ان إيجاد الشخصية والاعتماد على النفس عند الطفل من الواجبات التربوية للآباء والامهات وظهور هذه الحالة النفسية عند الأطفال يسير وفق منهج منظم ، بحيث لو طُبق بصورة صحيحة أدى إلى نتائج مرضية ، ونشأ الطفل ذا شخصية فذة ، أما اهماله فإنه يؤدي إلى تعود الطفل على الخسة والحقارة.
كما إن احترام الطفل وحسن معاشرة الوالدين معه من أهم العوامل الأساسية لبناء الشخصية الرصينة. ان نبي الإسلام العظيم يوضح هذا المنهج الضخم بعبارة قصيرة ويأمر الناس باتباعه فيقول : « اكرموا أولادكم واحسنوا آدابكم » (1).
إن احترام الطفل وتكريمه ، أو إهانته وتحقيره لا يختص بأسلوب معين ، بل ان الوالدين يستطيعان أن يحترما أطفالهما بطرق مختلفة ، كما يقدران على اهانتهما بصورة متعددة. وهنا لا بأس بالتعرض الى بعض الأساليب والصور التي بها يحترم الطفل أو يهان ، مع بيان النتائج المفيدة أو المضرة التي تترتب على ذلك.
الطفل إنسان واقعي :
إن الشرط الأول للتربية الصحيحة وتنمية الشخصية والاستقلال عند الطفل أن يعرف الوالدان حقيقة طفلهما ولا يتجاهلا قيمته الواقعية... أن يعتقدا بأن طفلهما ليس شاة أو دجاجة تحتاج الى الطعام واللعب والنوم... إنه إنسان صغير ، إنسان واقعي ولكنه ضعيف ، إنسان حقيقي يملك من الذخائر الفطرية ما يجب أن تبرز من يجب أن تبرز من عالم القوة إلى حيز الطفل.
« يحس الطفل طيلة أدوار نموه بالحقارة في قبال والديه وجميع الناس. هذا الاحساس في جميع شؤون الطفل وليد عدم القدرة الأولية للأعضاء وعدم الاطمئنان به وفقدانه للاستقلال ، وكذلك ينتج على أثر الإحتياج الى الغير ، والاعتماد على شيء أقوى منه ، والخضوع لسيطرة المحيط. وهذا الاحساس بالحقارة هو الذي يوجد في الطفل نشاطاً دائماً ، واحتياجاً الى |
____________
( 1 ) بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج23|114.
الانشغال ، والإهتمام يلعب دور بارز في الحياة. انه يسير في حالة ضخمة من الآمال والآماني المستقبلة والاستعداد الجسمي والعقلاني لتحقيقها ، وان الرغبة في التفوق على الآخرين هي التي تدفعه إلى أن يثبت لنفسه شخصية ، فيقلل بذلك من حدة الحقارة المستولية عليه » (1). |
الرشد المعنوي للطفل :
إن الآباء والأمهات الذين يفسحون المجال في الأسرة للاطفال كي يمارسوا نشاطاتهم الفطرية ، ولا يسخرون منهم في الأفعال التي تصدر منهم ولا يحاولون تحقيرهم أبداً ، يتوفقون الى الرشد المعنوي بسرعة وينالون شخصية كاملة. وعلى العكس ، فإن الآباء والأمهات المستبدين في الأسرة الذين يسلكون تجاه اطفالهم بالشدة والحدة ويملأون جو الأسرة رعباً وهلعاً يكتبون القابليات والاستعدادات الباطنية للأطفال ويمنعون من الرشد الطبيعي لهم فينشأون وهم فاقدون للشخصية.
إن أحد اسباب الاحساس بالحقارة عند الأطفال هو المظاهر الشديدة لقدرة ( الكبار ) وضغطهم. لا شيء يطفىء جذوة الرغبة في التعالي والتكامل والاعتماد على النفس عند الطفل مثل الاهانة والتحقير الذي يلاقيه في قبال الضغط والشدة ، خصوصاً عندما يؤكد الوالدان شدتهما بعبارة ( انك لا تستطيع القيام بهذا العمل )... ( لا تحاول عبثاً ) ، ومما يزيد في الطين بلة أنهما لا يكتفيان بذلك بل يبعثان السأم والملل في نفس الطفل بعبارات من أمثال ( لماذا تريد أن تفعل هذا أيها الأحمق... ألا ترى أنك لا تستطيع ذلك ؟! ). من النادر جداً أن لا يوجد سلوك كهذا عقدة الاحساس بالحقارة في الأطفال. وقد يكون وجود أب |
____________
( 1 ) چه ميدانيم تربيت اطفال دشوار ص 16.
متزمت ومتنفذ كافياً في أن يقف حاجزاً دون ظهور الصفات الفاضلة في نفس الطفل » (1). |
وإذا عدنا الى الحديث الذي سبق شرحه في المحاضرة السابقة ، وجدنا أن الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله يقول : « ولا يرهقه ولا يخرق به »... أي لا يقول له : أنت سفيه ، حقير ، بليد ، أبله ، كذاب لأن كل واحدة من هذه الكلمات تحمل من أمارات الاهانة والتحقير تجاه الطفل ما يكفي للوقوف أمام تكامل قواه المعنوية.
