ب ـ ديات الاعضاء
وقد ورد في النصوص تقدير اكثر من عشرين عضواً من اعضاء الانسان ، وكما ذكرنا سابقاً ، فان كل ما قدره الشارع من ديات اقتصر عليه ، وكل مالم يقدره ، ففيه الارش . فمن الاعضاء التي جاء فيها التقدير الشرعي :
أ ـ الشعر : وفي ازالته عمداً من قبل فرد آخر بحيث يستحيل الانبات مرة أخرى ، دية كاملة ، ذكراً كان او انثى ، لقول الامام (ع) عندما سئل عن رجل دخل الحمام فصب عليه ماء حار فامتعط شعر رأسه ، ولحيته فلا ينبت ابداً ؟ قال : ( عليه الدية ) (1) . واذا نبت بعد الزوال ففيه الارش ان كان ذكرا ، وفيه مهر امثالها ان كانت انثى ، « بلا خلاف لصحيح سليمان بن داود المنقري ، قال : قلت لابي عبد الله (ع) ما على رجل وثب على امرأة فحلق رأسها ؟ قال : يضرب ضرباً وجيعاً ، ويحبس في سجن المسلمين ، حتى يستبرأ شعرها [ اي ينبت ] ، فان نبت اخذ منه مهر نسائها ، وان لم ينبت اخذت منه الدية كاملة » (2) .
2 ـ العين : وفي العين الواحدة نصف الدية ، وفيهما معاً دية كاملة ، بالنص والاجماع ، لقوله (ع) : ( كل ما كان في الانسان اثنان ففيهما الدية ، وفي احدهما نصف الدية ، وما كان فيه واحد ففيه الدية ) (3) ، و « تستوي [ العين ] الصحيحة ، والعمشاء ، والحولاء ، والجاحظة » (4) .
____________
(1) من لا يحضره الفقيه ج4 ص111 .
(2) الجواهر ج42 ص175 .
(3) التهذيب ج10 ص258 .
(4) الجواهر ج42 ص181 .
3 ـ الانف : وفيه دية كاملة اذا قطع من الاصل ، وفي المنخر الواحد نصف الدية (1) .
4 ـ الشفة : وفي الشفتين دية كاملة . وقيل في الشفة العليا ثلث الدية ، والسفلى ثلثان ، لان السفلى تمسك الطعام (2) .
5 ـ اللسان : وفيه دية كاملة ، اما الاخرس فثلث الدية (3) .
6 ـ الاسنان : وفي جميعها ، وهي ثمان وعشرين سناً ، دية كاملة . وفي كسر بعضها تفصيل ورد في قول الامام (ع) عندما سئل بان البعض من الناس له في فيه اثنان وثلاثون سناً وبعضهم له ثمان وعشرون سناً فعلى كم تقسم دية الاسنان ؟ فقال : ( الخلقة انما هي ثمانية وعشرين سناً اثني عشرة في مقاديم الفم ، وست عشرة في مواخيره ، فعلى هذا قسمة دية الاسنان ، فدية كل سن من المقاديم اذا كسرت حتى تذهب خمسمائة درهم ، فديتها كلها ستة آلاف درهم ، وفي كل سن من المواخير اذا كسرت ، حتى تذهب فان ديتها مائتان وخمسون درهماً ، وهي ست عشرة سناً فديتها كلها اربعة آلاف درهم ، فجميع دية المقاديم والمواخير من الاسنان عشرة آلاف درهم ، وانما وضعت الدية على هذا ، فما زاد على ثمانية وعشرين سناً فلا دية له ، وما نقص فلا دية له ) (4) . وقال الفقهاء ، ان قوله (ع) : ما يزيد على ثمانية وعشرين سناً فلا دية له ، اي ان في الزائد الحكومة . وقوله (ع) : ما نقص فلا دية له ، « فمعناه انه ينقص من الدية بمقدار ما يلحق الناقص منها لو كان
____________
(1) التهذيب ج10 ص296 .
(2) الكافي ج7 ص311 .
