المعجزة والاختراع

البريد الإلكتروني طباعة

زواج بغير اعوجاج 68 ـ ص 88


كما قال تعالى : (اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم) (أوائل سورة العلق) .
أجل : (علم الإنسان ما لم يعلم ) منذ وهبه الطاقات الجبارة للكشف عن كل مجهول ، وذلك بالتعبير الرائع (ما لم يعلم) . والجدير بالذكر هو أن الله سبحانه وتعالى فرض على الإنسان أن يتعلم بقلب واع يتحلى بحرية البحث، ويتخلى عن الشهوات والأهواء ، ويتنزه عن التحيز لما لديه من الآراء والتعصب لاتباع الآباء ، فلا يبني عقيدته وسيرته على ما لقٌنه وعلٌمه أبواه فيُلقى الشك على ما هو عليه ، ويبدأ باحثا متحررا التحقيق الحق ودحض الباطل. وأقدم للقراء الأعزاء شخصية نبيلة قد تحررت من قيود تقليد الآباء ، وتنزهت عن الأهواء والعواطف ، ألا وهي شخصية الدكتور « نظمي لوقا» الذي نصٌره أبواه فكان مسيحيا ، ولكن نور الحرية الفكرية قد سطع في قلبه فبحث ومحص وفكر وتدبر في الأديان والعقائد ، وكانت النتيجة أنه اعترف بأن محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) هو خاتم النبيين ، وقد أرسله رب العالمين إلى الناس أجمعين ، وقد اصدر هذا الدكتور كتابين قيمين : (وامحمداه ـ محمد الرسالة والرسول) بين فيهما للقراء الأحرار عظمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وصدق رسالته .
أيها القراء الأعزاء : تدبروا قوله الرائع في كتابه « محمد الرسالة والرسول :
«من شك في صدق محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فمعناه أنه قد شك في مظهر الصدق في العالم ، ويجب عليه أن يطعن في كل من يراه أو يسمع به يزعم التحلي بفضيلة الصدق » .
وتدبروا وفكروا أيضا في قوله المجيد الذي جاء في كتابه «وامحمداه(1): «
« فأي الناس أولى بنفي الكيد عن سيرته من أبي القاسم ـ يعني محمداً (صلٌى الله عليه وآله وسلم) الذي حول الملايين من عبادة الأصنام الموبقة إلى عبادة رب العالمين . ومن الضياع والانحلال إلى السمو والإيمان ، ولم يفد من


( 69 )


جهاده لشخصه أو آله شيئا مما يقتتل عليه طلاب الدنيا من زخارف الحطام ؟
« حفاظا على معنى الشرف ، وصيانة لحق المروءة ، أوجبت على نفسي ذلك الإنصاف لشخص أبي القاسم ، وللرسالة التي حملها إلى الناس في أمانة وصدق وتحرج لا يباري . . .» .
«أوجبت ذلك على نفسي منذ عرفت قدره ، وأدركت خطره ، والواجب فرع ـ عند ذوي الأمانة عن الإدراك ... فشهادة الحق من أوجب الأمانات ، والساكت عن الحق شيطان . . . فمن يجهل الحق لا لوم عليه . . . والملام كل الملام على من يدرك الحق كرائعة النهار ، ثم يتخاذل عن إعلانه ويترك رايته تنتكس بين السفلة والطغام ، وتوطأ بأقدام الجهلة والظلمة واللئام... وساء ذلك صنعا إنه كان إثما وبيلا...» .
« ضنا بنفسي عن هذا الخزي الموبق تصديت لتلك الغاية ، ولا حناح على من اتخذ الى ربه سبيلا ... » .
ونهاية المطاف : أنادي القراء الأعزاء الذين ابتغوا غير الإسلام دينا وابتغوا دين آبائهم ـ خصوصا غير المسلمين ـ فأرسلها إليهم صيحة ناصحة مخلصة : إنكم ستحشرون جميعا يوم القيامة بعد موتكم ، وسيحاسبكم ربكم على دينكم . فكيف بكم إذا سأل كل طائفة منكم بهذا السؤال ؟ هل فكرتم ؟ هل بحثتم في دينكم وعرفتم أنكم على الحق والأديان الأخرى هي الباطل ؟ فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوها قبل أن توزنوا.
ولا أدري كيف يكون حال غير المسلمين إذا وقفوا أمام رب العالمين يوم القيامة ، فسألهم : « لماذا لم تكونوا مسلمين ، والإسلام اشترط كمال الإيمان بالاعتقاد بالأنبياء السابقين ومنهم موسى وعيسى عليهما السلام ؟ لماذا
____________
(1) صفحة (22 ـ 23).


( 70 )