غريزة اللعب عند الطفل :
من الميول التي أودعها الله تعالى في باطن الأطفال : الرغبة في اللعب. إن الطفل يميل الى اللعب بفطرته ، فتارة يجري وقفز ، وأخرى ينظم ويقفز ، وأخرى ينظم لُعَبه ودُماه. هذه الأعمال التي تبدو للنظرة البسيطة تافهة وعابثة هي أساس تكامل جسد الطفل وروحه. ان اللعب يبعث القوة في عضلاته والمتانة في عظامه ، كما انه ينمي فيه القدرة على الابتكار ويخرج قابلياته الكامنة الى حيز الفعل. وهكذا فاللعب يشغل شطراً كبيراً من حياة الأطفال ولم يفت الأئمة المعصومين أمر التنبيه على هذه النقطة. فعن الإمام الصادق عليه السلام : « الغلام يلعب سبع سنين ، ويتعلم الكتاب سبع سنين ، ويتعلم الحلال والحرام سبع سنين (2). وعنه ايضاً : دع ابنك يلعب سبع سنين » (3).
اللعب وحس الابتكار :
من فوائد اللعب تدريب الطفل على الاستقلال في الارادة ، واحياء حس
____________
( 1 ) ما وفرزندان ما ص 57.
( 2 ) الكافي لثقة الإسلام الكليني ج6|47.
( 3 ) الكافي لثقة الإسلام الكليني ج6|47.
( 64 )
الابتكار فيه. عندما يحفر الطفل على كومة من التراب بئراً ، أو يبني غرفة صغيرة فإن قواه العقلية تعمل كما يعمل المهندس المعمار فيتلذذ لنجاحه وعندما يلاقي بعض الموانع في عمله فتنهدم البئر أو تنهار الغرفة ، يحاول تدارك ذلك بالبحث عن علاج فوري... هذه النشاطات تساعد على الرشد الفكري وتكامل الشخصية عند الطفل ، فإذا سخر الأب أو الأم منه ، ونسبوا أفعاله الى العبث والسفه كان في ذلك اهانة وتحقير له ، وكبت لمواهبه وقابلياته.
« إذا حاول الأطفال رسم برنامج خاص لهم في أعمالهم فلا تمنعوهم من ذلك ، لأن مواصلة تطبيق خطة مرسومة دون وقوف العوائق في طريق ذلك عامل فعال في تكوين الشخصية عندهم ». « لا يلتزم الكبار في الأفعال الاعتيادية اليومية التي يؤدونها بنظام معين ، في حين أن الأطفال يميلون ـ على العكس من الكبار ـ إلى أن يسيروا حسب خطة معينة ولكن هل اننا ندعهم احراراً في تنفيذ خططهم ؟! كلا. إذا كان الأطفال يلعبون فإننا نمنعهم عن اللعب لنصحبهم معنا الى النزهة ، وإذا كان الطفل يملأ سطلا من الرمل ، أو يلبس العروسة بدلة فإننا نأخذ بيده الى ان يأتي ويسلم على الضيف ». « هذه الأمور تدعو الطفل الى أن يعتقد بأن حقارة خاصة تكتنفه مما تجعله دون مستوى الآخرين ، وعندئذ يدرك الطفل أن جميع أفعاله فاقدة للمعنى ، وأنه موجود تافه ، وفي مثل هذه الحالة كيف تستطيعون أن تلقنوا هذا الموجود الصغير معاني المسؤولية والاعتماد على النفس ؟! » (1). |
____________
( 1 ) ما وفرزندان ما ص 56.
ارشاد الطفل :
لا ريب في أن الطفل يحتاج لمعرفة الخير والشر إلى إرشاد أبويه. فعليهما أن يعلماه موارد الخير ويحثاه على العمل به ، ويبصراه بالشر ويحذراه منه. ان مجموعة الأوامر والنواهي الصادرة من الوالدين الى أطفالهما تمثل تنفيذاً لواجب تربوي مقدس ، ولكن يجب أن لا يغيب عن البال أن هذه الأوامر والنواهي يجب أن لا تتجاوز الحد المعقول ولا تصل الى حد الاهانة وجرح شعور الطفل الذي يؤدي بدوره الى نتيجة عكسية.
هناك بعض الآباء يتدخلون في سلوك أطفالهم بدرجة كبيرة ، ظناً منهم بأنهم يحسنون تربيتهم بذلك ، فيتجاوزون بأوامرهم نواهيهم الحد المعقول ، ويسببون الجزع والملل لهم ولأطفالهم ، في حين أن الطفل يزداد انحرافاً يوماً بعد آخر.