(3) من لا يحضره الفقيه ج ص55 .
(4) من لا يحضره الفقيه ج4 ص104 .
موجوداً بلا خلاف » (1) .
7 ـ الاذن : وفي قطع الاذنين دية كاملة ، وفي كل واحدة النصف ، صحيحة كانت او صماء . والاذن هو العضو الخارجي المجرد ، وهو لا يعني السمع ، لان السمع من المنافع (2) .
8 ـ العنق : وفي كسره ، او ميله بحيث يتعذر البلع والازدراء ، دية كاملة .
9 ـ اللحيان : وهما العظمان اللذان يشدان اللحية ، وفيها دية كاملة ، وفي احدهما نصف الدية ، للقاعدة الفقهية المستندة على صحيحة هشام بن سالم : ( كل ما في الانسان اثنان ففيهما الدية ، وفي احدهما نصف الدية ) (3) .
10 ـ اليدان : وفي كليهما تمام الدية ، وفي احدهما النصف ، و « كذا في الرجلين الدية كاملة وفي كل واحدة النصف وتتساوى اليمنى واليسرى فيهما . وحد اليد المعصم والرجل مفصل الساق ، فان قطعت مع الاصابع فدية كاملة ، ولو قطعت الاصابع منفردة فدية يد كاملة » (4) .
11 ـ الاصابع : وفي الاصابع العشر تمام الدية ، سواء كانت في الدين او في القدمين (5) .
12 ـ الصلب ( الظهر ) : وفي كسره دية كاملة ، لقوله (ع) عندما سئل عن رجل يكسر ظهره ؟ قال : ( فيه الدية كاملة ) (6) .
____________
(1) الجواهر ج 42 ص235 .
(2) الكافي ج7 ص312 .
(3) التهذيب ج10 ص258 .
(4) ايضاح الفوائد لفخر المحققين ج4 ص696 .
(5) التهذيب ج10 ص247 .
(6) التهذيب ج10 ص245 .
13 ـ النخاع الشوكي : وفيه تمام الدية ، و « هو الخيط الابيض في وسط فقر الظهر ، فاذا قطع تثبت الدية كاملة لانه واحد في الاسنان » (1) ، فيعمه الضابط .
14 ـ الثديان : وفي ثدي المرأة معاً ديتها كاملة ، وفي احديهما نصف ديتها . وفي انقطاع اللبن ، يتعين الارش (2) .
15 ـ القضيب والخصيتان : وفي قطع القضيب من الاصل ، او الحشفة ، دية كاملة . وفي الخصيتين تمام الدية ، وفي احديهما النصف (3) .
16 ـ الشفرتان : وهو النسيج الخلوي المحيط بفرج المرأة ، وفيهما معاً دية المرأة ، وفي احديهما نصف ديتها (4) .
17 ـ الاليتان والرجلان : وفي كل من الاليتين معاً ، والرجلين معاً تمام الدية ، وفي كل واحدة منها النصف ، كما ذكرنا ذلك سابقاً . وفيها تفصيل دقيق فيما يتعلق بمواضع ودرجات الكسور (5) .
18 ـ كسر العظام : و « في كسر عظم من عضو ، خمس دية ذلك العضو . فان صلح على غير عيب فاربعة اخماس دية كسره ، وفي موضحته ربع دية كسره . وفي رضه ثلث دية العضو ، فان برئ على غير عيب فاربعة أخماس دية رضه » (6) .
____________
(1) شرح اللمعة الدمشقية ج10 ص233 .
(2) التهذيب ج10 ص252 .
(3) الكافي ج7 ص311 .
(4) التهذيب ج10 ص252 .
(5) من لا يحضره الفقيه ج4 ص63 .
(6) شرائع الاسلام ج4 ص271 .
19 ـ الاضلاع : ودية كسر الضلع « خمسة وعشرون ديناراً ان كانت مما يخالط القلب وعشرة دنانير ان كان مما يخالط العضدين . المراد بالمخالطة الجانب الذي عند القلب ، وبعدم المخالطة خلاف ذلك » (1) .
