الفصل الرابع
مبادئ العلاقات بين مكاتيب
الرسول صلى الله عليه وآله وشرائط الذمة
سنقتصر في هذا الفصل على بيان أهم مكاتيب الرسول صلى الله عليه وآله إلى الملوك ، ورؤساء القبائل والعشائر ، وإلى اليهود ، والنصارى وغيرهم ليتضح من خلال تلك المكاتيب ، ان دعوة الرسول صلى الله عليه وآله كانت دعوة ربّانية خالصة تقوم على أساس رعاية التوحيد الذي يمكن من خلاله تقريب وجهات النظر بين سائر الملل والشعوب والأديان.
ومن ثم البحث في شرائط الذمّة في مدرسة أهل البيت عليهم السلام لما لهذا الموضوع من دخل كبير في رسم أبعاد ونوع العلاقة القائمة بين المسلمين وغيرهم.
والملاحظ بادئ ذي بدء ان تلك الدعوة التوحيدية التي انطلقت من جزيرة العرب باسم الإسلام ، لم تهدف أبداً إلى الحطّ من الأديان السماوية البتّة ، وقد خفي هذا على أكثر الدراسات الاستشراقية والغربية التي تبنّت فكرة مغلوطة جداً خلاصتها ان نبي الإسلام صلى الله عليه وآله كان يدعو إلى سحق الأديان كلّها والانتصار لدين الإسلام وحده.
وقد نقل الأستاذ الدكتور محمّد البهي في كتابه الفكر الإسلامي الحديث كلمات كثيرة لبعض أولئك الكتّاب والباحثين الغربيين الذين لم يفهموا حقيقة مكاتيب الرسول صلى الله عليه وآله فضلاً عن حروبه وغزواته (1)ولو انهم عرفوا الحقيقة أو تجرّدوا لمعرفتها من خلال دراسة المنطلقات النظرية ـ من القرآن الكريم والسنة المطهرة ـ للمنهج الإسلامي الصحيح ، وفحصوا الممارسات الفعلية التي كانت قائمة على أرض الواقع يوم ذاك لاَدركوا عمق دعوة الرسول صلى الله عليه وآله في مكاتيبه صلى الله عليه وآله الأمر الذي يدعونا إلى الوقوف قليلاً عند عنوان الإسلام ووحدة الأديان ليتضح من خلاله ان دعوة نبينا صلى الله عليه وآله هي دعوة جميع الأديان وهدف جميع الأنبياء والرسل عليهم السلام ، وبهذا يتحدّد الفصل في مباحثه الثلاثة الآتية :
المبحث الأول
عنوان الإسلام ووحدة الأديان
الإسلام في أدبيات القرآن الكريم ومصطلحاته اللغوية ليس اسماً لدين خاص ، وانّما هو اسم للدين المشترك الذي تجمعه وحدة المصدر ، ووحدة المصير ، ووحدة المفاهيم والقيم ، ووحدة الاهداف والأساليب ، وهو الدين الذي حمل رايته جميع الأنبياء والمرسلين ، وانتسب اليه جميع أتباع الانبياء في جميع مراحل الحركة التاريخية ، وكانوا في جميع مراحل الصراع والمواجهة الفكرية والتشريعية وأحياناً العسكرية يواجهون عدواً واحداً لايروق له تقرير
____________
(1) الفكر الإسلامي الحديث | الدكتور محمّد البهي : 527 و 529 ، دار الفكر ، القاهرة ، 1991م.
مبادىء الحق والعدالة والفضيلة في أعماق النفس الانسانية وفي واقع الحياة.
قال الله تعالى : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِْسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ الأَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (1).
ومعنى ذلك : « ان الدين عند الله سبحانه واحد لا اختلاف فيه لم يأمر عباده إلاّ به ، ولم يبيّن لهم فيما أنزله من الكتاب على أنبيائه إلاّ إيّاه ، ولم ينصب الآيات الدالّة إلاّ له وهو الإسلام الذي هو التسليم للحق الذي هو حقّ الاعتقاد وحقّ العمل ، وبعبارة اُخرى هو التسليم للبيان الصادر عن مقام الربوبية في المعارف والأحكام ، وهو وإن اختلف كمّاً وكيفاً في شرائع أنبيائه ورسله على ما يحكيه الله سبحانه في كتابه غير أنّه ليس في الحقيقة إلاّ أمراً واحداً ، وإنّما اختلاف الشرائع بالكمال والنقص دون التضادّ والتنافي » (2).