إذا كان للطفل سلوك غير محبّذ فعلى الوالدين أن يرشداه الى الطريق الصحيح بأسلوب هادىء لا يصيب شخصيته باهانة او تحقير. ذلك أن الاكثار من توبيخ الطفل وتوجيه اللوم والتقريع نحوه والاصرار على هذا العمل المقترن بالاهانة وتحطيم الشخصية ، لا ينتج النتيجة المطلوبة من اصلاح الطفل فحسب ، بل يؤدي الى اصراره وعناده والاستمرار في افعاله الفاسدة رغم أنف والديه وفي هذا يقول الإمام أمير المؤمنين ( ع ) : « الإفراط في الملامة يشبُّ نيران اللجاج » (1).
عناد الطفل :
الوالدان يحاولان من وراء اللوم والتقريع المتواصلين أن يمنعا الطفل من ارتكاب العمل الذي قام به ، ويريدان أن يحطما شخصيته وإرادته ، ويحملا إرادتهما عليه. أما الطفل فلا يقف مكتوف اليدين ، ولذلك فلأجل أن لا يكون
____________
( 1 ) تحف العقول ص 84.
قد اندحر في الميدان تماماً ، يصمم على مقاومة أبويه فيثبت شخصيته بالاستمرار في العمل الفاسد الذي كان قد ارتكبه.
« إذا كان سلوك الطفل فاسداً وشريراً بصورة خاصة فيجب اتباع المعارضة يقابل بالفشل ، لأن كل حاجز يحث الإنسان لي اجتيازه. إن ألف ( لاتفعل ) ولا تفعل الصادرة من الوالدين تفتح أمام الطفل عالماً من ( الممكنات ). إن الطفل يفكر في نفسه قائلا : ( يجب أن لا أفعل هذا ؟ إذن أستطيع أن أفعله ، والآن أقدر عليه أيضاً ) فسلوك كهذا يوجد في الطفل على ما يكون سبباً في قيامه بذلك العمل. علينا أن نرشده الى ما ينبغي أن يؤديه ، أن لا نجرح عواطفه ، ولكن لا يعني هذا ان نتركه وشأنه. يجب في هذا السبيل أن نعيّن له ميولاً اخرى تحل محل الميول السابقة ، نوجهه نحو اهداف مفيدة ومساعدة على ظهور شخصيته » (1). |
الطغيان الناشيء من التحقير :
إن الآباء والأمهات الذين يسيئون الى أطفالهم بسوء إدراكهم ويحطمون شخصيتهم يدفعونهم الى المخالفة والطغيان والفوضى ويبذرون في نفوسهم بذور العناد والخروج على القواعد الإجتماعية... وهذا ما يجرّ وراءه سلسلة من المآسي والمشاكل ، وبهذا الصدد يقول الإمام الحسن العسكري عليه السلام : « جرأة الولد على والده في صغره ، تدعو الى العقوق في كبره » (2).
الآباء والأمهات الذين يحترمون اطفالهم ، ويكبرون فيهم معنوياتهم ، ويسايرونهم بالأخلاق الكريمة والآداب الفاضلة يستطيعون أن يربوهم على صفات
____________
( 1 ) چه ميدانيم ؟ اطفال دشوار ص 77.
( 2 ) تحف العقول ص 489.
الحميدة ، وإذا صادف أن ظهر في سلوكهم ما يؤدي الى الإنحراف فإن من السهل عليهم أن يكافحوا ذلك.
الطفل كالكبار في أنه يحب ذاته ، فعندما يفهم أن العمل الفاسد يسيء. ويحطم شخصيته ، ويقلل من منزلته في أنظار الناس ، ويؤدي إلى احتقاره في محيط الأسرة ، يترك ذلك فوراً حفظاً على مقامه ويقوم باصلاح نفسه بصورة تلقائية. يقول الامام أمير المؤمنين عليه السلام : « من كرمت عليه نفسه هانت عليه شهوته » (1) وعنه عليه السلام أيضاً : « من شرفت نفسه نزهها عن ذلة المطالب » (2) :
وبهذا المضمون وردت روايات كثيرة ، منها :
« عن علي عليه السلام : من كرمت عليه نفسه لم يهنها بالمعصية » (3).
وعن الإمام علي بن الحسين عليهما السلام : « من كرمت عليه نفسه هانت عليه الدنيا » (4).
شرف النفس والاستقامة :
يستفاد من هذه الأحاديث أن شرف النفس لا يتلاءم مع الإنحرافات والمعاصي. ان من يحس في نفسه بالكرامة والشرف ، ويرغب في الحفاظ على هذه الجوهرة الثمينة في خزانه روحه بصورة دائمة لا يحوم حول الذنب والانحراف أبداً. إن من يرغب في أن تكون له شخصية لا معه وسمعة طيبة يجب أن يمتنع عن الكذب ، ومن يحب في أن يتلمس آثار الشرف والعدالة والاستقامة في نفسه لا يستطيع أن يرتشي ، ومن عرف في المجتمع بالأمانة ويرغب في الإبقاء على ذلك لا يقوم على الخيانة.
أما من لا يملك شرف النفس وحسن السمعة ، ويعتبر تافهاً في نظر المجتمع ،
____________
( 1 ) سفينة البحار للقمي ـ مادة شها ، ص 726.