اقتصرتم على الاعتقاد ببعض الأنبياء ولم تعتقدوا بجميعهم وخاتمهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟ لماذا أصبح الدكتور المسيحي « نظمي لوقا » مسلما ( كما مر ذكره سابقا ) وكذلك كثير من العلماء الأوربيين(1) غير المسلمين استناروا بنور الإسلام ، وأنتم بقيتم على دينكم؟ ليس الجواب إلا أن تعترفوا قائلين : « ربنا إنا كنا لآبائنا تابعين ومقلدين ، ولو كنا نبحث أو نفكر ما كنا عن الإسلام معرضين » ، فويل يومئذ للكافرين الذي كذٌبوا الصادق الأمين محمداً سيد المرسلين وخاتم النبيين ، صلى الله عليه وآله وأصحابه المنتجبين الميامين .
ثانيا : تعلما كتاب الله ـ أيها الوالدان ـ وعلماه أولادكما ، وهو القرآن المجيد الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فهو النور الساطع الذي يهدي البشرية جمعاء إلى سبل السلام ، ويخرجهم من ظلمات الباطل إلى نور الحق . . من ظلمات الجهل إلى نور العلم . . من ظلمات الخوف إلى نور الأمن .. من ظلمات الفقر إلى نور الغنى . . من ظلمات المرض إلى نور الصحة . . من ظلمات الذل إلى نور العزة . . من ظلمات الضعف إلى نور القوة ، وهو الحصن الراسخ الشامخ ، والظهير النصير لصد عدوان المعتدين ومكافحة المستعمرين الظالمين والمستعبدين الطاغين . لذلك نرى أحد رؤساء وزراء إحدى الدوله الغربية في القرن التاسع عشر ، وقف أمام مجلس البرلمان وقد أمسك بيده القرآن ، وتحدث في صراحة فقال : « ما دام هذا الكتاب بين أيدي العرب والمسلمين ، فلن يقر لنا قرار في بلادهم »(2).
____________
(1) اقرأ كتاب (أوربا والاسلام) للدكتور عبد الحليم محمود .
(2) راجع كتاب (الإسلام على مفترق الطرق) للمؤلف (ليوبولد فايس) الذي أسلم وسمى نفسه «محمدا».


( 71 )


والقرآن الكريم هو المعجزة الكبرى لنبينا محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ). ومعنى المعجزة هو صدور حادث أو وقوع أمر من قبل الله تعالى على يد نبيه لإثبات نبوته ، ولا يستطيع الناس ويعجزون عن الإتيان بمثل ذلك الحادث أو الأمر . فالاختراع مثلا ليس معجزة ، لأنه قد يظهر اختراع آخر يماثله ويضاهيه . وينقسم الإعجاز القرآني إلى ثلاثة أقسام :
أولا : الإعجاز البلاغي :

وهو أن البلغاء والمتفننين والبارعين في اللغة العربية لم يستطيعوا أن يأتوا بمثل القرآن ، بل بسورة من مثله ، مع العلم أن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم كان أميا لا يعرف القراءة والكتابة . والدعامة الرصينة المتينة التي يتركز عليها الإعجاز البلاغي هي التحدي والإعلان بالعجز . ولإيضاح ذلك أقدم مثلا واحداً للقراء الأعزاء :
إذا وجد رسام بارع في مدرسة وكان متفوقا على جميع التلاميذ في فن الرسم ، فهل يستطيع أن يتحدى التلاميذ بقوله : «إن جميع التلاميذ لا يقدرون مجتمعين أن يأتوا بمثل رسمي ؟» كلا ، لأنه لا يعلم ذلك ولا يدري ما في العقول من ملكات وقابليات للإنتاج خصوصا إذا اجتمعت واتحدث ، فلا يتفوه بذلك ولا يزج نفسه في ميدان الفشل والخجل المجتمعين ، وكذلك الحداد والنجار وغيرهما إذا كانا متفوقين على غيرهما ».
والآن : نأتي إلى القرآن الكريم ، فإذا كان من إنشاء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) .
ـ نعوذ بالله ـ فمعنى ذلك أن محمدا قد كذب في دعوته ، فكيف إذن يستطيع أن يعلن بما يأتي :
(أ) (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا)(1).
____________
(1) الإسراء : 88 .


( 72 )


(ب) (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين * فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين)(1).
أيها الاخوان ! أيتها الأخوات ! تدبروا الآيتين وأمعنوا النظر إليهما وفكروا فيهما بوعي وإخلاص ، خصوصا في الجملة (ولن تفعلوا) من الآية الثانية ، فإنهما دليلان حاسمان على أن القرآن ليس من كلام البشر كمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ، فإنه لا يستطيع أن يتحدى ويخاطب البلغاء والخطباء والشعراء والمتفوقين في البلاغة بالجملتين :
1 ـ (لا يأتون بمثله) في الآية الأولى .
2 ـ (ولن تفعلوا) في الآية الثانية بل إنهما تصدران ممن هو عليم بذات الصدور ، ذلك هو رب العالمين .
ثانيا : الإعجاز العلمي :

لقد ذكر القرآن بعض الأسرار العلمية ، واكتشفها العلم الحديث ، فذلك دليل على أن القرآن ليس صادر من بشر ، لأن البشرية في زمن صدور القرآن لم تكن عالمة بتلك الأسرار ، وقد بينت منها سابقا(2) للقراء الكرام ، وأضيف هنا آيات أخرى لتركيز الإيمان في النفوس ، وقد درست وبحثت كما يلي :
(أ) (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون)(3) : لقد أثبتت البحوث العلمية الأخيرة أن حجم الكون آخذ في الزيادة شيئا فشيئاً ، وكلما ازداد حجمه ازدادت المسافة بين أجرامه ، وقد اكتشف التحليل الطيفي لرصد الأجرام السماوية أن المجرات تبتعد عنا بقياسات مختلفة من السرعة تثير الدهشة كل الدهشة ، فمنها ما يبتعد عنا بسرعة (25) ألف كيلومتر في الثانية
____________
(1) البقرة : 23 ، 24.
(2) رجاء راجع صفحة (4 ، 17).
(3) (الذاريات: 47).

