خصوصا السارية منها ، كالأمراض الزهرية والسل وغيرها . ويجب على الزوج أن يتأكد بصورة خاصة سلامه الزوجة من مرض السكر الذي يضر بجنينها عند الحمل ضررا عظيما ، وكذلك سلامتها من الإدمان على التدخين الذي يفتك بها وبأولادها فتكا ذريعاً . ويتأكد كل من الزوجين سلامة أقرباء الآخر من التخلف العقلي والفسلجي ، فإن الوراثة لها أثرها الفعال . وليحذر الطبيب
من إصدار شهادة صحية مزورة ، فإنها خيانة للدين وعدوان صارم عل الإنسانية .
فليراقب الأزواج مع أوليائهم هذه الأمور بكل وعي وإمعان ، فإن لم يفعلوا فسيهوى الزوجان في هوة سحيقة من الشقاء والعناء (نعوذ بالله).
ثانياً : إحراز تقوى الزوجين وتمسكهما بالدين الحنيف ليؤدي كل منهما واجبه نحو الآخر ، فيسطع نور السعادة بينهما ويتمتعان بحياة طيبة سليمة .
وقد رويت أحاديث نبوية تتعلق بهذا الموضوع إليكم أهمها :
(أ) (كما مرٌ سابقا) ( إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه). إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير « عريض » . أجل فقد سادت الفتنة في الأرض وظهر الفساد الكبير العريض بالزنى واللواط والمساحقة والعادة السرية .
(ب) ( لا تنكح المرأة لجمالها فلعل جمالها يرديها، ولا لمالها فلعل مالها يُطغيها . وانكح المرأة لدينها) ليس المقصود من هذا الحديث الاقتصار على دين المرأة والانعزال عن جمالها ومالها ، فإن الله جميل يحب الجمال والمتجملين، وبالمال تُحقق مشاريع إنسانية سامية . وإنما المراد أن يكون ذلك الجمال والغنى الماديان ملازمين للإيمان والتقوى . . فإنهما جمال النفس وغناها كما قال الشاعر :
يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته
*
أتطلب الربــح فيما فيه خسران
أقبل على النفس واستكمل فضائلها
*
فأنت بالنفس لا بالجـسم إنســان
فإذا كانت الزوجة جميلة في جسمها وقبيحة في دينها ، أو كانت غنية في أموالها وفقيرة في تقواها ، فإنها تدمر حياة زوجها . فهو لا يطيق أن يفارقها لجمالها ومالها ، ولا يستطيع أن يصبر على شراستها وسوء أخلاقها الزوجية فتلك الحال هي الطامة الكبرى والكارثة العظمى (ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم) .
وقد روى عن سيدنا الحسن بن علي عليهما السلام أنه قال لرجل سأله عن تزويج بنته « زوجها ممن يتقى الله تعالى ، فإنه إن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها » . نعم والله هكذا خُلقُُ المتقين .
ثالثا : إذا أراد الرجل أن يتزوج امرأة ، فلينظر إليها ويتأكد في الفحص بالاعتماد على شهادة امرأتين على الأقل تتصفان بالتقوى والذكاء والوعي لكي يحقق آماله الجنسية . كذلك يحق للمرأة أن تطلع بنفسها أو بشهادة أمينة صادقة على منظر الرجل وسلوكه ، لتكون مطمئنة في تحقيق الزواج.
رابعا : يحاول الزوج أن تكون الزوجة خفيفة المهر ، ويرشد والديها إلى الأحاديث النبوية التي رُويت ناهية عن المغالاة في المهر . فمن أهمها :
(أ) (خير النساء أحسنهن وجوها وأرخصهن مهورا).
(ب) ( من بركة المرأة سرعة تزويجها وسرعة رحمها ـ أي الولادة ـ ويسر مهرها) فإن الهدف الحقيقي في الزواج ليس هو المال، بل هو منال أسرة كريمة تتمتع بالهناء والرخاء في الدنيا والآخرة.
خامساً : يجب على الزوج أن يدقق النظر ويمعن الاختيار في البيئة التي نشأت فيها الزوجة ، والأسرة التي أنبتت نبات شخصيتها . فيختبر إخوانها وآباها وخصوصا أمها ، فإن الوراثة الصالحة والبيئة الفاضلة قاعدتان رصينتان لبناء الإنسانية العليا ، قال الشاعر :
إذا أردت زوجـــة تبغيهــــا
*
كريمة فانظــــر إلى أخيهـــا
يُنبيــك عنهــا وإلى أبيهـــا
*
فــــإن أشبـــاه أبيها فيهـا
(ولم يذكر الشاعر الأم لضيق مجال القافية) .
ـ رُوى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم :
(أ) (إياكم وخضراء الدمن) .