والإسلام هو الدين الذي حمله نوح عليه السلام ودعا قومه إلى الايمان به ، وهو الدين الذي أمره بالدعوة والنهوض ، ففي قمة المواجهة بينه وبين قومه كان يخاطبهم : (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ الأَّ عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (3).
ويظهر عنوان الإسلام واضحاً في دعاء إبراهيم واسماعيل ، وفي وصايا إبراهيم ويعقوب.
____________
(1) سورة آل عمران : 3 | 19.
(2) الميزان في تفسير القرآن | السيد الطباطبائي 3 : 120 ، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ، بيروت ، 1391هـ .
(3) سورة يونس : 10 | 72.
قال الله تعالى : (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ...) (1). وقال تعالى : (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ الأَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (2).
وقد أكدّ أبناء يعقوب عليه السلام له في مرض موته على حقيقة التديّن بالاسلام كما جاء في القرآن الكريم : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (3).
والإسلام هو عنوان انتماء قوم موسى عليه السلام : (وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) (4).
ولهذا نجد أنّ فرعون في آخر لحظات عمره وحينما أدركه الغرق يعترف بانّه من المسلمين ، كما حكى القرآن الكريم عنه : (... حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ الأَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (5).
وحينما أراد عيسى عليه السلام اعلان الفصل بين الكفر والانتماء الالهي أجابه الحواريون : (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا
____________
(1) سورة البقرة : 2 | 127.
(2) سورة البقرة : 2 | 132.
(3) سورة البقرة : 2 | 133.
(4) سورة يونس : 10 | 84.
(5) سورة يونس : 10 | 90.
مُسْلِمُونَ) (1).
ونفى القرآن الكريم أَيّ عنوان آخر غير الإسلام عن دين الأنبياء السابقين ، وأثبت انّ الإسلام هو دينهم : (وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأََسْبَاطِ وَمَا أُوتِىَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (2).
واعتراف أهل الكتاب بانتمائهم للاسلام قبل نزول القرآن الكريم وقبل البعثة النبوية الخاتمة : (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُوَْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ) (3).
وأكّد القرآن الكريم على انّ الدين نزل في اُمة واحدة ، فاستعرض مسيرة الأنبياء عليهم السلام في الدعوة والهداية وفي الصراع مع الكفّار وأتباعهم ، ثم ختم ذلك الاستعراض بخطابه للمسلمين : (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (4).
وأكدّ القرآن الكريم على وحدة التشريع في منهج وحركة الانبياء ، فالله تعالى لم يشرع ديناً جديداً بالبعثة النبوية الخاتمة ، وإنّما هو دين واحد وشريعة
____________
(1) سورة آل عمران : 3 | 52.
(2) سورة البقرة : 2 | 135 و136.
(3) سورة القصص : 28 | 52 و53.
(4) سورة الأنبياء : 21 | 92.
واحدة منذ القدم ، ويظهر هذا التأكيد في خطابه للمسلمين : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ...) (1).
والدين واحد في اصوله وفي غاياته وأهدافه وفي وسائله ، متنوع في أدوار المكلّفين بحمله ، فلكلّ مرحلة تاريخية نبيّ خاص وكتاب خاص ينسجم مع أحوال الناس وظروفهم المادية والروحية وطاقاتهم الذاتية ، ولا تناقض بين الكتب المنزلة على الأنبياء ؛ فلكلّ مرحلة كتاب مصدّق للكتاب الأسبق ومكمل له : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأََحْبَارُ ... وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِْنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ... وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ...) (2).
والدين في مرحلة بعثة النبي محمّد صلى الله عليه وآله هو المرحلة الأخيرة من المراحل التي مّرت بها البشرية ، وبها ختمت الرسالة بعد كمالها ، وهو الحلقة الاخيرة من حلقات الدعوة والهداية.
فالإسلام إذن هو العنوان للدين في جميع مراحله ، وقد أخرج القرآن الكريم الديانات المحرّفة من هذا العنوان ، فأصبحت اليهودية عنواناً لمن حرّف التوراة التي انزلت على موسى عليه السلام ، وأصبحت النصرانية عنواناً لمن حرّف الانجيل الذي نزل على عيسى عليه السلام ، وكذا الحال في بقية الديانات المحرّفة ،
____________
(1) سورة الشورى : 42 | 13.
