اولاً ـ شرط قصاص النفس

البريد الإلكتروني طباعة

كتاب الانحراف الاجتماعي واساليب العلاج ص 1 ـ ص 22


جميعاً بعد رد ما يفضل لكل واحد منهم عن جناية » (1) لقوله (ع) في رجلين اجتمعا على قطع يد رجل : ( ان احب أن يقطعهما ادى اليهما دية يد يقتسمانها ، ثم يقطعهما ، وان احب أخذ منهما دية يد ، وان قطع يد احدهما رد الذي لم يقطع على الذي قطعت يده ربع الدية [ نصف دية اليد ] ) . وفي حالة قتل مجرم ، لفردين بريئين او اكثر عدواناً يثبت حق القصاص لكل ولي من اولياء المقتولين ، فان اتفقوا على القتل قتلوه قصاصا . وان عفا احدهم عنه ، فلا يسقط حق الولي من القصاص ، لان سقوط حق فرد لا يستدعي سقوط حق الآخر . واذا مات القاتل المتعمد قبل الاقتصاص منه ، اخذت الدية من ماله اذا كان له مال ، او من مال ارحامه اذا لم يكن له مال . وقد ذهب اكثر الفقهاء الى ذلك ، لقوله تعالى : ( فقد جعلنا لوليه سلطاناً ) (2) ، و « قول الإمام (ع) : لا يبطل دم امرئ مسلم » (3) . و [ قول ] الامام الصادق (ع) [ عندما سئل ] عن رجل قتل آخر عمداً ، ثم هرب القاتل ، فلم يقدر عليه ؟ قال : ان كان له مال أخذت الدية من ماله ، والا فمن الاقرب فالاقرب فان لم يكن له قرابة اداه الامام ، فانه لا يبطل دم امرء مسلم » (4) .

أولاً : شروط قصاص النفس :


ولا يتم القصاص في القتل المتعمد الا بالشروط التالية :
1 ـ تساوي القاتل و المقتول بالحرية والرقية ، فيقتل الحر بالحر ، والحرة
____________
(1) شرائع الاسلام ج4 ص202 .
(2) الاسراء 33 .
(3) التهذيب ج6 ص226 .
(4) الجواهر ج42 ص330 .

( 60 )

بالحرة .
2 ـ التساوي بين القاتل والمقتول في الدين ، فيقتل المسلم بالمسلم ، وغير المسلم بغير المسلم . ولكن لا يقتل المسلم بالكافر .
3 ـ انتفاء الابوة اجماعاً ونصاً ، فلا يقتل الأب بقتل ابنه ، وانما على الاب القاتل الكفارة والدية . وتؤدى الدية الى غيره من الورثة ولا يرث هو منها . ولكن يقتل الابن بقتل ابيه ، لقول الامام الصادق (ع) : ( لا يقاد والد بولده ، ويقتل الولد اذا قتل والده عمداً ) (1) . وكذلك الام وان علت بقتل ولدها ، والولد بقتل امه ، والاقارب بقتل قريبهم .
4 ـ ان يكون القاتل عاقلاً بالغاً ، فلا قصاص على المجنون ولا على الصبي . وتؤخذ دية المقتول من العاقلة ، وهي كما ذكرنا عصبة الفرد وعشيرته ، لقول الامام الصادق (ع) : ( عمد الصبي وخطأه واحد ) (2) ، وقوله (ع) : ( ان علياً امير المؤمنين (ع) سئل عن مجنون قتل رجلاً عمداً ، فجعل الدية عل قومه وجعل عمده وخطأه سواء ) (3) .
واتفق الفقهاء على ان العاقل ، اذا قتل مجنوناً لا يقتل به ، لروايات عديدة منها : ( ان كان المجنون اراده فدفعه عن نفسه فقتله فلا شيء عليه من قود ولا دية ، ويعطى ورثته الدية من بيت مال المسلمين ، وان كان قتله من غير ان يكون المجنون اراده فلا قود لمن لا يقاد منه ، وان على قاتله الدية في ماله ، يدفعها الى ورثة المجنون ، ويستغفر الله ، ويتوب اليه ) (4) .
____________
(1) الكافي ج7 ص297 .
(2) التهذيب ج10 ص233 .
(3) التهذيب ج10 ص232 .
(4) الكافي ج7 ص294 .

