أنت هنا: الرئيسية المكتبة الاسلامية من وحي الاسلام ـ الجزء الأول من وحي شهادة الإمام الصادق عليه السلام
 
 


من وحي شهادة الإمام الصادق عليه السلام

البريد الإلكتروني طباعة


الخطبة الخامسة والعشرون (1)

من وحي شهادة الإمام الصادق عليه السلام

 

بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين


والصلاة والسلام على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله الطاهرين وصحبه المنتجبين .
والسلام عليكم أيها الاخوان الاعزاء والابناء الاحباء ورحمة الله وبركاته .
وبعد : في هذا اليوم وهو الخامس والعشرون من شهر شوال سنة 148 هـ كانت شهادة الامام الصادق عليه السلام كما ان ولادته كانت في السابع عشر (2) من شهر ربيع الاول سنة 83 هـ على المشهور في تاريخ ولادته وشهادته فيكون عمره الشريف يوم شهادته 65 سنة .
أما نسبه من ناحية الأب : فهو نور على علم لا يحتاج الى بيان كما
____________
(1) القيت هذه الخطبة في مسجد الامام المهدي ( عج ) في 15 ـ 3 ـ 1996 م .
(2) وهو يوم ميلاد جده الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم على المشهور عندنا .


( 266 )


ان سمو هذا النسب في ميزان التقدير والاعتبار لا يحتاج الى كشف وتوضيح بعد ان كان مصداقا لقول الشاعر :


نسب كأن عليه من شمس الضحى * نوراً ومن فلق الصباح عموداً
ما فيه الا سـيد مــن ســيـد * حاز المكارم والتقى والجـودا


وأما أمه : فهي فاطمة بنت القاسم بن محمد بن ابي بكر وكانت كسائر امهات الأئمة عليهم السلام ـ مثلا أعلى في التقوى والصلاح والنجابة لان كل واحد من الأئمة عليهم السلام كان يختار لنفسه المرأة الصالحة النجيبة المهذبة لتنجب له الذرية الصالحة لما هو المعلوم من وجود دور بارز وأثر بليغ لنجابة الام في نجابة الابناء من ناحية الوراثة اولا ومن جهة حسن التربية وسلامة التغذية الجسمية والروحية من ناحية اخرى لان الأم الملتزمة دينيا اذا كان زوجها ملتزما ايضا فهما يتقيدان بالغذاء والشراب الحلال ويبتعدان عن الحرام منه وبعض المؤمنين يبتعد عن موضع الشبهة ايضا من اجل الاحتياط لبراءة الذمة من التكليف الواقعي مع الاحتياط ايضا لسلامة نفسية الطفل وروحه من التأثر سلبيا بما يتصل بحياته ابتداء في اصل التكوين او بعد تكونه ـ من الغذاء والشراب الحرام واقعا ولو كان مشكوك الحرمة لان حرمته الواقعية تترك أثرا سيئا كما ان الطعام او الشراب المسموم واقعا يؤثر على صحة الآكل والشارب وإن لم يعلم بوجود السم فيه .

دور نجابة الأم في نجابة الابناء واعتدال سلوكهم :
أجل : إن لنجابة الأم أثراً إيجابيا في نجابة الابناء كما ذكرنا وحيث ان كل واحد من أئمة أهل البيت عليهم السلام قد بلغ ذروة الكمال البشري كما ان كل واحدة من أمهاتهم كانت المثل الاعلى في النجابة والصلاح ـ فقد


( 267 )


ارتفع كل واحد منهم الى ارقى درجة وأسمى مرتبة من مراتب الفضل والكمال كما أراد الله لهم ان يكونوا من أجل ان تتم الحجة بهم على الخلق من قبل الله سبحانه .
والحديث عن الامام الصادق عليه السلام بمناسبة ولادته او شهادته يعتبر حديثا عن كل واحد من آبائه الطاهرين وابنائه المطهرين لانهم كلهم نور واحد انبثق من نور العناية الإلهية والرحمة السماوية التي شاءت ان توجدهم في هذه الحياة ليكونوا شمسها الساطعة ونجومها اللامعة التي تنير للإنسانية درب الكمال والفضيلة والتقدم والسعادة ـ كما اوجد الشمس والكواكب المادية لتنير للبشرية درب الحياة وتساعدهم على ادراك اهدافهم الحياتية فيها ولقد صدق من قال في حقهم :


هم النور نور الله جـــل جلاله * هم التين والزيتون والشفع والوتـر
ولولاهم لم يخــلق الله أدمـــا * وما كان زيد في الوجود ولا عمرو
وما سطحت أرض ولا رفعت سما * وما سطعت شمس ولا طلع البـدر