(2) سورة المائدة : 5 | 44 ، 46 ، 48.
واختص عنوان الإسلام بمجموعة المفاهيم والشرائع التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وآله ، والتي هي المرحلة الأخيرة من مراحل مسيرة الانبياء عليهم السلام .
ونجد الإسلام قد اقرّ المفاهيم والقيم غير المحرّفة ودعا إلى اظهارها وتقريرها في الواقع ، وتعامل مع اتباع الديانات المحرّفة ضمن الاطر والمحاورالمشتركة ، فأقرّهم على ما يتبنونه من عقائد وتشريعات ، فلم يكرههم على التخلي عنها مادامت لاتصطدم مع المصلحة العامة ، وجسّدت مدرسة أهل البيت عليهم السلام جميع مفاهيم وقيم التعاون والرحمة والعفو مع غير المسلمين في العلاقات والمعاملات ، ولا زالت إلى اليوم فئات كثيرة من أهل الكتاب تعيش مع المسلمين مع احتفاظها بجميع الحقوق الفردية والاجتماعية ، ولا زال الكثير منهم يشهد للاسلام وللمسلمين بحسن التعامل معهم ، بخلاف ما نجده في التاريخ القديم والمعاصر من معاملة أهل الأديان للمسلمين بقسوة وفضاضة لا سيما في العصر الحاضر الذي بلغ التمدّن فيه ذروته ، ومع هذا لم تزل قيم غير المسلمين في النظر إلى المسلم قائمة على أسس ومفاهيم عنصرية وعرقية محضة.
ثمّ نقول بعد هذا ، وبعد أن اتضح لنا عنوان الإسلام ، ووحدة الأديان في أهدافها وغاياتها : ستنتفي أية غرابة في الدعوة إلى الإسلام في مكاتيب الرسول صلى الله عليه وآله ، لأنها دعوة إلى توحيد الله عزّوجلّ ، دعوة الإنسان إلى فطرته التي فطره الله عليها.
المبحث الثاني
مكاتيب الرسول صلى الله عليه وآله
أولاً ـ وثيقة رسول الله صلى الله عليه وآله في موادعة اليهود :
وهي أول وثيقة كتبها رسول الله صلى الله عليه وآله لليهود ، ليحافظ بذلك على الأمن والهدوء والاستقرار في المجتع المدني الذي كانت تسوده البلبلة والاضطرابات بسبب كثافة اليهود وتحزبهم بين حين وآخر للكيد بالمسلمين والرسالة الفتية. وهذا هو نصّ الوثيقة :
« بسم الله الرحمن الرحيم : هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وآله بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ، ومن تبعهم فلحق بهم... وانّه من تبعنا من يهود فإنّ له النصر والاسوة ، غير مظلومين ولا متناصرين عليهم. وانّ اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين. وانّ يهود بني عوف أمّة مع المؤمنين ، لليهود دينهم ، وللمسلمين دينهم ، مواليهم وأنفسهم إلاّ من ظلم وأثم ، فإنّه لا يوتغ (1)إلاّ نفسه وأهل بيته. وانّ ليهود بني النّجار مثل ما ليهود بني عوف. وانّ ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف. وانّ ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف. وانّ ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف. وانّ ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف. وانّ ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف ؛ إلاّ من ظلم
____________
(1) أي يهلك أو يفسد .
وأثم ، فإنّه لايُوتغ إلاّ نفسه وأهل بيته. وانّ لبني الشطيبة مثل ما ليهود بني عوف ، وإن البرّ دون الإثم . وإنّ موالي ثعلبة كأنفسهم . وان بطانة يهود كأنفسهم ؛ وإنّه لايخرج منهم أحد إلاّ باذن محمّد صلى الله عليه وآله ؛ وانّه لا ينحجر على ثأر جرح (1) ؛ وإنّه من فتك فبنفسه فتك وأهل بيته ، إلاّ من ظلم ؛ وانّ الله على أبرّ هذا (2). وانّ على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم ، وإنّ بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصّحيفة ؛ وان بينهم النصح والنصيحة والبرّ دون الإثم ، وإنّه يأثم امرؤ بحليفه ؛ وإنّ النصر للمظلوم . وإنّ اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين . وإنّ يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة . وانّ الجار كالنفس غير مضارّ ولا آثم . وإنّه لاتجار حرمة إلاّ باذن أهلها . وإنّه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإنّ مردّه إلى الله عزّوجلّ ، وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وآله ، وإنّ الله على أتقى مافي هذه الصحيفة وأبرّه.
