كتاب الصلح

البريد الإلكتروني طباعة

مسألة 1191 : إذا كان المال ثابتاً في الذمة فلا شبهة في صحة الكفالة ، و أما إذا لم يكن ثابتاً في الذمة فعلاً، و لكن وجد سببه كالجعل في عقد الجعالة و كالعوض في عقد السبق و الرماية و ما شاكل ذلك ففي صحة


( 368 )

الكفالة البدنية في هذه الموارد إشكال ، نعم يصح فيها الكفالة المالية بمعنى الالتزام بدفع الجعل أو العوض المقرر في السبق مثلاً للمكفول له على تقدير تخلف من عليه الدفع عن ذلك . مسألة 1192 : تصح كفالة كل من يستحق عليه الحضور إلى مجلس الشرع ، بأن تكون عليه دعوى مسموعة و إن لم تقم البينة عليه بالحق ، و لا تصح كفالة من عليه حد أو تعزير . مسألة 1193 : إذا كان الحق حالاً صح إيقاع الكفالة حالة و مؤجلة ، و مع الإطلاق تكون حالة ، و إذا كان الحق مؤجلاً صح إيقاعها مؤجلة فقط ، و يلزم في المؤجلة تعيين الأجل على وجه لا يختلف زيادة و نقصاً . مسألة 1194 : الكفالة عقد لازم لا يجوز فسخه من طرف الكفيل إلا بالإقالة أو بجعل الخيار له . مسألة 1195 : إذا تحققت الكفالة جامعة للشرائط جازت مطالبة المكفول له الكفيل بالمكفول عاجلاً إذا كانت الكفالة حالة ، و بعد الأجل إن كانت مؤجلة ، فإن كان المكفول حاضراً وجب على الكفيل إحضاره ، فإن أحضره و سلمه تسليماً تاماً بحيث يتمكن المكفول له منه فقد برئ مما عليه و إن امتنع عن ذلك كان له رفع أمره إلى الحاكم فيحبسه حتى يحضره ، نعم إذا كان ما عليه من الحق قابلاً للأداء من قبل الغير كالدين فأداه الكفيل أخلي سبيله ، و إن كان غائباً فإن كان موضعه معلوماً و يمكن الكفيل إحضاره أمهل بقدر ذهابه و مجيئه ، فإذا مضى قدر ذلك و لم يأت به من غير عذر حبس كما مر ، و إن كان غائباً غيبة منقطعة لا يعرف موضعه و انقطع خبره و لا يرجى الظفر به لم يكلف الكفيل إحضاره ، و هل يلزم بأداء ما عليه ؟ الأقرب عدمه إلا فيما إذا كان ذلك بتفريط من الكفيل بأن طالبه المكفول له و كان متمكناً منه فلم يحضره حتى هرب .


( 369 )

مسألة 1196 : إذا لم يحضر الكفيل المكفول فأخذ منه المال ، فإن لم تكن الكفالة و لا الأداء بطلب المكفول لم يكن له الرجوع عليه بما أداه ، و إن كان الأداء بطلبه كان له أن يرجع به عليه ، سواء أ كانت الكفالة بطلبه أيضاً أم لا ، و أما إذا كان قد طلب منه الكفالة دون الأداء فهل يرجع عليه أم لا ؟ الظاهر عدم الرجوع و إن كان غير متمكن من إحضاره عند طلب المكفول له ذلك . مسألة 1197 : إذا عين الكفيل في الكفالة مكان التسليم تعين فلا يجب عليه تسليمه في غيره ، و لو طلب ذلك المكفول له لم تجب إجابته ، كما أنه لو سلمه في غير ما عين لم يجب على المكفول له تسلمه ، و في حكم التعيين صريحاً وجود قرينة حالية أو مقالية عليه كقيامها على تعيين بلد المكفول له ، و مع فقدها فإن وجدت قرينة صارفة عن بعض الأمكنة بالخصوص ـ كوجود الموانع الخارجية عادة من إحضاره فيه أو احتياجه إلى مؤونةٍ غير متعارفة ـ كان ذلك في حكم تعيين غيره و لو إجمالاً ، و حينئذ فالظاهر وجوب إحضاره على الكفيل لو طالب به المكفول له في أي مكان غيره . مسألة 1198 : يجب على الكفيل التوسل بكل وسيلة مشروعة لإحضار المكفول ، فإذا احتاج إلى الاستعانة بشخص قاهر و لم تكن فيها مفسدة دينية وجبت الاستعانة به . مسألة 1199 : إذا كان المكفول غائباً و احتاج إحضاره إلى مؤونة فالظاهر أنها على الكفيل إلا إذا كان صرفها بطلب من المكفول . مسألة 1200 : تبرأ ذمة الكفيل بإحضار المكفول أو حضوره و تسليم نفسه تسليماً تاماً ، و كذا تبرأ ذمته لو أخذ المكفول له المكفول طوعاً أو كرهاً بحيث تمكن من استيفاء حقه أو إحضاره مجلس الحكم ، أو أبرأ المكفول


