( يايها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ) (1) .
عيد الفطر مختص بالصائمين المتقين :
فالصائم الذي أتى بالصوم مقتصرا فيه على ترك مفطراته المعهودة المعدودة وأكثرها مباحات وغير متورع عن ارتكاب المحرمات الشرعية ـ لا يكون ناجحا في مدرسة الصيام بل هو راسب برسوب غير واضح لدى الكثيرين ممن يتوهمون ان الصيام المطلوب من المكلف وجوبا او استحبابا يتحقق بمجرد الإمساك عن تلك المفطرات ضمن ايام معدودات .
وأما المؤمنون الواعون المدركون لغاية الصوم وفلسفته فهم يرون ان هذا الصائم بحكم ذلك المفطر التارك للصوم بالكلية من حيث النتيجة .
وقد اشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم الى هذا المعنى بقوله المشهور : رب صائم ليس له من صومه الا الجوع والعطش .
وحاصل ما تقدم ان عيد الفطر بما يحمل في طيه من معان إيجابية مشرقة ـ مختص بمن ادى فريضة الصوم وحقق غايتها وهي التقوى والى هذا المعنى اشار بعض الحكماء بقوله :
ليس العيد لمن لبس الجديد ولكن العيد لمن أمن عذاب الوعيد لأن الآمن من ذلك هو الذي أدى ما أوجب الله عليه على وجهه الصحيح وحقق غايته المقصودة منه وتأتي فريضة الصيام لتكون في الطليعة من بين
____________
(1) سورة البقرة ، الآية : 183 .
الواجبات التي تثمر الالتزام بفعل سائر الواجبات وترك جميع المحرمات كما هو مقتضى التقوى المقصودة من هذه الفريضة ـ اي فريضة الصوم .
واما عيد الاضحى فهو كعيد الفطر مقصور ايضا على طبقة خاصة من المكلفين وهي التي ضحت بشهواتها ومنافعها المادية الدنيوية الزائلة في سبيل منافعها الاخروية الباقية ويدخل في ذلك التضحية بالمنفعة الخاصة في سبيل المصلحة العامة التي تنعش المجتمع وتعود عليه بالخير العميم وعلى هذا الاساس يكون المضحي بما ذكرنا في سبيل الهدف الاسمى هو الذي يكون عيد الاضحى عيدا واقعيا له وأما غيره فليس له فيه من نصيب بميزان الحقيقة ومنطق الواقع وان توهم هو وغيره ممن يكون على شاكلته انه مشمول لهذا العيد ومستحق لان تقدم له التهنئة به كما تقدم للمؤمن المجاهد المضحي ـ ولكن الوهم لا يغني عن الحق والواقع شيئا لانه من نوع السراب الذي يحسبه الظمآن ماء حتى اذا جاءه عرف حقيقته وبقي على ظمأ .
عيد الاضحى مختص بالمضحين في سبيل الله تعالى :
وقد توفق لهذا العيد في التاريخ أولئك المؤمنون المجاهدون المخلصون الذين ضحوا مع الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم في بداية الدعوة الاسلامية في سبيل تأسيس دولة الحق والدفاع عنها بعد قيامها وشاركهم في مجد هذا العيد وفرحه المبدئي الثابت من سار على نهجهم وترسم خطاهم في معركة التحرير والتطهير القائمة فعلا بين المستضعفين والمستكبرين في العالم بصورة عامة وفي منطقة الشرق الاوسط بصورة خاصة .
واذا عمقنا النظر في التضحية وادركنا مفهومها العام ادركنا انها لا
يخلو منها أحد يكون له هدف في هذه الحياة ويسعى في سبيل تحقيقه وخصوصا اذا كان هدفا كبيرا له وزنه الذاتي والاجتماعي ولا يفرق في ذلك بين كونه هدفا ماديا يراد به تحصيل المال او معنويا يتمثل بتحصيل العلوم والمعارف ونحوها من الاهداف المعنوية ـ لان كل شخص يرسم لنفسه هدفا ويحدد غاية يحتاج لان يضحي براحته ويبذل ما يتناسب معها من الجهد والطاقة وبقدر ما يكون الهدف كبيرا يكون الجهد الذي يحتاجه من اجله كثيرا والى هذا المعنى اشار الشاعر بقوله :
ولا يخفى ان هذا البيان ناظر الى طبيعة الاهداف والغايات في ذاتها بقطع النظر عن نوعيتها من حيث المشروعة وعدمها ـ واما اذا نظرنا الى الموضوع من هذه الزاوية فهنا تبدو وتبرز الخصوصيات المميزة بين الهدف المشروع وغيره وبين الانسان المؤمن الملتزم بخط الشرع في مقام تحديد الهدف واختيار الوسيلة الموصلة له والانسان الآخر المتحلل من نظام السماء والمنطلق مع الاطماع والاهواء .