( 61 )

والظاهر ان المدار في ثبوت القصاص في قتل الفرد ، هو قتل العقل الذي يتمتع بنعمة وجوده . فيهبط المجنون حينئذ ، في التشريع الاسلامي ، الى مستوى الحيوان ، الذي يشترك معه في ثبوت الدية دون القصاص . اما الصغير ، وان كان غير مكتمل العقل ، الا أن عقوبة قتله مشابهة لعقوبة قتل البالغ . فالمشهور بين الفقهاء ان العاقل البالغ اذا قتل الصبي ، قتل به .
5 ـ ان يكون المقتول محقون الدم ، فلو قتل من كان مهدور الدم فليس عليه القصاص ، كقتل الزاني المحصن ، واللوطي ، والمرتد على الاسلام ، لقوله (ع) : ( ايما رجل قتله الحد في القصاص فلا دية له ) (1) .
واذا قتل الفرد شخصاً آخر ، دفاعاً عن نفسه ، او جرحه او قطع عضواً من اعضائه من غير تعد ، ثم مات المجروح ، فليس على القاتل المدافع عن نفسه شيء .

ثانياً : الاثبات :


ويثبت القتل شرعاً ، بالطرق الثلاثة التالية :
1 ـ الاقرار بالقتل مرة واحدة من قبل القاتل ، اذا كان عاقلاً بالغاً مختاراً قاصداً ، « لعموم اقرار العقلاء على انفسهم جائز ، وهو يتحقق بالمرة [ الواحدة ] ، حيث لا دليل على اعتبار التعدد » (2) . ولا عبرة باقرار الصبي ، ولا المجنون ، ولا المكره ، ولا الغافل .
واذا قام فردان بالاعتراف بقتل فرد ما ، ولكن اختلفا في مضمون الاقرار به كأن ادعى احدهما ان القتل كان عمداً ، والآخر ان القتل كان
____________
(1) من لا يحضره الفقيه ج7 ص290 .
(2) شرح اللمعة ج10 ص67 ، وعوالي اللئالي ج1 ص223 .

( 62 )

خطأ ؟ قال الامام في جواب ذلك : ( ان هو [ اي الولي ] اخذ بقول صاحب العمد فليس له على صاحب الخطأ سبيل ، وان اخذ بصاحب الخطأ فليس له على صاحب العمد سبيل ) (1) ، بمعنى ان الولي اذا اختار احد القولين ، فليس له الرجوع ومعاقبة الثاني . واذا رجع الاول عن اقراره بعد ان اقر الثاني يدرأ عنهما حينئذ القتل والدية ، وتعطى لورثة المقتول الدية من بيت المال ، و « هو المشهور ، لما روي عن الامام الصادق (ع) انه قد أتي امير المؤمنين (ع) برجل وهو في خربة وبيده سكين متلطخ بالدم ، فاذا رجل مذبوح متشحط بدمه ، فقال له أمير المؤمنين : ما تقول ؟ قال : انا قتلته يا أمير المؤمنين . قال : اذهبوا به فاقيدوه ، فلما ذهبوا به ليقتلوه اقبل رجل مسرعاً ، فقال : لا تعجلوا وردوه الى امير المؤمنين فردوه ، فقال : والله ما هذا قتل صاحبه انا قتلته ، فقال (ع) للاول : ما حملك على اقرارك على نفسك ؟ فقال : وما كنت استطيع ان اقول ، وقد شهد علي امثلا هؤلاء الرجال واخذوني ويبدي سكين ملطخ بالدم والرجل متشحط في دمه ، وانا قائم عليه وخفت الضرب فاقررت ، وانا رجل كنت ذبحت بجنب هذه الخربة شاة ، فاخذوني البول ، فدخلت الخربة فوجدت الرجل يتشحط بدمه ، فقمت متعجباً ، فدخل علي هؤلاء فاخذوني . فخلى الامام عن الرجلين ، واخرج دية المذبوح من بيت المال » (2) .
2 ـ البينة الشرعية ، فلا يثبت ما يوجب القصاص سواء في النفس او دون ذلك الا بشاهدين عدلين ، ولا تقبل شهادة النساء ، لقول الامام علي بن
____________
(1) التهذيب ج10 ص172 .
(2) الجواهر ج42 ص207 .