( 370 )

عن الحق الذي عليه أو أبرأ الكفيل من الكفالة . مسألة 1201 : لو نقل المكفول له الحق الذي له على المكفول إلى غيره ببيع أو صلح أو حوالة بطلت الكفالة . مسألة 1202 : إذا مات الكفيل أو المكفول بطلت الكفالة ، بخلاف ما لو مات المكفول له فإنه تكون الكفالة باقية و ينتقل حق المكفول له منها إلى ورثته . مسألة 1203 : من خلى غريماً من يد صاحبه قهراً أو حيلة ضمن إحضاره أو أداء ما عليه من الحق إن كان قابلاً للأداء كالدين ، و لو خلى القاتل عمداً من يد ولي الدم لزمه إحضاره و يحبس لو امتنع عن ذلك ، فإن تعذر الإحضار لموت أو غيره دفع إليه الدية . مسألة 1204 : يكره التعرض للكفالات فعن مولانا الصادق عليه السلام : الكفالة خسارة ، غرامة ، ندامة .


( 371 )

كتاب الصلح


( 372 )


( 373 )

الصلح هو : ( التسالم بين شخصين على تمليك عين أو منفعة أو على إسقاط دين أو حق بعوض مادي أو مجانا ) و لا يشترط كونه مسبوقا بالنزاع ، و يجوز إيقاعه على كل أمر و في كل مقام إلا إذا كان محرما لحلال أو محللا لحرام ، و قد مر المقصود بهما في المسألة ( 172 ) من كتاب التجارة . مسألة 1205 : الصلح عقد مستقل بنفسه و لا يرجع إلى سائر العقود و إن أفاد فائدتها ، فيفيد فائدة البيع إذا كان على عين بعوض و فائدة الهبة إذا كان على عين بلا عوض و فائدة الإجارة إذا كان على منفعة بعوض و فائدة الإبراء إذا كان على إسقاط حق أو دين و هكذا ، فعلى ذلك فلا يلحقه أحكام سائر العقود و لا يجري فيه شروطها و إن أفاد فائدتها ، فما أفاد فائدة البيع لا يلحقه أحكامه و شروطه فلا يجري فيه الخيارات المختصة بالبيع كخياري المجلس و الحيوان ، و لا يشترط فيه قبض العوضين في المجلس إذا تعلق بمعاوضة النقدين ، و ما أفاد فائدة الهبة من تمليك عين بلا عوض لا يعتبر فيه قبض العين كما اعتبر في الهبة و هكذا . مسألة 1206 : لما كان الصلح عقدا من العقود يحتاج إلى الإيجاب و القبول مطلقاً حتى فيما أفاد فائدة الإبراء و إسقاط الحق ، فإبراء المديون من الدين و إسقاط الحق عمن عليه الحق و إن لم يتوقفا على قبول من عليه الدين أو الحق لكن إذا وقعا بعنوان الصلح توقفا على القبول . مسألة 1207 : يتحقق الصلح بكل ما يدل عليه من لفظ أو فعل أو نحو ذلك ، و لا تعتبر فيه صيغة خاصة ، نعم لفظ ( صالحت ) كالصريح في إفادة


( 374 )