المؤمن الملتزم ناجح ورابح في السراء والضراء :
ويظهر الفرق بين الطرفين في مجالين ـ الاول مجال البداية بلحاظ النتيجة المعجلة ، والثاني مجال النهاية بلحاظ النتيجة المؤجلة ، وبذلك تظهر لنا قيمة الالتزام الديني ودوره الإيجابي الفعال في نجاح الإنسان الملتزم وسعادته في دنياه وآخرته .
وتفصيل ذلك ان الإنسان الرسالي الملتزم بخط السماء في كل تصرفاته انسجاما مع الغاية التي خلق الله الانسان من اجلها وهي عبادته وحده لا شريك له ـ يتقيد بالشرع ابتداء في مقام تحديد الهدف ـ فهو لا
يختار الا ما كان مشروعا منه كما لا يختار الا الوسيلة المشروعة اذا كان تحصيله متوقفا على مقدمة تساعد عليه ونتيجة هذا التقيد هو التوفيق لنيل امنيته المشروعة المعجلة ـ لان تقيده بحكم الله سبحانه وعدم تجاوزه الى غير المشروع يعتبر من مصاديق التقوى التي وعد الله سبحانه صاحبها بالتوفيق والمساعدة على تحصيل الغاية المطلوبة له حيث قال سبحانه :
( ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيثُ لايحتسبُ ) (1) .
وهو ايضا نوع من التوكل على الله وإيكال النتيجة الى توفيقه وهو سبحانه وعد المتوكل عليه بالتأييد والمساعدة حيث قال تعالى :
( ومن يتوكل على الله فهو حسبه ) (2) .
التوكل والتقوى اساس النجاح والفلاح :
واذا اقتضت الحكمة الإلهية والرحمة السماوية عدم ترتب الغاية المقصودة المشروعة على الوسيلة المعدة والسعي المشروع فالمؤمن لا يصاب بالإحباط ولا يناله يأس وبؤس بل يسلم أمره الى الله ويرضى بقضائه قائلا بلسان الحال او المقال ما ذكره الامام عليه السلام في دعائه :
ولعل الذي ابطأ عني هو خير لي لعلمك بعاقبة الامور ، وذلك لان المؤمن كما ذكرنا يتقيد بنظام الله سبحانه ويتحرك في إطاره في كل تصرفاته وينتج عن ذلك اختياره الهدف المشروع المرضي من قبل الله سبحانه ويسعى الى تحقيقه في الطريق المشروع والوسيلة الجائزة ويترك
____________
(1) سورة الطلاق ، الآيتان : 2 ـ 3 .
(2) سورة الطلاق ، الآية : 3 .
النتيجة الى تقدير الله سبحانه ويتوكل عليه في نجاح سعيه راضيا بكل ما يقدره ويقرره له في النهاية فإذا تحقق النجاح وحصلت الفائدة المعجلة شكر الله سبحانه على توفيقه له مردداً قول النبي سليمان عليه السلام .
( هذا من فضل ربي ليبلوني ءأشكرُ أم اكفر ) (1) .
وبذلك ينال ثواب الشكر معجلا بزيادة النعمة ودوامها ومؤجلا بنعيم الجنة الخالد يوم لا ينفع مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم . ولا يقول ما حكاه القرآن الكريم عن قارون من قوله :
( قال إنما أُوتيته على علم عندي ) (2) .
واذا شاءت الحكمة الإلهية عدم حصول الفائدة المعجلة رغم مشروعية الهدف والوسيلة ـ رضي بما قدره الله سبحانه له وصبر عليه منتظرا حصول فائدة الرضا والتسليم يوم الجزاء العادل الذي لا يضيع فيه عمل عامل من ذكر او انثى .