والمعنى هو المرأه الحسناء في المنبت السيء كالعشب الذي ينبت في المزابل .
(ب) (تخيروا لنطفكم فإن العرق دسٌاس).
ملاحظة هامة : لم يثبت في التشريع الإسلامي بصورة مؤكدة النهي عن الزواج من الأقارب بالقول المشهور «اغتربوا لا تضووا» وبالقول الآخر «لا تنكحوا القرابة فإن الولد يخلق ضاويا» (أي ضعيفاً) . فإن هذين القولين لم يُصحح الفقهاء صدورهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فلو كان الزواج من الأقارب يؤدي إلى انحراف خطير في سلامة النسل، لتواترت الأخبار الشرعية في التحريم ، لأن الأمر هام جداً وجدير بالبيان فلا ضرر ولا ضرار في الإسلام ، والشاهد على ذلك هو أننا نرى كثيرا ممن تزوجوا من أقربائهم قد وُلد لهم أولاد يتمتعون ببنية قوية وصحة جيدة جدا. نعم إن ما أثبته العلم الحديث من الأضرار الصحيحة في زواج الأقارب لا يبعد أن يَخصٌ ما نَصٌ به الدين الحنيف وقرره في تحريم الزواج من أقرب الأقرباء ، وهن الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت فالميزان الصحي للأبناء هو صحة الآباء والأمهات وما يتلقاه الطفل من عوامل التربية في البيئة التي ينشأ فيها أثناء الحمل وبعده .
حقوق الزوجين
1 ـ روى أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت :
يارسول الله ما حق الزوج على المرأة ؟
فقال لها : تطيعه ولا تعصيه ، ولا تتصدق من بيتها بشيء إلا بإذنه ، ولا تصوم تطوعاً إلا بإذنه ، ولا تمنعه نفسها وإن كانت على ظهر قتب (الرحل) ، ولا تخرج من بيتها إلا بإذنه ، فإن خرجت بغير إذنه لعنتها ملائكة السماء وملائكة الأرض حتى ترجع إلى بيتها .
فقالت : يا رسول الله من أعظم الناس حقاً على الرجل ؟
قال : والداه .
قالت : فمن أعظم الناس حقاً على المرأة ؟
قال : زوجها .
2 ـ أيٌما امرأة آذت زوجها بلسانها لم يُقبل منها صرف ولا عدل ولا حسنة من عملها حتى ترضيه ، وإن صامت نهارها وقامت ليلها وأعتقت الرقاب وحملت على جياد الخيل في سبيل الله ، فكانت أول من يرد النار . وكذلك الرجل إذا كان لها ظالماً .
3 ـ لو كنتُ آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأه أن تسجد لزوجها .
4 ـ إذا صلت المرأة ولم تدع لزوجها بعد صلاتها ، رُدت عليها صلاتها حتى تدعو لزوجها .
تنبيه : ليس المقصود بطلان صلاتها بل حرمانها من ثوابها .
5 ـ إذا صلت المرأه خمسها ، وصامت شهرها ، وحفظت فرجها ، وأطاعت زوجها ، دخلت جنة ربها.
تنبيه : دخلت جنة ربها بعد أداء الواجبات الأخرى ، وأطاعت زوجها فيما يرضى ربها لا فيما يسخطه .
6 ـ اطٌلعت في النار فإذا أكثر أهلها النساء ، فسئل : لم يا رسول الله ؟ قال : يكثرن اللعن ، ويكفرن العشير . يعني معاشرة الزوج .
7 ـ روى أن نسوة أقبلن إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسألنه عن عدم مشاركتهن للرجال في فضل الجهاد ، فقال : (جهاد المرأة حسن التبعل) قصد بذلك حسن معاملتهن مع بعولتهن «يعني أزواجهن» .
8 ـ روى أن رجلاً من الأنصار على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج من بلده في بعض حوائجه ، وعهد إلى امرأته عهد الا تخرج من بيتها حتى يرجع . ومرض والد الزوجة بعد ذلك فبعثت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت : إن زوجي منعني أن أخرج من داري ، وإن أبي قد مرض ، أفتأمرني ان أعوده ؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لا ، اجلسي في دارك وأطيعي زوجك . ثم مات أبوها فبعثت إليه فقالت : يا رسول الله إن أبي قد مات أفتأمرني أن أحضره ؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم : لا ، اجلسي في دارك وأطيعي زوجك . فدفن أبوها فبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (إن الله تبارك وتعالى قد غفر لِك ولأبيكِ بطِاعتك لزوجك) .
تنبيه : يجوز للزوجة أن تخرج من دارها بدون إذن زوجها لأداء فريضتين واجبتين عليها ، وهما :
الأولى: طلب العلم الواجب الذي لا تستطيع الحصول عليه وهي في دارها .