هذا المعنى من طرف الموجب فيقول مثلاً : ( صالحتك عن الدار أو منفعتها بكذا أو على كذا ) فيقول المتصالح : ( قبلت المصالحة ) . مسألة 1208 : عقد الصلح لازم في نفسه حتى فيما إذا كان بلا عوض و كانت فائدته فائدة الهبة و لا ينفسخ إلا بتراضي المتصالحين بالفسخ أو بفسخ من جعل له حق الفسخ منهما في ضمن الصلح . مسألة 1209 : لا يجري خيار المجلس ، و لا خيار الحيوان في الصلح كما مر ، و في جريان خيار الغبن فيه إشكال بل الظاهر عدم جريانه في الصلح الواقع في موارد قطع النزاع و الخصومات ، و كذا لا يجري فيه خيار التأخير على النحو المتقدم في البيع ، نعم لو أخر تسليم المصالح به عن الحد المتعارف ، أو اشترط تسليمه نقداً فلم يعمل به فللآخر أن يفسخ المصالحة ، و أما بقية الخيارات التي سبق ذكرها في البيع فهي تجري في الصلح أيضاً . مسألة 1210 : لو ظهر العيب في المصالح به جاز الفسخ ، و أما أخذ التفاوت بين قيمتي الصحيح و المعيب ففيه إشكال . مسألة 1211 : متعلق الصلح أما عين أو منفعة أو دين أو حق ، و على التقادير أما أن يكون مع العوض أو بدونه ، و على الأول أما أن يكون العوض عيناً أو منفعة أو ديناً أو حقاً ، فهذه عشرون صورة كلها صحيحة ، فيصح الصلح عن عين بعين و منفعة و دين و حق و بلا عوض و عن منفعة بمنفعة و عين و دين و حق و بلا عوض و هكذا . مسألة 1212 : إذا تعلق الصلح بعين أو منفعة أفاد انتقالهما إلى المتصالح ، سواء أ كان مع العوض أم بدونه ، و كذا إذا تعلق بدين للمصالح على ثالث أو حق قابل للانتقال كحقي التحجير و الاختصاص و حق الأولوية لمن بيده الأرض الخراجية ، و إذا تعلق بدين على المتصالح أفاد سقوطه ، و كذا الحال إذا تعلق بحق قابل للإسقاط و غير قابل للنقل و الانتقال كحق


( 375 )

الشفعة و نحوه ، و أما مالا يقبل الانتقال و لا الإسقاط فلا يصح الصلح عليه . مسألة 1213 : يصح الصلح على مجرد الانتفاع بعين ، كأن يصالح شخصاً على أن يسكن داره أو يلبس ثوبه في مدة ، أو على أن يكون جذوع سقفه على حائطه ، أو يجري ماءه على سطح داره ، أو يكون ميزابه على عرصة داره ، أو يكون له الممر و المخرج من داره أو بستانه ، أو على أن يخرج جناحاً في فضاء ملكه ، أو على أن يكون أغصان أشجاره في فضاء أرضه ، و غير ذلك ، و لا فرق فيه بين أن يكون بلا عوض أو معه . مسألة 1214 : يعتبر في المتصالحين : البلوغ ، و العقل ، و الاختيار ، و القصد ، كما يعتبر فيمن تقتضي المصالحة أن يتصرف في ماله من الطرفين أن لا يكون محجوراً عليه من ذلك لسفه أو فلس . مسألة 1215 : يجري الفضولي في الصلح ـ كما يجري في البيع و نحوه ـ حتى فيما إذا تعلق بإسقاط دين أو حق و أفاد فائدة الإبراء و الإسقاط اللذين لا تجري فيهما الفضولية . مسألة 1216 : يجوز الصلح على ثمار و خضر و زرع العام الواحد قبل ظهورها من دون ضميمة و إن كان لا يجوز ذلك في البيع على ما مر . مسألة 1217 : لا يعتبر في الصلح العلم بالمصالح به فإذا اختلط مال أحد الشخصين بمال الآخر جاز لهما أن يتصالحا على الشركة بالتساوي أو بالاختلاف كما يجوز لأحدهما أن يصالح الآخر بمال خارجي معين ، و لا يفرق في ذلك بين ما إذا كان التمييز بين المالين متعذراً و ما إذا لم يكن متعذراً . مسألة 1218 : لو علم المديون بمقدار الدين و لم يعلم به الدائن و صالحه بأقل مما يستحقه لم تبرأ ذمته عن المقدار الزائد ، إلا أن يعلم رضا الدائن بالمصالحة حتى لو علم بمقدار الدين أيضاً ، و هكذا لو لم يعلم