( 63 )

موسى (ع) : ( لا تجوز شهادة النساء في الطلاق ولا في الدم ) (1) . ولا يثبت القصاص بشاهد ويمين . ولكن في وجوب الدية فقط دون القصاص ، كالقتل الخطأ والجرح الخطأ ، تثبت بشاهد ويمين ، وشاهد وامرأتين ، لانها من الشهادة على الاموال ، لا على الدماء .
3 ـ اللوث او القسامة ، وهي الشبهة او الامارة الظنية التي قامت عند الحاكم الشرعي على صدق المدعي او وجود القرينة مع عدم استجماع شرائط القبول . والاصل هنا هو وجود القرينة او عدمها . فمع عدم وجود القرينة ، تطبق قاعدة ( البينة على من ادعى ، واليمين على من انكر ) ، فعلى المدعي ، في قضية القتل البينة ، وعلى المدعى عليه اليمين ، عند عجز المدعي عن اقامة البينة . ونعني باقامة البينة ، احضار الشهود .
اما اذا توفرت القرينة ، واحتمل عندها صدق الدعوى ، وما يترتب فيها من ادانة المدعى عليه . عندئذ يتم تحليف المدعي وعشيرته او قومه خمسين يمينا ، كل فرد يحلف يميناً واحدة ، حتى لو لم يكن وارثا للقتيل . فاذا تم الحلف ثبت القتل . والا حلف المنكر خمسين يمينا. فان لم يكن له قوم ، حلف هو وحده خمسين يميناً ، فان حلفها يسقط عنه الحد والدية ، وان امتنع ثبت القتل عليه .
وصورة اللوث « ان يوجد قتيل في موضع لا يعرف من قتله ، ولا تقوم عليه بينة ، ويدعى الولي على واحد ، او جماعة ، ويقترن بالواقعة ما يشعر بصدق الولي في دعواه » (2) . ومن الامثلة التي يحصل فيها اللوث ، ان
____________
(1) الكافي ج7 ص392 .
(2) المسالك ـ كتاب القصاص .

( 64 )

يوجد القتيل متشحطا بدمه ، والى يمينه رجل في يده سلاح ملطخ بالدم ، أو ان يوجد القتيل في محلة بينه وبين اهلها عداوة ، فالعداوة لوث يحتاج معها الى قرينة اخرى لا ثبات الجناية .
بيد ان القتيل الذي لا يعرف قاتله ، وليس هناك لوث على فرد معين ، فديته على بيت المال ، « بلا خلاف مضافاً الى النصوص المستفيضة او المتواترة ، منها قول الامام الصادق (ع) : ان وجد قتيل بارض فلاة اديت ديته من بيت المال ، وقوله ايضاً :
ان علياً أمير المؤمنين قال : من مات في زحام الناس يوم الجمعة ، او يوم عرفة ، او على جسر لا يعلمون من قتله فديته من بيت المال » (1) .
***

وخلاصة الكلام ، ان في قتل العمد ، القصاص دون الدية . وفي قتل الخطأ او شبيه العمد ، تتعين الدية ويسقط القصاص . ولا يحق لولي المقتول ان يلزم الجاني بالدية ما دام باذلاً نفسه للقتل ، ولا يحق للجاني ان يلزم ولي المقتول بالدية ما دام عازماً على الاقتصاص لقوله تعالى : ( وكتبنا عليهم فيها ان النفس بالنفس ) (2) . فالواجب اذن ، في قتل العمد بالاصالة هو القود ، وهو المشهور بين الفقهاء ، لقول الامام (ع) : ( من قتل مؤمناً متعمداً قيد منه الا ان يرضى اولياء المقتول ان يقبلوا الدية ، فان رضوا بالدية
____________
(1) الجواهر ـ كتاب القصاص .
(2) المائدة : 45 .

