4 ـ حرمة الغدر والغلول والمثلة والتخريب الاقتصادي

البريد الإلكتروني طباعة

كتاب سماحة الإسلام وحقوق الأقليات الدينية ص 30 ـ 36

4 ـ حرمة الغدر والغلول والمثلة والتخريب الاقتصادي

    حرّم الإسلام استخدام الوسائل الوضيعة حتى في قتال المعتدين ؛ لأنّه جاء رحمة للعالمين وليس انتقاماً ، فمن وصايا رسول الله صلى الله عليه وآله لأمراء جيشه : «سيروا بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله صلى الله عليه وآله ، لا تغدروا ولا تغلّوا ولا تمثّلوا ولا تقطعوا شجرة إلاّ أن تضطروا إليها...» (1).
    وقال أبو الصلاح الحلبي : «... ولا يجوز حرق الزرع ، ولا قطع شجرة الثمر ، ولا قتل البهائم ، ولا خراب المنازل ، ولا التهتّك بالقتل» (2).
    وقال الشهيد الأول : «ولا يجوز التمثيل ولا الغدر ولا الغلول» (3).
    ومن رحمة الإسلام ورأفته حتى بمن قاتلهم لردّ كيدهم ، ما نجده في حديث الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام قال : «إنّ النبي صلى الله عليه وآله كان إذا بعث أميراً له على سرية أمره بتقوى الله عزّوجلّ في خاصة نفسه ثمّ في أصحابه عامة ، ثمّ يقول : اغزُ باسم الله وفي سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله ، لا تغدروا ولاتغلّوا ولا تمثّلوا ولا تقتلوا وليداً ولا متبتّلاً في شاهق ، ولا تحرقوا النخل ، ولا تغرقوه بالماء ، ولا تقطعوا شجرة مثمرة ، ولا تحرقوا زرعاً ، لأنكم لاتدرون لعلّكم تحتاجون إليه ، ولا تعقروا من البهائم ما يؤكل لحمه ، إلاّ مالابّد لكم من أكله...» (4).
    وفي هذا النصّ المعتبر مايوضّح النهي الصريح عن الغدر ، والغلول ،
____________
(1) الكافي 5 : 30 | 9 من الباب السابق.
(2) الكافي في الفقه : 256.
(3) غاية المراد 1 : 482.
(4) الكافي 5 : 29 | 8 ، من الباب السابق .


( 31 )


والتمثيل ، وقتل الأطفال ، والمنعزل عن القتال ، مع مراعاة حرمة النبات والحيوان أيضاً.


5 ـ وجوب الاستجابة للاستجارة وطلب الأمان

    من أهم مقاصد الشريعة الإسلامية حقن الدماء ، ولهذا فقد أوجب الإسلام جميع الوسائل والمقدمات المؤدية إلى حقن الدماء ، ومنها الاستجابة للاستجارة ان استجار المعتدي بالمسلم وطلب الأمان منه ، كما في قوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) (1).
    وفي حديث الإمام الصادق عليه السلام قال : «كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا بعث سرية دعا بأميرها.. إلى قوله صلى الله عليه وآله : وايما رجل من أدنى المسلمين وأفضلهم نظر إلى أحد من المشركين فهو جار حتّى يسمع كلام الله ، فإذا سمع كلام الله عزّوجلّ فإن تبعكم فأخوكم في دينكم ، وإن أبى فاستعينوا بالله عليه وأبلغوه مأمنه» (2).
    ولا فرق بين المجير حراً كان ام عبداً ، فحكمه نافذ على الجميع في حال اجارته لأحد من المشركين أو الاعداء.
    عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام قال : «إنّ عليّاً صلى الله عليه وآله أجاز أمان عبد مملوك لأهل حصن من الحصون ، وقال : هو من المؤمنين» (3).
    وقال الإمام الباقر عليه السلام : «ما من رجل آمن رجلاً على ذِمَّةٍ ثمّ قتله ، إلاّ
____________
(1) سورة التوبة : 9 | 6.
(2) الكافي 5 : 30 | 9 ، من الباب السابق.
(3) وسائل الشيعة 15 : 67 ، باب : 20 ، كتاب الجهاد.


( 32 )


جاء يوم القيامة يحمل لواء الغدر» (1).
    والأمان هو الغاية في التعامل ، وان رفض المسلمون طلب الأمان لضرورة معينة وظنّ الأعداء انهم استجابوا لهم ، كان ذلك الظن أماناً لهم ؛ لانّ هدف الإسلام هو حقن الدماء في جميع الأحوال.
    قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام : «لو انّ قوماً حاصروا مدينة فسألوهم الأمان ، فقالوا : لا ، فظنّوا انّهم قالوا : نعم ، فنزلوا إليهم ، كانوا آمنين» (2).