( 376 )

بمقدار الدين تحديداً و لكنه علم إجمالاً زيادته على المقدار المصالح به فإنه لا تبرأ ذمته عن المقدار الزائد إلا في الحالة المذكورة ، و يجري نظير هذا الكلام في العين أيضاً . مسألة 1219 : إذا كان شخصان لكل منهما مال في يد الآخر أو على ذمته و علمت زيادة أحدهما على الآخر ، فإن كان المالان بحيث لا يجوز بيع أحدهما بالآخر لاستلزامه الربا لم يجز التصالح على المبادلة بينهما أيضاً ، لأن حرمة الربا تعم الصلح على هذا النحو على الأظهر ، و هكذا الحكم في صورة احتمال الزيادة و عدم العلم بها على الأحوط ، و يمكن الاستغناء عن الصلح على المبادلة بين المالين بالصلح على نحو آخر بأن يقول أحدهما لصاحبه في الفرض الأول : ( صالحتك على أن تهب لي ما في يدي و أهب لك ما في يدك ) فيقبل الآخر ، و يقول في الفرض الثاني : ( صالحتك على أن تبرأني مما لك في ذمتي و أبرأك مما لي في ذمتك ) فيقبل الآخر . مسألة 1220 : لا بأس بالمصالحة على مبادلة دينين على شخص واحد أو على شخصين فيما إذا لم يستلزم الربا على ما مر في المسألة السابقة ، مثلاً إذا كان أحد الدينين الحالين من الحنطة الجيدة و الآخر من الحنطة الرديئة و كانا متساويين في المقدار جاز التصالح على مبادلة أحدهما بالآخر ، و مع فرض زيادة أحدهما ـ في المثال ـ لا تجوز المصالحة على المبادلة بينهما على الأظهر . مسألة 1221 : يصح الصلح في الدين المؤجل بأقل منه إذا كان الغرض إبراء ذمة المديون من بعض الدين و أخذ الباقي منه نقداً ، هذا فيما إذا كان الدين من جنس الذهب أو الفضة أو غيرهما من المكيل أو الموزون ، و أما في غير ذلك فيجوز الصلح و البيع بالأقل نقداً من المديون و غيره ، و عليه فيجوز للدائن تنزيل ( الكمبيالة ) في المصرف و غيره في عصرنا الحاضر على


( 377 )

ما مر في المسألة ( 234 ) . مسألة 1222 : يجوز للمتنازعين في دين أو عين أو منفعة أن يتصالحا بشيء من المدعى به أو بشيء آخر حتى مع إنكار المدعى عليه ، و يسقط بهذا الصلح حق الدعوى ، و كذا يسقط حق اليمين الذي كان للمدعي على المنكر ، فليس للمدعي بعد ذلك تجديد المرافعة ، و لكن هذا قطع للنزاع ظاهراً و لا يحل به لغير المحق ما يأخذه بالصلح ، و ذلك مثل ما إذا ادعى شخص على آخر ديناً فأنكره ثم تصالحا على النصف فهذا الصلح و إن أثر في سقوط الدعوى ، و لكن المدعي لو كان محقاً فقد وصل إليه نصف حقه و يبقى نصفه الآخر في ذمة المنكر و إن لم يكن عليه إثم إن كان معذوراً في اعتقاده ، نعم لو فرض رضا المدعي باطناً بالصلح عن جميع ماله في الواقع فقد سقط حقه ، و لو كان المدعي مبطلاً في الواقع حرم عليه ما أخذه من المنكر إلا مع فرض طيب نفسه واقعاً بأن يكون للمدعي ما صالح به لا أنه رضي به تخلصاً من دعواه الكاذبة . مسألة 1223 : لو قال المدعى عليه للمدعي ( صالحني ) لم يكن ذلك منه إقراراً بالحق ، لما عرفت من أن الصلح يصح مع الإقرار و الإنكار ، و أما لو قال ( بعني ) أو ( ملكني ) كان إقراراً . مسألة 1224 : يجوز أن يصطلح الشريكان بعد انتهاء الشركة على أن يكون لأحدهما رأس المال و الربح للآخر و الخسران عليه . مسألة 1225 : لو تصالح مع الراعي بأن يسلم نعاجه إليه ليرعاها سنة مثلاً بإزاء لبنها ، و اشترط عليه أن يعطي له مقداراً معيناً من الدهن صحت المصالحة ، بل لو آجر نعاجه من الراعي سنة على أن يستفيد من لبنها بعوض مقدار معين من الدهن غير المقيد بالدهن المأخوذ منها صحت الإجارة أيضاً .