وبهذا وذاك يكون المؤمن المتوكل على الله رابحا وناجحا في سعيه اما لنيله كلتا الفائدتين المعجلة في الحاضر والمؤجلة في مستقبل الآخرة ـ او لنيله فائدة الآخرة المؤجلة .
وأما غير المؤمن فهو على العكس من ذلك غالبا ان لم يكن دائما لانه اذا رسم لنفسه هدفا فهو لا يتقيد بالمشروع منه واذا احتاج الى مقدمة ووسيلة فلا يتقيد بالمشروع منها وينتج عن ذلك عدم توفيقه لنيل غايته المعجلة بسبب حرمتها وبعدها وابعادها له عن توفيق الله سبحانه .
____________
(1) سورة النمل ، الآية : 40 .
(2) سورة القصص ، الآية : 78 .
التقوى والتوكل مصدر السعادة في الدنيا والآخرة :
وإذا قدر له ان ينجح في سعيه المادي الدنيوي المحرم فذلك هو نصيبه في هذه الدنيا وليس له في الآخرة من نصيب وبهذه المقارنة الموضوعية نعرف ان المؤمن رابح في تجارته وناجح في دنياه وآخرته على كل حال من احوال هذه الحياة لانه اذا حصلت له نعمة شكر الله عليها فكانت خيراً له في ذاتها وبما يترتب على الشكر عليها من الثواب العظيم ـ وإذا طرأت عليه مصيبة رضي بها وصبر عليها فكانت خيراً له ايضا بلحاظ ما يترتب على الرضا بها والصبر عليها من الثواب العظيم والاجر الجسيم ولهذا نقل عن بعض الحكماء قوله :
عجبت لامر المؤمن اذا حصلت له نعمة شكر الله عليها فكانت خيراً له واذا طرأت عليه مصيبة صبر عليها فكانت خيرا له فيكون كل ما يحصل له من نعمة ويطرأ عليه من مصيبة ـ خيرا له وذلك ببركة إيمانه الذي يدفعه الى الشكر في الرخاء والصبر في البلاء ـ والى ذلك اشار احد الشعراء بقوله :
إذا كان شكري نعمة الله نعمة | * | علي له في مثلها يجب الشــكر |
فكيف بلوغ الشكر الا بفضـله | * | وإن طالت الأيام واتصل العـمر |
فإن مس بالسراء عم سرورها | * | وإن مس بالضراء أعقبها الاجـر |
فما منهما الا له فيه نـعمـة | * | تضيق بها الاوهام والسر والجـهر |
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين والسلام عليكم أيها الاخوان الاعزاء والأبناء الأحباء ورحمة الله .
نصر الحسين الشهيد والمهدي
الحفيد يتحقق بنصر الإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
الصلاة والسلام على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله الطاهرين وصحبه المنتجبين .
والسلام عليكم ايها الاخوان الاعزاء الابناء الاحباء ورحمة الله وبركاته .
وبعد : مرة اخرى اعود للتحدث حول موضوع يتعلق بالإمامين العظيمين الحسين الشهيد وحفيده المهدي المجيد سلام الله عليهما من اجل توضيح امر غامض لدى الكثيرين الذي يتمنون لو كانوا في عصر الاول ليكونوا من انصاره المستشهدين بين يديه في معركة الطف كما يدعون الله دائما بأن يعجل فرج الثاني ويسهل مخرجه في المستقبل
____________
(1) ألقيت هذه الخطبة في مسجد الامام المهدي ( عج ) يوم الجمعة في 28 ـ 2 ـ 1992 م .
القريب ليكونوا من أعوانه المجاهدين معه في سبيل نصر الحق على الباطل والعدل على الظلم .
والامر الذي اريد توضيحه هو ان التمني الذي يبديه اولئك لبيان رغبتهم الجامحة في نصرة الحسين لو كانوا موجودين في عصره ، هذا التمني غير صحيح على ضوء ما ذكره علماء البلاغة من ان التمني انما يصح النطق بعبارته المعهودة فيما اذا كان الامر المرغوب المتمنى متعذرا او متعسرا بحيث يصعب حصوله ولا يكون في متناول قدرة الشخص المتمني له ـ كما في قول الشاعر :
فعود الشباب الى الشيخ الذي طرأ عليه الشيب لكبره وتقدمه في العمر ـ ممتنع عادة فيصح لغويا وبلاغيا تمنيه .