( 2 ) غرر الحكم ودرر الكلم للآمدي ص 669.
( 3 ) غرر الحكم ودرر الكلم للآمدي ص 677.
( 4 ) تحف العقول ص 278.
ويحس بالحقارة في نفسه أيضاً. ويكون خطراً على المجتمع الذي يعيش فيه فلا يتورع عن الإجرام والتلوث بالنذوب والمعاصي.
قال أمير المؤمنين عليه السلام : « من هانت عليه نفسه فلا ترجُ خيره » (1).
وعن الإمام علي الهادي عليه السلام : « من هانت عليه نفسه فلا تأمن شره » (2).
وفي حديث عن الإمام أمير المؤمنين ( ع ) : « هانت عليه نفسه من أمّر عليه لسانَه » (3) فالشخص الذي يطلق العنان للسانه بالسب والشتم والغيبة والفحش في القول يكشف عن حقارة نفسه وخسة طبعه.
لكي يؤدي الوالدان الدين التربوي الذي في عاتقهما تجاه الطفل ، ويربّياه على الرغبة في الخير من دون ضغط أو تهديد ، ويوجد فيه شخصية متكاملة ، عليهما أن يحترماه ويسلكا معه بحيث يفهم أنه عضو مستقل في الأسرة وله من الأحترام والتكريم ما للآخرين.
« يكفي للمربين وللأولياء أن يحترموا هذا العالم المعقد والمبهم ( أي الطفل ) ولا يحكموا على عالمه المعقد بشيء. يجب عليهم أن يدفعوا الطفل الى النشاط والعمل بمحركاته لا بواسطة محركاتهم ، وبهذه الطريقة يستطيعون أن يوجدوا جوا التفاهم ويبذروا فيه بذور الاعتماد على النفس والاستقلال ». « لا نعني من هذا أن للطفل أن يمارس ما يشاء من رغبات وميول غير مناسبة. ولكن عندما يدرك الطفل أنهم فهموه وعرفوا حقيقته فلا يسيء التصرف الى قابلياته ، انه يدرك حدوده وحدودنا. انكم قد علمتموه القواعد والآداب والعادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية. أنه يحس بأن هذه الآداب والقواعد تسهل ارتباطه بالمحيط الذي يعيش فيه دون الاضرار بحريته إذن |
____________
( 1 ) غرر الحكم ودرر الكلم لللآمدي ص 712.
( 2 ) بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج17|214.
( 3 ) نهج البلاغة ، شرح الفيض الاصفهاني ص 1079.
فهو ينقاد لها بكل رغبة وارتياح. ان احترمتموه فهو يستمر على إحترامكم أيضاً ». « إذا وجد أنكم لا تسخرون منه عندما يصارحكم بأفكاره ويتباحث معكم بشأنها ، ولا تعترضون عليه في كل آن ، فلا يملك دليلاً على تخلفه ومن النادر أن يخرج على تعاليمكم ». « ولأجل هذا النظام فإنه يحترم الآخرين ويجعل نفسه محترماً في نظر الآخرين وتكون له روابط طيبة مع كل أحد. لأنه يعطي كل شخص حقه حتى يستطيع أن يطالب بحقه » (1). |
إن الآباء والامهات الذين يتذكرون كلام رسول الله دائماً حيث يقول : « اكرموا أولادكم ، واحسنوا آدابكم » ويطبقونه في كل حين ، يستطيعون تربية أطفال شرفاء ذوي شخصية ، وتدريبهم على الصفات الفاضلة والسلوك المحبذ.
تحقير الطفل :
يجب أن نعترف ـ بكل أسف ـ بما يجري في بلادنا تجاه الأطفال من التحقير على خلاف تعالي الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله. فإن اكثر الآباء لا يهتمون برعاية احترام أطفالهم ، ويوجدون في نفوسهم عقدة الحقارة من حيث يعلمون أو لا يعلمون. وعلى سبيل المثال أذكر لكم بعض النماذج التي شاهدتها من قريب ، وربما لاحظها السادة الحاضرون أيضاً.
1 ـ من المتداول في الحفلات والمجالس أن تبعث بطاقات للكبار فقط. بعض الآباء يصحبون معهم أولادهم الذين في السن الثامنة أو العاشرة ـ وهؤلاء يملكون نفوساً حساسة ـ من دون دعوة ، وبهذا العمل فإنهم يلقنونهم الذلة والحقارة ، ويفهمونهم بصورة غير مباشرة أنهم لا يليقون للدعوة. لا بد أنكم لاحظتم ما يحدثه إرسال صاحب البيت بطاقة خاصة للصبي الذي يملك من العمر
____________
( 1 ) چه ميدانيم ؟ تربيت اطفال دشوار ص 71.
عشر سنين من أثر عظيم في روح الطفل ، فيحضر الحفلة بعزة وفخار ، شاعراً بالاستقلال والاحترام !