( 65 )

وأحب ذلك القاتل فالدية ) (1) ، وقوله ايضاً (ع) : ( العمد كل ما عد به الضرب ففيه القود ، لأنه متلف ، يجب به البدل من جنسه ، ولا يعدل الى غيره الا بالتراضي ، كسائر المتلفات ) . ومع كل ذلك فانه يستحب لاولياء المقتول العفو عن القاتل ، لقوله تعالى : ( فمن تصدق به فهو كفارة له ) (2) ، ( وجزاوا سيئة سيئة مثلها فمن عفا ، واصلح فاجره على الله ) (3) .

ب ـ قصاص ما دون النفس :

وهي العقوبة المنصوص عليها بخصوص قطع العضو ، او الجرح من غير قطع . فيثبت القصاص في الجرح والقطع تماماً كما يثبت في النفس .
ويجري القصاص في الجروح سواء كن معها قطع او ابانة او لم يكن ، والاصل فيه قوله تعالى : ( والجروح قصاص ) (4) ، بمعنى ان تكون متقاصة مثلاً بمثل ، عندما تكون المماثلة ممكنة .
وشروط القصاص في الجروح تشابه تماماً شروط القصاص في النفس المذكور آنفاً ، كالتساوي بالحرية ، والدين ، وانتفاء الابوة ، والعقل ، والبلوغ ، وحقن الدم . ويقتص للرجل من الرجل والمرأة من المرأة ، والرجل من المرأة مثلاً بمثل . اما اقتصاص المرأة من الرجل ، ففيه تفصيل نذكره لاحقاً في الديات .
ويشترط في قصاص القطع ايضاً ، امور اخرى منها ، اولاً : ان
____________
(1) التهذيب ج10 ص159 .
(2) المائدة : 45 .
(3) الشورى : 40 .
(4) المائدة : 45 .

( 66 )

يتساوي عضو الجاني مع عضو المجنى عليه في السلامة من العيوب ، فلا تقطع اليد الصحيحة بالشلاء ، بل تتعين الدية ، لقوله (ع) عندما سئل عن رجل قطع يد رجل شلاء ؟ : ( عليه ثلث الدية ) (1) . ثانياً : التساوي في المحل مع وجوده لحظة القصاص ،، فتقطع اليمنى باليمنى ، واليسرى باليسرى ، ولو قطع الجاني اليمين ولم يكن له يمين قطعت يساره .
أما في الجروح ، فيشترط زيادة على الشروط المذكورة امور ، منها ، اولاً : ان لا يستدعي القصاص في الجرح ما يؤدي الى هلاك نفس المقتص منه . ثانياً : ان يكون الجرح الذي ينبغي الاقتصاص له ، في نفس محل العضو للجاني ، وفي مساحته طولاً وعرضاً ، لا عمقاً . ثالثاً : ان يكون الجرح في اللحم لا في العظم ، فاذا كان في العظام لا يجوز القصاص ، ويتعين الارش لعدم الوثوق من المماثلة . والمقصود بالارش ( او تدارك العطل والضرر ) ، وهو عملية تقدير العضو قبل الجناية وملاحظة حجم الخسارة بعدها ، والمرجع في تقديره اهل الخبرة . ويسمى من يقدره بالحكومة .
ولا شك ان القصاص يثبت في اعظاء جسم الانسان كالاذن والعين والانف واليد والرجل ونحوها . وتثبت الدية في كل مورد تتعذر فيه المماثلة والمساواة كأن تعتدي امرأة ثيب بازالة بكارة بكر ، فتثبت عليها الدية ولا قصاص ، لتنافي التماثل . و« لا قصاص في الضرب الذي لا يجرح ، كالرفس بالرجل واللطم والوكز والضرب بسوط او عصا ، فان حصل بها انتفاخ او مرض فالحكومة ، وان حدث تغيير لون ، فان كان احمراراً في الوجه فدينار ونصف ، وان كان اخضراراً فثلاثة دنيانير ، وان كان اسوداداً فستة ، واذا
____________
(1) التهذيب ج10 ص270 .
( 67 )