واما نصرة الحسين عليه السلام فليست كذلك حتى يصح تمني الوجود في عصره من اجل القيام بواجب نصرته .
وتوضيح ذلك ان الصراع الذي وقع في التاريخ لم يقع بين الحسين وانصاره من جهة ويزيد واعوانه من جهة اخرى كأفراد حتى ينتهي الصراع الذي وقع بينهم بانتهائهم وانما كان صراعا بين مبدأ الحق الذي حمله الحسين وجاهد في سبيله ومن معه ومبدأ الباطل الذي حمله يزيد ومن معه ودافعوا عنه ومن المعلوم ان الصراع بين هذين المبدأين وقع في التاريخ بين افراد اول مجتمع وجد على صعيد هذه الحياة وما وقع بين هابيل واخيه قابيل مظهر واحد من مظاهر هذا الصراع المبدئي الذي استمر بعد ذلك الى زمان بعثة الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، وبلغ ذروته بعده في عصب سبطه الحسين الشهيد واستمر بعد ذلك الى زماننا هذا حيث
يتكرر هذا الصراع ويستمر باستمرار سببه الى ان يرث الله الارض ومن ما عليها .
الصراع بين الحسين عليه السلام وخصومه صراع بين مبادىء لا الاشخاص :
واذا ادركنا على ضوء ما تقدم من الخطب السابقة ـ ان الحسين عليه السلام وبقية المعصومين من أهل البيت الطاهرين ـ هو قرآن ناطق واسلام عملي حي متحرك وان نصر هذا القرآن المجيد والاسلام الحميد يتحقق بتعلم احكامه وتطبيق نظامه والدفاع عنه فكريا وعسكريا ـ ندرك جيدا اننا قادرون الان وفي عصرنا الحاضر ان نكون من انصار حسين المبدأ والخط والهدف السامي وذلك بتعلمنا لاحكام الاسلام وتطبيق تعاليم القرآن في مختلف مجالات حياتنا ـ ومع تمكننا من ذلك وقدرتنا عليه لا يصح منا التعبير بجملة التمني المعهودة مخاطبين الحسين وأتباعه بقولنا :
يا ليتنا كنا معكم فنفوز فوزا عظيما لما تقدم من ان التمني لا يصح لغويا وبلاغيا الا في المورد الذي يكون المطلب المتمنى غير مقدور وبعد بيان قدرتنا فعلا على نصرة الحسين عليه السلام بنصر الاسلام بما ذكرنا يتضح عدم واقعية هذا التمني على ضوء ما بيناه ولذلك بدل بعض الخطباء البلغاء العبارة المذكورة المشهورة على لسان الكثيرين من الخطباء ـ بعبارة اخرى تتضمن الدعاء بالتوفيق للاستمرار على نهج الحسين والتضحية في سبيل نصرته والدفاع عنه ـ هذا كله بالنسبة الى عبارة التمني المعهودة وقد عرفنا عدم الحاجة الى تكرارها ما دمنا قادرين على تحقيق أمنية نصر سيد الشهداء في اكثر من كربلاء واكثر من عاشوراء لان كربلاء بمعناها الرمزي تشمل كل مكان يتصارع فوقه الحق
والباطل كما ان عاشوراء بمعناها المبدئي تشمل كل يوم يقع فيه هذا الصراع ـ وهذا ما اشار اليه الامام الصادق عليه السلام بقوله : كل ارض كربلاء وكل يوم عاشوراء .