20 ـ الترقوة : وهي العظمة الواقعة بين ثغرة النحر والعاتق ، فـ « اذا كسرت ، وجبرت من غير عيب ففيها اربعون ديناراً » (2) .
ج ـ ديات المافع
والمافع هي ما ينتفع منها الانسان في حياته العملية ، من قوى النفس وغرائزها ، كالادراك ، والابصار ، والسمع ، والشم ، والذوق ، والصوت ، وما اليها . ولا قصاص في المنافع ، حتى مع العمد ، لتعذر المماثلة .
1 ـ العقل : وفي ذهابه بسبب الجناية دية كاملة ، بلا خلاف ، والمستند رواية البرقي عن الامام الصادق (ع) ، قال : ( قضى علي (ع) في رجل ضرب رجلاً بعصا فذهب سمعه وبصره ولسانه وفرجه وانقطع جماعه ، وهو حي ، بست ديات ) (3) ، و « لا قصاص في ذهابه ولا في نقصانه لعدم العلم بمحله » (4) .
2 ـ السمع : وفي ذهاب السمع من الاذنين دية كاملة مع اليأس من الشفاء . وفي ذهابه من اذن واحدة فنصف الدية . ومع الشفاء ورجوع السمع ، فالحكومة بتدارك العطل والضرر (5) .
3 ـ الابصار : وفي فقدان ضوء العينين ، الدية . و « لو ادعى ذهاب نظره
____________
(1) التنقيح الرائع للسيوري الحل ج4 ص507 .
(2) شرح اللمعة ج10 ص246 ، والمبسوط ج7 ص155 .
(3) التهذيب ج10 ص252 .
(4) شرائع الاسلام ج4 ص272 .
(5) الكافي ج7 ص311 .
عقيب الجناية وهي قائمة احلف بالله القسامة ، وفي رواية الاصبغ بن نباتة عن علي (ع) : تقابل بالشمس فان بقيتا مفتوحتين صدق ، ولو ادعى نقصان احدهما قيست الى الاخرى » (1) .
4 ـ الشم : وفي ابطاله من المنخرين كاملة ، ومن احدهما نصف الدية (2) .
5 ـ الذوق : وفي ذهابه دية كاملة ، و « يمكن ان يستدل عليه ... ان الذوق منفعة الانسان ، وقد ابطله الجاني ، وتقرر ان في اللسان الدية ، وانه احدى المنافع ، كالسمع والشم ففيه الدية مثلها ، بل هو اعظم من الشم » (3) .
6 ـ النطق : وفي ذهابه ، وبقاء لسانه دية كاملة . في العجز عن النطق يعطى لكل حرف من الثمان والعشرين حرفاً جزءاً من الدية ، فقد « أتى الى أمير المؤمنين (ع) برجل ضرب ، فذهب بعض كلامه ، وبقي البعض ، فجعل ديته على حروف المعجم ، ثم قال : تكلم بالمعجم ، فما نقص من كلامه فبحساب ذلك ، والمعجم ثمانية وعشرون حرفاً فجعل ثمانية وعشرين جزءاً ، فما نقص من كلامه فبحساب ذلك » (4) .
7 ـ تعذر الانزال : وبتعذر انزال المني حين الجماع بسبب الجناية ، فعلى الجاني دية كاملة ، « لفوات الماء المقصود للنسل ، وفي معناه تعذر الاحبال في الرجل ، والحبل في المرأة ، وان انزل المني لفوات النسل ، لكن في تعذر الحبل دية المرأة اذا ثبت استناد ذلك الى الجناية » (5) .
____________
(1) التنقيح الرائع ج4 ص511 .
(2) من لا يحضره الفقيه ج3 ص11 .
(3) مفتاح الكرامة ـ باب الديات .
(4) التهذيب ج10 ص263 .
(5) المسالك ـ باب الديات .
8 ـ سلس البول : والمشهور ، في تسبيبه دية كاملة ، و « فيه روايتان ضعيفتا السند عن الامام الصادق (ع) ، الا انهما منجبران بعمل الفقهاء » (1) .