6 ـ الوفاء بالعهد

    أوجب الإسلام الوفاء بالعهد ، فلا يجوز نقضه مادام العدو ملتزماً به ، وقد جسد الإسلام بهذا الوجوب السماحة والسلام وحقن الدماء ، وأثبت للجميع انّه لايقاتل إلاّ دفاعاً عن المقدسات وعن النفس ردعاً للعدوان.
    قال أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام : «ان وقعت بينك وبين عدوّك قصة عقدت بها صلحاً وألبسته بها ذِمَّة فحُط عهدك بالوفاء ، وارع ذِمّتك بالأمانة ، واجعل نفسك جنّة بينك وبين ما اعطيت من عهدك» (3).
    وقال عليه السلام : «ما أيقن بالله من لم يرع عهوده وذِمَّته» (4).
    وقال عليه السلام : «فلا تغدرن بذِمّتك ، ولا تغفر بعهدك ، ولا تغتلن عدوّك ، فإنه لا يجترئ على الله إلاّ جاهل ، وقد جعل الله عهده وذِمّته أمناً أفضاه
____________
(1) الكافي 5 : 31 | 2 ، باب إعطاء الأمان ، كتاب الجهاد.
(2)وسائل الشيعة 15 : 68|4 ، باب جواز إعطاء الأمان ووجوب الوفاء ، كتاب الجهاد.
(3) تصنيف غرر الحكم | عبدالواحد الآمدي : 252 ، مكتب الاعلام الإسلامي ، قم ، 1987م.
(4) تصنيف غرر الحكم : 253.


( 33 )


بين العباد برحمته ، وحريماً يسكنون إلى منعته ، ويستفيضون إلى جواره ، فلا خداع ، ولا مدالسة ، ولا إدغال فيه» (1).
    وكانت سيرة المسلمين قائمة على الوفاء بالعهد ، فلم ينكثوا العهد بعد اتمامه ، ولم يحدثنا التاريخ انهم نقضوا العهد مع المعاهدين.
    ويجب الوفاء بالعهد وان تضرر منه آحاد المسلمين ، فحينما عاهد رسول الله صلى الله عليه وآله المشركين بتسليم من جاءه من قريش مسلماً ، وفى بذلك وسلم اثنين من المسلمين اليهم وفاءً منه بالعهد (2).
    والوفاء بالعهد محل اجماع الفقهاء كما صرّح به الشيخ محمد حسن النجفي في كتاب الجواهر (3)ِ.

7 ـ حسن المعاملة مع الأسرى

    أمر الإسلام بحسن المعاملة مع الأسرى وإن كانوا معتدين قبل الأسر انسجاماً مع غاياته وأهدافه في هداية الناس واعادتهم إلى الرشد.
    وحسن المعاملة ثابت في جميع الظروف والأحوال ، فلا يباح قتل الأسير من قبل أي مسلم ، وهذا الأمر مرجعه إلى امام المسلمين وليس لآحادهم واجتهاداتهم الشخصية التي قد لاتصيب الواقع في أغلب الظروف.
    قال الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام : «إذا أخذت أسيراً فعجز عن المشي
____________
(1) تحف العقول : 97.
(2) إعلام الورى بأعلام الهدى | الفضل بن الحسن الطبرسي : 106 ، دار المعرفة ، بيروت ، 1399هـ .
(3) جواهر الكلام 21 : 97.


( 34 )