( 378 )

مسألة 1226 : إذا كان لواحدٍ ثوب اشتراه بعشرين درهماً و لآخر ثوب اشتراه بثلاثين و اشتبها ، و لم يميز كل منهما ماله عن مال صاحبه ، فإن خير أحدهما صاحبه فلا إشكال ، فكل ما اختاره يحل له و يحل الآخر لصاحبه ، و أما مع عدمه فإن توافقا على بيعهما بيعا و قسم الثمن بينهما بنسبة رأس مالهما فيعطي صاحب العشرين في المثال سهمين من خمسة و الآخر ثلاثة أسهم منها ، و لو تعاسرا في البيع و لو من جهة كون مقصود أحدهما أو كليهما نفس المال لا ثمنه فلابد من القرعة . مسألة 1227 : لو اشترط في عقد الصلح وقف المال المصالح به على جهة خاصة ترجع إلى المصالح نفسه أو إلى غيره أو جهة عامة في حياة المصالح أو بعد وفاته صح ، و لزم الوفاء بالشرط . مسألة 1228 : إذا كان شخصان لكل منهما مال فاختلطا ثم تلف البعض من المجموع ، فإن كان الاختلاط على نحو يوجب الشركة بينهما في الخليط حسب التالف عليهما بنسبة المالين ، و إن لم يكن يوجب الشركة فيه ـ سواء أ كانا مثليين أو قيميين ـ فإن تساوى المالان في المقدار حسب التالف عليهما و قسم الباقي بينهما نصفين ، و أما مع الاختلاف فيه فإن كان احتمال وقوع التلف ممن ماله أقل ضعيفاً يوثق بخلافه حكم بوقوعه في مال الآخر ، كما إذا كان المجموع عشرة آلاف درهم ، لأحدهما درهم أو درهمان و البقية للآخر و كان التالف درهماً أو درهمين أيضاً فإن احتمال كون التالف ممن ماله أقل واحد من عشرة آلاف أو خمسة آلاف و هو احتمال ضعيف لا يعبأ به العقلاء . و أما إذا لم يكن كذلك فالأقوى احتساب التالف عليهما بنسبة ماليهما فلو كان المجموع عشرة لأحدهما درهم واحد و للآخر تسعة دراهم و كان التالف درهماً واحداً أعطي لصاحب الواحد تسعة أعشار الدرهم و لصاحب


( 379 )

التسعة ثمانية دراهم و عشر الدرهم ، و لو كان التالف في المثال خمسة أعطى لصاحب الدرهم نصف درهم و لصاحب التسعة أربعة دراهم و نصف و هكذا .

كتاب الإقرار


( 382 )


( 383 )