د ـ ديات الشجاج
وجمعها ( شجة ) ، وهي الجراح المختصة بالرأس ، او الوجه فقط . فاذا وقع الشجاج عمداً ، وكان القصاص ممكناً مثلاً بمثل ثبت القصاص ، او التراضي بين الجاني والمجنى عليه ، والا فالدية . وهي على تسعة اصناف :
1 ـ الحارصة : وهي التي تشق الجلد قليلاً كالخدش ، من غير ان تظهر الدم ، وديتها بعير واحد . والبعير هو الجمل الجذع الذي انشقت نابه وقوي وصلح للركوب او الحمل ، ويطلق على الذكر والانثى (2) .
2 ـ الدامية : وهي التي تقطع الجلد ، ويظهر منها الدم ويسيل عن محله دون ان تقطع اللحم ، وديتها بعيران ، ووجه التسمية ان الدم يسيل معها (3) .
3 ـ الباضعة : وهي التي تتعدى الجلد وتقطع اللحم ، ولكنها لا تبلغ العظم ، وفيها ثلاث من الابل . والسبب في تسميتها لانها تبضع اللحم وتقطعه (4) .
4 ـ السمحاق : وهي الجلدة الرقيقة على العظم ، فاذا بلغها الجرح كانت الدية اربعاً من الابل (5) .
____________
(1) الجوهر 42 ص314 .
(2) التهذيب ج10 ص293 .
(3) التهذيب ج10 ص293 .
(4) من لا يحضره الفقيه ج4 ص124 .
(5) التهذيب ج10 ص290 .
5 ـ الموضحة : وهي التي تطهر العظم وتوضحه وديتها خمس من الابل (1) .
6 ـ الهاشمة : وهي التي تهشم العظم وتكسره دون أن تنقله من محله ، وفيها عشرة من الابل (2) ,
7 ـ المنقلة : وهي التي تكسر العظم وتنقله عن محله ، وفيها خمس عشرة من الابل (3) .
8 ـ المأمومة : وهي التي تبلغ أم الرأس ، وفيها ثلاث وثلاثون من الأبل (4) .
9 ـ الجائفة : وهي التي تصير في جوف الدماغ ، وفيها ثلاث وثلاثون من الابل (5) .
وعليه ، فانه يمكن تصنيف هذه الشجاج حسب موضعها من الوجه والرأس الى اربعة مواضع
أ ـ ما يختص بالجلد ، ولا يتعداه : الحارصة ، والدامية .
ب ـ ما يختص باللحم ولا يتعداه : الباضعة ، والسمحاق ، والموضحة .
ج ـ ما يختص بالعظام : الهاشمة ، والمنقلة .
د ـ ما يختص بالرأس : المأمومة والجائفة .
وشجاج الذكر والانثى سواء في الدية حتى تبلغ ثلث دية الذكر ، وعندها تكون دية شجاج الانثى نصف دية الذكر ، كما هو الحكم في القطع والجروح .
____________
(1) الكافي ج7 ص326 .
(2) التهذيب ج10 ص293 .
(3) التهذيب ج10 ص290 .
(4) الكافي ج7 ص326 .
(5) الكافي ج7 ص326 .
هـ ـ دية اسقاط الجنين
وفي جناية الفرد على امرأة حامل بحيث يؤدي الى اسقاط حملها ، دية مقسة بحسب عمر الجنين ، الذي يحدده أهل الخبرة من الاطباء ، وهو كما يلي :
1 ـ اذا ولجته الروح ، فاذا كان الجنين ذكراً فدية الذكر ، واذا كان انثى فدية الانثى .
2 ـ اذا كان الجنين تام الخلقة ولكن لم تلجه الروح فديته مائة دينار ، ذكراً كان أو انثى .
3 ـ اذا كان عظماً فديته ثمانون دينار .
4 ـ اذا كان مضغة فديته ستون ديناراً . والمضغة هي القطعة من الخلايا بمقدار ما يمضغ .