والحديث عن أهل بيت العصمة يعتبر حديثا عن الاسلام العملي المتحرك وتفسيرا للقرآن الناطق ـ واذا اردنا ان نشير الى هذا الاسلام العملي العظيم والقرآن الناطق الكريم ـ بعناوين موضحة تدل عليه وتلفت الانظار اليه فنقول :
انه العلم النافع الذي يثمر لصاحبه الايمان الصادق الذي يترجمه على الصعيد الخارجي العمل الصالح والخلق الفاضل وعلى هذا فإن الحديث عن كل واحد من أهل البيت وترجمة حياتهم وشرح سيرتهم عليهم السلام يكون بالحديث عن هذه العناوين المشرقة والمعاني المتألقة ـ ولنبدأ اولاً بالعنوان الاول وهو العلم النافع فنقول :


( 268 )


اختلاف علم أهل البيت عن علم غيرهم كيفاً وكماً :
ان علم اهل البيت عليهم السلام يختلف عن علم غيرهم من الاشخاص العاديين من ناحيتين الاولى ناحية الكيف والثانية ناحية الكم ـ والمراد بالكيف الذي تميز به علمهم عليهم السلام عن علم غيرهم هو كيفية حصوله لهم وهي الإلهام السماوي بالنسبة الى الأئمة والوحي الإلهي بالنسبة الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مقابل كيفية حصول علم غيرهم حيث ان المتعارف المعهود في مصدر حصول العلم لغير اهل البيت هو الاكتساب والتعلم من المعلم الذي يعطي العلم لطلابه ولذلك يذكر في ترجمة اي عالم من العلماء انه تلقى العلم الفلاني من المعلم الفلاني والعالم المعين ـ ولم يحدثنا التاريخ عن شخص أصبح عالماً ونال درجة مرموقة في العلم والمعرفة بدون معلم غير أهل البيت عليهم افضل الصلاة والسلام .
ويؤكد ذلك ما روي في حق كل واحد منهم من انه كان ينطق بالشهادتين اول ولادته ويسأل عن بعض الاحكام الشرعية ونحوها فيجيب على السؤال وهو لا يزال طفلا كما يستفاد ذلك من الرواية التي يقول فيها يعقوب السراج : دخلت على ابي عبد الله الصادق عليه السلام وهو واقف فوق رأس ابي الحسن موسى الكاظم عليه السلام وهو في المهد فجعل يساره طويلا فجلست حتى اذا قمت اليه فقال لي :
ادن من مولاك فسلمت عليه فرد عليه السلام بلسان فصيح ثم قال لي : اذهب فغير اسم ابنتك التي ولدت ليلة امس فإنه اسم يبغضه الله تعالى فقال ابو عبد الله :
يا يعقوب انته الى أمره ترشد قال فغيرت اسمها فالمستفاد من هذه


( 269 )


القصة ان الامام أُلهم العلم بالغيب في الاحكام الشرعية وغيرها رغم طفولته وحداثة سنه .

بيان ان علم أهل البيت بالإلهام من الله لا بالتعلم من البشر :
ويؤكد ذلك قصة اخرى حصلت بين الامام موسى الكاظم عليه السلام وابي حنيفة وحاصلها .
ان ابا حنيفة صار الى باب ابي عبد الله الصادق عليه السلام والامام موسى بن جعفر يؤمئذ ابن خمس سنوات فدعاه ابو حنيفة وقال له : يا غلام اين يضع الغريب حاجته في بلدكم هذا .
فقال له الامام في الجواب :
يا شيخ انه يتوارى خلف الجدار ويتوقى اعين النظار ويتجنب شواطىء الانهار ومساقط الثمار ولا يستقبل القبلة ولا يستدبرها وليضع حيث شاء فتعجب ابو حنيفة من علمه حيث شرح له احكام التخلي من واجبات ومحرمات ومكروهات وعندما وجه اليه السؤال التالي فقال : يا غلام ممن المعصية ؟ .
فقال الامام الكاظم عليه السلام : يا شيخ لا تخلو من ثلاثة فروض فإما ان تكون المعصية من الله والعبد مجبور عليها وليس منه شيء وعليه فليس للحكيم ان يعاقب عبده ما اجبره عليه ولا ان يؤاخذه بما لم يفعله بإرادته .
واما ان تكون من العبد ومن الله وعليه فالله اقوى الشريكين فليس للشريك الاكبر ان يعذب الشريك الاصغر بذنبه الذي هو أعانه عليه واشترك معه في قيامه به .


( 270 )


واما ان تكون المعصية من العبد وحده وليس من الله شيء فإن شاء عفا وان شاء عاقب فأدهش الحاضرون من علم الامام وهو بذلك السن لان انحصار الذنب بين الوجوه الثلاثة التي ذكرها الامام عليه السلام عقلي ولا رابع لها فإذا انتفى الوجهان الاولان تعين الثالث حتما ونظير هاتين القصتين ما حصل للإمام الجواد عليه السلام مع القاضي يحيى بن اكثم في قصة المناظرة المشهورة والتي غلب فيها الامام القاضي رغم حداثة سنه حيث كان له من العمر تسع سنوات ـ ونظيرها قصة الامام الهادي عليه السلام مع الجنيدي الذي كلف من قبل الخليفة العباسي بأن يشرف على تعليم الامام عليه السلام وكان له من العمر ست سنوات فوجده اعلم منه في كل العلوم بحيث تحول من معلم له الى تلميذ يتلقى العلوم منه كما اعترف بذلك هو أي الجنيدي .