( 73 )

وبعضها بسرعة (65) ألف كيلومتر في الثانية(1). فأين تكون نهاية السماء ؟ وأين حافتها ؟ ! ! فليس للتفكير إلا أن ينقلب خاسئا وهو حسير. فلقد سبق القرآن الكريم هذا الاكتشاف بمئات السنين بقوله : (وإنا لموسعون) والله علم.
(ب) (يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون)(2) : الله أكبر ! سبحان الله ! لماذا قال في (ظلمات ثلاث) ولم يقل في ظلمة واحدة وهي جوف البطن . قال ذلك ليعلمنا قبل العلم الحديث أن الجنين له ثلاثة أغشية سماها (ظلمات) وهي : (الغشاء المنباري ـ الغشا الخوربوني ـ الغشاء اللفائفي)(3) مع أنها لا تظهر بالتشريح الدقيق ، وتظهر كأنها غشاء واحد بالعين المجردة (والله أعلم).
(جـ) (إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما)(4) تبين هذه الآية أن النار كلما أكلت جلود الكفار بدلهم الله جلودا غيرها . والحكمة في ذلك هي أن أعصاب الألم في الطبقة الجلدية ، وأما الأنسجة والعضلات والأعضاء الداخلية فالإحساس فيها ضعيف . ولذلك يعلم الطبيب أن الحرق البسيط الذي لا يتجاوز الجلد يحدث ألما شديدا بخلاف الحرق الشديد الذي يتجاوز الجلد إلى الأنسجة الداخلية ، لأنه مع شدته وخطره لا يُحدث ألما كثيرا . فالله تعالى يقول لنا : إن النار
____________
(1) راجع الكتابين : «السماء وأهل السماء ـ عبد الرزاق نوفل» . «المُحيرات الفلكية ـ الدكتور عبد الرحيم بدر».
(2) (الزمر/ 6).
(3) (كتاب الإسلام والطب الحديث . تأليف الدكتور عبد العزيز إسماعيل).
(4) (النساء/ 56).

( 74 )

كلما أكلت الجلد الذي فيه الأعصاب ، نجدده كي يستمر الألم بلا انقطاع .. وكان الله عزيزا حكيماً(1) (والله أعلم).
ثالثا : إعجاز الإخبار بحوادث المستقبل : لا يستطيع الإنسان أن يتنبأ بحوادث المستقبل بصورة حاسمة إلا ما يتعلق بالعلوم المادية ، كالأنواء الجوية والحوادث المرضية ، والطوارىء الجيولوجية وغيرها . وقد يخطىء أحيانا في بعض التنبؤات . أما التطورات الاجتماعية فيستحيل معرفة مستقبلها ، مع العلم أننا الا´ن في القرن العشرين في عصر الذرة والرادار والأقمار الاصطناعية والعقل الإلكتروني . فلو كان ذلك ممكنا لعلمت كل دولة بمستقبلها وعملت لدرء أخطاره واجتناب شرورة. ولكننا نرى القرآن قد اخبر ببعض حوادث المستقبل في مناسبات خاصة ، وكان صادقا في ذلك فتجلى البرهان على أنه ليس من كلام محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بل هو كلام الله الذي يحيط بكل شيء علما .
ومن أهم تلك الحوادث ما يلي :
(أ) جاء في أوائل سورة الروم : (الم * غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين لله الأمر من قبلُ ومن بعدُ ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم * وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون).
الشرح:جرت معركة بين الروم والفرس في أوائل الإسلام ، فانتصر الفرس على الروم فضاقت صدور المسلمين لأن الفرس كانوا يؤمئذ مجوسا يعبدون النار ، والروم كانوا يعبدون الله وهم أهل كتاب، فوعد الله المسلمين بعودة نشوب الحرب بين الروم والفرس خلال بضع سنوات ـ وهي دون
____________
(1) الإسلام والطب الحديث ـ الدكتور عبد العزيز إسماعيل .

( 75 )

العشر وفوق الثلاث(1) ـ وبشرهم بانتصار الروم على الفرس . . فتحقق ذلك كما أخبر الله سبحانه وتعالى . فهذه الحادثة تثبت لنا أن الآيات التي مر ذكرها (أوائل سورة الروم) هي من الله سبحانه وتعالى وليست من (محمد صلى الله عليه وآله وسلم) وذلك لإخبارها بحادث غيبي في المستقبل ، وهو غلبة الروم على الفرس مع تحديد المدة وهي « بضع سنين » (كما فسرت الآيات ) والله أعلم.
(ب) ذُكر أن « الوليد بن المغيرة » عرض المال على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ليرجع عن دينه ويتخلى عن دعوته. فأنزل الله تعالى آيات وبخه بها : (ولا تطع كل حلاف مهين * هماز مشاء بنميم * مناع للخير معتد أثيم) . . . . . (سنسمه على الخرطوم)(2) . المعنى سنضع علامة على أنفه وقد جرى ذلك فعلا في وقعة بدر فخطف أنف الوليد بالسيف (كما فسرت الآية) والله أعلم.

محاولة مُزيٌفة لتشويه الحق

يحاول بعض الجاهلين الغافلين الذين لم يفكروا بوعي وإخلاص تشويه الحقيقة للرسالة المحمدية ، فيزعمون أنهم يعتقدون بأن محمد صلى الله عليه وآله وسلم كان صادقا أمينا متحليا بسلامة السريرة وإخلاص النية ، ولكنهم يشكون في نزول القرآن من الله سبحانه وتعالى عليه ، فيحتملون أن مفاهيم القرآن هي انطلاقات إنسانية فاضلة صدرت من عقله الكامن المتصف بالفضيلة ، وجرت على لسانه وتُليت على من حوله .
____________
(1) إشارة إلى معنى كلمة (بضع أو بضعة).
(2) القلم (10 ـ 16).