الثانية : الحج الواجب عليها . أما المستحبات من الحج والعمرة وزيارات المشاهد المشرفة والأماكن المقدسة ، فلا يجوز لها أن تقوم بأدائها إلا بإذن زوجها .
نُقل إن رجلاً قال لزوجته :
خذي العفو مني تستديمي مودتــي
*
ولا تنطقي في سورتي حين أغضب
ولا تنقريني نقـــرك الدف مرة
*
فإنك لا تدرين كيــف المغيـب
ولا تُكثري الشكوى فتذهب بالهوى
*
ويأباك قلبــي والقلوب تقلــٌب
فإني رأيت الحب في القلوب والأذى
*
إذا اجتمعا لـم يلبث الحب يذهـب
(أ) سُئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أي المؤمنين أكمل إيمانا ؟ قال أحسنهم خُلقاً مع أهله .
(ب) خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي .
(ج) خيركم خيركم لنسائه ، وأنا خيركم لنسائي .
فرجع فدعاه الصحابي فسأله عن سبب الرجوع فقال : إني أردت أن أشكو إليك زوجتي ، فلما سمعت من زوجتك ما سمعت رجعت .
فقال الصحابي : إني أتجاوز عنها لحقوق لها عليٌ :
أولها ستر بيني وبين النار فيسكن بها قلبي عن الحرام . والثاني أنها خازنة لي إذا خرجت من منزلي وتكون حافظة لمالي . والثالث أنها تغسل ثيابي . والرابع أنها مربية لولدي وتصبر على كل أذى في سبيلهم . والخامس أنها خبازة وطباخة لي . فقال الرجل : إن لي مثل ما لك ، فسأتجاوز عنها .
* يجب على الزوج أن ينفق على زوجته ما تحتاج إليه ـ حسب شأنها ومزاجها ـ من مسكن ومطعم ومشرب وملبس وغير ذلك من اللوازم البدنية والنفسية ، وإن كانت الزوجة غنية فلا يُشترط فقرها.
* إذا لم تُطع الزوجة زوجها في الأمور الواجبة عليها وسلكت سبيلا مُنفراً له ، فإنها لاتستحق النفقة عليها ويجري عليها مفهوم النشوز .
* يجب على الزوج أن يعاشر زوجته بالحسنى والمعروف ، فلا يعبس في وجهها ، ولا يؤذيها بلسانه ولا بيده ، ولا يسب والديها أو أجدادها وأقاربها ويطعن فيهم أحياء وأمواتا ، أو يضربها خصوصا إذا كان الضرب مبرحاً بصورة متوحشة ، ويغفل عن يد الله التي هي فوق يده (نعوذ بالله من بعض الرجال المتوحشين) فإن نسي ذلك وارتكب الجريمة فليسارع إلى كسب رضا زوجته والتحلل منها ، ولا يستكبر عن ذلك فإن ربٌه هو أكبر ، وكذلك يستغفر للأموات ويتصدق عنهم ، ويتحلل من الأحياء إذا أخبروا بالعدوان عليهم .
تنبيه هام
(والحمد لله على ذلك ).
* روى أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ما مضمونه :
إذا جلس الرجل عند أهله ساعة واحدة وهو يلاطفهم ويداعبهم فيفرحون ويأنسون بمحضره، فتلك الساعة هي أفضل عند الله من الاعتكاف في مسجدي (مسجد المدينة المنورة) سنة واحدة .
بيان : الاعتكاف هو اللبث في أحد المساجد المخصصة ، وأداء بعض العبادات فيه خصوصاً الصوم، واجتناب أمور معينة في مدة لا تقل عن ثلاثة أيام (كما ورد في الفقه الإسلامي) .
أيها الرجال: فكروا في هذا الثواب العظيم ، وأمعنوا النظر في الحق الكبير لأهليكم ، واتخذوه ميزاناً لسلوككم العائلي ، وزنوا به أنفسكم قبل أن توزنوا يوم القيامة (فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية * واما من خفت موازينه فأمه هاويه * وما أدراك ما هيه * نار حامية) (القارعة / 6 ـ 11) .
الشرح : ليس المقصود من الآية الكريمة أن الرجال مسلطون على النساء سلطة استطالة أو قهر، بل هي الولاية لأجل تدبير أمورهن والقيام بأعمال يضعفن عن أدائها لما خلق الله لهن من صفات بدنية ونفسية اختصصن بها لأداء وظيفة الأمومة ، التي هي من أهم قواعد بناء الإنسانية العليا. (كما فسرت والله أعلم).