كانت [ هذه ] التغيرات في غير الوجه فعلى النصف مما في الوجه ، وان لم يحث شيء سوى الالم فالتعزير » (1) .
ولا بأس في خاتمة هذا القسم من ادراج بعض الروايات الواردة في القصاص :
1 ـ عن الامام علي بن الحسين (ع) في تفسير قوله تعالى : ( ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب ) ، ولكم يا أمة محمد في القصاص حياة ، لأن من هم بالقتل فعرف انه يقتص منه فكف لذلك عن القتل كان ذلك حياة الذي هم بقتله ، وحياة لهذا الجاني الذي اراد ان يقتل وحياة لغيرهما من الناس اذا علموا ان القصاص واجب لا يجترأون على القتل مخافة القصاص (2) .
2 ـ وعن الامام ابي عبد الله (ع) قال : ( ان العمد ان يتعمد فيقتله بما يقتل مثله ، والخطأ ان يتعمده ولا يريد قتله يقتله بما لا يقتل مثله ، والخطأ الذي لاشك فيه ان يتعمد شيئاً آخر فيصيبه ) (3) .
3 ـ وفي عهده الى مالك الاشتر ، قال الامام (ع) : ( واياك والدماء وسفكها بغير حلها ، فانه ليس شيء ادعى لنقمة ، ولا اعظم لتبعة ، ولا أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدة ، من سفك الدماء بغير حقها . والله سبحانه مبتدئ بالحكم بين العباد فيما تسافكوا من الدماء يوم القيامة فلا تقوين سلطانك بسفك دم حرام ، فان ذلك مما يضعفه ويوهنه ويزيله وينقله ولا عذر لك
____________
(1) مفتاح الكرامة مجلد 10 باب القصاص .
(2) الاحتجاج ص174 .
(3) التهذيب ج10 ص160 .

( 68 )

عند الله ولا عندي في قتل العمد فان فيه قود البدن ، وان ابتليت بخطأ وافراط عليك سوطك او يدك بعقوبة فان في الوكزة فما فوقها مقتلة ، فلا تطمحن بذلك نخوة سلطانك عن ان تؤدي الى اولياء المقتول حقهم ) (1) .
4 ـ وعن الامام ابي عبد الله (ع) قال : ( أيما رجل قتله الحد في القصاص فلا دية له ، وقال : أيما رجل عدا على رجل ليضربه فدفعه عن نفسه فجرحه او قتله فلا شيء عليه ، وأيما رجل اطلع على قوم في دارهم لينظر الى عوراتهم ففقؤوا عينه او جرحوه فلا دية عليهم ، ومن يدأ فاعتدى فاعتدي عليه فلا قود له ) (2) .
____________
(1) نهج البلاغة ص622 .
(2) الكافي ج7 ص290 .

( 69 )

الديات

ـــــــــ

وهو المال الواجب دفعه بسبب الجناية على النفس وما دونها . وتقسم ال ديات مقدرة من قبل الشارع ، وديات غير مقدرة تسمى بالارش ، حيث فوض امر تقديرها الى الحكومة . والاصل في وجوب الدية قوله تعالى : ( وما كان لمؤمن ان يقتل مؤمناً الا خطأ ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة الى اهله إلا أن يصدقوا فان كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة الى اهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شرهين متتابعين توبة من الله وكان الله عليماً حكيما ) (1) . وقول الامام (ع) : ( ان شاء اولياء المقتول ان يعفوا عن القاتل فعلوا وان شاءوا قبلوا الدية ) (2) .
والقاعدة ان الجناية على النفس عمداً توجب القصاص ، ولكن تجوز الدية مع التراضي . اما الجناية عليها خطأ او شبه العمد فانها توجب الدية دون القصاص . والجناية على ما دون النفس ربما تكون عمداً ، أو خطأ محضاً ، او شبه العمد . فاذا كان الجرح والقطع عن عمد ، وامكن القصاص مثلاً بمثل ، جاز القصاص . وان لم تكن جرحاً ولا قطعاً ، او كانت جرحاً
____________
(1) النساء : 92 .
(2) ارشاد الديلمي ص 203 .

( 70 )

وقطعاً ولكن تعذرت المماثلة تعين الارش ، وهو تدراك العطل والضرر ، الذي تقدره اهل الخبرة وتحكم به .