( 76 )

أقول : إن الاحتمال الذي صدر من هؤلاء الشاكين في صدور القرآن من الله سبحانه وتعالى باطل ، لظهور أمور عديدة هامة تطمس معالم ذلك الاحتمال وتنسف بناءه .
الأمر الأول : نرى عشرات من الا´يات القرآنية تتضمن كلمة (قل ) فمن تدبرها وأمعن النظر فيها وجد أن هناك مُخاطباً ومُسمعاً ومُلقيا للكلام غير محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو الله سبحانه وتعالى . وإليكم من الا´يات :
(أ) (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد...) (نهاية سورة الكهف).
(ب) (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين) (الأنعام/ 162).
(جـ) (قل هو الله أحد . . . . ) (سورة الإخلاص) .
(هـ) (قل أعوذ برب الفلق . . . .) .
(و) (قل أعوذ برب الناس . . . .) (سورة الناس).
(ز) (وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق) (الاسراء / 80).
(ح) (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) (الإسراء / 81) .
الأمر الثاني : إذا اعتقد هؤلاء بصدق محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وتنزهه عن الافتراء على الله الكذب ـ كما زعموا ـ فكيف يحتملون صدور ما يخالف صدقه وأمانته بانطلاق ألفاظ تصدر من عقله الكامن المتصف الفضيلة ـ كما تصوروا ـ وتخاطبه معلنة انه رسول الله سبحانه وتعالى ؟!!


( 77 )

فليتدبر القراء الأعزاء الآيات الآتية :
(أ) (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشراً ونذيرا * وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا) (الأحزاب / 46) .
(ب) (يس * والقرآن الحكيم * إنك لمن المرسلين * على صراط مستقيم) (اوائل سورة يس) .
(جـ) (يا أيها النبي اتق الله ولا تطع الكافرين والمنافقين إن الله كان عليما حكيما * واتبع ما يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا) (الأحزاب/ 1 ـ 2) .
(د) (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين) (المائدة/ 67) .
الأمر الثالث : وهو من أهم الأمور التي تركز الإيمان برسالة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وذلك أن القرآن قد أعلن بأن الرسالة قد ورد ذكرها سابقا في التوراة والإنجيل . . كتابي موسى وعيسى عليهما السلام ، كما قال الله سبحانه وتعالى : (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل . . . .) (الأعراف/ 157) .
فلو لم تكن رسالة محمد صلى الله عليه وآله وسلم حقيقة لا شك فيها ولا في ورودها في التوراة والإنجيل ، لم يصدر الإعلان ليكذبه ويفضحه علماء اليهود والنصارى . وبالفعل لم يصدر تكذيب منهم ، ولكن التعصب والهوى صدٌا استنارتهم بنور الإسلام . وأنبه القراء الأعزاء بأن التوراة والإنجيل المتداولين في العصر الحاضر ليسا هما الأصليين ، بل بُدلا وحُرفا لطواريء تاريخية حققها الباحثون الواعون ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .


( 78 )

الأمر الرابع :

لقد ذكر القرآن أن محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هو خاتم النبيين ، كما قال تعالى : ( ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما) (الاحزاب/ 40)
فهل يشك باحث عاقل بعد تدبر الآية الكريمة في صدور القرآن من الله سبحانه وتعالى ؟ وهل يحتمل صدوره من شخصية محمد (صلى الله عليه وآله وسلم ) ـ كلا ـ لأن الحكم بختام النبوة وبلوغ نهايتها يستحيل أن يصدر من إنسان نبوته باطلة ، لأنه لا مُحفز ولا داعي للإصدار ، فيدعى ذلك الإنسان النبوة ، ولا يفضح نفسه بنبوة إلهية حقة قد تظهر في زمانه ، ويركز شخصيته في قلوب الناس ويعتبر نبوته كالأنبياء السابقين الإلهيين الذين لم يتبين من أحدهم زعم لختام نبوته .
وأختم قولي : « اللهم إنا نعوذ بك من أن نشك في دينك أو أن نضل في هداك ، فلا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب » .
ثالثها : أيها الوالدان : اجتهدا بكل طاقاتكما في تركيز الإيمان بالله سبحانه وتعالى في قلوب أولادكما ، لأنه هو أصل الدين وأساسه الذي يقوم عليه بناء الأعمال الصالحة ، فليراجع جميعكم بدقة وتكرار مواضيع الإيمان بالله في هذا الكتاب من صفحة (3) إلى (22) ، واقرأوا واحفظوا بصورة خاصة الموضوع الذي عنوانه «خمس كلمات» صفحة (11 ـ 16) فإنه نور الله الساطع .
رابعاً : أيها الوالدان : يجب عليكما أن تقيما فريضة الصلاة بصورة صحيحة ، وعلماها أولادكم عند بلوغهم سبع سنين ، وذلك كما يأتي :
(أ) مراجعة صفحة (26 ـ 27) من هذا الكتاب لبيان أهمية الصلاة .
(ب) تطهير البدن واللباس من النجاسات ، وهي :


( 79 )