الإقرار هو : ( إخبار الشخص عن حق ثابت عليه أو نفي حق له سواء أ كان من حقوق الله تعالى أم من حقوق الناس ) . مسألة 1229 : لا يعتبر في الإقرار لفظ خاص فيكفي كل لفظ مفهم له عرفاً ، بل لا يعتبر أن يكون باللفظ فتكفي الإشارة المفهمة له أيضاً . مسألة 1230 : يعتبر في الإقرار الجزم بمعنى عدم اشتمال الكلام على الشك و الترديد ، فلو قال أظن أو احتمل أنك تطلبني كذا لم يكن إقراراً . مسألة 1231 : يعتبر في الإخبار الذي يعد بلحاظ نفسه أو لوازمه إقراراً أن يكون واضحاً في مدلوله أما على نحو الصراحة أو الظهور ، فلا عبرة بالكلام المجمل و إن كان إجماله طارئاً ناشئاً من اقترانه ببعض الخصوصيات التي تمنع من انعقاد الظهور له عند أهل المحاورة . مسألة 1232 : لا يعتبر في تحقق الإقرار دلالة الكلام عليه بأحد طرق الدلالة اللفظية ( المطابقة و التضمن و الالتزام ) و لا كونه مقصوداً بالإفادة فيؤخذ المتكلم بلازم كلامه و إن لم ينعقد له ظهور فيه ـ بعد أن كان ظاهراً في ملزومه ـ بل و حتى مع جهل المقر بالملازمة أو غفلته عنها ، فإذا نفى الأسباب الشرعية لانتقال مال إليه واحداً بعد واحد كان ذلك إقراراً منه بعدم مالكيته له فيلزم به . مسألة 1233 : يعتبر في المقر به أن يكون مما لو كان المقر صادقاً في إخباره لأمكن إلزامه به شرعاً و ذلك بأن يكون المقر به مالاً في ذمته أو عيناً خارجية أو عملاً أو حقاً كحق الخيار و الشفعة و حق الاستطراق في ملكه أو إجراء الماء في نهره أو نصب ميزاب على سطح داره أو يكون فعلاً مستوجباً


( 384 )

للحد شرعاً كالزنا و شرب الخمر و ما شاكل ذلك ، و أما إذا أقر بما لا يمكن إلزامه به شرعاً فلا أثر له ، فإذا أقر بأن عليه لزيد شيئاً من ثمن خنزير و نحو ذلك لم ينفذ إقراره . مسألة 1234 : إنما ينفذ الإقرار بالنسبة إلى المقر و يمضي عليه فيما يكون ضرراً عليه لا فيما يكون ضرراً على غيره و لا فيما يكون فيه نفع المقر إذا لم يصدقه الغير ، فإذا أقر بزوجية امرأة و لم تصدقه نفذ إقراره بالنسبة إلى حرمة تزويجه من أمها مثلاً لا بالنسبة إلى وجوب تمكينها منه . مسألة 1235 : يصح الإقرار بالمجهول و المبهم و يقبل من المقر ، و للمقر له أن يلزمه بالتفسير و البيان و رفع الإبهام ، و يقبل منه ما فسره به و يلزم به لو طابق التفسير مع المبهم بحسب العرف و اللغة و أمكن بحسبهما أن يكون مرادا منه ، فلو قال : ( لك عليّ شيء ) فله إلزامه بالتفسير ، فإذا فسره بأي شيء يصح أن يكون في ذمة المقر للمقر له يقبل منه و إن لم يكن متمولاً كحبة من حنطة و مثلها الخمر و الخنزير إذا كان الطرفان ذميين ، و أما لو قال : ( لك عليّ مال ) لم يقبل منه إلا إذا كان ما فسره به من الأموال و إن كانت ماليته قليلة لا مثل حفنة من التراب . مسألة 1236 : إذا أقر بنقد أو وزن أو كيل يرجع في تعيينه إلى القرائن إن وجدت و مع الإبهام يرجع إلى تفسيره و تعيينه فإذا اتحد بلد الإقرار و المقر و المقر له حمل على المتعارف فيه و إن تعدد البلد أو تعدد المتعارف في البلد الواحد و لم توجد قرينة على التعيين يرجع إلى تفسير المقر . مسألة 1237 : لو أقر بشيء و أنكره المقر له ، فإن كان المقر به ديناً على ذمة المقر فلا أثر للإقرار و لا يطالب المقر بشيء ، و إن كان عيناً خارجية قيل أن للحاكم انتزاعها من يده و لكن الأظهر عدمه . هذا بحسب الظاهر و أما بحسب الواقع فعلى المقر بينه و بين الله تفريغ


( 385 )