2 ـ عندما يجلس الكبار على المائدة يوضع أمام كل منهم صحن وملعقة وشوكة. وقد لاحظت مراراً أن الأطفال لم تخصص لهم صحون ، فيأخذون بالنظر الى حولهم بانكسار الى أن يرق قلب الأب أو أحد الحاضرين فيفرغ للصبي صحن الخضروات الصغير ويناوله إياه. إن هذا تحقير صريح للطفل أمام ذلك الجمع الكبير ، وهو ضربة قاصمة ترد على شخصيته وربما تلازمه مدى العمر.
3 ـ يحين وقت النوم ، فيخصص لكل من الضيوف الكبار سرير خاص أو فراش معين ، ويبقى الصبي الصغير حائراً دون أن يفكر في امره أحد ، كأنهم لم يعتبروه إنساناً و لم يخصصوا له سريراً ، وأخيراً يلجأ مع الإحساس بالفشل والإنهيار الى فراش أبيه أو أحد أقربائه !
4 ـ الأب جالس مع الضيوف في غرفة الاستقبال وهم يتحدثون. يدخل الصبي في العاشرة الى الغرفة يقوم الضيوف احتراماً له ، من المناسب في هذه الحالة ان يسكت الأب حتي يقوم الصبي نفسه بتوجيه الشكر لهم ، أو أنه اذا لم يستطع ذلك يقول له الأب : تشكّر من السادة ويقول هو : أشكركم. لقد شاهدت مراراً أنه بمجرد أن يحترم الضيوف الصبي ، يظهر الأب خجله من ذلك فيقول لهم وكأن عملا سيئاً قد وقع : استريحوا ، تفضلوا ، وبهذا العمل يستسغ التحقير لولده... وهنا يحس الصبي بأن أباه يريد أن يقول للضيوف : إن ابني لا يليق بالاحترام والتكريم ، لا تعتنوا به ولا تقوموا له.
5 ـ كثيراً ما يشاهد أن الآباء لا يحجزون في بعض السفرات القصيرة مقاعد لأطفالهم لغرض الاقتصاد في الصرف. فيقف الطفل طول الطريق ، وعندما يتعب يجلس في حجر الأب. هنا يحس الطفل بأنه لا يملك من المنزلة والاحترام ما يستوجب أن يحجز له مقعد خاص حتى يجلس كالآخرين. خصوصاً إذا كان هناك طفل في سنه قد حجز له أبوه مقعداً ، إن الأب يحاول أن يقتصد بعض الشيء ولكنه يوجه ضربة قاصمة نحو شخصية الطفل ويهينه بعمله هذا.
رد الفعل :
قد يظهر الطفل أمام هذه الاهانات رد فعل فوري ، فيغضب ، أو يتحسر ويتألم ، أو يبكي ، وقد يتفاقم ذلك فيظهر بصورة أعمال استفزازية منكرة. ان تكرار الأعمال التي تتضمن التحقير والاهانة يوجد في ضمير عقدة نفسية ، ويجعله إنساناً تافهاً ، ويقتل فيه قابلية الاعتماد على النفس واستقلال الشخصية وتلازمه ويلات ذلك كله مدى العمر.
يستفاد من بحوث علماء الغرب أن بعض الأسر الأوروبية أيضاً لا تهتهم باحترام الاطفال وتقوم بتحقيرهم مما يجعل الأطفال المساكين يئنون من ذلك ويتألمون من الإهانات التي يلاقونها.
« الإحساس بالحقارة ـ كلنا نعرف رجالاً ونساءً يعيشون في حالة من عقدة الحقارة. ان عدد هؤلاء ضخم جداً ، وان 90 بالمائة من عوامل هذه الحالة النفسية يجب أن نبحث عنها في أدوار الطفولة. وعلى هذا الأحساس تظهر حالة من انهيار شخصية الطفل في الوقت الذي تبدأ غرائزه الاجتماعية بالتفتح. إن من الممكن أن تعمل عوامل أخرى على تقوية هذه الاحساس لكن نشوءه يرجع الى دور الطفولة بلا شك ». « تصوروا أما ترى طفلها يرفع أصيصاً جميلاً من مكانه فتتصور أن الأصيص ربما يكسر بهذا العمل فتتألم لذلك ، ولأجل أن لا يحدث مثل هذا الموضوع الخطير في نظرها في المستقبل تمنع الطفل من لمس ذلك الأصيص ، في حين أن المربية تلمس الأصيص الظريف بكل حرية ، وإذا صادف أن أحد الضيوف كسره عن غير عمد تحاول الأم أن تعلن بكلمات براقة وعبارات ظريفة أن أمراً مهماً لم يقع وأن الأصيص لا يساوي شيئاً , هذا الحادث المخفق يوصل الطفل إلى هذه النتيجة وهي أنه وحده الموجود |
الخطر الذي يخشى منه على الأصيص وسائر الأثاث ، إذن فهو موجود أحقر وأحط من الآخرين » (1). |
الشعور بالاستقلال :
تبين لكم مما تقدم معنى إحترام الطفل ونتائجه المفيدة في المنهج التربوي ، والآثار السيئة التي تنشأ من إهانة الطفل وتحقيره. ان احترام الطفل يجعله ينشأ على الاستقلال والاعتماد على النفس ، وزرع فيه بذور الشخصية والتعالي.