البول . الغائط(1) . المني . الدم(2) . الكافر . الكلب . الخنزير . الخمر والبيرة . الميتة ، ونجاسات أخرى(3) . . وقد اختلف الفقهاء في نجاسة بعض ما ذكر فعلى القارىء العزيز أن يبحث ذلك عند من يثق به من علماء الدين . وأخص بالبحث هنا حول البول والغائط للإنسان ، وهو كيفية التطهير منهما بأمور عديدة :
1 ـ يخص الذكور وهو التأكد من عدم بقاء أجزاء من البول ، فبعد الانقطاع تُجرى عملية تسمى «الاستبراء» ، وهي المسح بقوة ثلاث مرات من مخرج الغائط ( بعد غسله طبعا ) إلى أصل عضو البول ـ والمسح بقوة ثلاث مرات أيضا من أصل عضو البول الى نهايته ـ والمسح ثلاث مرات أخُرى شبه العصر للحشفة ، ثم التطهير بالماء بعد دلك المخرج لاحتمال خروج مادة جنسية وترسبها عليه قبل التبول تسمى « المذى » أو خروج مادة بعد الانتهاء من التبول تسمى « الودي » ، وبعد الدلك يُجرى المُتطهر الماء على المخرج مرتين يجب أن تكونا منفصلتين ( على الأحوط ) ، ثم تطهير اليد مرتين منفصلتين كذلك لتنجسها بالدلك .
2 ـ وأما الأنثى فلا استبراء لها ، بل تشترك مع الذكر في ذلك المخرج وكيفية إجراء الماء ومع ذلك فليراجع القارىء العزيز للتأكد من التطبيق علماء الدين المتقين . وأنادي الآباء والأمهات راجيا أن يمرنوا أولادهم الصغار بكيفية التطهير في بيت الخلاء « الحمام » وليحذروا إهمالهم يتبولون واقفين لا يعبأون بأي نجاسة تصل إليهم .
____________
(1) يُستثنى بول وفضلات الحيوانات التي يحل أكل لحمها ومنها الخيل والحمير على كراهة فلا نجاسة فيها .
(2) يُستثنى دم البعوض والسمك فهو طاهر ، إلا حين مصٌ البعوض لدم الإنسان .
(3) كعرق الجنب من الحرام على الأحوط .

( 80 )

3 ـ غسل الجسم مع النية وتطهيره من الأحداث الثلاثة ( الجنابة ـ مس الميت ـ خروج دم الحيض والنفاس والاستحاضة ( في بعض أحوالها ) ، وسيأتي شرحه بمشيئة الله بعد موضوع الوضوء .
(د) الأداء الصحيح لألفاظ الصلاة وأفعالها ـ أما الألفاظ فتجب القراءة باللغة العربية الصحيحة ، لذا يجب على المسلم أن يصحح قراءته من أول الصلاة إلى نهايتها عند علماء الدين المتقين ، فلا عذر له يوم القيامة. فيجب الاتصال بهم بواسطة كتبهم أو مقابلتهم أو بواسطة التلفون فإنه ـ كما قلنا ـ نعم العون. يجب على المسلم أن يصحح كل كلمة وكل حرف خصوصا مخرج الظاء أخت الطاء ، والضاء أخت الصاد ، فلا يتلفظهما « بالزاء » فيقرأ « المغزوب . الزالين . العزيم » كما أسمع ذلك من بعض العرب وبعض الأعاجم. وهنا أقول منبها أن القراء الأعزاء الذين لا يستطيعون بكل محاولاتهم إلا التلفظ بحرف « الزاي » في سورة الفاتحة فهم معذورون . أما في الركوع فلا عذر لهم لأنهم يستطيعون أن يببدلوا الذكر الذي دأبوا عليه بكلمة « سبحان الله » ثلاث مرات ، فبدل « سبحان ربي العزيم وبحمده » يسبحون هكذا ( سبحان الله ـ سبحان الله ـ سبحان الله ) .
وأما الأفعال فيجب ثبات البدن عند الوقوف والقراءة ، وثبات البدن عند القراءة في الركوع ، فلا يقرأ إلا بعد أن يُثبت انحناءه ، ثم يقول من الركوع ويثبت قليلا ، ثم يهوى إلى السجود فلا يقرأ إلا بعد أن يُثبٌت تماما المواضع السبعة « الجبهة ـ باطنا الكف ـ الركبتان ـ حافتا الإبهام » ثم يرفع راسه من السجود ويجلس تماماً ويثبت قليلا ، ثم يهوى مرة أخرى إلى السجود ويُثبت نفسه كالمرة الأولى ثم يقرأ(1).
____________
(1) والجدير بالذكر هو أنه إذا طرأت للمصلى أثناء قراءته حركة غير اختيارية يجب عليه إعادة ما قرأه متحركا .

( 81 )

وأنبه القارىء العزيز بأنه إذا لم يطبق ما مر شرحه من أفعال الصلاة ويتسعجل في حركتها ، يكون حاله ـ كما روى ـ كالأعرابي الذي رآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستعجل في صلاته فقال في حقه ما مضمونه أنه نقر كنقر الغراب ، فان مات وتلك صلاته فليموتنٌ على غير دين الإسلام ( نعوذ بالله ) ـ فلينتبه الغافلون وليحذر الساهون اللاهون الذين هم بصلاتهم مستخفٌون .
استدراك لأقوال الصلاة :
(أ) يجب ـ على الأحوط ـ أن تكون تكبيرة الإحرام ( الله أكبر ) وهي المدخل إلى الصلاة منفصلة في اللفظ عما قبلها وعما بعدها من الألفاظ ، فنقف قليلا بعد تلفظ ما قبلها ، ونقف قليلا قبل تلفظ ما بعدها ، ولا أقصد بالوقفة القليلة أن تكون بارزة كثيرا ، بل بصورة لا يبرز الوصل فيها .
(ب) كذلك لا يجوز الوصل بالسكون بين الآيات بصورة عامة ، بل يجب أن يقف عند كل آية قليلا (بسم الله الرحمن الرحيم * الحمد لله رب العالمين * الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين) . . . . . وهكذا إلى الآية الأخيرة ( ولا الضالين) . وهنا يجب مد حرف الألف بعد الضاد لأنه أحد الحروف الثلاثة « الألف . الواو . الياء » التي يجب مدها إذا جاء بعد أحدها السكون أو الهمزة ( انتبه وطبق ) .
(هـ) أداء الوضوء بصورة صحيحة : يجب على المسلم ابتداء أن يُحرز عدم وجود أي حاجب على أعضاء الوضوء يعترض وصول الماء إليه ، فيفحص أطراف عينيه وحاجبيه وأنفه وشفتيه ويديه ، وأظفاره التي مرٌ الحث على تقليمها ، مرة واحدة على الأقل خلال الأسبوع ، ويختبرها كل مرة عند الوضوء . وكذلك يفحص رجليه ويزيل الأوساخ خصوصا ما في الأظفار . ثم يبدأ بالوضوء مع النية . وهنا ملاحظات هامة :