أ ـ ديات النفس


ولما كانت الجنايات على انواع ثلاثة : العمد المحض ، والخطأ المحض ، وشبه العمد ( عمد الخطأ ) ، تنوعت الديات على ضوء الجناية التي يرتكبها الفرد . فالعمد المحض ، هو أن يقصد الفعل والقتل ، او يقصد الفعل القاتل . وفي الخطأ المحض ، ان يكون مخطئاً في قصده وفعله ، كمن رمى انساناً فأصاب غيره ، ومرجعه الى عدم قصد الشخص . فـ « لا يختلف اثنان من الأمة في ان من رمى سهماً يريد صيداً ، فاصاب انساناً أو مالاً فاتلفه فانه يضمن . ولو انه صادف حماراً وحشياً يجري فقتل انساناً ، او سقط الحمار اذا اصابه السهم فقتل انساناً فانه لا يضمن شيئاً » (1) . وفي شبه العمد ، ان يكون عامداً في فعله مخطئاً في قصده ، كمن ضرب صبياً لتأديبه ، فمات الصبي نتيجة الضرب . والمرجع ، قوله (ع) : ( العمد كل ما اعتمد شيئاً فاصابه ... والخطأ من اعتمد شيئاً فأصاب غيره ) (2) ، وقد شرحنا ذلك في القصاص .
وتتعين دية المقتول عمداً في حالات استثنائية كفوات المحل ، ومثلها موت القاتل قبل الاقتصاص ، وفي حالة كون القاتل اباً للمقتول ، وفي حالة كون المقتول مجنونا . ولكن القاعدة في جناية العمد ، القصاص ، بمعنى المماثلة في الفعل ، ولا يثبت المال في هذه الحالة الا بالتراضي . اما في قتل
____________
(1) المحلى لابن حزم ج11 ص3 .
(2) الكافي ج7 ص278 .

( 71 )

الخطأ المحض ، او شبه العمد ، فتثبت الدية بالاصل ، وفي ذلك تفصيل .
ففي قتل الذكر المسلم عمداً ، الف دينار وهو ما يعالد أكثر من 5 , 3 كيلو غرام ذهباً وقد قدره الفقهاء المتأخرون بخمسمائة ليرة عثمانية ذهباً ، او عشرة آلاف درهم او الف شاة ، او مائتي حلة ، او مائة من الابل ، أومائتي بقرة ، فاقرها رسول الله (ص) ، ثم انه فرض على أهل البقر مائتي بقرة ، وفرض على اهل الشاة الف شاة ثنية ، وعلى اهل الذهب الف دينار ، وعلى اهل الورق ( الدراهم ) عشرة آلاف درهم ، وعلى أهل اليمن الحلل مائتي حلة ) (1) . ونستنتج من هذا النص ان قوله (ع) يدل على مطلق الجناية ، بمعنى انه يشمل دية العمد ، والخطأ وشبه العمد ، اولاً . وان المراد من تخيير كل فئة على دفع ما يتمكنون من دفعه ، هو التيسير ، ثانياً . ويقع الخيار بين هذه الموارد للجاني او لوليه لا للمجنى عليه ، ويمنح الجاني مهلة سنة كاملة لتأديتها .
فيكون التخيير اذن ، بين الستة ، وهي الابل ، والبقر ، والغنم ، والحلل ، والدراهم ، والدنانير في الديات الثلاث : العمد ، والخطأ ، وشبه العمد . ففي دية العمد وشبه العمد ، تستوفى الدية من مال الجاني لا مال العاقلة . اما في دية الخطأ ، فانها تستوفى من مال العاقلة .
وتختلف دية العمد عن دية شبه العمد في سن الابل ، وفي مدة دفعها ، فيمهل المتعمد سنة واحدة ، وشبه المتعمد سنتين . وتختلف دية العمد عن دية الخطأ المحض في سن الابل اولاً . ومدة الدفع ، حيث يهمل العامد سنة واحدة ، والعاقلة ثلاث سنين ، ثانياً . والدافع ، حيث يدفع العامد الدية من
____________
(1) الاستبصار ج4 ص259 .
( 72 )