ذمته من الدين و تخليص نفسه من العين بالإيصال إلى المالك و إن كان بدسه في أمواله ، و لو رجع المقر له عن إنكاره فله إلزام المقر بالدفع إليه لو كان باقيا على إقراره . مسألة 1238 : لو أبهم المقر به و ادعى عدم معرفته به حتى يعينه فإن صدقه المقر له في ذلك و قال أنا أيضاً لا أدري فلا محيص عن الصلح إن أمكن و إلا فالقرعة ، و إن ادعى المعرفة و عينه فإن صدقه المقر فذاك و إلا فله أن يطالبه بالبينة ، و مع عدمها فله أن يحلفه ، و إن نكل أو لم يمكن إحلافه يكون الحال كما لو جهلا معا فلا محيص عن الصلح و إن لم يمكن فالقرعة . مسألة 1239 : كما لا يضر الإبهام و الجهالة في المقر به لا يضران في المقر له ، فلو قال : ( هذه الدار التي بيدي لأحد هذين ) يقبل و لهما إلزامه بالتعيين ، فمن عينه يقبل و يكون هو المقر له ، فإن صدقه الآخر فذاك و إلا تقع المخاصمة بينه و بين من عينه المقر ، و لو ادعى عدم المعرفة و صدقاه في ذلك سقط عنه لزوم التعيين ، و لو ادعيا أو أحدهما عليه العلم كان القول قوله بيمينه ما لم يكن مخالفاً للظاهر كما مر في نظائره . مسألة 1240 : لو أقر بالمظروف لم يدخل الظرف . مسألة 1241 : لو أقر بالدين المؤجل ثبت المؤجل و لم يستحق المقر له المطالبة به قبل الأجل ، و لو أقر بالمردد بين الأقل و الأكثر ثبت الأقل . مسألة 1242 : يعتبر في المقر البلوغ و العقل و القصد و الاختيار ، فلا ينفذ إقرار الصبي و المجنون و السكران و كذا الهازل و الساهي و الغافل و كذا المكره ، نعم لا يبعد صحة إقرار الصبي إذا تعلق بما يحق له أن يفعله كبيع الأشياء اليسيرة كما مر في المسألة ( 62 ) . مسألة 1243 : السفيه إن أقر بمال في ذمته أو تحت يده لم يقبل و يقبل فيما عدا المال كالطلاق و الخلع و نحوهما ، و إن أقر بأمر مشتمل على مال


( 386 )

و غيره كالسرقة لم يقبل بالنسبة إلى المال و قبل بالنسبة إلى غيره ، فيحد إذا أقر بالسرقة و لا يلزم بأداء المال . مسألة 1244 : لا ينفذ إقرار المفلس فيما يتعلق بماله الذي حجر عليه و ينفذ فيما عداه كدار سكناه و أثاث بيته و نحوهما ، و كذا ينفذ إقراره في الدين سابقاً و لاحقاً و لكن لا يشارك المقر له الغرماء كما مر في كتاب الحجر . مسألة 1245 : ينفذ إقرار المريض كالصحيح إلا إذا كان في مرض الموت مع التهمة ، فلا ينفذ إقراره فيما زاد على الثلث سواء أقر لوارث أو أجنبي كما مر في كتاب الحجر . مسألة 1246 : إذا ادعى الصبي البلوغ ، فإن ادعاه بالإثبات اختبر و لا يثبت بمجرد دعواه ، و كذا إن ادعاه بالسن فإنه يطالب بالبينة ، و أما لو ادعاه بالاحتلام في الحد الذي يمكن وقوعه فثبوته بقوله بلا يمين بل مع اليمين محل إشكال . مسألة 1247 : يعتبر في المقر له أن يكون له أهلية الاستحقاق ، فلو أقر بدين لدابة مثلاً لغى ، نعم لو أقر لمسجد أو مشهد أو مقبرة أو رباط أو مدرسة و نحوها بمال فالظاهر قبوله و صحته ، حيث أن المقصود من ذلك في المتعارف اشتغال ذمته ببعض ما يتعلق بها من غلة موقوفاتها أو المنذور أو الموصى به لمصالحها و نحوها . مسألة 1248 : إذا أقر بشيء ثم عقبه بما يضاده و ينافيه يؤخذ بإقراره و يلغى ما ينافيه ، فلو قال : ( له عليّ عشرة لا بل تسعة يلزم بالعشرة ) ، و لو قال : ( له عليّ كذا و هو من ثمن الخمر أو بسبب القمار ) يلزم بالمال و لا يسمع منه ما عقبه ، و كذا لو قال : ( له عندي وديعة و قد هلكت ) ، فإن إخباره بتلف الوديعة و هلاكها ينافي قوله : ( له عندي ) الظاهر في وجودها عنده ، نعم لو قال ( كانت له عندي وديعة و قد هلكت ) فهو بحسب الظاهر إقرار بالإيداع عنده سابقا و لا