( 82 )

1 ـ لا يجوز تخليل الشعر عند مسح الرأس ، بل يكون المسح على ظاهر الشعر فقط ، ولا يجب وصوله إلى الجلد . أما صاحب الشعر الكثير كالمرأة وبعض الشباب فيجب إعداد مساحة طويلة تشبه الخط على مقدم الرأس قبل الوضوء والمسح عليها . ولا يجوز تكرار المسح بل يقتصر على مرة واحدة لا أكثر ـ احتياطا ـ والجدير بالذكر هو أن المصلي يجب عليه أن يحرز إزالة أثر الدسومة على شفتيه ويديه بعد الغسل بالمسح بقوة ، ولا يقتصر على الصابون فقط . وكذلك يزيل قبل الوضوء مادة الصابون المترسبة على ممسك مصب الماء لئلا يلصق شيء منها على يديه وتكون حاجبا . ويجري نفس الفعل قبل الغسل أيضاً « كما يأتي » .
2 ـ يجب على المصلي أن لا يكتفي في وضوئه بوصول الماء إلى كفيه وخلال أصابعه عند غسل يديه ابتداء ، فإن ذلك ليس من الوضوء بل هو من مقدمات ومستحباته ، إنما الواجب هو إيصال الماء وإجرائه حتى يصل إلى الكف وجميع أطراف الأصابع عند غسل اليدين ، والأحوط وصول الماء إلى جزء قليل من باطن العينين والأنف والفم لإحراز استيعاب الماء لظاهر الوجه وبراءة الذمة(1).
كيفية غسل الجنابة والحيض والنفاس وبعض أحوال الاستحاضة :
أولا : بعد التبول وتطهير محل البول وتطهير محل الدم ، وإزالة الحواجز كالصابون والدسومة والأوساخ كما مر في الوضوء ، ويضاف إلى ذلك أطراف الأذنين والسرة وتحت الثديين وبين الأصابع والأظفار ـ خصوصا أصابع الرجلين ـ وإزالة النجاسات الحاصلة على البدن . بعد ذلك كله ينوي ويُجري الماء على بدنه بصورة قررها الدين الحنيف وهي : أولا ـ غسل الرأس والرقبة ، ويتأكد من وصول الماء الى الجلد بتخليل الشعر ، ويزيد قليلا ويتجاوز الرقبة .
____________
(1) ويثبت الرأس عند المسح لكيلا يكون الممسوح ماسحا .

( 83 )

ثانيا : غسل القسم الأيمن من البدن ، ويتجاوز قليلا إلى القسم الأيسر. وفي الأثناء يدلك الرجل مخرج البول ، والمرأة تدلك المخرج التناسلي إذا كان الغسل من الجنابة، لاحتمال خروج مادة جنسية بعد الملامسة أثناء القيام بالغسل .
ثالثا : غسل القسم الايسر ويتجاوز قليلا الى القسم الأيمن(1) . والاحوط أن يغسل السرة والعورتين مع كل قسم ، ويغسل نصف الرقبة الأيمن مع القسم الأيمن ، ونصف الرقبة الأيسر مع القسم الايسر .
ويجب عليه ألا يغفل عما بين أصابع رجليه ، فبالتصاق بعضها ببعض لا يتحقق جريان الماء على جميع أجزائها .
وأما صلاة الأخوات : فيجب عليهن أن يسترن أبدانهن أثناء الصلاة إلا الوجه والكفين ، بشرط ستر أطراف الوجه إلى نصف الخدين ، وتجاوز الرقبة بقسم قليل من الفك الأسفل ، وستر الشعر ـ فأنادى أخواتي مخلصا أن يُتقنٌ الحجاب للصلاة أمام المرآه قبل القيام بها ، ويأخذن بها زينة الروح ، كما يقفن أمامها لأخذ زينة البدن(2).
تنبيه هام : لقد سلكت سبيل أفضلية الاحتياط فيما مر ذكره من الأحكام الفقهية المتعلقة بأفعال الصلاة ومقدماتها ، لأنني وجدت اختلاف الفقهاء في الفتوى واختلاف الناس في الرجوع إليهم .
وخلاصة القول : إن الصلاة هي كالسيارة تسير بصاحبها إلى رضوان الله سبحانه وتعالى ، فإذا نقص أو زاد أو اعوج جزء من أجزائها لا يتحقق
____________
(1) نؤدي هذا التجاوز وما قبله في الوضوء لأجل أداء ما في الذمة ، كبائع القماش الذي يزيد قليلا في القياس عند الابتداء والانتهاء .
(2) قال الشاعر :
يا خادم الجسم كم تسعى لخدمتــه * أتطلب الربح فيما فيــه خسـران
أقبل على النفس واستكمل فضائلها * فأنت بالنفس لا بــالجسم إنسـان

( 84 )