وخلاصة القول: أعتقد بأن القراء الأعزاء الواعين يؤيدونني حينما أقول إن الرجل رجل بقوته البدنية وخشونته الفسلجية وطبيعته العقلية الخاصة ، والمرأة مرأة بنعومتها البدنية وطبيعتها العاطفية بلا نقص في كرامتها ومكانتها الاجتماعية . لذلك نرى تلك الطبائع قد سرى مفعولها بصورة فطرية في كل المجتمعات العالمية حتى في هذا العصر الذي تعلو فيه الصيحات لتحرير المرأة فالأنبياء ـ الملوك والرؤساء والأمراء والوزراء ـ أئمة الدين السابقون واللاحقون ـ الفلاسفة ـ المخترعون ـ الكتاب والمؤلفون ـ الشعراء ـ الملحنون للمغنيات ـ المخرجون للأفلام ، فنشاهد أولئك هم من الرجال إلا ما ندر في بعض الأقسام .
(والنادر كالمعدوم ) ـ فالرجال قوامون على النساء وبما فضل الله بعضهم على بعض في ملكات وقابليات تؤهلهم للرئاسة والقيادة وإدارة المؤسسة الأسرية بالإنفاق المالي ، وهو المهر الذي يقدمه الزوج لزوجته ، وكذلك ما يقوم الرجل بأداء تكاليف معاشية مفروضة عليه لزوجته وأولاده .
القسم الباقي من الآية ـ النساء قسمان : صالحات وفاسقات . أما الصالحات فيتصفن بالخشوع والخضوع لأوامر الله سبحانه وتعالى . ومن أهم تلك الأوامر طاعة الزوج خصوصا عند غيابه يحفظنه في أمواله وأسراره . والأهم من ذلك يحفطنه في أنفسهن بالحجاب والحشمة والوقار وعدم الخيانة . وأما النساء الفاسقات فمن فسقهن تخلفهن عن طاعة الأزواج والإساءة إليهم، فيرشد الله سبحانه وتعالى إلى تأديبهن في ثلاث مراحل متدرجة . أولا ـ بالوعظ . ثانيا ـ فإن لم ينفع فبهجرهن في المضاجع وعدم مواجهتهن . ثالثا ـ وإن لم يؤثر هذا الإجراء فبالضرب . بشرط أن يكون بدافع التأديب لا للتشفي والانتقام ، وأن لا يكون مُبرحاً مؤلما بصورة يبرز فيها الكسر أو الجرح أو تغيير لون الجلد ولا يجوز للزوج أن يعتدي على
زوجته ويستعلى عليها ويستكبر عن معاشرتها بالمعروف ، خصوصا إذا هي عاشرته بالمعروف ، فإن الله سبحانه وتعالى يبين في ختام الآية الكريمة علٌوه على من استعلى ، وكبرياءه على من استكبر (إن الله كان علياً كبيراً) (كما فسرت الآية والله أعلم) فليحذر الظالمون ولينتبه الغافلون . وخلاصة القول هي أن « درجة القوامة » التي يُعد الرجل أحق بها ، هي في الواقع ليست « درجة تشريف » ولكنها درجة مسؤولية وتكليف » . حقان مشتركان
يجب على الزوجين أن يؤديا حقين مشتركين بينهما ، فإن لم يفعلا فيمزق رباطهما الزوجي وتطمس معالم المودة بينهما .
الحق الأول : يجب على كل واحد من الزوجين أن يزين نفسه للآخر باللباس والبدن. ومن أهم مظاهر زينة البدن سلامة الأسنان ونظافتها ، وطهارة الفم من الرائحة الكريهة.
وأتشرف بدوري أن أقدم لك أيها القارىء العزيز نصائح مُخلصة حول هذين الموضوعين الهامين ، أرجو اتباعها.
سلامة الأسنان ونظافتها :
1 ـ لا تجمع في طعامك وشرابك بين البرودة والحرارة الشديدتين.
2 ـ انزع ما ترسب من أجزاء الطعام بين الأسنان وفي أطرافها الفارغة ، بعيدان خشبية مخصوصة أو خيوط طبية .
3 ـ عليك بالمضمضة القوية جدا مرات عديدة عند غسل الفم . والأفضل خمس مرات ( هامة جداً).
4 ـ لا تترك المضمضة بعد غسل الفم بمحلول ملح الطعام المكون من نصف قدح متعارف من الماء ، وملعقة شاي من الملح.
5 ـ إياك إياك أن تترك أسنانك وأسنان أطفالك بلا تنظيف ومضمضة بعد تناول السكريات .. جامدة كالفواكه والحلويات المصنوعة ، أو سائلة كالشاي والمشروبات الأخرى . فسارع ولا تتأخر أكثر من خمس دقائق ، فإن إهمال هذا السلوك هو من أهم عوامل تلف الأسنان وعطبها .