( 387 )

تنافي بينه و بين طرو الهلاك عليها ، لكن هذا دعوى منه لابد من فصلها على الموازين الشرعية . مسألة 1249 : ليس الاستثناء من التعقيب بالمنافي ، بل يكون المقر به ما بقي بعد الاستثناء إن كان الاستثناء من المثبت و نفس المستثنى إن كان الاستثناء من المنفي. فلو قال له عليّ عشرة إلا درهما أو هذه الدار التي بيدي لزيد إلا الغرفة الفلانية كان إقراراً بالتسعة و بالدار ما عدا الغرفة ، و لو قال ما له عليّ شيء إلا درهم أو ليس له من هذه الدار إلا الغرفة الفلانية كان إقراراً بدرهم و الغرفة ، هذا إذا كان الإخبار بالإثبات أو النفي متعلقاً بحق الغير عليه ، و أما لو كان متعلقاً بحقه على الغير كان الأمر بالعكس ، فلو قال لي عليك عشرة إلا درهماً أو لي هذه الدار إلا الغرفة الفلانية كان إقراراً بالنسبة إلى نفي حقه عن الدرهم الزائد على التسعة و نفي ملكية الغرفة ، فلو ادعى بعد ذلك استحقاقه تمام العشرة أو تمام الدار حتى الغرفة لم يسمع منه ، و لو قال ليس لي عليك إلا درهم أو ليس لي من هذه الدار إلا الغرفة الفلانية كان إقراراً منه بنفي استحقاق ما عدا الدرهم و ما عدا الغرفة . مسألة 1250 : لو أقر بعين لشخص ثم أقر بها لشخص آخر ـ كما إذا قال هذه الدار لزيد ثم قال بل لعمرو ـ حكم بكونها للأول و أعطيت له و أغرم للثاني قيمتها . مسألة 1251 : لو ادعى البائع إن إقراره بقبض الثمن كان مواطأة للإشهاد عليه عند الحاكم لغرض تصديقه وثيقة البيع مثلاً وأنه لم يقبض الثمن في الواقع كان عليه إقامة البينة على دعواه أو إحلاف المشتري على إقباض الثمن . مسألة 1252 : إذا أقر بولد أو أخ أو أخت أو غير ذلك نفذ إقراره مع احتمال صدقه فيما عليه من وجوب إنفاق أو حرمة نكاح أو مشاركة في إرث


( 388 )

و نحو ذلك ، و أما بالنسبة إلى غير ذلك مما عليه من الأحكام ففيه تفصيل ، فإن كان الإقرار بالولد فيثبت النسب بإقراره مع احتمال صدقه عادة و شرعاً و عدم المنازع إذا كان الولد صغيراً و كان تحت يده ، و لا يشترط فيه تصديق الصغير ، و لا يلتفت إلى إنكاره بعد بلوغه و يثبت بذلك النسب بينهما و كذا بين أولادهما و سائر الطبقات على إشكال لا يترك معه مراعاة الاحتياط ، و أما في غير الولد الصغير فلا أثر للإقرار إلا مع تصديق الآخر فإن لم يصدقه الآخر لم يثبت النسب و إن صدقه ـ و لا وارث غيرهما ـ توارثا ، و في ثبوت التوارث مع الوارث الآخر إن لم يكن مقراً إشكال و الاحتياط لا يترك و كذلك في تعدي التوارث إلى غيرهما ، و لا يترك الاحتياط أيضاً فيما لو أقر بولد أو غيره ثم نفاه بعد ذلك .