5 ـ اذا كان علقة فديته اربعون دينارً . والعلقة هي القطعة من الدم العالقة في جدار الرحم .
6 ـ اذا كان نطفة مستقرة في الرحم ، فديته عشرون ديناراً . ويكفي في ثبوت العشرين مجرد الالقاء في الرحم مع تحقق الاستقرار .
والاصل في ذلك قوله تعالى في خلق الجنين : ( ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة ، فخلقنا العلقة مضغة ، فخلقنا المضغة عظاماً ، فكسونا العطام لحماً ، ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ) (1) ، وقول الامام (ع) :
____________
(1) المؤمنون 12 ـ 14 .
( دية الجنين خمسة اجزاء : خمس للنطفة عشرون ديناراً ، وللعلقة خمسان اربعون ديناراً ، وللمضغة ثلاثة أخماس ستون دينارأً ، واذا تم الجنين كان له مائة دينار ، فاذا أنشئ فيه الروح فديته الف دينار ، او عشرة الاف دينار ان كان ذكراً ، ، ون كان انثى فخمسمائة دينار ) (1) . وعلى صعيد آخر ، فمن « عزل من زوجته الحرة بغير اذنها لزم لها دية النطفة عشرة دنانير وان كان ذلك فأفزع غيره فالدية لهما عليه ، ومن جنى على امرأة فالقت نطفة فعليه من ماله ديتها عشرون ديناراً ... » (2) .
اما لو قتلت المرأة فمات ما في جوفها فديتها كاملة ، ودية اخرى لموت حملها . ولو القت حملها اجهاضاً فعليها دية ما القته ، ولا نصيب لها من هذه الدية ، لقول الامام الباقر (ع) عندما سئل عن امرأة شربت دواءاً وهي حامل ولم يعلم زوجها بذلك فالقت ولدها ؟ قال : ( ان كان له عظم وقد نبت عليه اللحم عليها دية تسلمها الى ابيه ، وان كان حين طرحته علقة ، او مضغة فان عليها اربعين ديناراً او غرة تؤديها الى ابيه ، قيل له : فهي لا ترث ولدها من ديته مع ابيه ؟ قال : لا ، لانها قتلته فلا ترثه ) (3) .
وتجب الكفارة بقتل الجنين حيث تلجه الروح كالمولود . وتكون دية الجنين في مال الجاني ان كان القتل عمداً او شبياً بالعمد حيث لا يقتل به . اما في الخطأ فتكون الدية في مال العاقلة كالمولود .
____________
(1) الكافي ج7 ص443 .
(2) الغنية ص99 .
(3) الكافي ج7 ص241 .
العاقلة |
ـــــــــ |
وهو اصطلاح تكرر ذكره مرات متعددة ، ومعناه عصبة القاتل التي تتحمل دية الخطأ ، وسميت بذلك لوجوه ، منها : انها مأخوذة من العقل وهو الشد ، ذلك ان اقارب الجاني يشدون الأبل عند اولياء المقتول ، ويعقلونها قبل تسليمها لهم . ومنها : ان معنى العقل هو الدية ، وسميت بذلك لانها تعقل لسان ولي المقتول . ومنها : ان معنى العقل المنع ، حيث ان اقارب الجاني وعشيرته يمنعونه . فالعشيرة تحفظ القاتل بدفع المال عنه .
وفي العاقلة امران ، الاول : تعيين المحل ، وهو العصبة ثم المعتق ثم ضامن الجريرة ثم الامام ( ع) . وضابط ( العصبة ) من تقرب الى القاتل بالابوة وهم الاخوة والاعمام واولادهم وان نزلو ، وضامن الجريرة هو ضامن الجناية ومعناه ان يتفق اثنان على ان يضمن كل منهما جناية الآخر ، ويصح ذلك بشرط ان لا يكون للمضمون وارث قريب . فالذي يتحمل دية الخطأ عن القاتل ، اذن ، قرابة الاب كالاخوة والاعمام واولادهم ، فان ام يكونوا فالمعتق في حالة الرق ، فان لم يكن فضامن الجريرة ، فان لم يكن فبيت المال ، لقوله (ع) : ( لا يبطل دم امرئ مسلم ) (1) . والثاني : كيفية التقسيط ، وفيها اقوال ، منها : ان على الغني عشرة قراريط ، اي نصف دينار ، وعلى الفقير خمسة قراريط . وفي قول آخر ان الامام او نائبه يقسطها على من يراه حسب أحوال العاقلة بحيث لا يجحف على احد منهم ، وي قول ثالث ان العاقلة على
____________
(1) التهذيب ج6 ص226 .