لقد عمل أئمة الإسلام بالاضافة الى تفهيم الناس بالأساليب التربوية الصحيحة ، على تطبيق ذلك وتعليمهم إياها بصورة عملية ، فقاموا بتربية أولادهم وفقاً لاحسن الصفات الفاضلة. ولأجل إيضاح الموضوع وإكمال البحث لا بأس باستعراض بعض الأساليب العملية للرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام في إحياء شخصية الأطفال. تربّى علي بن أبي طالب عليه السلام منذ الصغر في حجر النبي العطوف واستوعب جميع الصفات الفاضلة والسجايا الحميدة من قائد الإسلام العظيم ، وان حياته النيرة وسلوكه العظيم أحسن شاهد على حسن تربيته في دور الطفولة.
تربّى علي بن أبي طالب عليه السلام مهنذ الصغر في حجر النبي العطوي واستوعب جميع الصفات الفاضلة السجايا الحميدة من قائد الإسلام العظيم ، وان حياته النيرة وسلوكه العظيم أحسن شاهد على حسن تربيته في دور الطفولة.
ومن الصفات البارزة للإمام علي عليه السلام رصانة شخصيته ، واستقلال ارادته. والرغم من أن علياً عليه السلام لم يكن طفلاً عادياً من حيث الروح والجسد ـ فقد كانت مواهب وقابليات خاصة أودعت في كيانه الممتاز ـ لكن الاشراف المباشر من الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله كان له اكبر الأثر في إبراز تلك المواهب والقابليات.
عندما بعث النبي ( ص ) كان علي ( ع ) صبياً لا يتجاوز العاشرة ولكنه كان
____________
( 1 ) ما وفرزندان ما ص 56.
يملك شخصية انسان كامل. لقد عرض الرسول الأعظم ( ص ) الإسلام عليه ودعاه الى اعتناق هذا الدين السماوي فأكد على كفاءته وعظمة شخصيته بهذا العمل المهم. وما كان من علي عليه السلام إلا أن يستجيب لدعوة النبي عن بصيرة وإيمان ووعي.
إن الصعوبات والمشاكل التي نوجه الرجال في حياتهم غالباً ما تحطم شخصيتهم ، فيخسرون المعركة ويصابون بعقدة الحقارة... في حين أن العواصف الشديدة التي هددت كيان الإسلام في الفترة التي سبقت الهجرة وبعثت الذعر. والقلق في نفوس المسلمين لم تستطع أن تزحزح من عزم الإمام علي بن أبي طالب ذلك القائد العظيم ، ولم تقدر على أن تؤثر فيه قيد شعرة.
هذا الثبات ، وهذه الاستقامة ـ بغض النظر عن الاستعداد الفطري للإمام عليه السلام ـ يرجع الى التربية الفذة التي لقيها من مربيه العظيم الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله ، الذي قوّى من شخصيته ومنحه الكثير من علمه وحكمته وسيرته.
وكذلك الحسن والحسين عليهما السلام فإنهما تلقيّا تربية ناجحة ، ونالا جميع الكمالات في الصغر على يد جدهما العظيم وأبويهما القديرين. حتى لقد قال المأمون العباسي عنهما أمام ملأ من رجاله : « وبايع الحسن والحسين عليهما السلام ، وهما ابنا دون الست سنين ، ولم يبايع صبياً غيرهما » (1) فمبايعة النبي ( ص ) للحسنين عليهما السلام وهما لم يبلغا الست سنين دليل على أنهما حازا على مواهب عالية وتربية فذة ، فاستطاعا بذلك أن ينالا هذه المرتبة العظيمة.
ومن خلال الحديث التالي نتبيّن عظمة شخصية أبناء رسول الله صلّى الله عليه وآله : « زيد بن علي ، عن أبيه : ان الحسين بن علي عليهما السلام أتى عمر ثم قال : صدقت يا بُني ، منبر أبيك لا منبر أبي. وقام علي ( ع ) وقال : ما هو والله عن رأيي. قال : صدقت ، والله ما اتهمتك يا أبا الحسن » (2) فخذت دليل على
____________
( 1 ) بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج12|119.
( 2 ) مجموعة ورام ج2|88.
أن عمر أيضاً كان يعرف أن الحسين ذو شخصية ممتازة وله إرادة مستقلة وليس كلامه هذا صادراً عن تلقين من أبيه بل هو نتاج فكره.
هذا وان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام كان يسأل أولاده بحضور من الناس بعض المسائل العلمية ، وربما كان يحيل الجواب على أسئلة الناس اليهم. ومن النتائج المهمة لهذا العمل ، احترام الأولاد وإحياء الشخصية فيهم.