ماله ، بينما في حالة القتل الخطأ تدفعها عنه العاقلة ، ثالثاً . والخيار في الستة للعامد ، بينما يكون الخيار للعاقلة في دية الخطأ ، رابعاً .
وورد ما يدل على تغليط عقاب القاتل المتعمد الذي ارتكب جريمته في الاشهر الحرم ، وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، فقيل ان على القاتل دية كاملة مع عقوبة اضافية تقدر بثلث الدية ، لقوله (ع) عندما سئل عن رجل يقتل في الشهر الحرام ما ديته ؟ قال : ( دية وثلث ) (1) .
وكل ما ذكر من التقارير هي دية الرجل الحر المسلم ، اما دية المرأة الحرة المسلمة فهي على النصف من اصناف الديات الست ، سواء كانت الجناية عليها عمداً ، او خطأ ، او شبه عمد ، صغيرة كانت أو كبيرة ، عاقلة كانت او مجنونة . و « الاجماع على ذلك ، والنصوص مستفيضة او متواترة وكذا الجراحات والاطراف منها على النصف من الرجل مالم تقصر ديتها عن ثلث دية الرجل ، فان قصرت دية الجناية جراحة ، او طرفاً عن الثلث تساوياً قصاصاً ودية » (2) .
وهذه المقادير من الديات ، لم يضعها الشارع لتقدير حياة الرجل او المرأة ، فتكون قيمة المرأة حينئذ نصف قيمة الرجل كما يزعم اعداء النظرية الدينية . بل ان الشارع الحكيم اراد بذلك معالجة مشكلة اجتماعية ناشئة من ظروف واحوال ما بعد الجريمة . فلو تصورنا ان رجلاً متزوجاً ذا ذرية قد اعتدى عليه وقتل ، فتذهب ديته حينئذ الى عائلته التي افتقدت المعيل فيكون دخلها المالي كاملاً ، وهو الف دينار ذهب مسكوك بسكة المعاملة ،
____________
(1) من لا يحضره الفقيه ج4 ص79 .
(2) الجواهر ج42 ص33 .

( 73 )

حتى تستطيع العائلة ضمان نفقاتها المعيشية دون معيل . اما لو قتلت الزوجة ، فان دية المرأة وهو نصف مقدار دية الرجل ، وخمسمائة دينار ذهب ، تدخل وارد الرجل الذي يفترض فيه أن يكون قيماً على عائلته . فالمدار في حكم دية القتل اذن ، القيموة المالية للاسرة وليس التمييز على اساس افضلية الذكور او الانوثة .
ويؤيد ما ذهبنا اليه ، ان قتل العمد من قبل المرأة او الرجل يستوجب المماثلة ، فاذا قتلها عمداً ، فانه يقتل بها ، على شريطة ان يعطي وليها لورثة الرجل القاتل المقتص منه نصف دية الرجل ، لقول الامام الصادق (ع) في الرجل يقتل المرأة متعمداً فاراد أهل المرأة ان يقتلوه : ( ذاك لهم اذا ادوا الى أهله نصف الدية ، وان قبلوا الدية فلهم نصف دية الرجل ، وان قتلت المرأة الرجل قتلت به ، وليس لهم الا نفسها ) (1) .
والقاعدة في الجرح والقطع ، ان الرجل والمرأة على حد سواء في القصاص والدية ، لحد ثلث دية الرجل . فاذا بلغت ديتها الثلث رجعت دية جرحها وقطعها الى نصف دية جرح الرجل وقطعه ، لقوله (ع) : ( جراحات الرجال والنساء سواء : سن المرأة بسن الرجل ، وموضحهة المرأة بموضحة الرجل ، واصبع المرأة باصبع الرجل حتى تبلغ الجراحة ثلث الدية ، فاذا بلغت ثلث الدية ضعفت دية الرجل على دية المرأة ) (2) ، وفي صحيحة ابان بن تغلب عندما سأله : ( ما تقول في رجل قع اصبعاً من اصابع المرأة ، كم فيها ؟ قال : عشرة من الابل . قلت : قطع اثنتين ؟ قال : عشرون . قلت : قطع
____________
(1) الكافي ج7 ص298 .
(2) التهذيب ج10 ص180 .
( 74 )