نستطيع ان نكون من أنصار المهدي ( عج ) قبل ظهوره :
وأما عبارة الدعاء التي يدعو بها الكثيرون من المؤمنين للإمام المهدي ( عج ) بأن يعجل الله فرجه ويسهل مخرجه من اجل ان يكونوا من انصاره والمستشهدين بين يديه ، اما هذه العبارة فحكمها من حيث عدم الاحتياج اليها هو حكم العبارة السابقة وذلك لنفس الوجه الذي ذكرناه لعدم الاحتياج للأولى وهو وجود القدرة فعلا لان نكون من انصار الحسين عليه السلام وهذا الوجه نفسه يجعلنا بغنى عن عبارة الدعاء المشهورة ـ وذلك لان الدعاء والتضرع الى الله به انما يكون في المورد الذي يكون مطلوب الداعي صعب المنال لخروجه عن نطاق ارادته واختياره مثل عودة الصحة والشفاء للمريض من الداء الخطير وحصول الربح بالمقدار الذي يحقق رغبة التاجر والنجاح في الامتحان بالدرجة التي تشبع طموح الطالب والانتصار على الاعداء مع عدم حصول التكافؤ بالعدد والعدة وهكذا ففي هذه الموارد حيث ان العامل المادي والمقدمات العادية المقدروة للإنسان غير كافية وحدها لحصول الغرض المطلوب ـ يلجأ حينئذ الى الله سبحانه بالتضرع اليه والانقطاع والتوكل عليه على أمل ان يضم العنصر الغيبي والإمداد الإلهي الى العنصر المادي العادي فيتحقق الهدف المنشود كما تحقق في معركة بدر .
وأما المورد الذي يكون الهدف المطلوب فيه مقدوراً للشخص فلا يكون هناك معنى للدعاء وطلب الإعانة كما اذا دعا الله سبحانه ان يوفقه
لطعام يسد به جوعته او لماء يزيل به ظمأه او لتحصيل مال وهو قادر على ذلك كله بما أعطاه الله من قدرة وسهل له من الوسائل ـ فهذا الدعاء لا يكون صادرا من أهله وواقعا في محله لانه يكون اشبه شيء بطلب تحصيل الحامل ونصرة الامام المهدي ( عج ) وكوننا من جنوده وانصاره واقع في نطاق اختيارنا بلحاظ حضوره المعنوي المتمثل بوجود القرآن الكريم وحضور الاسلام العظيم لما تقدم من ان كل واحد من المعصومين ابتداء بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وانتهاء بالمهدي ( عج ) يعتبر قرآنا ناطقا وإسلاما عمليا متحركا على الصعيد العملي الخارجي ومن المعلوم ان نصرنا للإسلام الذي يتحقق بتعلم احكامه وتطبيق نظامه والدفاع عنه فكريا وعسكريا كما تقدم مقدور لكل مكلف وبقدر طاقته ومعه لا يحتاج لان يكرر الدعاء للإمام المهدي بتعجيل الظهور من اجل ان يكون من انصاره واعوانه والمستشهدين بين يديه مادام قادراً على ذلك قبل ظهوره ( عج ) .
ثم إن الشخص عندما ينصر الاسلام في ساحة ذاته بترسيخ مبدئه الحق في نفسه ليصبح جزء منها لا ينفصل عنها تحت أي تأثير ثم يتمم هذا النصر بالعمل بمقتضى هذا المبدأ ويتممه ايضا بالدفاع عنه فكريا وعسكريا .
أجل : إن هذا الشخص عندما ينصر الاسلام بما ذكرنا من تعلم أحكامه وتطبيق نظامه والدفاع عنه يكون قد نصر نفسه ونفع ذاته معنويا وماديا دنيويا وأخرويا . وذلك لان تعميق المبدأ في حقل الذات عملية صنع لها وإيجاد بعد العدم لانها بدون المبدأ تكون بمثابة الجسم المجرد عن الروح باعتبار ان المبدأ الحي هو الذي يعطي الروح وجودها الانساني فإذا تجردت عنه يكون لها وجود حيواني مادي لا قيمة له ولا
اعتبار به في ميزان التفاضل ويلحق صاحبها حينئذ بسائر الفصائل الحيوانية بل يكون احط شأنا واضل سبيلا كما قال سبحانه :
( ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس لهم قلوب لايفقهون بها ولهم أعين لايبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أُولئك كالانعام بل هم أضل أُولئك هم الغافلون ) (1) .