الغني والفقير سواء .
والمشهور ان « المأة لا تعقل ولا الصبي ولا المجنون وان ورثوا من الدية بلا خلاف . ولا يتحمل الفقير شيئاً منها ولكن يعتبر فقره عند المطالبة وهو حول الحول » (1) .
ويبدأ زمن التأجيل في دية القتل خطأ من وقت الموت ، وفي الجناية على الاطراف من حين وقوع الجناية ، وفي السراية من حين الاندمال . ولو لم تكن له عاقلة غير الامام ، او عجزت العاقلة عن دفع الدية تؤخذ من الامام دون القاتل . والدية في العمد وشبهه في مال الجاني كما هو واضح ، ولكن لو هرب ولم يقدر عليه اخذت من ماله المتروك ان كان له مال ، والا فمن الاقرب اليه فالأقرب ، فان لم تكن له قرابة ، اداها الامام (ع) ، او نائبه ( اي الحكومة الاسلامية ) في زمن بسط اليد .
ملحق : بعض الروايات الواردة في القسامة
1 ـ سئل الامام جعفر الصادق (ع) عن القسامة ، فقال : ( الحقوق كلها ، البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه ، الا في الدم خاصة ، فان رسول الله (ص) بينما هو بخيبر اذ فقدت الانصار رجلاً منهم فوجوده قتيلاً فقالت فقالت الانصار : ان فلان اليهودي قتل صاحبنا ، فقال رسول الله (ص) للطالبين : اقيموا رجلين عدلين من غيركم اقيده برمته ، فان لم تجدوا شاهدين فاقيموا قسامة خمسين رجلاً اقيده برمته .س فقالوا : يا رسول الله ما عندنا شاهدان من غيرنا واننا لنكره ان نقسم على ما لم نره فوداه رسول الله (ص) ، وقال : انما____________
(1) الجواهر ج42 ص421 .
حقن دماء المسلمين بالقسامة لكي اذا رأى الفاجر الفاسق فرصة [ من عدوه ] حجزه مخافة القسامة ان يقتل به فكف عن قتله والا حلف المدعى عليه قسامة خمسين رجلاً ماقتلنا ولا علمنا قاتلاً ، والا اغرموا الدية اذا وجدوا قتيلاً بين اظهرهم اذا لم يقسم المدعون ) (1) .
] 2 ـ وعنه (ع) ايضاً ، قال : ( ان الله حكم في دمائكم بغير ما حكم به في اموالكم ، حكم في اموالكم ان البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه ، وحكم في دمائكم ان البينة على المدعى عليه واليمين على من ادعى ، لئلا يبطل دم امرئ مسلم ) (2) .
3 ـ وعنه (ع) ايضاً ، قال : ( اذا وجد رجل مقتول في قبيلة قوم حلفوا جميعاً ما قتلوه ولا يعلمون له قاتلاً فان أبوا ان يحلفوا اغرموا الدية فيما بينهم في اموالهم سواء سواء بين جميع القبيلة من الرجال المدركين ) (3) .