ثالثاً ؟ قال : ثلاثون . قلت : قطع اربعاً ؟ قال : عشرون ... قلت : سبحان الله ! يقطع ثلاثاً ، فيكون عليه ثلاثون ! ويقطع اربعاً ، فيكون عليه عشرون !... فقال الامام : مهلاً يا ابان هذا حكم رسول الله (ص) . ان المرأة تعاقل الرجل الى ثلث الدية ، فاذا بلغت الثلث رجعت الى النصف . يا ابان انك اخذتني بالقياس . والسنة اذا قيست محق الدين ) (1) .

موجبات ضمان دية النفس


واتقف الفقهاء على ان من موجبات الضمان : المبباشرة ، والتسبيب . فالمباشرة وهو ان يصدر الفعل من الجاني بيده أو بآلة يستخدمها مسبباً قتلاً شبيهاً بالعمد ، او قتلاً خطأ محضاً ، او قتلاً عمداً . ومثال ذلك « لو اوقع نفسه من علو على انسان فقتله قصدا وكان يقتل مثله غالباً او نادراً مع قصد القتل فهو عمد ، ولو لم يقصد في النادر القتل فهو عمد الخطأ ودمه هدر » (2) .
والتسبيب وهو ان يحصل التلف عند المجنى عليه بعلة وضعها الجاني بحيث لولا فعل الجاني لما حصل التلف ، كمن حفر حفرة وسط الشارع العام ، او القى حجراً خلال بناء عمارة او بيت ، او اوقف سيارته اضطراراً بطريق المسلمين . وكذلك ، فانه لو دعا غيره ، فاخرجه من منزلة ليلاً ، ولم يعد فانه يضمن الدية من ماله ، لا مال العاقلة ، للرواية الواردة عن الصادق (ع) : ( اذا دعا الرجل اخاه بليل فهو له ضامن ، حتى يرجع الى بيته ( (3) . وقوله ايضاً عندما سئل عن جمل هاج ، فقتل رجلاً ، فجاء اخو
____________
(1) من لا يحضره الفقيه ج4 ص88 .
(2) ايضاح الفوائد في شرح اشكالات القواعد لفخر المحققين ج4 ص562 .
(3) التهذيب ج10 ص322 .

( 75 )

الرجل فضرب الفحل بالسيف ، فعقره ؟ قال : ( صاحب الجمل ضامن للدية ، ويقتص ثمن جمله ) .
ففي كلتا الحالتين ، المباشرة والتسبيب ، يضمن الجاني دية المجنى عليه . لان الخسارة التي اوقعها الجاني بطريق مباشر او غير مباشر يجب ان تعوض عن طريق الدية المقررة شرعاً .
وفي تزاحم الموجبات حالات متعددة . فاذا اجتمع السبب والمباشر ، فمع مساواتهما او كان المباشر اقوى ضمن المباشر ، كأن مر رجل امام سيارة تحترق ، فدفعه آخر باتجاه الحريق فمات ، فالفرد الدافع ( المباشر ) يضمن الدية لأن مباشرته اقوى من المسبب . ولو كان المباشر ضعيفاًوالسبب قوياً فالضمان على المسبب ، كما لو حفر فرد حفرة لمد انابيب المياة في شارع عام ، وغطاها بغطاء معين ، فجاء فرد في خصام مع آخر فدفعه مع جهله بمكان الحفرة فسقط فمات ، فالضمان يقع على الفرد الحافر ، لانه هو المسبب للموت .
اما اذا اجتمع سببان لأمر واحد ، كأن حفر شخص حفرة في غير ملكه ، ووضع آخر حجراً قريباً منها ، فعثر بالحجر انسان ثالث فوقع في الحفرة ومات . فـ « ان اتفق وجود الحفرة ووضع الحجر في آن واحد فيتجه الضمان على الاثنين : الحافر وواضع الحجر ، للتساوي وعدم الترجيح . وان تأخر وجود احدهما عن الآخر فالضمان على الاول ، لأنه سبب السبب » (1) .
____________
(1) مسالك الافهام للشهيد الثاني ـ باب الديات .