السير ، فهناك وحشة الطريق ، وهناك العناء والبلاء . ( نعوذ بالله ) والجدير بالذكر هو أن الصلاة لها درجات مختلفة من الثواب والنعيم في الجنة ، وأدناها هي الإتيان بها صحيحة في ألفاظها وأفعالها ومقدماتها ، وبأقل الواجبات وعلى درجاتها هي إقامتها مع نوافلها المقررة ، بشرط استنارتها بنور الخشوع والخضوع ، والتدبر لكل كلمة من ألفاظها . والمقصود من الخشوع والخضوع هو أن يتصور المصلى بأنه قائم بين يدي أعظم العظماء ، خصوصا عند نطقه بجملة « الله أكبر » . لذلك نرى أن الله سبحانه وتعالى قال (قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون) أوائل سورة « المؤمنون » فقد ركز سبحانه وتعالى تحقيق الفلاح في إقامة الصلاة بخشوع المصلين ، فلم يقل « قد أفلح المؤمنون المصلون » . وأهم ما يحفز المسلم لإقامة صلاته بخشوع ، هو أن يصلي صلاة مودع لها ، فيتوقع ويحتمل موته أثناء ادائها أو بعدها(1) .
ونهاية المطاف : يجب على المسلم بصورة خاصة أن يتعلم مسائل الشك والسهو في الصلاة لكثرة ابتلائه بهما ، ولا يجوز إبطال صلاته الواجبة وإعادتها عند حصولهما إلا في بعض أحوال الشك .. ولامجال لشرح تلك المسائل في هذا الكتاب ، فليراجع المؤمنون الكتب الفقهية أو علماء الدين المتقين .
خامساً ـ أيها الوالدان : لقد كتب الله سبحانه وتعالى على عباده الصوم ، لذا يجب عليكم ألا تتهاونا في أدائه وتمرين الأولاد وحثهم بجد وتشديد على أداء هذه الفريضة ، خصوصا البنت إذا اكملت تسع سنوات قمرية . فلا يغرنكما الشيطان ويوسس فيكما بأن البنت صغيرة في السن
____________
(1) راجع أبيات الشعر (19 ـ 20 ـ 21) رجاء .

( 85 )

وأنكما تظلمانها باستجابتها لكما . فبذلك تصدان عن سبيل الله الحكيم الذي اقتضت حكمته أن يكلف البنت حسب ما خلقها وكونها ، وهو أرحم بها منكما ، فأسلما لحكمه وهو أحكم الحاكمين .
ابحثا عن مفاهيم الصوم ولا تغفلا عن تعليمها للأولاد كما يأتي :
(أ) لبيان أهمية الفريضة راجعا (صفحة 27) من هذا الكتاب .
(ب) الصوم هو الإمساك والاجتناب عن أمور اختلف فيها الفقهاء ، والأحوط(1) هي عشرة ، وذلك بالنية ابتداءً من بضع دقائق قبل طلوع الفجر إلى دقائق بعد دخول الليل ، لتحقيق استيعاب النهار وبراءة الذمة .
الأول والثاني :

الأكل والشرب عمداً ، فلا يبطل الصوم بنسيانهما ، ولكن يجب البصاق عدة مرات(2) إذا تذكر الناسي مباشرة .
الثالث : تعمد القيء ، فلا يبطل بدون اختيار كالمرأة الحامل مثلا :
الرابع : إيصال الغبار والدخان وبخار الماء إلى الحلق .
الخامس : تعمد الكذب على الله والأنبياء وأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم .
السادس : رمس ( غمس ) الرأس في الماء .
السابع : الحقنة بمادة سائلة ، أما الجامدة فالأحوط اجتنابها كذلك .
الثامن : الملامسة الجنسية الباطنية ، وإن لم يحصل الإنزال ، وتحدث بها الجنابة .
التاسع : الاستمناء ( إخراج المادة الجنسية التي يبلغ بها صاحبها منتهى شهوته ) .
العاشر : تعمد البقاء على الجنابة وعدم الاغتسال عند طلوع الفجر ، أما إذا استيقظ من نومه بعد طلوع الفجر ووجد نفسه جنبا بالاحتلام ،
____________
(1) من لم يرد الاحتياط فليعمل بفتوى من يثق به من العلماء المتقين .
(2) كذلك البصاق عدة مرات بعد المضمضة .

( 86 )

فلا يبطل صومه ، وكذلك الاحتلام أثناء النهار لا يبطل الصوم ، ويلحق بهذا الفرع الأخير المرأه التي ينقطع دم حيضها أو نفاسها قبل الفجر ولم تغتسل(1) وعند ضيق الوقت يجب التيمم .
والآن تعالوا إلى كيفية التيمم :
(أ) نضرب الأرض الطبيعية ( التراب أولا(2) وبعدمه ، فالحجر الأرضي الغير مصنوع ) بباطن الكفين معا ، ثم نضرب وندلك أحدهما بالا´خر ، ثم نصف الكفين مع ضم الأصابع الأربع لكل منهما وفصل الإبهامين عنهما ، ثم نضع أسفل الكفين بالصورة السابقة على قصاص الشعر ، ثم نمسح بهما الجبهة إلى طرف الأنف الأعلى والجبينين ( الطرفان الصغيران المجاوران للجبهة ) معا يمسحان بالإبهامين ( أرجو الانتباه ) .
( ب ) ثم نمسح ظاهر كف اليد اليمنى بعد ضم الأصابع الخمس لها بباطن كف اليد اليسرى ابتداء من قسم قليل من الساعد ، ونزيد بالمسح قليلا معية إلى الأطراف الثلاثة الأخرى له ( لاستيعاب الظاهر وإحراز براءة الذمة ) ثم نمسح ظاهر كف اليد اليسرى كما مر سابقا ( بدون ضرب الأرض ) .
( جـ ) نضرب الأرض بباطن الكفين مرة أخرى ( احتياطا ) خصوصا إذا كنا في حال الجنابة ، ونمسح ظاهر الكفين فقط ـ كما مر شرحه سابقا ـ مرة أخرى .
تنبيه هام
( أ ) يجب عند التيمم ثبات الرأس عند المسح ، وثبات الكفين عند مسحهما ، لكيلا يكون الممسوح ماسحا . وأكرر مؤكدا وجوب ثبات الرأس عند مسحه حال الوضوء .
____________
(1) كذلك المستحاضة التي يجب عليها الغسل .
(2) أيها القارىء العزيز : أنصحك مخلصا بأن تزود مسكنك وحقيبة السفر بكيس صغير من التراب للتيمم عند الوجوب .