وان بينهم النصر على من دهم يثرب ، وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه ، فإنّهم يصالحونه ويلبسونه ، وإنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإنّه لهم على المؤمنين إلاّ من حارب في الدين ، على كلّ أناس حصّتهم من جانبهم الذي قبلهم . وإنّ يهود الأوس مواليهم وأنفسهم ، على مثل ما لأهل هذه الصحيفة مع البرّ المحض من أهل هذه الصحيفة.
وانّ البرّ دون الإثم ، لايكسب كاسب إلاّ على نفسه ؛ وانّ الله على اصدق ما في هذه الصحيفة وأبرّه ، وإنّه لايحول هذا الكتاب دون ظالم
____________
(1) أي لا يضيع دم حتى الجرح.
(2) أي ان الله تعالى مع من كان أطوع لهذا العهد.
وآثم . وانّه من خرج آمنٌ ، ومن قعد آمِنٌ بالمدينة ، إلاّ من ظلم أو أثم . وانّ الله جار لمن برّ واتقى ، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وآله » (1).
ثانياً ـ كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله لأهل نجران :
« ... لنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد النبيّ رسول الله على أنفسهم ، وملتهم ، وارضهم ، وأموالهم ، وغائبهم وشاهدهم وعيرهم وبعثهم وامثلتهم لا يغير ما كانوا عليه ولا يغير حقّ من حقوقهم وامثلتهم ؛ لايفتن أسقف من أسقفيته ، ولا راهب من رهبانيته ، ولاواقه من وقاهيته (2) على ماتحت أيديهم من قليل أو كثير ؛ وليس عليهم رقق ولا دم جاهلية ، ولا يحشرون ولا يعشرون ولا يطأ ارضهم جيش ، ومن سأل منهم حقاً فبينهم النصف غير ظالمين ولا مظلومين بنجران ، ومن اكل منهم رباً من ذي قبل فذمتي منه بريئة ، ولا يؤخذ منهم رجل بظلم آخر ، ولهم على مافي هذه الصحيفة جوار الله وذمة محمد النبي أبداً حتى يأتي أمر الله مانصحوا واصلحوا فيما عليهم غير مكلفين شيئاً بظلم » (3).
ثالثاً ـ كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله لأهل جرباء وأذرح :
« بسم الله الرحمن الرحيم : هذا كتاب من محمّد النبي رسول الله
____________
(1) مكاتيب الرسول صلى الله عليه وآله | علي الأحمدي الميانجي 3 : 6 ، 44 ، دار الحديث ، طهران ، 1419هـ .
(2) الواقه : قيّم البيعة . والوقاهية : وظيفته. وأكثر ما يرد بالفاء (الوافه).
(3) مكاتيب الرسول صلى الله عليه وآله | علي الأحمدي الميانجي 3 : 165 ، وقد ورد النص بصيغ متعدّدة.
لأهل جرباء وأذرح : إنهم آمنون بأمان الله وأمان محمّد ، وانّ عليهم مائة دينار في كل رجب ومائة أوقية طيبة ، وانّ الله عليهم كفيل بالنصح والاحسان إلى المسلمين ومن لجأ إليهم من المسلمين » (1).
رابعاً ـ كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله إلى قيصر :
« بسم الله الرحمن الرحيم : من محمّد رسول الله عبده ورسوله إلى هرقل عظيم الروم ، سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد فاني أدعوك بدعاية الإسلام أسلم تسلم أسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فانّ عليك إثم اليريسيين ، و (يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الأَّ نَعْبُدَ الأَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (2) » (3).
خامساً ـ كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله إلى كسرى :
« بسم الله الرحمن الرحيم : من محمّد رسول الله إلى كسرى عظيم فارس ، سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله ، وشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، وأدعوك بداعية الله عزّوجلّ ، فانّي أنا رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حيّاً ويحقّ القول على الكافرين فأسلم تسلم ، فإن أبيت فإنّ إثم المجوس عليك » (4).
____________
(1) مكاتيب الرسول صلى الله عليه وآله 3 : 113 .
(2) سورة آل عمران : 3 | 64 .
(3) تاريخ اليعقوبي : 77 .
(4) بحار الأنوار 20 : 389 .