وفي يوم من الأيام سأل الإمام عليه السلام من الحسن والحسين بعض الأسئلة ، فأجاب كل منهما أجوبة حكمية بعبارات قصيرة... « ثم التفت الى الحارث الأعور فقال : يا حارث علموا هذه الحكم أولادكم فإنها زيادة في العقل والحزم والرأي » (1)... إن الأب الذي يسلك مع أولاده هذا السلوك الممتاز ويجعل الكلمات الصادرة منهم قدوة لبقية أولاد المجتمع يكون قد احترمهم بأحسن صورة وأحيي فيهم الشخصية الفذة الكاملة.
هناك نموذج فذ للشخصية الرصينة نجده في الحوار التالي بين الإمام محمد الجواد عليه السلام والمأمون العباسي. ذلك أن المأمون قصد بغداد بعد وفاة الإمام الرضا عليه السلام ، وخرج يوماً للصيد فمرّ في أثناء الطريق برهط من الأطفال يلعبون ، ومحمد بن علي واقف معهم وكان عمره يومئذ إحدى عشرة سنة فما حولها... فلما رآه الأطفال فروا ، بينما وقف الجواد عليه السلام في مكانه ولم يفر. هذا الأمر اثار تعجب المأمون فسأله :
ـ لماذا لم تلحق بالأطفال حين هربوا.
فقال له : يا أمير المؤمنين ، لم يكن بالطريق ضيقٌ لأوسّعه عليك بذهابي ، ولم يكن لي جريمة فأخشاها ، وظني بك حسنٌ ، أنك لا تضر من لا ذنب له فوقفت.
لقد تعجب المأمون من هذه الكلمات الحكمية والمنطق الموزون والنبرات المتزنة للطفل. فسأله : ما أسمك ؟
قال محمد.
____________
( 1 ) بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج17|144.
قال : محمد ابن من ؟
قال : ابن علي الرضا... عند ذاك ترحم المأمون على الرضا عليه السلام ثم ذهب لشأنه (1).
لقد تربى الإمام الجواد عليه السلام في حجر والده الرضا ( ع ) وتعلّم دروس الشخصية والفضيلة من مربيّة العظيم.
وهكذا شأن بنات أهل البيت ونساءهم فقد كانوا على جانب عظيم من التربية الفاضلة والسلوك الممتاز... تلقوا ذلك كله من آبائهم وأمهاتهم الطاهرين. لقد عملت الحوادث والمآسي التي جرت على أهل البيت عليهم السلام بعد وفاة الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله ، على إظهار عظمتهم ورصانة شخصيتهم ومستواهم المعنوي وتفوقهم الروحي من خلال افعالهم وأقوالهم. ان خطب الصديقة الزهراء في مسجد رسول الله بحضور الخليفة والحشد الغفير من المهاجرين والانصار ، وكذلك كلمات بضعتها الحوراء زينب ، وخطب السيدة سكينة بنت الحسين عليه السلام أصدق شاهد على ما قلنا ، فهي توضح عظمة منزلة نساء أهل البيت.
ولكي يقوي الوالدان من معنوية الأطفال ويحييا شخصياتهم ، عليهما أن يعوداهم على الاحترام والتكريم ويحذرا من توجيه اللوم والتقريع والاهانة اليهم ويتذكرا قولة الرسول الأعظم صلّى الله عليه وآله : « اكرموا أولادكم وأحسنوا آدابكم ».
____________
( 1 ) بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج12|122.
المحاضرة التاسعة عشرة
الإسلام وتكريم الطفل
قال الله تعالى في كتابه الحكيم : ( قُلْ كُلُّ يعملُ على شاكِلتِه ) (1).
لقد توصلنا في المحاضرة السابقة الى النتيجة التالية ، وهي أن الأطفال لو قوبلوا بالتكريم والاحترام من الوالدين في محيط الأسرة فلا ينشأون حقراء أذلاء ، ولا يحسون في أنفسهم بالخسة والضعة. وفي هذه المحاضرة نبدأ من حيث انتهينا أمس لبحث تتمة الموضوع ، وقبل ذلك لا بأس بذكر أمرين :
الأطفال المعقدون :
الأول : أن بحثنا التربوي هذا يدور حول الأطفال العاديين لا المعقدين أو الأطفال المصابين بالجنون والبلادة الموروثة. وبعبارة أوضح فإن بعض الأطفال يتولدون مجانين أو حمقى ويكون لهذه النقيصة الوراثية جذور عميقة في كيانهم ، وهؤلاء يستحيل أن يصبحوا عقلاء أو أذكياء في يوم ما ، وليس في مقدور المربي القدير أن يحولهم إلى أفراد أكفاء.
كما أن هناك أطفالاً ليسوا بالمجانين ولكن سلوكهم ليس عادياً ، انهم مشاغبون وفوضويون ، هؤلاء عليهم اسم الأطفال المعقدين في البحوث التربوية.
« ان عنوان الأطفال المعقدين يشتمل على معان كثيرة في الحقيقة. فهو يطلق بالدرجة الأولى على الأطفال المشاغبين أي الصبيان |
____________
( 1 ) سورة الاسراء | 84.