4 ـ ومع ان رواية سلمة بن كهيل التالية ضعيفة السند ، استضعفها بالخصوص الشهيد الثاني في شرح اللمعة الدمشقية ، وذكر ان طريق رواتها جاء من طرق العامة ، الا اننا ندرجها هنا لمجرد توضيح الاسلوب المفترض اتخاذه في التعامل مع العاقلة في قتل الخطأ . ونص الرواية كما يلي : ( أتي امير المؤمنين برجل قد قتل رجلاً خطأ ، فقال له (ع) : من عشيرتك وقرابتك ؟ فقال : ما لي بهذا البلد عشيرة ولا قرابة . فقال : فمن اي البلدان انت ؟ قال : انا رجل من اهل الموصل ولدت بها ولي بها قرابة وأهل بيت . قال : فسأل عنه
____________
(1) علل الشرائع : ج2 ص228 .
(2) من لا يحضره الفقيه ج4 ص72 .
(3) التهذيب ج10 ص206 .
امير المؤمنين (ع) فلم يجد له بالكوفة قرابة ولا عشيرة . قال : فكتب الى عامله على الموصل : اما بعد فان فلان بن فلان وحليته كذا وكذا ، قتل رجلاً من المسلمين خطأ فذكر انه رجل من أهل الموصل وان له بها قرابة وأهل بيت وقد بعثت به اليك مع رسولي فلان وحليته كذا وكذا فاذا ورد عليك انشاء الله وقرأت كتابي فافحص عن امره وسل عن قرابته من المسلمين ، فان كان من أهل الموصل ممن ولد به واصبت له قرابة من المسلمين فاجمعهم اليك . ثم انظر ، فان كان رجل منهم يرثه له سهم في الكتاب لا يحجبه عن ميراثه احد من قرابته فالزمه الدية وخذه بها نجوماً في ثلاث سنين . فان لم يكن له من قرابته احد له سهم في الكتاب وكانوا قرابته سواء في النسب وكان له قرابة من قبل ابيه وامه سواء في النسب ففض الدية على قرابته من قبل ابيه وعلى قرابته من قبل امه من الرجال المدركين المسلمين ، ثم خذهم بها واستأدهم الدية في ثلاث سنين . وان لم يكن له قرابة من قبل ابيه ولا قرابة من قبل امه ففض الدية على اهل الموصل ممن ولد ونشأ بها ولا تدخلن فيهم غيرهم من أهل البلد . ثم استأد ذلك منهم في ثلاث سنين في كل سنة نجماً حتى تستوفيه انشاء الله . فان لم يكن لفلان بن فلان قرابة من أهل الموصل ولم يكن من اهلها وكان مبطلاً في دعواه فرده الي مع رسولي فلان بن فلان انشاء الله فانا وليه والمودي عنه ، ولا يبطل دم امرئ مسلم ) (1) .
____________
(1) الكافي ج7 ص364 .
كفارة القتل |
ـــــــــ |
وهي كفارة اوجبها الشارع اضافة الى الدية في قتل المؤمن عمداً ، او قتل شبه الخطأ او قتل الخطأ المحض . تقسم الى قسمين :
1 ـ في قتل المؤمن عمداً وظلماً ، تجب كفارة الجمع وهي عتق رقبة مع صيام شهرين متتابعين واطعام ستين مسكيناً . و « الاجماع على ذلك مضافاً الى النصوص التي منها صحيح بن سنان عن ابي عبد الله (ع) : سئل عن المؤمن يقتل عمداً ، أله توبة ؟ قال : ان كان قتله لايمانه فلا توبة له ، وان كان قتله لغضب او سبب من اسباب الدنيا فان توبته ان يقاد منه ، وان لم يكن علم به احد انطلق الى اولياء المقتول ، فأقر بقتل صاحبهم فان عفوا عنه ، ولم يقتلوه اعطاهم الدية ، واعتق نسمة ، وصام شهرين متتابعين ، واطعم ستين مسكيناً توبة الى الله عز وجل » (1) .
2 ـ في قتل الخطأ المحض ، وشبه العمد ، تجب الكفارة المرتبة ، وهي عتق رقبة ، فان عجز فصيام شهرين متتابعين ، فان عجز فاطعام ستين مسكيناً .