وليس معك محمل فأرسله ولاتقتله ، فإنك لاتدري ما حكم الإمام فيه» (1).
    ويجب اشباع حاجات الأسير من طعام وشراب وان كان حكمه القتل لضرورة خاصة.
    قال الإمام جعفر الصادق عليه السلام : «اطعام الأسير حق على من أسره ، وإن كان يراد من الغد قتله ، فانّه ينبغي أن يطعم ويسقى ويرفق به كافراً كان أو غيره» (2).
    وقال الإمامان الباقر والصادق عليهما السلام : «إذا وضعت الحرب اوزارها واثخن أهلها ، فكل أسير أخذ على تلك الحال فكان في أيديهم ، فالامام فيه بالخيار إن شاء منّ عليهم فأرسلهم ، وإن شاء فاداهم أنفسهم ، وإن شاء استعبدهم فصاروا عبيداً» (3) ، وهناك جملة من الروايات في مدرسة أهل البيت عليهم السلام بهذا المعنى.
    والمشهور بين فقهاء الإمامية ـ استناداً إلى تلك الروايات أن الامام ، ـ وهو المسؤول الاعلى في المجتمع ـ أو من يوكله يكون مخيراً بين إطلاق الأسير بدون فداء وهو المنّ ، أو إطلاقه مقابل جزء من المال وهو الفداء ، وأما القتل فلا ، وقد صرّح القرآن الكريم بهذا في قوله تعالى : (حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) (4) ثمّ
____________
(1) الكافي 5 : 35 | 1 ، باب الرفق بالأسير وإطعامه ، كتاب الجهاد.
(2) الكافي 5 : 35 | 2 ، من الباب السابق.
(3) الكافي 5 : 32 | 1 ، باب إعطاء الأمان ، كتاب الجهاد.
(4) سورة محمّد صلى الله عليه وآله : 47 | 4.


( 35 )


جاءت السنّة الشريفة لتؤكد الأمر الثالث وهو الاسترقاق.
    والواجب في مدّة بقاء الأسير ليس هو إطعامه فقط ، بل الرفق به والاحسان.
    وما قد يقال من أن مسألة استرقاق الأسير تتنافى وسماحة الإسلام ومثله وقيمه الإنسانية النبيلة ، فالجواب من وجهين :
    الوجه الأول : ان العرف السائد بين جميع الأمم في ذلك الحين هو استرقاق أسرى الحرب أو قتلهم أو اطلاقهم بفداء ، وقد حصل هذا فعلاً لعشرات المسلمين الذين وقعوا أسرى بيد العدو في سائر المعارك الدفاعية التي خاضها المسلمون. فضلاً عما كان يجري يومئذ من انتهاك أعراض النساء وقتل الأطفال وحرق البيوت وما شابه ذلك من أفعال همجية وتخريبية قد رفضها الإسلام بشدة في سلوكه وآدابه الحربية.
    ولما لم يكن من أدب الإسلام معاملة العدو بالمثل في مثل هذه الأفعال ، فإنه ليس من المعقول أن يشجع عدوّه عليه في موضوع الأسرى فيطلقهم وهو يرى كيف يسترق العدو أسرى المسلمين ويسيء معاملتهم جداً ، فضلاً عن اخضاعهم للتعذيب الجسدي ، وقد حفظ لنا التاريخ أسماء بعض الصحابة الذين اُسروا وماتوا تحت التعذيب.
    فمسألة الاسترقاق ضرورة لازمة ما دام العدو مصرّاً عليها ، علماً بأن انحسار الاسترقاق تدريجياً في الإسلام ، ثمّ محوه بشكل كامل ناتج عن تشجيع الدين الإسلامي لمعتنقيه ، كما هو واضح في كثير من تشريعاته الفقهية على إنهاء الاسترقاق ، وأما اتفاق الدول والأمم في العصور المتأخرة على محو هذه الظاهرة فقد جاء متأخراً بالقياس إلى محوها في الإسلام.


( 36 )


    الوجه الثاني : إن الغاية من الاسترقاق ليست اهانة المسترق في نظر الإسلام ، ومن يبتغي إهانة شخص فكيف يكرمه ؟ بل كيف تجتمع اهانته مع معاملته في غاية الاحسان ؟ الأمر الذي يكشف عن هدف أسمى ، ذلك لأن بقاء الأسرى في المحيط الإسلامي مدّة سيكون باعثاً قوياً على اهتدائهم للدين الإسلامي وترك عقائدهم الفاسدة ، وبهذا يكون الاسترقاق وسيلة لهدايتهم بخلاف ما لو تم اطلاقهم منّاً أو فداء ؛ إذ سوف لن يقفوا عن كثب على تعاليم هذا الدين المنسجمة مع فطرتهم ، ولن يلمسوا سماحته ولطفه ورقّته.
    وبهذا يكون المقصد الأعلى من الاسترقاق عائداً لمصلحة المُسترَق في الواقع ، وقد سجل لنا التاريخ الإسلامي صفحات مشرقة في هذا الجانب باهتداء جلّ المُسترَقّين حتى كان لبعضهم أو لأبنائهم شأن عظيم ، وهناك عشرات الشخصيات الإسلامية المعروفة التي هي محل اعتزاز سائر المسلمين قد جاءت إلى الإسلام من هذا الطريق.

*   *   *