الذين تنظر اليهم التربية المعاصرة نظرة التحقير والاستغراب. هؤلاء الأطفال يتسببون في كثير من المفاسد والتخريبات بواسطة القوى التي يستخدمونها للوصول الى مقاصدهم » (1). |
هناك عوامل عديدة تفسر بموجبها هذه الحركات الشاذة للاطفال ، فيجب أن تعرف معرفة دقيقة حتى يتسنى العمل على إزالتها. في بعض الأحيان يكون الدافع إلى الأعمال الشاذة والحركات الضارة للطفل المعقد وجود العاهات أو النقائص العضوية أو التشويهات في بدنه ، في هذه الحالة يكون الطفل مريضاً فهو بحاجة الى علاج.
« كما ان الطفل المريض لا يُرسل الى المدرسة ، كذلك يجب أن لا نخضع الطفل الذي ليس سليما من الناحية الفسيولوجية الى تربية جديدة. كل طفل معقد يجب أن يخضع قبل تربيته ، أو إعادة تربيته ، إلى فحص دقيق. وفائدة هذا العمل أن جهود المربى لا تصرف عندئذ في سبيل تربية طفل يحتاج إلى رعاية صحية أو روحية فقط ». « فمثلا تعتبر التربية بوحدها عقيمة في فحص حالات الحقد التي ترتبط بداء الصرع. والسرقات الحاصلة في دور المراهقة والتي تحصل على أثر الإختلالات لحادثة في الغدة النخاعية ، وأعمال الشغب الناشئة من تخلف النمو العصبي ، وحالات العصاب المتصلة بآثار الالتهابات الدماغية ، والكسل الذي يولد من قلة إفرازات الغدد الثايرويدية ، والإخلالات الحاصلة من ثلة من الأمراض الروحية الموروثة » (2). |
هؤلاء الأطفال يجب أن يخضعوا لأساليب تربوية خاصة من قبل المتخصصين في التربية النفسية والعلاج الروحي والعصبي ، وان المناهج التربوية الاعتيادية لا تعود عليهم بالنفع أو الاثر أصلا.
____________
( 1 ) چه ميدانيم ؟ تربيت اطفال دشوار ص 9.
( 2 ) چه ميدانيم ؟ تربيت اطفال دشوار ص 17.
إن بحثنا يختص بتربية الأطفال الإعتياديين والطبيعيين ، الأطفال المتولدين من آباء وأمهات أصحّاء في ظروف طبيعية. ذلك أن استعمال الأساليب التربوية في حق هؤلاء يتضمن فوائد عظيمة وآثاراً مهمة. فإذا تنبه الآباء والأمهات في هذه الحالة إلى المسؤولية العظيمة الملقاة على عواتقهم واهتموا بإيجاد جو مناسب للتربية الصالحة في الأسرة والتموا الصدق في الحديث والإستقامة في السلوك مع أطفالهم ، وطبقوا المناهج التربوية في كل خطوة ومرحلة ، فإنهم يستطيعون تربية أطفال مهذبين وأكفاء من كل جهة ، ويكونون بذلك قد نفذوا الأوامر الإلهية وأدوا ما عليهم تجاه أطفالهم تجاه المجتمع الذي يعيشون بين ظهرانيه.
أهمية تربية الطفل :
الثاني : ان مسألة تربية الطفل تشغل مكانة مرموقة من المسائل الإجتماعية في العصر الحديث ، فهي من أهم أركان السعادة البشرية. لقد بحث العلماء كثيراً حول مختلف الجوانب النفسية والتربوية للطفل وألفوا الكتب العديدة في هذا ا لمجال. ولذلك فإن الدول العظمى تنشىء المؤسسات والمنظمات العظيمة لغرض تنشئة الطفل تنشئة سليمة من حيث الروح والجسد فيخضعون الأطفال في سبيل ذلك الى رقابة عملية وتطبيقية مشددة. وبصورة موجزة فإن ( الطفل ) يشغل مجالاً مهماً من مجالات التفكير الحديث.
أما الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله فقد ظهر قبل أربعة عشر قرناً ، وفي عصر يعمه الجهل والضلال ، في المجتمع الحجازي المتأخر... وأخذ يبدي اهتماماً بالغاً إلى قيمة تربية الطفل ، وبدأ يرشد أتباعه إلى التعاليم اللازمة في هذا الصدد. لقد عالج الإسلام جميع القضايا التي ترتبط بالعلاقة الزوجية ، وشروط الرجل والمرأة من حيث طهارة النسل المنحدر عنهما ، وكذلك شروط الرضاع ، وتنشئة الطفل خطوة خطوة.
هناك حقائق نفسية وتربوية كثيرة حول منهج تربية الطفل يذكرها العلماء المعاصرون في كتبهم وأبحاثهم في حين سبقهم الى التصريح بها أئمة الإسلام وقادة المسلمين عليهم السلام في القرون الماضية. وما أكثر المسائل العلمية التي ذكرها