تفوق أهل البيت على غيرهم بكل العلوم مع علمهم بكل اللغات :
وكما كان كل واحد من الأئمة أعلم أهل زمانه بكل العلوم والمعارف كان ملما بكل اللغات الموجودة في عصره بحيث كان يخاطب كل قوم بلغتهم الامر الذي اثار استغراب بعض اصحاب الامام الهادي عليه السلام ـ على ما اذكر فسأله عن سبب تعلمه لهذه اللغات الاجنبية رغم انه ولد في مجتمع عربي ولم يعاشر غيره ليستفيد منه اللغات الاخرى وقد بين الامام له السبب في ذلك وانه الإلهام الإلهي من اجل ان تتم الحجة لله على خلقه حيث لا تتم الا اذا كان الامام عليه السلام أعلم أهل عصره بكل العلوم وبكل اللغات السائدة .
ونحن عندما نقدر ونقدس أهل البيت عليهم السلام من الناحية العلمية فلا نقدرهم لمجرد تفوقهم على غيرهم بالعلوم والمعارف بل لتفوقهم بالعمل


( 271 )


بذلك العلم الغزير فهم كما كانوا اعلم الناس كانوا ايضا اعبدهم واكثرهم تمسكا بالاحكام الشرعية وتقيدا وتعبدا بالتعاليم الإلهية بحيث كانت سيرتهم الغراء تجسيدا حيا للشريعة السمحاء .
وعندما نصف الاسلام العملي بأنه العلم النافع فإنا نقصد بهذا العلم ما يكون نورا يكشف لصاحبه ما يجب عليه ان يعرف به ويطلع عليه ليكون صادقا للإجابة على عدة اسئلة تطرح نفسها الى الذهن البشري وتطلب الاجابة عليها وهي كما يلي :
من الذي خلق الإنسان واوجد هذا الكون الفسيح ؟ ولماذا وجد هذا العالم وخلق الإنسان ؟ ولماذا التكليف وما هي الفائدة المترتبة عليه وما هو مصير الإنسان بعد الموت ؟ .

علم الأديان مصدر سعادة الإنسان :
ويسمى هذا العلم الذي يجيب على هذه الاسئلة بالعلم الديني لانه باجابته عليها يبين للمكلف اصول دينه وما ينبثق منها ويتفرع عليها من شريعة واحكام ـ وان كان الدين الاسلامي يوجب على المكلف ان يتعلم كل علم وفن يتوقف عليه نظام المجتمع بالوجوب الكفائي الذي يسقط عن الباقين من المكلفين بقيام البعض به منهم كما يوجب تحصيل الاجتهاد الذي يمكن المكلف المجتهد من معرفة الحكم الشرعي من دليله المفيد له ـ ولذلك يصح ان نفسر العلم الديني بالعلم الذي يكون وسيلة لمعرفة ما يجب على المكلف او يستحب له شرعا ان يطلع عليه من امور دينه ودنياه في مقابل العلوم المادية التي يعكف على تحصيلها اصحابها لمعرفة امور جامدة بعيدة من خالق الكون وغاية خلقه ومعرفة ما بعد الموت من العودة للحياة من جديد لمحاسبة كل مكلف على


( 272 )


اعماله ومجازاته عليها بالخير ان كانت خيرا وبالشر ان كانت شرا كما صرح الله سبحانه به في آخر سورة الزلزلة بقوله تعالى :
( فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يرهُ * ومن يعمل مثقال ذرة شراً يرهُ ) .
فهذه العلوم الجامدة ان نفعت اصحابها ففي اطار محدود جدا ينحصر في حدود هذه الحياة الزائلة وفي الغالب تبتعد بأهلها عن الدين واحكامه العادلة ومثله السامية كما هو الملموس بالوجدان بالنسبة الى الكثيرين ممن عكفوا على دراسة العلوم العصرية المادية المجردة عن روح الدين وتعاليمه المربية الامر الذي مهد السبيل وساعد على تأثرهم بتلك الشبهات التي أُثيرت حول الدين وانه رجعي غير قابل للتطور ومواكبة ركب الحضارة والتمدن او انه افيون الشعوب يمنعها من الثورة على الظلم والظالمين لتحصيل حقوقها المهدورة .

العلم لا يجدي بغير عقيدة :
فمثل هذه العلوم مضافا الى انها لا تجلب لاصحابها النفع المعتد به فهي تسبب لهم ولمجتمعهم الضرر الكبير كما هو المحسوس الملموس بالوجدان بالنسبة الى الاجانب البعيدين عن الدين من الاول وبالنسبة الى المسلمين الذين تأثروا بشبهاتهم وضلوا بأوهامهم وأدى ذلك الى النتائج السلبية الكثيرة والخطيرة التي لا تخفى وما تلك الحروب المؤلمة والاعتداءات الظالمة التي تشن ضد المستضعفين في الداخل والخارج من اجل تحقيق الاهداف الاستعمارية التي يسعى الاستعمار والاستكبار في سبيل تحصيلها و