( 87 )

( ب ) لا يجوز بصورة عامة الاكتفاء بالتيمم في حال الجروح والكسور ، بل يجب ـ احتياطا ـ ضم التيمم إلى الوضوء أو الغسل ، بغسل المواضع السليمة والمسح على غطاء الجرح أو الكسر ، بشرط طهارته والعجز عن كشفه . ويكفى في المغسل إجراء الماء كالتدهين لا بالسيلان ، وذلك لدرء العسر والحرج ، خصوصا عند الغسل ( وبالله التوفيق ) .
سادسا ـ أيها الوالدان ـ أيها الأولاد

، إياكم أن تتهاونوا في أداء فريضة الحج إن استطعتم ، وإليكم ما يأتي :
( أ ) راجعوا (صفحة : 27) من هذا الكتاب .
( ب ) يجب عليكم أن تتعلموا مناسك الحج من كتاب مقرر لمرجعكم الديني ، وأتقنوا بحوثه عند أحد العلماء المتقين قبل السفر أو أثناءه .
( جـ ) أهم تلك البحوث :
1 ـ محرمات الإحرام ، بعضها يخص الرجال وبعضها يخص النساء .
2 ـ إتقان الطواف حول الكعبة بالأشواط السبعة ، وذلك بزيادة قليلة قبل الحجر الأسود عند الابتداء بالطواف ، وزيادة قليلة أخرى عند الانتهاء منه بتعدي الجهة للحجر باتجاه باب الكعبة ، وذلك بنية إحراز براءة الذمة في إتمام عدد الأشواط .
3 ـ الرعاية التامة لصحة صلاة الطواف ، ولو بتكرارها مرات عديدة بسبب الازدحام الذي يُعَسر الاستقرار والثبات في ألفاظ الصلاة وأنفالها . فيجب على الحاج ألا يتهاون فيها لأنها من أهم مقومات حجه ، والأحوط أن يستنيب من يصلي نيابة عنه إضافة إلى القيام بها بنفسه ، خصوصا إذا كان أميا وجاهلا باللغة العربية وبأحكام الصلاة .
4 ـ عند السعي بين الصفا والمروة تجاوز الدرجات إلى الأعلى بعد إنهاء كل شوط بنية استيعاب الشوط وإحراز براءة ذمة الإتمام ، حتى إذا كنت
( 88 )

راكبا فغادر المركبة واصعد إلى الأعلى ثم عُد إلى مركبتك .
5 ـ يجب على الحاج معرفة مواقف الحج الثلاثة ( عرفات ـ المشعر الحرام ـ منى ) ويجب عليه أن يعين مواقعها وحدودها وينوي الوقوف فيها .
6 ـ يجب على الحاج أن يطبق أحكام الهدى الذي يذبحه يوم العيد، فيختبره بألا يكون هزيلا وناقصا في خلقه وتكوينه ، ويحرز سنه المقررة ، ويحتاط بالأكل من ثلث لحمه ، وإهداء الثلث الثاني إلى أحد المؤمنين ، والتصدق بالثلث الأخير على الفقير . ولدرء العسر والحرج يأخذ وكالة من فقير مؤمن في بلده أو بلد آخر في تحويل الصدقة والهدية إليه بتحريك الذبيحة قليلا مع النية بتسلمه ، ثم يصالحه عند العودة واللقاء بمقدار من المال .
ونهاية المطاف : أنادي إخواني الحجاج الكرام نداء مخلصا :
أولا : يجب عليهم ألا يكتفوا بقراءة السطور حول الحج ، بل عليهم أن يتأكدوا من صحة العمل بها ، ويتحملوا العناء في سبيل إتقان أفعالها ليأمنوا عناء يوم القيامة ، برحمة الله وفضله . فإن فريضة الحج تُؤدى مره واحدة خلال عمر الإنسان ، لذا يجب على الحاج أن يعمل جاهداً ليكون حجه مقبولاً عند الله سبحانه وتعالى ، ويحذر أن يحج حجٌة مزيٌفة ليكون حاجاً عند الناس ، كما قال تعالى : (فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) ( نهاية سورة الكهف ) وليتدبر قول الشاعر :

إليـك قصدي لا للبيـت والأثــر * ولا طوافــي بأركان ولا حجــر
صفاء قلبي الصفا لا حيـن أعبره * وزمزمي دمعة تجري مـن البصـر
عرفانكم عرفاتي إذ منـى منــن * ومشعري ومقامي دونكـم خطـري
زادي رجائي لكم والشـوق راحلتي * والماء من عبراتي والهـوى سفري
ومسجد الخيف خوفي مـن تباعدكم * والهدى جسمي الذي يغني عن الجزر