ويتخير في الاطعام الواجب بين اشباع المساكين والتسليم اليهم ، والمدار في الاشباع ان يأكلو بمقدار شبعهم قل او كثر . ولا بد من اكتمال عدد المساكين الذين يتبغي اطعامهم ، وهو ستين مسكيناً . فلا يجزي اشباع فرد مرتين ، بل لابد من اطعام ستين فرداً . ويجزي في الاشباع كل ما يتعارف عليه من غذاء يأكله الناس مطبوخاً كان او غير مطبوخ . اما في التسليم
____________
(1) الجواهر ج42 ص408 .
فالواجب مد ، والافضل مدين ، ومقدار المد ثلاثة ارباع الكيلو غرام الواحد . والاصل في التسليم الى المسكين انه تمليك له ، فيملك ما قبضه ويفعل به ما شاء . ويتساوى الصغير والكبير بكمية التسليم . والمراد بالمسكين هنا ، الفقير الذي يستحق الزكاة ، وهو من لا يملك قوت سنته ، لا فعلاً ولا قوة . فالموظف ذو الدخل المحدود مثلاً يملك قوت سنته بالقوة ، والغني يملك قوت سنته بالفعل ، وليس المسكين منهما .
ولا شك ان الكفارات المالية بحكم الديون فلو مات من وجبت عليه الكفارة اخرجت من اصل المال . واما الكفارات البدنية كالصيام فلا يجب على الورثة اداؤها الا اذا اوصى بها الميت ، فتخرج حينئذ من ثلثه .
الدفاع عن النفس |
ـــــــــ |
وبطبيعة الحال ، فان الشريعة الاسلامية لم تسمح للفرد بالاستسلام للظلم الذي ينزله عليه فرد آخر ، بل أكدت على وجوب الدفاع عن النفس بكل الوسائل الممكنة ، كجرح المهاجم او قتله ، من غير حاجة الى اذن الامام (ع) او نائبه ، اي دون الحاجة الى الحصول على اذن خاص من الدولة . فلو هجم فرد على آخر ناوياً قتله وجب دفعه بكل الوسائل مع الامن من الفساد وليس على القاتل حينئذ شيء على صعيد العقوبات المنصوصة . ولكن لا يجوز للمدافع ان يتعدى الى القتل مع امكان الدفع بالجرح ، ولو تعدى الى القتل بلا لزوم ، ضمن الدية .
اما في حالة هجوم لص او غيره على دار فرد او نحوها ليسرقه او ليتجاوز على عرض زوجته او بناته ، وجب دفعه ايضاً باي نحو كان ولو
انجر الى قتل المهاجم ، ولا يجوز للمعتدى عليه الاستسلام للمهاجم ، كما اجمع الفقهاء . بل عليه التصدي له مع مراعاة الا يسر فالايسر ، ومع التعدي يضمن المدافع الضرر . والنصوص الشرعية العامة واضحة في ذلك كقول الرسول (ص) : ( من قتل دون ماله فهو شهيد ) (1) ، وقوله (ع) : ( اذا دخل عليك رجل يريد اهلك ومالك فبادره بالضربة ان استطعت ، فان اللص محارب لله ولرسوله «ص» ) (2) . وبالاجمال فـ « اذا قصد رجل دم رجل او ماله او حريمه فله ان يدفعه بأيسر ما يمكن دفعه به ، فان كان في موضع يلحقه الغوث اذا صاح دفعه عن نفس بالصياح ، وان كان في موضع لا يلحقه الغوث دفعه باليد ، فان لم يندفع باليد دفعه بالعصا ، فان لم يندفع بالعصا دفعه بالسلاح » (3) . ولو ادبر المهاجم واعرض فلا يجوز الاضرار به .
ويحد المحارب ، وهو كل من جهز سلاحاً لأرعاب الناس وارادة الافساد في الارض ، بالقتل أو الصلب او القطع مخالفاً ، وسنذكر ذلك لاحقا عند حديثنا عن الجرائم المرتكبة ضد النظام الاجتماعي العام .
____________
(1) من لا يحضره الفقيه ج4 ص64 .
(2) التهذيب ج10 ص136 .
(3) المبسوط للشيخ الطوسي ج8 ص75 .