بالدين تتحقق إنسانية الإنسان ويكون وجوده المعنوي :
وبعد صنع نفسه وإيجادها في عالم الاعتبار والتقدير يحتاج بعد ذلك الى ما ينعشها ماديا ومعنويا وهذا يتحقق بالعمل بنظام مبدئه وتطبيقه في مختلف مجالات حياته لكونه نظاما عادلاً وكاملاً مشرعا من قبل الإله العادل الكامل ليحقق للإنسان حياته الكريمة وسعادته وتقدمه في مختلف الميادين .
قال سبحانه : ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون ) (2) .
وقال سبحانه : ( ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والارض ) (3) .
وكذلك تعود فائدة الدفاع عن المبدأ الى شخصه لان سلامته تكون
____________
(1) سورة الاعراف ، الآية : 179 .
(2) سورة الانفال ، الآية : 24 .
(3) سورة الاعراف ، الآية : 96 .
سلامة له من كل الاخطار والاضرار التي تصيبه اذا تحطم المبدأ السماوي كما هو واضح ولذلك اوجب الله الجهاد في سبيل حفظه والدفاع عنه واعطى للمجاهد منزلة رفيعة وللمستشهد في هذا السبيل مرتبة اعلى وحياة اسعد وأغلى .
قال : سبحانه : ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون ) (1) .
وقال سبحانه : ( ولاتقولوا لمن يقتل في سبيل الله أمواتا بل احياء ولكن لا تشعرون ) (2) .
وحاصل ما تقدم ان نصر الدين يكون بدراسة رسالته والإيمان بأصولها والعمل بفروعها المتفرعة عليها في مختلف المجالات مع الدفاع عنها وهذا وذاك يعتبر نصرا للحسين عليه السلام بعد استشهاده وللإمام المهدي ( عج ) قبل ظهوره لان كل واحد منهما يعتبر اسلاما عمليا متحركا وقرآنا تطبيقيا ناطقا ونصر الاسلام بالمعنى المذكور يعتبر نصرا للإمامين الحسين الشهيد والمهدي الحفيد ـ ونصرهما بهذا المعنى مقدور لكل مكلف يتمكن من القيام بما يجب عليه ان يقوم به من التفقه في الدين بتحصيل الإيمان بأصوله والاطلاع على فروعه والعمل بها والدفاع عنه فكريا وعسكريا كما سبق ومن المعلوم ان نتيجة ذلك كله الإيجابية راجعة الى هذا المكلف الذي يقوم بما يجب عليه نحو رسالته ونفسه ووطنه وخالقه قبل كل شيء .
____________
(1) سورة آل عمران ، الآية : 169 .
(2) سورة البقرة ، الآية : 154 .
قال سبحانه : ( من عمل صالحا فلنفسه ومن اساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد ) (1) .
وقال سبحانه : ( إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها ) (2) .
وقال تعالى : ( من عمل صالحا من ذكر أو أُنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ماكانوا يعملون ) (3) .
ويسرني في الختام ان اقدم الابيات التالية الشارحة لدور الدين في سعادة الانسان فردا ومجتمعا دنيا وآخرة :
بالدين نجني ما نــريد وننـشد | * | وبه نحلق للعلـاء ونــصـعد |
هو مصدر لسعادة وحــضـارة | * | يمضي بها نحو الامام مــوحد |
تاريخنا الوضاء أصدق نــاطق | * | ينبي عن الحق المبين ويشــهد |
قد اخرج الإسلام من ليل الهـوى | * | شعبا لأصنام الضلالة يســجد |
وسما به نحو الفضــلية فارتقى | * | شأنا يقوم له الزمــان ويقـعد |
في حين سار به على نهج الهدى | * | لنوال ما يجدي ، النبي محـمـدُ |
فإذا التأخر نــهضة وتقــدم | * | وإذا الـتـفرق وحــدة وتـودد |
وبذاك اضحى الشعب أفضل أمة | * | تدعو الى النهج القويم وترشــد |
لتنال في الدنيا كيـانا شامــخا | * | ونعيمها يوم الجزاء مــخــلد |
والسلام عليكم أيها الاخوان الاعزاء والابناء الاحباء اولا وآخرا ورحمة الله وبركاته .
____________
(1) سورة فصلت ، الآية : 46 .
(2) سورة الإسراء ، الآية : 7 .
(3) سورة النحل ، الآية : 97 .